المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت فسئل البينة فقال جحدنيها - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٧

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ)

- ‌[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ

- ‌ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ

- ‌ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ

- ‌(بَابُ التَّحْكِيمِ)

- ‌[شَرْطُ التَّحْكِيم]

- ‌[حُكْمُ المحكم لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ

- ‌ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ

- ‌ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ

- ‌ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌[سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]

- ‌[شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ]

- ‌[شَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ الشَّهَادَة]

- ‌[وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ الشَّهَادَةُ]

- ‌لَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا)

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌[فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ]

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)

- ‌[شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ]

- ‌[شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌[صِيغَة الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّهَادَة]

- ‌[لَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ

- ‌[شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا]

- ‌[شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شَرَائِطِ الْوَكَالَةُ]

- ‌[حُكْمِ الْوَكَالَة]

- ‌[صِفَة الْوَكَالَةِ]

- ‌ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ)

- ‌[مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ]

- ‌[تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ]

- ‌ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ)

- ‌ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[افْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ يُبْطِل الْوَكَالَة]

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى

- ‌(بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ)

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌(بَابُ إقْرَارِ) (الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ ادَّعَى أَرْضًا أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ]

- ‌(بَابُ " الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ]

- ‌[طَلَبَ الْوَدِيعَة رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[هَلَكَتْ الْعَارِيَّة بِلَا تَعَدٍّ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[مُؤْنَةُ رد الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ]

- ‌[هِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ]

- ‌[قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِبَة]

- ‌[الرُّقْبَى]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[لِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ]

- ‌[اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]

- ‌[الزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

الفصل: ‌ ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت فسئل البينة فقال جحدنيها

عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَارًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ حَائِطًا هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ حَمَّامٌ بَيْنَهُمَا انْهَدَمَ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَرَمَّةِ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ شَرِيكِهِ وَلَكِنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَبْنِيَ ثُمَّ يُؤَجِّرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ غَلَّتِهِ نَفَقَتَهُ فَكَذَا فِي تَحْوِيلِ آبَارِ الْقَنَاةِ أَوْ أَنْهَارِ آبَارِهَا أَمَّا لَوْ احْتَاجَتْ الْقَنَاةُ إلَى مَرَمَّةٍ مِنْ رَفْعِ طِينٍ وَفَتْحِ سُدَدٍ وَعُيُونٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَةِ شَرِيكِهِ اهـ.

فَلَا جَبْرَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِي الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالدُّولَابِ وَنَحْوِهِ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَفِي حَائِطٍ سَاتِرٍ لَا بِنَاءَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ تَفَتُّتُهُ يُفْتَى بِالْجَبْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْهَا دُونَ السِّتْرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبِنَاءِ. اهـ.

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ فَإِنْ كَانَ مَالَ الْيَتِيمِ فَقَالَ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ جِدَارٌ بَيْنَ دَارَيْ صَغِيرَيْنِ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ يُخَافُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ صَغِيرٍ وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ مَرَمَّةَ الْجِدَارِ فَأَبَى الْآخَرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَبْعَثُ الْقَاضِي أَمِينًا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا يُجْبَرُ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَإِبَاءِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَمَّ الْآبِي رَضِيَ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ أَمَّا هَاهُنَا فَأَرَادَ الْوَصِيُّ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَرُمَّ مَعَ صَاحِبِهِ اهـ.

قُلْت: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ كَمَالِ الْيَتِيمِ فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ وَقْفَيْنِ احْتَاجَتْ إلَى الْمَرَمَّةِ فَأَرَادَ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْمِيرِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَقَدْ صَارَ حَادِثَةَ الْفَتْوَى وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الشَّرِيكِ فَلِطَالِبِ الْمَرَمَّةِ الْإِنْفَاقُ وَالتَّعْمِيرُ وَيَرْجِعُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِأَنْ كَانَتْ دَارًا صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أَوْ حَمَّامًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ عَرِيضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا كَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ عَرْصَتِهَا وَالْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ فَلَا رُجُوعَ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ ضَابِطًا فَقَالَ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ مِثْلُ كَرْيِ الْأَنْهَارِ وَإِصْلَاحِ السَّفِينَةِ الْمَعِيبَةِ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ. اهـ.

وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَرْجِعْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ مُضْطَرًّا وَقَدَّمْنَا كَيْفِيَّةَ الرُّجُوعِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ مَسَائِلِ الْحِيطَانِ فِي الدَّعْوَى وَالْقِسْمَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَفِي دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ انْهَدَمَ فَبَنَى أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهَا جُذُوعٌ وَلَا لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا جُذُوعٌ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ وَضْعِ الْجُذُوعِ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِي الْجِدَارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ‌

‌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا

فَاشْتَرَيْتُهَا وَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ) لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ وَمُرَادُهُمْ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا ادَّعَى الشِّرَاءَ سَابِقًا عَلَى الْهِبَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إذْ الشِّرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ وَفِي قَوْلِهِ جَحَدَنِي الْهِبَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ مِنْهُ وَمِنْ شُهُودِهِ أَوْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ لِدَفْعِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ يَكْفِي وَذَكَرَ بَكْرٌ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَيْضًا أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِهِ قَالَ بَكْرٌ وَمُحَمَّدٌ ذَكَرَ التَّوْفِيقَ فِي الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَعْضِ فَيُحْمَلُ السُّكُوتُ عَلَى الْمَذْكُورِ.

وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ وَاخْتَارَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنْ مِنْ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَإِنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْفِي الْإِمْكَانُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وُجُودُهُ وَالظَّاهِرُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْ غَلَّتِهِ إلَخْ) أَيْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ ضَابِطًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ حَاصِلُهُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَأَمَّا أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ فَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ فَأَنْفَقَ بِدُونِ أَمْرِ الْآخَرِ يَرْجِعُ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ضَابِطِ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ أَصْلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالْإِصْلَاحِ فَصَارَ مُضْطَرًّا.

[ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا]

(قَوْلُهُ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ كِفَايَةُ الْإِمْكَانِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَعَدَّدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَوْ اتَّحَدَ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ الرَّابِعُ كِفَايَةُ الْإِمْكَانِ إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وُجُوهُهُ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَكْرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي

ص: 34

حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُدَّعِي مُسْتَحِقٌّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيُقَالُ أَيْضًا إنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوهِ لَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَإِنْ اتَّحَدَ يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَالتَّنَاقُضُ كَمَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِرُجُوعِ الْمُتَنَاقِضِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْته وَادَّعَى بِكَذَا وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى بِالْحُكْمِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ مُشْتَرٍ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِبُرْهَانِ الْمُسْتَحِقِّ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ كَوْنَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي فَقَطْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وَمِنْ التَّنَاقُضِ مَا إذَا ادَّعَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ بِسَبَبٍ فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ مُطْلَقًا ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ ثَالِثًا تُسْمَعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ إذَا تَرَكَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَأَعَادَ دَعْوَى الثَّانِي تُقْبَلُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ كَمَا يَكُونُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ كَمُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ حُكْمًا كَوَارِثٍ وَمُوَرِّثٍ وَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ وَالْأُولَى فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ الْآنَ الثَّانِيَةَ صَرِيحًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْأُولَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلَا بُدَّ فِي دَعْوَاهَا مِنْ ذِكْرِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا مِنْهُ وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ اخْتِلَافًا فِي الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ أَيَكُونُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ كَقَبُولٍ فِيهَا وَالْأَصَحُّ لَا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنْ وَفَّقَ فَقَالَ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ ثُمَّ وَهَبَهَا مِنِّي أَوْ تَصَدَّقَ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَاهَا إرْثًا ثُمَّ قَالَ جَحَدَنِي فَاشْتَرِيهَا وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِذِكْرِ التَّارِيخِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى مَسَائِلَ مِنْ التَّنَاقُضِ إحْدَاهَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَبِرُجُوعِ الْمُتَنَاقِضِ عَنْ الْأَوَّلِ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا أَوَائِلَ كِتَابِ الدَّعْوَى فِي نَوْعٍ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْبَزَّازِيَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَوْعٍ فِي الدَّفْعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِالْمُطْلَقِ لَا يُسْمَعُ وَلَا تُقْبَلُ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ الْأُولَى حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْت بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ يُسْمَعُ كَمَا مَرَّ إنْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ اهـ.

مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ رُبَّمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى غَرِيمِهِ وَحَلَّفَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَى خَالِدٍ وَزَعَمَ أَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى زَيْدٍ كَانَ ظَنًّا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاحِدَ كَمَا لَا يُسْتَوْفَى مِنْ اثْنَيْنِ لَا يُخَاصَمُ مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّ دَعْوَاهُ عَلَى زَيْدٍ كَانَ ظَنًّا فَقَدْ ارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَأَقُولُ: قَدْ كَتَبْت فَرْقًا فِي حَاشِيَتِي عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَيْنَ فَرْعِ الْبَزَّازِيِّ وَفَرْعٍ ذَكَرَهُ فَرَاجِعْهُ وَيُفَرَّقُ هَاهُنَا بِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ امْتَنَعَ ارْتِفَاعُ التَّنَاقُضِ لِتَعَلُّقِهِ بِاثْنَيْنِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ امْتِنَاعِ مُخَاصَمَةِ الِاثْنَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْوَاحِدِ وَهُوَ مَحَلُّ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ تَرْجِيحِهِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ اهـ.

وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَاَلَّذِي شَرَطَ كَوْنَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ اهـ.

قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا وَالْجَوَابُ يُسْتَحَقُّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَإِذَا أَقَرَّ فِي غَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي لِكَوْنِ لَفْظِ الْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَلَامَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي.

ص: 35

تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ.

وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ أَوَّلًا ثُمَّ الشِّرَاءَ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِهِ وَمِنْهُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ بِالْإِرْثِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ أَوْ لَمْ يَزِدْ قَطُّ لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ وَبَطَلَ الْقَضَاءُ وَمِنْهَا ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْوَقْفَ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّتُهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهَا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبُيُوعِ وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ مَسَائِلِ الْهِدَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةً قَبْلَ هَذِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهَا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَرَّرَهَا فِي الْهِدَايَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَ فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا وَمَا يُضَاهِيهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَقِلُّ بِفَسْخِهِ وَفِي إقْرَارِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِذِي الْيَدِ أَنَا بِعْتُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَوَصَلَ الْكَلَامَ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الْمُقِرُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّ الدَّارَ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ ادَّعَاهُ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا ذُكِرَ لَهُ سَبَبٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ السَّبَبُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ مَوْصُولًا وَإِلَّا لَا أَشَارَ بِحِلِّ وَطْءِ الْبَائِعِ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ لِاحْتِمَالِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ.

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهَا فَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْقَلْبِ وَقِيلَ يَشْهَدُ بِلِسَانِهِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَلَا يُكْتَفَى بِالْقَلْبِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِرَانِ بِالْفِعْلِ بِإِمْسَاكِهَا وَنَقْلِهَا وَاسْتِخْدَامِهَا فَإِنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ إذَا فَسَخَ بِقَلْبِهِ لَا يَنْفَسِخُ وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنْكَرَ الْبَيْعَ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَا يُقْبَلُ وَفِي النِّكَاحِ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْإِنْكَارِ وَالنِّكَاحِ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى تَزْوِيجًا عَلَى أَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَلْفَيْنِ قُبِلَتْ وَلَا يَكُونُ إنْكَارُهَا تَكْذِيبًا لِلشُّهُودِ وَفِي الْبَيْعِ لَا تُقْبَلُ وَيَكُونُ تَكْذِيبًا لِلشُّهُودِ. اهـ.

وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَحَلَفَ عِنْدَهُمَا أَوْ لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَهُ لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا فَيَحْتَاجُ الْقَاضِي بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا أَوْ يَقُولَ الْخَصْمُ إنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَحَلَفَ وَعَزَمَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدَّمْنَا فِي النِّكَاحِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فِي صُوَرٍ بَعْدَ التَّمَامِ وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِهِمَا وَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي مِيرَاثَهُ لَهَا الْمِيرَاثُ كَعَكْسِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِ وَلِذَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إنْكَارَ النِّكَاحِ كَمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى بِخِلَافِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ إنْ نَوَى عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمِيرَاثِ اهـ.

فَجُحُودُ الطَّلَاقِ لَا يَرْفَعُهُ وَفِيهَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْبَيْعِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسْخَهُ تُسْمَعُ وَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا؛ لِأَنَّ جُحُودَ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ)

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 36

؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الزُّيُوفِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا وَلَكِنْ عَبَّرَ بِثُمَّ لِيُفِيدَ أَنَّ الْبَيَانَ مَفْصُولٌ لِيُعْلَمَ حُكْمُ الْمَوْصُولِ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالزُّيُوفِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَيَّنَ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَلِذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا إنْ كَانَ مَفْصُولًا وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَوْصُولًا صَحِيحٌ فِي الْكُلِّ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمَفْصُولِ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى لَمْ يُصَدَّقْ لِلتَّنَاقُضِ وَقَيَّدَ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ ثُمَّ ادَّعَى عَيْبًا بِهِ فَالْقَوْلُ لِبَائِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً فَبِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ صَارَ مُتَنَاقِضًا وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى قَبْضِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا وَفِيهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِلَّا صُدِّقَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ فَصَحَّ مَوْصُولًا كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ جِيَادٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا قَالَ إلَّا إنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ إلَّا دِينَارًا كَانَ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ كَالْإِقْرَارِ بِقَبْضِ حَقِّهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ وَزْنِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالدَّعْوَى وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْصُولًا وَكَذَا الدَّنَانِيرُ وَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ يَتَعَارَفُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ بَيْنَهُمْ صُدِّقَ اهـ.

وَالزُّيُوفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقَةُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا غَلَبَ غِشُّهَا فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ وَأَطْلَقَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ دَيْنًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَأْسُ الْمَالِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ تُقْبَلْ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَوْ الْغَصْبِ ثُمَّ زَعَمَ الْوَارِثُ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا مِنْ الرَّهْنِ قَضَى دَيْنَهُ وَبَعْضُهُ زُيُوفٌ وَسَتُّوقَةٌ فَرَهَنَ شَيْئًا بِالسَّتُّوقَةِ وَالزُّيُوفِ وَقَالَ خُذْهُ رَهْنًا بِمَا فِيهِ مِنْ زُيُوفٍ وَسَتُّوقٍ صَحَّ فِي حَقِّ السَّتُّوقِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْجِنْسِ وَلَا يَصِحُّ فِي الزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجِنْسِ فَلَا دَيْنَ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ ادَّعَى مَوْصُولًا أَنَّهَا زَيْفٌ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قِيلَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَجِبُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا عَلَى الْبَعْضِ فَلَا تَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْت أَلْفًا أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْقَرْضَ كَالْغَصْبِ وَلَوْ قَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ إلَّا أَنَّهَا رَصَاصٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ صُدِّقَ إذَا وَصَلَ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ إلَّا أَنَّهُ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا كَدَعْوَى الرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْبُرِّ بِدُونِ ذِكْرِ الصِّفَةِ أَقَرَّ بِقَرْضِ عَشَرَةِ أَفْلُسٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ وَصَلَ وَقَالَا يُصَدَّقُ فِي الْقَرْضِ إذَا وَصَلَ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا يُصَدَّقُ عِنْدَ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سَتُّوقَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْته عَشَرَةَ أَفْلُسٍ أَوْ أَوْدَعَنِي عَشَرَةَ أَفْلُسٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا أَنَّهُ يُقْبَلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فَلَا يُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ تَمَّتْ عِنْدَ قَوْلِهِ صُدِّقَ وَقَوْلُهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ابْتِدَاءُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْبَزَّازِيُّ

ص: 37