الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَ الزُّورِ وَالْفُجُورِ، وَلَا يَسْأَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ.
قُلْت اللَّهُمَّ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ لَهُ مَالًا عَظِيمًا كَانَ وَرِثَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْغِنَى فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا. اهـ.
وَقَدَّمْنَا عَنْهُمْ أَنَّ مِنْ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ الْقَضَاءَ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ لَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ بِالسُّقُوطِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ مِنْ السُّلْطَانِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - بِعَدَمِ سَمَاعِ حَادِثَةٍ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا عَمَلًا بِنَهْيِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى
.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَتْ بِبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ، وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ بِهِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ.
الرَّابِعُ: قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ قُلْنَا مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَثَبَتَ، وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ، وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَقُلْنَا صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله صُورَةَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ، وَلَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٌ وَالْمِلْكُ لِلْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُرْهَانَ الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُطَالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ، وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسِ فَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوَّلَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ فِي الْأَخِيرَةِ، وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ فَالصُّوَرُ عَشْرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ الْخَمْسَةُ بِالثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَلْحَقُ بِهَا دَعْوَى كَوْنِهَا مُزَارَعَةً بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْضًا فَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ بِالْمُزَارَعَةِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الْغَائِبِ وَتَلْحَقُ الْمُزَارَعَةُ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَزْدَادُ عَلَى الْخَمْسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ.
اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
[فَصْلٌ يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى]
فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعْوَى)
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ مَالَ غَيْرِهِ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ أَيْ يُودِعُ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الدَّافِعِ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ) أَيْ بِحَسَبِ فُرُوعِهَا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ رُجُوعِ الْخَمْسَةِ الْمَزِيدَةِ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُصُولِ فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فَالْمُرَادُ انْحِصَارُ أُصُولِهَا فِي الْخَمْسَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ
وَهُوَ ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءَ فَشَمِلَ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءِ أَنَّهُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى هَالِكًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فَقَالَ عَبْدٌ هَلَكَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ آجَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَهُوَ خَصْمٌ فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي أَمَّا لَوْ كَانَ غَصْبًا لَمْ يَرْجِعْ وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاكِ هَا هُنَا فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، جَارِيَةٌ فِي يَدِهِ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَطَلَبَ أَرْشَ الْعَيْنِ، وَأَخْذَ الْجَارِيَةِ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ، وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَعَلَهُ الْقَاضِي خَصْمًا فِي حَقِّ الْقِيمَةِ، وَلَا يَقْضِي بِالْوَلَدِ وَيَقِفُ فِيهِ وَيَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْأَرْشِ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ قَتَلَهَا عَبْدٌ خَطَأً، وَذُو الْيَدِ زَعَمَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ عِنْدِي يُقَالُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ افْدِهِ أَوْ ادْفَعْهُ فَإِنْ دَفَعَهُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لَهُ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي إنْ طَلَبْت الْعَبْدَ فَلَا حَقَّ لَك، وَإِنْ طَلَبْت الْقِيمَةَ قَضَيْنَا بِهَا عَلَيْهِ لَك فَإِنْ اخْتَارَ الْقِيمَةَ، وَأَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لَا فِي الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا، وَمَعَ الْقَتْلِ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا لَا فِي الرَّقَبَةِ، وَلَا فِي الْأَرْشِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ. اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى إيدَاعِ الْكُلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ النِّصْفُ لِي وَالنِّصْفُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ انْدَفَعَتْ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ. اهـ.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْدَعَنِيهِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدَّفْعِ وَالشَّهَادَةِ فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدِعْهُ مَنْ نَعْرِفُهُ بِالطُّرُقِ الثَّلَاثِ لَكِنْ لَا نَقُولُهُ، وَلَا نَشْهَدُ بِهِ لَا تَنْدَفِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَجَابَ بِذَلِكَ لَا يَكْفِي وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْرِفُهُ إلَّا أَنِّي نَسِيته، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَشَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَكِنْ قَالَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مُطَابَقَةً، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْفُصُولِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي دَفَعَهَا الْقَاضِي أَيْ حَكَمَ بِدَفْعِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ وُجُودَ حُجَّةٍ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةً أَوْ عِلْمَ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارَ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ آخَرَ فَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّهَا لِي، وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي إيدَاعَ هَذَا الْآخَرِ كَمَا عَلِمَ مِلْكَ الْأَوَّلِ أَقَرَّهُ فِي يَدِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ غَصَبَهَا مِنْ هَذَا الَّذِي كَانَتْ لَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا هَذَا أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فَإِنَّ عِلْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ.
، وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِنْ نَكَلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِذَا كَانَ الْعَيْنُ هَالِكًا فَالدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ، وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ) أَيْ ذُو الْيَدِ عَلَى الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (قَوْلُهُ: لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ) يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهَا تَنْدَفِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ أَسْطُرٍ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَكِنْ مَا قَدَّمَهُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَمَا هُنَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ بِدُونِ التَّصْرِيحِ بِالدَّفْعِ
فَلَا خُصُومَةَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَأَطْلَقَ فِي انْدِفَاعِهَا فِيمَا ذُكِرَ فَشَمِلَ مَا إذَا صُدِّقَ ذُو الْيَدِ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ ثُمَّ دَفَعَهُ بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ الْوَدِيعَةَ، وَلَمْ يُبَرْهِنْ عَلَيْهَا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ عَلَى الْبَتَاتِ لَا عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِعْلَ الْغَيْرِ لَكِنْ تَمَامُهُ بِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي فَعَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ إيدَاعَ فُلَانٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيدَاعَ، وَلَا حَلِفَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَوْ حَلَفَ أَيْضًا لَا يَنْدَفِعُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ. اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمُدَّعِي ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا يَعْنِي فَقَطْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا ادَّعَى عَبْدًا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَعْتَقَهُ فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ وَبَرْهَنَا فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِهِ فَلَوْ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يُسْمَعْ وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِعَيْنِهِ يُقْبَلُ وَبَطَلَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ قِيلَ لِلْعَبْدِ أَعِدْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامَهَا قَضَيْنَا بِعِتْقِهِ، وَإِلَّا رُدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ قُبِلَ قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَلَا يُنَافِيهِ دَعْوَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحُرَّ قَدْ يُودَعُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ.
وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحُرُّ قَدْ يُرْهَنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُرْهَنُ فَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ وَقْفٌ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِمَا ذُكِرَ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ تَنْدَفِعَ إذَا بَرْهَنَ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ لَمْ تُسْمَعْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْفُصُولِ وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى الْإِيدَاعِ قَبْلَ الْبُرْهَانِ أَوْ قَبْلَ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ، وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً، وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ يَعْلَمُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي ثُمَّ قَامَا إلَى إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنِّي وُهِبْتُهَا مِنْ فُلَانٍ فَسَلَّمْتهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا وَغَابَ لَمْ يُسْمَعْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي فَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ صَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي أَوْ عَلِمَهُ الْقَاضِي أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَمَّسَةِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَقَطْ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ انْدَفَعَتْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِدْ لَا يَكُونُ دَفْعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ دَفْعَ الدَّفْعِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفَعْت أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَيْفَ يُتَوَهَّمُ وُجُوبُ الْحَلِفِ أَمَّا قَبْلَهُ فَسَيُذْكَرُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ لَاحَظَ أَنَّهُ يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى مَدْيُونِ الْمَيِّتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ مَا إذَا صُدِّقَ ذُو الْيَدِ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (شح) قَالَ ذُو الْيَدِ إنَّهُ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنَّهُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لَوْ بَرْهَنَ، وَإِلَّا فَلَا (فش) لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إذَا صَدَّقَهُ أَقُولُ: فَعَلَى إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَنْدَفِعَ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ الْحُرُّ قَدْ يُرْهَنُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالُوا الْحُرُّ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَقُولُ: فَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ قَرَابَتَهُ كَابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَاطِينِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] .
وَالْحُرُّ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَرَأَيْت فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ النَّخَعِيّ قَالَ إذَا رُهِنَ الرَّجُلُ الْحُرُّ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ كَانَ رَهْنًا حَتَّى يَفُكَّهُ لِذِي رَهْنِهِ أَوْ يَفُكَّ نَفْسَهُ وَجْهُ كَلَامِ النَّخَعِيّ الْمُؤَاخَذَةُ بِإِقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ إذْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمِلْكِ وَانْظُرْ فِي عِبَارَةِ هَذَا الْمَتْنِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ فَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ إلَخْ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ وَسَيَنْقُلُهُ بِعَيْنِهِ قَرِيبًا عَنْ الْإِسْعَافِ فِي أَوَاخِرِ الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةِ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
يَعْنِي: أَوَّلَ الْفَصْلِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ فِيهِ إشْكَالٌ سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ نَقْلًا عَنْ (ذ) أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْحُكْمِ يَصِحُّ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يُسْمَعُ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَسَيَأْتِي عَيْنُ هَذَا الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَرِيبًا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْإِيدَاعَ أَوْ ادَّعَاهُ وَلَمْ يُبَرْهِنْ عَلَيْهِ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى الْخَارِجِ وَصَحَّ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ الْإِيدَاعَ لَا يُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا يُرِيدُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَإِيدَاعِهِ فَلَمْ تَتَضَمَّنْ دَعْوَاهُ إبْطَالَ الْقَضَاءِ السَّابِقِ وَالدَّفْعُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِيهِ بُرْهَانٌ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَلَمَّا لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ وَلَا دَعْوَاهُ لِمَا قُلْنَا لَمْ يَظْهَرْ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ وَعَلَى هَذَا لَا تَرِدُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَقَطْ) أَيْ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْإِيدَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ
فَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى مَا ادَّعَيَاهُ فَدَفَعَهُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعَنِيهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَهَا، وَأَنْكَرَ يَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا وَهَبَهَا مِنْهُ، وَلَا بَاعَهَا لَهُ فَإِنْ نَكَلَ صَارَ خَصْمًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَكَانَ خَصْمًا. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الدَّفْعُ الصَّحِيحُ لِلدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى فَسَادِهَا صَحِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ الدَّفْعُ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَاسِدٍ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ بِأَنْ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَدَفَعَ قَائِلًا بِالْإِقَالَةِ فَدَفَعَ قَائِلًا بِأَنَّك أَقْرَرْت مَا اشْتَرَيْته مِنِّي يُسْمَعُ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا وَالدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُسْمَعُ وَدَفْعُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ يُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ لِقِيَامِ بَعْضِهِمْ مَقَامَ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ دَارًا فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا فِي الدَّعْوَى يُسْمَعُ. اهـ.
فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ دَفْعِ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُهَا قُلْت تَفَقُّهًا، وَلَمْ أَرَهُ: فَائِدَتُهُ لَوْ ادَّعَاهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَانَ الدَّفْعُ الْأَوَّلُ كَافِيًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الدَّفْعِ ثُمَّ دَفَعَ بِالْإِيدَاعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْكُلِّيِّ فَافْهَمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ جَوَابِ الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ حَضَرَ فُلَانٌ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ إلَيْهِ فَادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَأَجَابَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ آخَرَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَنْدَفِعُ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ الطَّالِبُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَادَّعَى بِأَنَّهُ مِلْكُهُ إنْ أَطْلَقَ الْمِلْكَ تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ إلَيْهِ مِنْهُ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَرْهَنَ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَهُمَا كَخَارِجَيْنِ بَرْهَنَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخَمَّسَةِ تَصْلُحُ حِيلَةً لِإِثْبَاتِ الرَّهْنِ فِي غَيْبَةِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي حِيلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ دَفْعَ ذِي الْيَدِ، وَقَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي نَفَاذِهِ رِوَايَتَيْنِ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَفِي الْعُبَابِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ وَيَحْلِفُ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتُهُ أَوْ سُرِقَ مِنِّي، وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ حَاصِلُ الْأُولَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا فَالضَّمِيرُ فِي قَالَ عَائِدٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَر الْوَتَّارُ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ إنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ خُلَاصَةُ صُورَتِهِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَلْتُ الْمَبِيعَ فَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّكَ أَقْرَرْت أَنِّي مَا اشْتَرَيْتُهُ يُسْمَعُ إذَا ثَبَتَ الْعَدَالَةُ (ذ) وَيَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا، وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَالٍ وَحَكَمَ لَهُ فَبَرْهَنَ خَصْمُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَطَلَ الْحُكْمُ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْحُكْمُ لَوْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي (فش) أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ.
يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: يَنْبَغِي مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي (ذ) بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ اشْتِرَاطِ التَّوْفِيقِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (فَقَطْ) مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا دَفْعَ الدَّفْعِ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَصِحُّ مَا لَمْ يَظْهَرْ احْتِيَالٌ وَتَلْبِيسٌ (فش) حُكِمَ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ رَفَعَا إلَى قَاضٍ آخَرَ وَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ يُسْمَعُ وَيَبْطُلُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ لَوْ أَتَى بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْبَلُ نَحْوُ أَنْ يُبَرْهِنَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّارِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِجَوَازِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّهُ شَرَاهُ بِخِيَارٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَقْتَ الْحُكْمِ فَمَلَكَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ وَلَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ يُقْبَلُ وَلَا يُحْكَمُ إذْ الشَّكُّ يَدْفَعُ الْحُكْمَ وَلَا يَرْفَعُهُ يَقُولُ الْحَقِيرُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ خَفِيفًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَعَلَ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ كَافِيًا إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ إمْكَانَهُ كَتَصْرِيحِهِ عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ بِأَنْ ادَّعَى دَارًا بِالْإِرْثِ وَبَرْهَنَ، وَقَضَى ثُمَّ ادَّعَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ مِنْ مُوَرِّثِ الْمُدَّعِي وَادَّعَى الْخَارِجُ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى شِرَائِهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ أَوْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ فَبَرْهَنَ عَلَى نِتَاجِهَا عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قَرِيبًا، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ.
أَوْ رَهْنٌ عِنْدِي مِنْ فُلَانٍ يَنْدَفِعُ إذَا بَرْهَنَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ يَجْعَلُهُ خَصْمًا وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ عَنْ الْغَائِبِ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْيَدِ ادَّعَى مِلْكًا لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ أَطْلَقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِشِرَاءٍ وَهِبَةٍ مَعَ قَبْضِ أَوْ صَدَقَةٍ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَ فِي الشِّرَاءِ فَشَمِلَ الْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يُسْمَعُ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ دَارٌ زَعَمَ شِرَاءَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ صَدَقَةً مَقْبُوضَةً أَوْ هِبَةً كَذَلِكَ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ أَمْسِ وَبَرْهَنَ أَوَّلًا وَبَرْهَنَ آخِرًا أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ رَهَنَهَا مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ آجَرَهَا مِنْهُ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ، وَقَبَضَهَا وَبَرْهَنَ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ ثُمَّ ذُو الْيَدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي وَتَرَبَّصَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ اخْتَارَ عَدَمَ النَّقْضِ فَأَدَّى الْبَائِعُ الدَّيْنَ، وَفَكَّ الرَّهْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ أَعَارَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا مِنْ الْغَائِبِ أَوْ اشْتَرَاهَا الْغَائِبُ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ذُو الْيَدِ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الْإِعَارَةِ فَلِعَدَمِ اللُّزُومِ.
وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلِأَنَّهُ عُذِرَ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ دَفَعَ الْحَاكِمُ الدَّارَ إلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ آجَرَهَا، وَلَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ كَانَ ادَّعَى رَهْنًا لَا يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ مِنْ الْغَائِبِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ، وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَائِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَبْدًا، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّك بِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَعَلَى مَا عَلَيْهِ إشَارَاتُ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتُ لَا تُقْبَلُ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الدَّعْوَى ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ إذَا ادَّعَاهُ. اهـ.
وَفِيهَا قَبْلَهُ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ زَوْجَتِهِ وَبَاعَتْهَا هِيَ مِنِّي تُسْمَعُ. اهـ. وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَحَاصِلُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ فَدَفَعَهُ بِدَعْوَى الْإِيدَاعِ مِنْ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ، وَقَدْ بُنِيَ فِعْلُ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَفِعْلُ السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ فَخَرَجَ مَا إذَا بُنِيَ الْأَوَّلُ لِلْمَفْعُولِ بِأَنْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ فِي السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ اتِّفَاقٌ، وَفِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ الِاخْتِلَافُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَبِنَاءِ فِعْلِ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَاسْتَحْسَنَاهُ وَجَعَلَاهُ مِنْ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْفَاعِلِ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُونَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَفِي يَدِهِ غَصْبٌ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ. اهـ.
وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تَنْدَفِعُ وَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِيدَاعِ لِثُبُوتِ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ. اهـ.
وَذِكْرُ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَهُ لَا تَنْدَفِعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي مِلْكِي، وَفِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ دَعْوَى الْغَصْبِ فَتَنْدَفِعُ لَوْ بَرْهَنَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يُرِيدُ إزَالَةَ الدَّارِ عَنْ مِلْكِ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ شِرَاءَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقُّ الْفَسْخِ وَتَسَلُّمِ الدَّارِ مِنْ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ.
عَلَى الْإِيدَاعِ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ، وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَقْدٌ اسْتَوْفَى أَحْكَامَهُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَكَانَ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى قَبْضِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقَبْضِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَعَ الْقَبْضِ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا تَنْدَفِعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ بَقِيَ مُعْتَبَرًا، وَلِهَذَا لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَلَا يَكُونُ لِلْبَاعَةِ أَنْ يَرْجِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ الشِّرَاءَ، وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ دَعْوَى الْفِعْلِ وَدَفْعِهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحْوِيلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ دَفَعَ بِأَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ دَعْوَى الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوْ دَفَعَ بِأَنَّهُ مِلْكُ وَالِدِهِ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ) أَيْ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّ يَدَهُ مِنْ الْغَائِبِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْغَائِبِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ، وَهِيَ عَجِيبَةٌ قَيَّدَ بِتَلَقِّي الْيَدِ مِنْ الْغَائِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ قَوْلُهُ سَقَطَتْ السُّقُوطُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَيَمِينٍ، وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ.
وَتَقَيُّدُ الْمُؤَلِّفِ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ اتِّفَاقِيٌّ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَزَعَمَ ذُو الْيَدِ أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ تَنْدَفِعُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُصُولِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْغَصْبِ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ. اهـ.
وَقَدْ سُئِلْت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَأَجَابَهُ بِالرَّهْنِ فَأَجَبْتُ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ انْدَفَعَتْ، وَإِنْ ادَّعَتْ السَّرِقَةَ لَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَهُ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَيْضًا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَصْبِهِ مِنْهُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُصُولِ الْمَالِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ إمَّا غَصْبٌ، وَإِمَّا أَمَانَةٌ فَلَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ مَنْ يَدَّعِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوِرَاثَةِ فَلَوْ بَرْهَنَ فِي دَعْوَى الْوِرَاثَةِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوَرِّثِ الَّذِي يَدَّعِي مِنْهُ الْوِرَاثَةَ لَا يَنْدَفِعُ، وَفِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا يَنْدَفِعُ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ. اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِاتِّحَادِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمَالِكِ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ غَائِبٍ آخَرَ مِنْهُ لَا تَنْدَفِعُ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْإِيدَاعَ مِنْ غَيْرِ الْوَصِيِّ أَوْ الْغَصْبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ خَصْمٌ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى مَقَالِهِ، وَقَالَ الْبَلْخِيّ لَا تَنْدَفِعُ، وَإِنْ بَرْهَنَ كَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهِيَ عَجِيبَةٌ) أَقُولُ: تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَوَجْهُهَا أَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَلَا يُسَلِّمُهَا إلَى مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ أَوْ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَدْيُونَ الْغَائِبِ وَادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ الْوَكَالَةَ بِالْقَبْضِ وَصَدَّقَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الْغَائِبِ فَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْعَجَبِ؟ . (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذِكْرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَتْ السَّرِقَةَ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِيَكُونَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِنْ أُبْقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ يَكُونُ جَرْيًا عَلَى مُقَابِلِ الِاسْتِحْسَانِ الْمَذْكُورِ آنِفًا.