الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَمَّا إذَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْآيَةِ فَظَاهِرٌ. اهـ.
وَالْأَخِيرُ مَرْدُودٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْغَافِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشُّهْرَةِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا مِمَّنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ خِلَافُ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُسْتَتِرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِهَزَّالٍ فِي مَاعِزٍ لَوْ كُنْت سَتَرْته بِثَوْبِك الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي كَانَ فِي مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أُخِذَ لَا سُرِقَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا يَقُولُ سُرِقَ مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ لَوَجَبَ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أُخِذَ أَوْلَى مِنْ سُرِقَ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَجَبَ أَنْ يَقُولَ أُخِذَ عَلَى مَعْنَى ثَبَتَ لَا الْوُجُوبِ الْفِقْهِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَتَعَيُّنُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَيْ أَنْ يَقُولَ سُرِقَ تَسَامُحٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُفَ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْا بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ سَرَقَ فَأَقَرَّ بِهَا فَأَفْتَوْا بِالْقَطْعِ وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ فَقَالُوا لَهُ لِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ أَوَّلًا بِالْأَخْذِ وَثَبَتَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْقَطْعُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَعَجِبُوا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَشَرَطَ لِلزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلَفْظُ أَرْبَعَةٍ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَأَوْرَدَ إنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَدَمُ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَأَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَأَجَابَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ وَتِلْكَ مَانِعَةٌ وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَانِعِ وَقَدَّمْنَا فِي الْحُدُودِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الزَّوْجِ أَحَدَهُمْ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يَقْذِفَهَا الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ يَشْهَدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَشْهَدَ مَعَهُمْ عَلَى زِنَاهَا بِابْنِهِ مُطَاوَعَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالزِّنَا يَقَعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحُدَّ الْمَوْلَى وَيُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى إذَا أَنْكَرَهُ لِلْعِتْقِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَأَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا خَمْسُ بَنِينَ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَوْ كَانَتْ أُمُّهُمْ حَيَّةً.
(قَوْلُهُ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) أَيْ وَشَرَطَ لَهَا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهَا لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِالْبَدَلِ مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى آخَرَ أَمْضَاهُ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
[سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]
(قَوْلُهُ وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ مَالِي أَوْ دَابَّتِي تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْأَخْذِ اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ
[شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ]
(قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فَقَبُولُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَةٍ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْمَعْدُودِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ عُمُومٍ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَبَيْنَ هَذِهِ فَتُقَدَّمُ هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْإِيهَامِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْمَالُ فَقَبِلَ فِيهِ شَهَادَةَ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ. اهـ.
أَقُولُ: عُلِمَ بِهِ قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي طَرَفِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَكُلِّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَكَانَ مُوجِبُهُ الْمَالَ وَيُعْلَمُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْوَقَائِعِ الْحَالِيَّةِ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنْ لَمْ يَشْهَدَا حَالَ كَوْنِهِمَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَمَا اُعْتُبِرَ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ اهـ.
وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَرَّانِيِّ وَفِي عُمُومِ مَعْنَى الْكَوْنِ إشْعَارٌ بِتَطَرُّقِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ طَلَبِ الرَّجُلِ بِوَجْهٍ مَا مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَمَمْلُوكِي حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا مَجَالَ لَهَا فِي الْحُدُودِ وَلَوْ قَالَ إنْ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ وَيَعْتِقَ الْعَبْدُ وَلَا يُقْطَعُ اهـ.
وَعَزَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ وَالْفَتْوَى فِيهِمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ أَضْمَنُهُ وَلَا أُعْتِقُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضَمِنَ شَاهِدَا الْإِعْتَاقِ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ وَشُهُودُ الزِّنَا دِيَتَهُ لِمَوْلَاهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَلِلْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ) أَيْ وَشَرْطُ امْرَأَةٍ أَيْ شَهَادَتِهَا لِلْحَدِيثِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الذُّكُورَةُ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَثْنَى وَالثَّلَاثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ ثُمَّ حُكْمُهَا فِي الْوِلَادَةِ شَرَحْنَاهُ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَفِي الْبَكَارَةِ شَرَحْنَاهُ فِي بَابِ الْعِنِّينِ مِنْ أَنَّهُنَّ إنْ شَهِدْنَ بِبَكَارَتِهَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً وَيُفَرَّقُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَكَذَا فِي رَدِّ الْبَيْعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِهِنَّ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَكَيْفَ يَكُونُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ نَتِيجَةً لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِي الْجَارِيَةِ بَلْ ثُبُوتُ الْعَيْبِ بِقَوْلِهِنَّ يَثْبُتُ الرَّدُّ لَا التَّحْلِيفُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِنَّ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَفِي حَقِّ التَّحْلِيفِ إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُنَّ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْبَكَارَةُ اهـ.
وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ بَلْ النِّسَاءِ لَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ نِسْوَةٌ عُدُولٌ أَنَّهَا امْرَأَةُ فُلَانٍ أَوْ ابْنَتُهُ وَسِعَتْهُ الشَّهَادَةُ اهـ.
وَفِيهَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَتُهَا وَأَطْلَقَ فِي الْوِلَادَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّهَادَةُ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إنْ كَانَ قَيْدًا فِي الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ رُجُوعَهُ إلَى الْأَخِيرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ أَيْ وَشَرَطَ امْرَأَةً أَيْ شَهَادَتَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهَا لِثُبُوتِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لَا لِثُبُوتِ الرَّدِّ بِهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيمَا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْقَرَنِ وَالرَّتْقِ وَنَحْوِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَآخِرُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ تُرَدُّ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ وَالْمَرْأَتَانِ سَوَاءٌ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْثَقُ، وَأَمَّا الْحَبَلُ فَيَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَلَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالْوِلَادَةُ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْبَكَارَةُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ اهـ.
فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا الْمَبِيعُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَخْ أَنَّهُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قَبُولَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْسُقُونَ بِالنَّظَرِ إلَى عَوْرَتِهَا إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ إلَيْهَا. اهـ.
وَأَقُولُ: فَثَبَتَ الْخِلَافُ فِي التَّعَمُّدِ ظَاهِرٌ أَوْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ النَّافِي عَلَى التَّعَمُّدِ لَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَالْمُثْبِتِ عَلَى التَّعَمُّدِ لَهَا إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ بِإِيصَالِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا بِوَاسِطَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَفِي كَلَامِهِمْ نَوْعُ إشَارَةٍ إلَيْهِ وَرُبَّمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ أَرْجَحِيَّةُ الْقَبُولِ وَأَيْضًا عِبَارَتُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا لِطَرْحِهِ ذِكْرَ مُقَابِلِهِ وَقِيَاسِهِ عَلَى الزِّنَا وَالرَّاجِحُ فِيهِ الْقَبُولُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا يَشْتَهِي فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ ذَلِكَ
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ.
(قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِلْآيَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَحُكِيَ أَنَّ أُمَّ بِشْرٍ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] فَسَكَتَ الْحَاكِمُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ حَقَّقَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ هُنَا تَحْقِيقًا حَسَنًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فَقَالَ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَبَيَانُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ وَيُسَمَّى الْعَقْلُ الْهَيُولَانِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَبْدَأِ فِطْرَتِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُحَصِّلَ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَتَتَهَيَّأَ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ تُحَصِّلَ النَّظَرِيَّاتِ الْمَفْرُوغَ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ بِالْفِكْرَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ، وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ وَلَيْسَ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ مِنْهَا وَهُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحْصِيلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالنِّسْبَةِ إنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْأَوَّلِ فِي التَّلْوِيحِ بِقُوَّةِ الطِّفْلِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالثَّانِي بِاسْتِعْدَادِ الرَّجُلِ الْأُمِّيِّ لِلْكِتَابَةِ وَالثَّالِثُ بِاسْتِعْدَادِ الْقَادِرِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالرَّابِعُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ حَالَةَ الْكِتَابَةِ أُورِدَتْ عَلَى قَوْلِهِ وَلِغَيْرِهَا الشَّهَادَةُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهَا تَجُرُّ إلَى قَتْلِهِ إذَا أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالرَّجُلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِإِسْلَامِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ إذَا كَانَ رَجُلًا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الْكُفَّارِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ السِّيَرِ.
(قَوْلُهُ لِلْكُلِّ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَالَةِ) أَيْ وَشَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَفْظَهَا رُكْنٌ فَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَشْمَلَ الرُّكْنَ وَالشَّرْطَ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِهَا فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا الشَّهَادَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا الْحُرِّيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ مِثْلَ شَهَادَةِ صَاحِبِي لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْخَصَّافِ وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا تُقْبَلُ وَقَيَّدَهُ الْأُوزْجَنْدِيُّ بِمَا إذَا قَالَ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ فَصِيحًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا يُقْبَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إنْ اُسْتُفْسِرَ بَيَّنَ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ أَحَسَّ الْقَاضِي بِخِيَانَتِهِ كَلَّفَهُ التَّفْسِيرَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلُهُ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَصِحُّ عِنْدَنَا اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَلَفْظِ الشَّهَادَةِ تَسْوِيَةً مِنْهُمْ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ
ــ
[منحة الخالق]
ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ.
(قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ.