الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ وَلَا ضَمَانَ مَالٍ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةً ثُمَّ قَالَ غَلِطْت إنَّمَا سَرَقْت مِائَةً مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَيَلْزَمُهُ الْمَالَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَدْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَسَمِعَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمْ قَالَ فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي فَقَالُوا كُلُّنَا عَلَى شَهَادَتِنَا قَالُوا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَيُقِيمُهُمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الثَّانِي يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ جَازَتْ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دِرْهَمَانِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَأَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا لِرَجُلٍ ثُمَّ جَحَدَ فَشَهِدَا بِذَلِكَ جَازَتْ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ أَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَسِيَاهُ وَكَذَا الْمَكِيلُ كُلُّهُ وَالْمَوْزُونُ كُلُّهُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا يَقْضِي بِالْأَوْكَسِ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ أُبْطِلَ الْإِقْرَارُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُ فِيهِ الْقِيمَةَ وَقَدْ صَارَتْ دَيْنًا فَعَلَيْهِ أَوْكَسُ الْقِيمَتَيْنِ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا وَأَحْرَقَهُ قَالَا سُمِّيَ لَنَا هَكَذَا أَوْ سُمِّيَ لَنَا أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ فَنَسِينَاهُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)
.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَالَفْتُهُ مُخَالَفَةً وَخِلَافًا وَتَخَالَفَ الْقَوْمُ وَاخْتَلَفُوا إذَا ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْآخَرُ اهـ.
وَاخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ شَامِلٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِلدَّعْوَى وَلِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ (قَوْلُهُ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قَبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا وَالْمُرَادُ بِالْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ الْمُوَافَقَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا فِي الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لِيُفِيدَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ وَأَنَّ الْمُوَافَقَةَ مَعْنًى كَافِيَةٌ فَلَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَمِنْ الْمُخَالَفَةِ الْمَانِعَةِ مَا إذَا شَهِدَتْ بِأَكْثَرَ وَمِنْ فُرُوعِهَا دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مَشَاعًا فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا شَيْئًا لَا تُقْبَلُ.
وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ: كُنْتُ بِعْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ مِنْهَا فَتُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ ادَّعَى النُّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدُوا عَلَى النُّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً أَوْ وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا عَلَى غَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ اهـ.
مَعَ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ فِيمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ غَيْرَ مَنْخُولٍ وَالدَّعْوَى بِالْمَنْخُولِ بِدَلِيلِ عَكْسِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى الْإِتْلَافَ وَشَهِدَا بِقَبْضِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنِّي كَذَا دِرْهَمًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَشَهِدَا أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الرِّبَا تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَا بِقَبْضِهِ بِجِهَةِ الرِّبَا لَا تُقْبَلُ إذْ الْغَصْبُ قَبْضٌ بِلَا إذْنٍ وَالْقَبْضُ بِجِهَةِ الرِّبَا قَبْضٌ بِإِذْنٍ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَفِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا تُقْبَلُ لَا عَلَى الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا غَصَبَهُ مِنْهُ وَلَا عَلَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي بِأَنْ غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي لَا مِنْهُ اهـ.
ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَالِي كَذَا قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ وَشَهِدَا أَنَّهُ قَبَضَهُ وَلَمْ يَشْهَدَا أَنَّهُ قَبَضَ قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ تُقْبَلُ فِي أَصْلِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ وَلَا ضَمَانَ) كَذَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ السِّرَاجِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
[بَاب الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ) صَدَّرَ الْبَابَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهَا كَالدَّلِيلِ لِوُجُوبِ اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَمَّا وُجُودُهَا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَدَمُهَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَذَلِكَ لِظُهُورِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى تَقَدُّمَ أَيَّةِ دَعْوَى كَانَتْ بَلْ تَقَدُّمَ دَعْوَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لط شَهِدَ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فَلَا تُرَدُّ إلَّا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ صِيغَةِ الْإِخْبَارِ كَقَذْفٍ شَهِدَ بِهِ وَآخَرُ بِإِقْرَارٍ وَلَوْ شَهِدَ بِنَحْوِ غَصْبٍ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ تُرَدُّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ (قَوْلُهُ وَفِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي) هَذَا يَدْفَعُ تَنْظِيرَ صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلِهِ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى إذْ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْهُ دَعْوَى أَنَّهُ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ زِيَادَةِ دَعْوَى الْفِعْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي أَمْثَالِهِ يُفْضِي إلَى التَّضْيِيقِ وَتَضْيِيعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا اهـ. فَتَدَبَّرْ.
أَقَرَّ بِقَبْضِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ ادَّعَى أَنَّهُ أَهْلَكَ أَقْمِشَتِي كَذَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَشَهِدَ أَنَّهُ بَاعَ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ وَلَوْ ذَكَرَا بَيْعًا لَا تَسْلِيمًا لَا يَكُونُ شَهَادَةً بِإِهْلَاكٍ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى شِرَاءً مِنْهُ فَشَهِدَا بِشِرَاءٍ مِنْ وَكِيلِهِ تُرَدُّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا بَاعَ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ بَيْعَهُ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى أَنَّ مَوْلَايَ أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ تُرَدُّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حُرِّيَّةً عَارِضَةً وَشَهِدَا بِحُرِّيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُصْرَفُ إلَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحُرِّيَّةِ قَالَ: وَالْأَمَةُ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهَا حُرَّةٌ تُقْبَلُ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِنِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِي الْقِنِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْقِنِّ عِنْدَهُمَا كَالْأَمَةِ وَلَوْ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا حَرَّرَهُ قِيلَ: تُرَدُّ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا وَلِذَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَا بِالْخُلْعِ تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وُفِّقَ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ الْمُدَّعِي: كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَّا أَنِّي أَبْرَأْتُهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشُّهُودُ تُقْبَلُ وَكَذَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ التَّوْفِيقِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا الْإِبْرَاءُ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ هُنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ التَّوْفِيقَ إذَا كَانَ مُمْكِنًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ التَّوْفِيقَ تَصْحِيحًا لِلشَّهَادَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ثَابِتَةٌ صُورَةً فَإِذَا كَانَ التَّوْفِيقُ مُرَادًا تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ مُرَادًا لَا تَزُولُ بِالشَّكِّ فَإِذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ ثَبَتَ التَّوْفِيقُ وَزَالَتْ الْمُخَالَفَةُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده أَنَّ مُحَمَّدًا شَرَطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دَعْوَى التَّوْفِيقِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَعْضِ وَذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ أَوْ ذَاكَ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَطْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَلَوْ ادَّعَى كُلَّ الدَّارِ فَشَهِدَا بِنِصْفِهَا قُضِيَ بِالنِّصْفِ مِنْ غَيْرِ تَوْفِيقٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَكْذَبَ شُهُودَهُ فِي جَمِيعِ مَا شَهِدُوا بِهِ لَهُ أَوْ بَعْضِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إمَّا لِأَنَّهُ تَفْسِيقٌ لِلشَّاهِدِ أَوْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِدَارٍ لِرَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا الْبَيْتُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعِي: لَيْسَ هُوَ لِي فَقَدْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى لَهُ وَلَا لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ لَمْ يَكُنْ لِي إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَجَزْت إقْرَارَهُ لِفُلَانٍ وَجَعَلْت لَهُ الْبَيْتَ وَأَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَذَّبَ شُهُودَهُ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَذَّبَهُمْ فِيمَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِهِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُمْ فِيهَا وَكَذَّبَهُمْ فِي شَيْءٍ زَادُوهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: شَهِدَ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَ عَبْدَهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَمَاتَ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ وَإِنَّمَا مَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا غَصَبْتُهُ عَبْدًا وَلَا رَدَدْتُهُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ قَالَ: إذَا لَمْ يَدَّعِ شَهَادَتَهُمَا ضَمَّنْتُهُ الْقِيمَةَ.
وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا لَهُ فَجَاءَ مَوْلَاهُ قَتَلَهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ وَمَاتَ عِنْدَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ) اُنْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي شَرْحِ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى النِّتَاجِ وَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ هُوَ لِي) لَعَلَّهُ لَهُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّائِدَ لَا مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ التَّأَمُّلِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ
وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: مَا غَصَبْتُهُ عَبْدًا وَلَا قَتَلَ هَذَا الْمُدَّعِي عَبْدًا لَهُ فِي يَدِي كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا وَقَالَ الْمُدَّعِي: مَا أَبْرَأْتُهُ عَنْ شَيْءٍ وَقَالَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ: مَا كَانَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَا أَبْرَأَنِي عَنْ شَيْءٍ قَالَ: إذَا لَمْ يَدَّعِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْبَرَاءَةِ قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ قَطْعًا فَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِالدَّارِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِرَجُلٍ غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهَا وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ أَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ الْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ النَّفْيِ مِنْ الْأَصْلِ وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقَضَاءِ: هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ فَإِنْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ وَثَنَّى بِالنَّفْيِ أَوْ عَكْسِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجَمِيعِ بَطَلَ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي النَّفْيِ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَةَ الدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالنَّفْيِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَالُوا: هَذَا إذَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ وَثَنَّى بِالْإِقْرَارِ مَوْصُولًا أَمَّا إنْ كَانَ مَفْصُولًا لَمْ يَصِحَّ.
وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا قَالَ: هِيَ لِفُلَانٍ مَا كَانَ لِي قَطُّ لِأَنَّ ثَمَّةَ لَا مُنَازِعَ لِلثَّالِثِ فَيَسْلَمُ لَهُ وَهُنَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يُنَازِعُهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قُضِيَ لَهُ بِالدَّارِ بِبِنَائِهَا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ الْبِنَاءُ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ لِلشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: الْبِنَاءُ لَهُ فَلَيْسَ بِإِكْذَابٍ هَكَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا ذَكَرُوا الْبِنَاءَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَيَكُونُ إكْذَابًا أَوَّلًا فَلَا فِي شَهَادَاتِ الْأَصْلِ وَإِذَا ذَكَرُوهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَقَطْ فِي كَوْنِهِ تَكْذِيبًا وَلَوْ ادَّعَى قَدْرًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِ بَعْضِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قَبْضِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِشُهُودِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ادَّعَى أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقُضِيَ لَهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِائَةً سَقَطَ عَنْهُ مِائَةٌ اتِّفَاقًا وَهَلْ تَسْقُطُ الثَّلَاثُمِائَةِ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَعَلَى آخَرَ بِمِائَةٍ فَصَدَّقَهُمْ فِي الْأَوَّلِ وَكَذَّبَهُمْ فِي الثَّانِي بَطَلَتَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِغَصْبِ ثَوْبَيْنِ فَصَدَّقَهُمَا فِي أَحَدِهِمَا وَكَذَّبَهُمَا فِي الْآخَرِ بَطَلَتْ فِيهِمَا وَلَوْ قُضِيَ لِثَلَاثَةٍ بِمِيرَاثٍ عَنْ أَبِيهِمْ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ: مَا لِي فِيهِ حَقٌّ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَخَوَيَّ كَانَ الْكُلُّ لَهُمَا فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ حَقٌّ وَإِنَّمَا هُوَ لَهُمَا بَطَلَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ الْمُوصِي وَلَمْ يُبَرْهِنْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِنْ الْأَلْفِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيفَاءَ فَشَهِدَا عَلَى إبْرَاءِ الدَّائِنِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالَّهُ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ الْإِيفَاءَ وَشَهِدَا عَلَى الْبَرَاءَةِ تُقْبَلُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِيفَاءَ غَيْرُ مُقْتَصِرٍ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ كَأَنَّهُ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُؤْذِنَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا الْإِيفَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ دَعْوَى الْكَفِيلِ تَتَضَمَّنُ الْبَرَاءَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ وَشَاهِدَاهُ شَهِدَا عَلَى الْقَطْعِ بِبَعْضِ دَعْوَاهُ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ لَا فِي الزَّائِدِ اهـ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَا لَهُ بِمَبْلَغِ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ تُقْبَلُ لِأَنَّ مَبْلَغَ هَذَا الْمَالِ مَالٌ آخَرُ شَهِدَا عَلَى دَعْوَى أَرْضٍ أَنَّهَا خَمْسَةُ مَكَايِيلَ وَأَصَابَا فِي بَيَانِ حُدُودِهَا أَوْ خَطَآ فِي الْمِقْدَارِ قَبِلَتْ اهـ.
وَفِي الْعُرْفِ أَنَّ الْمَبْلَغَ هُوَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَبَضَ مَبْلَغَ كَذَا أَيْ قَدْرَ كَذَا لَا مَالٌ آخَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِي عُرْفِنَا وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ إلَى الدَّائِنِ مُتَفَرِّقًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ بِالْإِيصَالِ مُطْلَقًا أَوْ جُمْلَةً لَا تُقْبَلُ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ وَكَّلَ وَكِيلًا فَطَلَّقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَا بِالْخُلْعِ تُسْمَعُ لِأَنَّ وَجْهَ التَّوْفِيقِ مُمْكِنٌ وَلَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِبْرَاءَ وَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِجِنْسِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْحَقِّ لِحُصُولِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالْإِسْقَاطِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ بِوَزْنِ سَمَرْقَنْدَ فَشَهِدُوا فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَزْنِ فَقَالَ بِوَزْنِ مَكَّةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ وَزْنُ مَكَّةَ مِثْلَ وَزْنِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ أَقَلَّ وَإِلَّا فَلَا ادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا وَشَهِدُوا أَنَّ زَوْجَهَا أَعْطَاهَا مَهْرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرِيَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا تُقْبَلُ اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَسَيَأْتِي قَرِيبًا ثَمَانٍ أُخَرُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاثْنَانِ فِي الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ وَالْمُطْلَقِ فَصَارَتْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ الْمَانِعَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ أَكْثَرَ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَالُوا بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالُوا بِالْقَبُولِ مَعَ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ وَكَانَ كَذَلِكَ فِي عِتْقِ الْجَارِيَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَا غَيْرَيْنِ وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالدَّارِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا تُقْبَلُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الدَّيْنِ لَا مَعْنَى لَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا دَيْنًا فَشَهِدَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ دَفَعَ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَالْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ أَنْ تُقْبَلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله شَرْطَيْنِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِأَنْ قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْمَعْرِفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ قَالَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ فَإِنْ ادَّعَاهُمَا فَشَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِمَا يَكُونُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمِلْكِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِكَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الْمُؤَرِّخَ أَقْوَى مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ فَلَوْ أَرَّخَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَطْلَقَ شُهُودُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي عَكْسِهِ الْمُخْتَارُ الْقَبُولُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ فَشَهِدُوا لَهُ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعَى بِزَوَائِدِهِ) فَاعِلُ يَسْتَحِقُّ ضَمِيرُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمُدَّعَى بِالْفَتْحِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ وَفِي رُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِالزَّائِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِمَنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى الِانْتِقَالَ إلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالِانْتِقَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اهـ.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى الْآخَرِ ظَهَرَ وَجْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ لَهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ مُطْلَقًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ مُطْلَقًا أَنَّهُ تُقْبَلُ عَلَى الدَّيْنِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ اهـ.
وَهُوَ مَا تَفَقَّهَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. قُلْت وَفِي نُورِ الْعَيْنِ وَقِيلَ: تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ الْعَيْنَ تَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فِي الْجُمْلَةِ وَحُكْمُ الْمُطْلَقِ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِزَوَائِدِهِ وَالْمِلْكُ بِسَبَبٍ بِخِلَافِهِ فَيَصِيرُ بِالسَّبَبِ مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ بِالْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فَلَا إكْذَابَ فَافْتَرَقَا اهـ.
وَهَكَذَا حَرَّرَهُ مُلَّا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى مِنْ مَجْهُولٍ بِأَنْ يَقُولَ: شَرَيْتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ يُقْبَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ وَهُوَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشِّرَاءَ فش قِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْمَجْهُولِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَدَّعِيهِ (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ إلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَكَى فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ خِلَافًا قِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ وَقِيلَ: لَا لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِدُونِ تَارِيخٍ أَقْوَى
أَقَلُّ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ لِلشِّرَاءِ شَهْرَانِ فَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ فَشَهِدَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَغْصُوبٍ هَالِكٍ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِنْ اتَّفَقَا فِيهِ كَدَعْوَى أَلْفٍ كَفَالَةً عَنْ فُلَانٍ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ كَفَالَةً عَنْ آخَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا إلَّا إذَا قَالَ الطَّالِبُ: لَمْ يُقِرَّ كَذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَفَالَةٌ حَالَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَمَا فِي أَسْبَابِ مِلْكِ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ: وَالْمِلْكُ بِسَبَبِ الْهِبَةِ كَالْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ عَقْدًا فَهُوَ حَادِثٌ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِسَبَبِ شِرَاءٍ فَشَهِدَ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ تُقْبَلُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ وَقَعَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ أَعَادُوا الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَاتَّفَقُوا تُقْبَلُ اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ أَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا فَتُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي مُدَّعِيَ الْمِلْكِ أَلَك بِهَذَا السَّبَبِ الَّذِي شَهِدُوا أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ إنْ قَالَ بِهَذَا السَّبَبِ يَقْضِي بِالْمِلْكِ بِهَذَا السَّبَبِ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ أَصْلًا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ بِخِلَافِ سَبَبٍ يُفِيدُ الْحُدُوثَ وَالْمُطْلَقُ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى النِّتَاجَ وَشَهِدَا عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ اهـ.
إلَّا أَنْ يُوَافِقَ الْمُدَّعِي فَيَقُولَ: نَتَجَتْ عِنْدِي ثُمَّ بِعْتُهَا مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهَا فَتُقْبَلُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَإِنْ وَفَّقَ الْمُدَّعِي قَبِلَتْ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَإِلَّا لَا وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا ادَّعَى شَيْئًا لِلْحَالِ فَشَهِدَا بِهِ فِيمَا مَضَى وَعَكْسِهِ الثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْإِنْشَاءَ فَشَهِدَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ أَمَّا الْأُولَى فَفِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ أَيْ فِي الْعَيْنِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ بَعْدَمَا ذَكَرَهَا أَمْرٌ وَرُوِيَ سَيِّدٌ أَنْتَ اهـ.
وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَلْ تَعْلَمُونَ.
ــ
[منحة الخالق]
مِنْهُ بَعْدَ دَعْوَاهُ مُؤَرِّخًا لِأَنَّهُ بِدُونِ تَارِيخٍ مُحْتَمِلٌ الْأَوَّلِيَّةَ فَفِي الشَّهَادَةِ بِهِ زِيَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيعُ الَّذِي ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ زَيْدٍ وَقَالَ الطَّالِبُ: نَعَمْ إنَّهُ أَقَرَّ كَذَلِكَ لَكِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ خَالِدٍ بِهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَتُقْبَلَ الشَّهَادَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَقْصُودِ فَلَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ: لَمْ يُقِرَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ هُنَا فَفِي النَّقْلِ قُصُورٌ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ لَوْ وَقَعَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَقَدَّمَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مَا لَوْ قَالَ الْمُتَنَاقِضُ: تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الثَّانِي. اهـ.
قُلْت: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنْ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ أَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ فَلَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي ثُمَّ أَعَادَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ شَهَادَتَهُمَا بِلَفْظٍ مُوَافِقٍ تُقْبَلُ هَذَا إذَا كَانَ اتِّفَاقُهُمَا بِلَا تَلْقِينٍ مِنْ أَحَدٍ وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ: أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ كَانَ عَدْلًا فَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْبَرَاحِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى النِّتَاجَ وَشَهِدَا عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشِّرَاءِ شَهَادَةٌ عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِالْأَقَلِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ إذَا صَلَحَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ بَيَانًا لِمَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ جَازَتْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَمَا شَهِدُوا بِهِ يَصْلُحُ بَيَانًا لِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: مِلْكِي لِأَنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ يَصِحُّ وَيَكُونُ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَوَّلًا النِّتَاجَ وَشَهِدَ بِالشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ دَعْوَى النِّتَاجِ عَلَى ذِي الْيَدِ لَا يَحْتَمِلُ دَعْوَى مِلْكٍ حَادِثٍ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّابَّةُ مِلْكِي بِالنِّتَاجِ مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ لَا يَصِحُّ كَلَامُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ التَّوْفِيقِ اهـ. فَتَأَمَّلْ.
وَفِي نُورِ الْعَيْنِ وَلَوْ ادَّعَاهُ نِتَاجًا فَشَهِدَا بِمُطْلَقٍ تُقْبَلُ لَا فِي عَكْسِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُطْلَقِ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالِاحْتِمَالِ وَشَهَادَةُ النِّتَاجِ أَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ بِالْيَقِينِ فَقَدْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ فَتُرَدُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نِتَاجًا ثُمَّ مُطْلَقًا يُقْبَلُ لَا عَكْسُهُ ط ادَّعَى نِتَاجًا وَشَهِدَا بِسَبَبٍ تُرَدُّ.
(قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هَذَا عَمَلٌ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ فِيهِ حَرَجٌ فَيُقْبَلُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ تَعْلِيلٌ عَلِيلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَهْمٍ جَلِيلٍ كَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ الْيَوْمَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ فَيُضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي
أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ الْعِمَادِيُّ: فَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي لَا يُقْضَى بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِهَا وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِمَا يُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لَا لِلْقَبُولِ وَعَدَمِهِ بَلْ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى ثُبُوتُ الْقَبُولِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ فَلَا يَشْهَدَانِ حَتَّى بِخَبَرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهَا فِي الْحَالِ امْرَأَتُهُ أَوْ لَا أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ هَذَا الْعَيْنَ وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ فِي الْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالشَّاهِدُ فِي الْعَقْدِ شَاهِدٌ فِي الْحَالِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ مَا سَمِعْت وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْقَبُولِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَتَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ عَلَيَّ الْآنَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَهُوَ عَلَيْك الْآنَ أَمْ لَا لَا نَقْبَلُ الشَّهَادَةَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا عَلَى مُوَرِّثِهِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ اهـ.
فَمَوْضُوعُ الْأُولَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ: لَا أَدْرِي أَهُوَ عَلَيْك الْآنَ أَمْ لَا وَهُوَ سَاكِتٌ عَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَقَدْ بَحَثَ الْعِمَادِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْقَبُولُ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت وَفِي مَسْأَلَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا بُدَّ فِي الْقَبُولِ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي دَيْنِ الْحَيِّ فَتَحَرَّرَ أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا فِي دَيْنِ الْحَيِّ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا سَأَلَهُمَا الْخَصْمُ عَنْ الْبَقَاءِ فَقَالَا: لَا نَدْرِي وَفِي دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا وَأَمَّا عَكْسُهُ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي الْمَاضِي وَشَهِدَ بِهِ فِي الْحَالِ بِأَنْ قَالَ: كَانَ هَذَا مِلْكِي وَشَهِدَ أَنَّهُ لَهُ قِيلَ: تُقْبَلُ وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي الْإِسْنَادِ مَعَ قِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ أَسْنَدَا مِلْكَهُ إلَى الْمَاضِي لِأَنَّ إسْنَادَهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بَقَاءَهُ إلَّا بِالِاسْتِصْحَابِ وَالشَّاهِدُ قَدْ يَحْتَرِزُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِمَا ثَبَتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذْ كَمَا يَعْلَمُ ثُبُوتَ مِلْكِهِ يَقِينًا يَعْلَمُ بَقَاءَهُ يَقِينًا. اهـ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَا إذَا ادَّعَى الْإِنْشَاءَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ وَشَهِدَا أَنَّ الْمُودِعَ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ ادَّعَى نِكَاحًا وَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِمَا بِنِكَاحٍ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ وَتَكُونُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْقَبُولِ ادَّعَى قَرْضًا وَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ اهـ.
فَتُقْبَلُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ وَالدُّيُونِ وَالنِّكَاحِ وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى بَيْعًا وَشَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ تُقْبَلُ وَفِيهِ قَبْلَهُ ادَّعَى مِائَةَ قَفِيزٍ بُرٍّ بِسَبَبِ سَلَمٍ صَحِيحٍ وَشَهِدَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةَ قَفِيزٍ وَلَمْ يَزِيدَا قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي سَبَبِ -.
ــ
[منحة الخالق]
ظَاهِرًا فَلَا يَسْأَلُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمْ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا: لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ بَحْثَهُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْصُوصَ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْأَبْحَاثِ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ.
(قَوْلُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ بَيَانِ الشَّاهِدِ سَبَبَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَقُولَا مَاتَ وَعَلَيْهِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحْكَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ بَزَّازِيَّةٌ مُعِينُ الْحُكَّامِ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَأَقُولُ: مَا فِي الْمُحِيطِ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الْقُنْيَةِ إذْ مَا فِيهَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ لِلْحَالِ فَشَهِدُوا بِهِ كَذَلِكَ بِحَيْثُ إنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا كَانَ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْبَحْرِ قَالَ: قُلْت وَيُعَارِضُ هَذَا مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مِنْ قَوْلِهِ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ بَيَانِ الشَّاهِدَيْنِ سَبَبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ.
وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَوَّى مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ وَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ يَكْفِي تَحْلِيفُ خَصْمِهِ مَعَ وُجُودِ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ فِي هَذَا الِاحْتِيَاطِ تَرْكَ احْتِيَاطٍ آخَرَ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي يَحْجُبُهُ عَنْ الْجَنَّةِ وَتَضْيِيعَ حُقُوقَ أُنَاسٍ كَثِيرِينَ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اهـ.
وَبِهِ اعْتَرَضَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَلَى صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ