المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عِنْدَهُ انْتِهَاءً. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْوَقْفِ - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٧

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ)

- ‌[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ

- ‌ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ

- ‌ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ

- ‌(بَابُ التَّحْكِيمِ)

- ‌[شَرْطُ التَّحْكِيم]

- ‌[حُكْمُ المحكم لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ

- ‌ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ

- ‌ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ

- ‌ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌[سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]

- ‌[شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ]

- ‌[شَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ الشَّهَادَة]

- ‌[وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ الشَّهَادَةُ]

- ‌لَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا)

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌[فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ]

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)

- ‌[شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ]

- ‌[شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌[صِيغَة الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّهَادَة]

- ‌[لَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ

- ‌[شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا]

- ‌[شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شَرَائِطِ الْوَكَالَةُ]

- ‌[حُكْمِ الْوَكَالَة]

- ‌[صِفَة الْوَكَالَةِ]

- ‌ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ)

- ‌[مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ]

- ‌[تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ]

- ‌ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ)

- ‌ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[افْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ يُبْطِل الْوَكَالَة]

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى

- ‌(بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ)

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌(بَابُ إقْرَارِ) (الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ ادَّعَى أَرْضًا أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ]

- ‌(بَابُ " الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ]

- ‌[طَلَبَ الْوَدِيعَة رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[هَلَكَتْ الْعَارِيَّة بِلَا تَعَدٍّ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[مُؤْنَةُ رد الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ]

- ‌[هِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ]

- ‌[قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِبَة]

- ‌[الرُّقْبَى]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[لِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ]

- ‌[اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]

- ‌[الزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

الفصل: عِنْدَهُ انْتِهَاءً. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْوَقْفِ

عِنْدَهُ انْتِهَاءً.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْوَقْفِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَهُ إقْرَاضُ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَإِقْرَاضُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَعْثُهُ إلَى الْغَائِبِ إذَا خَافَ التَّلَفَ قَالُوا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي إقْرَاضَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ وَكَذَا إنَّمَا يُقْرِضُهُ مِنْ مَلِيءٍ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَمْلِكُ الْبَيْعَ نَسِيئَةً كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَصَايَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ أَقْرَضَ الْوَصِيُّ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الْوَصِيِّ فَشَمِلَ وَصِيَّ الْقَاضِي كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَشَارَ بِالْوَصِيِّ إلَى أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ لَيْسَ لَهُ إقْرَاضُ مَالِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ وَكَذَا يَضْمَنُ الْمُسْتَقْرِضُ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ إلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ الْقَيِّمُ لَوْ أَقْرَضَ مَالَ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهُوَ أَحْرَزُ مِنْ إمْسَاكِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْعُدَّةِ يَسَعُ لِلْمُتَوَلِّي إقْرَاضُ مَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَوْ أَحْرَزَ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ حُكْمَ مَا إذَا أَقْرَضَ الْمُتَوَلِّي مَالَ الْوَقْفِ بِأَمْرِ الْقَاضِي مِنْ الْإِمَامِ فَمَاتَ مُفْلِسًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اسْتَقْرَضَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَرَبِحَ بِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةً يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إذَا صَارَ ضَامِنًا فَلَا يَتَخَلَّصُ مَا لَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَهُ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ لَوْ مَلِيًّا اهـ.

وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَيُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا قَالَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْغَائِبِينَ مِنْ أَدَاءً وَقَبْضٍ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ إقْرَاضُ الْقَاضِي أَنْفَعُ لِلصَّبِيِّ وَأَحْوَطُ لِمَالِهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ وَقَالُوا الْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ لَا الْقَرْضَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْجَدِّ فِي جَوَازِ إقْرَاضِهِ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِهِ لِلْأَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأَبِ لِقَوْلِهِمْ الْجَدُّ أَبٌ الْأَبِ كَالْأَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إقْرَاضِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الْمُعْتَمَدُ إقْرَاضُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفُوا فِي إعَارَةِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا وَفِي الْخِزَانَةِ إذَا أَجَّرَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ التَّحْكِيمِ)

لَمَّا كَانَ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْقَضَاءِ أَخَّرَهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ صُلْحًا مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ أَمَّا الْأَوَّلُ يُقَالُ حَكَّمْت الرَّجُلَ تَحْكِيمًا إذَا مَنَعْته مِمَّا أَرَادَ وَيُقَالُ أَيْضًا حَكَّمْته فِي مَالِي إذَا جَعَلْت إلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهِ فَاحْتَكَمَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَاحْتَكَمُوا إلَى الْحَاكِمِ وَتَحَاكَمُوا بِمَعْنًى وَالْمُحَاكَمَةُ الْمُخَاصَمَةُ إلَى الْحَاكِمِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُرَادُ الثَّانِي فَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الْحُكْمِ فِي مَالِكِ إلَى غَيْرِك وَفِي الْمُحِيطِ تَفْسِيرُ التَّحْكِيمِ تَصْيِيرُ غَيْرِهِ حَاكِمًا، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهُوَ تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ التَّحْكِيمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[شَرْطُ التَّحْكِيم]

وَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِ بِالْكَسْرِ الْعَقْلُ لَا الْحُرِّيَّةُ فَتَحْكِيمُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ صَحِيحٌ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِيهِ فَتَحْكِيمُ الذِّمِّيِّ ذِمِّيًّا صَحِيحٌ وَتَحْكِيمُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ فَإِنْ حَكَمَ ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بَطَلَ الْحُكْمُ وَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْ جِهَةِ الْمُحَكَّمِ بِالْفَتْحِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْقَضَاءِ بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَلَوْ حَكَّمَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ لَمْ يَصِحَّ وَتُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَهُ وَوَقْتَ الْحُكْمِ جَمِيعًا فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا فِي الْمُقَلِّدِ وَلَوْ حَكَّمَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَحَكَمَ الْحُرُّ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا حَكَّمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّحْكِيمِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَنْفُذْ وَلَوْ حَكَمَ ذِمِّيٌّ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فَأَجَازَا لَمْ يَجُزْ كَحُكْمِهِ

ــ

[منحة الخالق]

[بَابُ التَّحْكِيمِ]

ِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُقَلَّدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ مَنْ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ.

ص: 24

ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي حَقِّ كَافِرٍ فَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَيَنْفُذُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا وَلَمْ يَقُولُوا لَوْ صَلَحَ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْمُحَكَّمُ فَتُشْتَرَطُ وَقْتَ التَّقْلِيدِ وَالْقَضَاءِ كَمَا عَلِمْته وَزَادَ الْحُكْمُ اشْتِرَاطَهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ.

وَصِفَتُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ الْجَوَازُ وَبَعْدَهُ اللُّزُومُ وَجَوَازُهُ بِالْكِتَابِ {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ خُصُوصًا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَابْعَثُوا عَائِدٌ إلَى الْحُكَّامِ الْعَائِدِ إلَيْهِمْ ضَمِيرُ فَإِنْ خِفْتُمْ وَلِأَنَّ الْحَكَمَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصْلُحُ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فَهُوَ وَكِيلٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَبِالسُّنَّةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَأَتَوْنِي فَحَكَمْت بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ عَنِّي الْفَرِيقَانِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَا أَحْسَنَ هَذَا» وَأُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَمِلَ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا اتَّفَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِهِ فِيهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ مُنَازَعَةٌ فِي نَخْلٍ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ زَيْدٌ فَقَالَ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَأَتَيْتُك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ قَدْ خَلَا بَيْتُهُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ جَوْرِك وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي فَقَالَ أُبَيٌّ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنُصَدِّقُهُ وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ التَّلْبِيسُ وَإِنَّمَا هِيَ لِاشْتِبَاهِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهِمَا فَتَقَدَّمَا إلَى الْحُكْمِ لِلتَّبْيِينِ لَا لِلتَّلْبِيسِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ وَإِنَّ زَيْدًا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى اهـ.

فَعَلَى هَذَا إذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ فَلْيَحْفَظْ وَفِي الْمُحِيطِ الْإِمَامُ الَّذِي اسْتَعْمَلَ الْقَاضِي أَمَرَ رَجُلًا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَازَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ يَأْتِي إلَى الْعَالِمِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَبْعَثُ إلَيْهِ لِيَأْتِيَهُ وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ النَّاسِ.

وَأَمَّا إلْقَاءُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ فَاجْتِهَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» «وَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ» وَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ وَاجْتِهَادُ عُمَرَ عَلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ عُمُومِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَلِفِ صَادِقًا وَامْتِنَاعُ عُثْمَانَ حِينَ لَزِمَتْهُ كَانَ لِأَمْرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا وَتَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبَعْضُ عُلَمَائِنَا كَانُوا يَقُولُونَ أَكْثَرُ قُضَاةِ عَهْدِنَا فِي بِلَادِنَا أَكْثَرُهُمْ مُصَالِحُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ حَكَمًا بِتَرَافُعِ الْقَضِيَّةِ إلَيْهِمْ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرَّفْعَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّحْكِيمِ بَلْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ قَاضٍ مَاضِي الْحُكْمِ وَرَفْعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ بِالْإِشْخَاصِ وَالْجَبْرِ فَلَا يَكُونُ حَكَمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي ابْتِدَاءً لَكِنْ إذَا تَقَدَّمَ بَيْعٌ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ كَذَا هُنَا وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ الْقَاضِي النَّافِذُ حُكْمُهُ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ اهـ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ الدَّامَغَانِيَّ تِلْمِيذُ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ لَمَّا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِوَاسِطٍ كَانَ يَقُولُ لِلْخَصْمَيْنِ أَنْظُرُ بَيْنَكُمَا فَإِنْ قَالَا نَعَمْ نَظَرَ وَتَارَةً يَقُولُ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ أَمِينُ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْبَحْرِ الَّتِي بِخَطِّهِ أَنْشَدَنِي أَخُونَا الْفَاضِلُ الْمُحَدِّثُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الشَّرَابَاتِيُّ قَالَ أَنْشَدَنِي الشَّيْخُ عَلِيٌّ الدَّبَّاغُ الْحَلَبِيُّ بِأُمَوِيِّ حَلَبَ

خِدْمَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْنُونَةٌ

قَدْ سَنَّهَا آلُ النَّبِيِّ النِّجَابُ

هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى فَضْلِهِ

أَمْسَكَ مِنْ بَغْلَةِ زَيْدٍ الرِّكَابَ

(قَوْلُهُ وَاجْتِهَادُ عُمَرَ) أَيْ حَيْثُ جَعَلَ إلْقَاءَهُ الْوِسَادَةَ جَوْرًا وَالْمُرَادُ بِالْحَالَةِ حَالَةُ الْحُكُومَةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ

ص: 25

نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِحُجَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ لِيُوَافِقَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَإِلَّا يَقَعُ بَاطِلًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ صُلْحِهِمَا وَلَا يَمْلِكَانِ دَمَهُمَا وَلِذَا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَكَذَا إلَّا وِلَايَةً لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ وَحْدَهُ لِمُخَالَفَةِ النَّصَّ فَكَانَ بَاطِلًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا التَّوْكِيلُ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَتْ جِرَاحَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ عَمْدًا أَوْ كَانَتْ قَدْرَ مَا تَتَحَمَّلُهُ وَلَكِنْ الْجِرَاحَةُ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْقِصَاصِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً الْقِصَاصُ لَمْ يَتَمَحَّضْ حَقَّ الْعَبْدِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ حَقَّ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ مَنْعِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهُ كَالْحُدُودِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَوْ صَلَحَ قَاضِيًا جَوَازَ تَحْكِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقَضَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَكِّمَا فَاسِقًا وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ فَلَوْ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَحَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا بَائِنٌ وَحَكَمَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ اهـ.

فَقَوْلُهُ رَجُلًا مِثَالٌ وَالْمُرَادُ إنْسَانًا مَعْلُومًا فَلَوْ حَكَّمَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِجَهَالَةِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ بِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ وَكَّلَ الْحُكْمَ فِي الْخُصُومَةِ وَقَبِلَ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ لِتَعَيُّنِهِ خَصْمًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَخَرَجَ عَنْ الشَّهَادَةِ فِيهَا وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الْحَكَمِ أَوْ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا شَرَائِطَهُ وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِهِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ضَعِيفٌ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَالْحُكْمُ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ إلَخْ سَائِرَ الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ الْمُضَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَقَلَّدَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَزْلُهُ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِعَزْلِهِمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُمَا إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْكِيمِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى وَإِنْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَكِنْ هَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا امْتَنَعُوا مِنْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَقَالُوا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْمَوْلَى كَالْحُدُودِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُفْتَى بِهِ لَا يُكْتَبُ عَلَى الْفَتْوَى وَلَا يُجَابُ بِاللِّسَانِ بِالْحِلِّ وَإِنَّمَا يَسْكُتُ الْمُفْتِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ نَكْتُمُ هَذَا الْفَصْلَ وَلَا نُفْتِي بِهِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ.

وَقَالَ حِمْيَرُ الْوَبَرِيُّ إنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُحَكَّمِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ صُلْحِ الْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْمُحَكَّمِ غُرَمَاءَ الصَّبِيِّ مَسَّ صَهَرْته بِشَهْوَةٍ فَانْتَشَرَ لَهَا فَحَكَّمَ الزَّوْجَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْحِلِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَنْفُذُ قَالَ رضي الله عنه

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ قَالَ رضي الله عنه -

ص: 26

نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ لَكِنْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي أَمْثَالِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ مُخْتَلَفٌ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ هُوَ النَّفَاذَ إذَا حَكَّمَاهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَرَى وَإِذَا كَانَ التَّحْكِيمُ لِيَحْكُمَ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَاهُ الْمُحَكَّمُ كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ نَفَاذِ قَضَائِهِ، تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ زَنَى بِهَا ابْنُهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَسُكْنَى فَحَكَمَ بِالْحِلِّ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ أَوْ حَكَمَ تَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يُكْتَبُ أَيْ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ.

وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ ضَعِيفٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي فَعَلَى هَذَا الْمُحَكَّمِ يَسْتَحْلِفُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ وَصِيًّا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَرِيمَ الْمَيِّتِ

(قَوْلُهُ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) يَعْنِي إذَا رَفَعَا حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي وَتَدَاعَيَا عِنْدَهُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِهِ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ وَفَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُحَكَّمُ إذَا حَلَفَ لَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ حَكَّمَ رَجُلًا فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ ثُمَّ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجَازَ الْمَعْدُومَ وَإِجَازَةُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ بَاطِلٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ لَمْ يُمْضِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِإِبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِي إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ إبْطَالُهُ أَيْ عَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَهُ لَوْ رُفِعَ إلَى حَكَمٍ آخَرَ حَكَّمَاهُ بَعْدَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّانِيَ كَالْقَاضِي يُمْضِيهِ إنْ كَانَ يُوَافِقُ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ لَوْ رَجَعَ الْمُحَكَّمُ عَنْ حُكْمِهِ فَقَضَى لِلْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ الْحُكُومَةُ بِالْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْقَاتِلِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى هَذِهِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرَاضِيهِمَا عَلَى كَوْنِهِ حَكَمًا بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي. الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْدَهُ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَسْتَفْتِيَ فُلَانًا ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَ جَازَ كَالْقَضَاءِ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ تَوَقَّتَ بِهِ.

الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. السَّادِسَةُ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِعِتْقِ الشُّهُودِ مِنْ التَّعْدِيلِ إلَى الْمَوْلَى الْمَالِكِ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ شَهِدَا عِنْدَ مُحَكَّمٍ عَلَى حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَانِ فَقَالَا كُنَّا عَبْدَيْنِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ إلَّا أَنَّهُ أَعْتَقَنَا وَبَرْهَنَا عَلَى ذَلِكَ فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ جَازَ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ مِنْ التَّعْدِيلِ الثَّابِتِ عِنْدَهُ إلَى حَقِّ الْمَوْلَى الْغَائِبِ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْإِعْتَاقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ ضَمِنَهَا لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَرْضَ فَصَحَّ التَّحْكِيمُ فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ فَتَرَاضَيَا الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ عَلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدَيْنِ بِالْمَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَلَى كَفَالَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ جَائِزًا عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ.

السَّابِعَةُ كِتَابُ الْمُحَكَّمِ إلَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ. الثَّامِنَةُ لَا يَحْكُمُ الْمُحَكَّمُ بِكِتَابِ قَاضٍ

ــ

[منحة الخالق]

نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَائِهِ صَحِيحٌ إلَخْ.

(قَوْلُهُ الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ) يَعْنِي لَا يُفْتَى الْمُفْتِي بِهِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ أَمَّا حُكْمُ الْمُحَكَّمِ بِهِ فَنَافِذٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَزَادَ أَنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا

ص: 27