المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نساء عاقلات - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: أول - صلاح البيوت

[محمد علي محمد إمام]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌مقصد خلق الإنسان

- ‌آياتوردت في الرجال والنساء

- ‌المرأة والمساواة

- ‌القوامة

- ‌نماذجمن إيمان النساء بالغيب وتكذيب المشاهد

- ‌يقين المرأة المسلمة

- ‌من روائعالحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌امتثالأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أحلىوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نساء عاقلات

- ‌مُعيناتعلى الخير

- ‌نساءيراقبن الله جل جلاله

- ‌نساء ورعات

- ‌نساءمخلصات

- ‌نساءخائفات

- ‌نساءعابدات .. قوامات

- ‌نساء فقيهات

- ‌نساءوفيات لأزواجهن

- ‌نساء صابرات

- ‌نساءيُحببن الإنفاق

- ‌نساء مضحيات

- ‌مواقف بطوليةمن صنع النساء

- ‌حب النساءللجهاد والخروج في سبيل الله

- ‌حب الشهادةفى سبيل الله

- ‌أين الملتقي

- ‌أجرالخارج فى سبيل الله

- ‌ثوابالمرأة إذا خَلَفَت زوجها

- ‌حرمة نساء المجاهدين

- ‌وافدة النساء

- ‌المرأة والشورى

- ‌الحثعلى التعليم

- ‌تربية الأولاد

- ‌النيةفى تربية الأولاد

- ‌الصفات الإيمانية

- ‌التربيةعلي الإيمان وأثرها الطيب

- ‌نماذجمن أدب أولاد الصحابة

- ‌الهمة العاليةلشباب سلف الأمة

- ‌النبوغ

- ‌نصائح غاليةفي تربية الأولاد

- ‌من وصايالقمان الحكيم للأبناء

- ‌مرحلة ما قبل التكليف

- ‌القدوة المفقودة

- ‌تعريضالأولاد لرحمة الله

- ‌الصبرعلى تربية الأولاد

- ‌وقرن فى بيوتكن

- ‌الخلوة

- ‌مصافحةالرجل للمرأة الأجنبية

- ‌آداب الطريق للمرأة

- ‌أدلةحجاب المرأة المسلمة

- ‌كلمة لكل فتاة

- ‌زينة المرأة الحياء

- ‌إلي عشاق الموضة

- ‌دعوة لكل مؤمن

- ‌حياة البساطة

- ‌القناعة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلميمزح

- ‌حق الزوجة

- ‌حق الزوج

- ‌الخدمة

- ‌رفقا بالقوارير

- ‌أفراحنا

- ‌بنات الصالحين

- ‌قدرة المرأة العقلية

- ‌جرأة وشجاعة

- ‌ورع وتقوى

- ‌رسالة من عالم

- ‌حسن الأخلاق

- ‌مكارم الأخلاق

- ‌مركبانالشكر والصبر

- ‌الرضا

- ‌إنصاف البنات

- ‌رفيدة الأنصارية

- ‌أم عطية الأنصارية

- ‌أم الدرداء الصغرى

- ‌أم البنين

- ‌عمرةتلميذة عائشة

- ‌ذكر الله جل جلاله

- ‌صوامة قوامة

- ‌غيرة عائشة

- ‌خمس بخمس

- ‌نسيان الجميل

- ‌وفى صلاة الخسوف:

- ‌المرأة السوء

- ‌البسوس

- ‌المرأة الصالحة

- ‌سفعاء الخدين

- ‌اظفر بذات الدين

- ‌موجبات الجنة

- ‌من جميلالشعر فى النساء

- ‌من جميلما يروى فى حلم النساء

- ‌لاحت أعلام الهداية

- ‌الضعيفين

- ‌أدوات تجميل

- ‌أطيب الطيب

- ‌صفاتيجب أن تتخلص منها النساء

- ‌كاسيات عاريات

- ‌نساء ملعونات

- ‌امرأة وامرأة

- ‌نصيحة عمرية

- ‌نصائح غالية

- ‌الحذر .. الحذرمن غضب الزوج

- ‌تفقد الزوجة لحال زوجها

- ‌أعظم الناس حقاً

- ‌أجر المرأةالحامل والمرضع

- ‌موت فى طاعةخير من حياة فى معصية الله عز وجل

- ‌أم حارثة

- ‌نصيحة لكل زوج

- ‌الصلاة .. الصلاة

- ‌العفاف

- ‌نساء مؤمنات يوافقهن القرآن

- ‌وصية أم لولدها

- ‌الصبر على الأزواج

- ‌امرأة فرنسية

- ‌صفات تُحبها النساء

- ‌المرأة داعية إلى الله عز وجل

- ‌فتاوى

- ‌مقتطفاتمن بيانات النساء

- ‌من أقوالالشيخ سعيد أحمد رحمه اللهفى جهد النساء

- ‌مذاكرةفي جهد النساء

- ‌آداب وأصولفى الجهد علي النساء

- ‌وختاما

- ‌المراجع

الفصل: ‌ ‌نساء عاقلات - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: أول

‌نساء عاقلات

- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:

أول زوج لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت امرأة عاقلة ذات مال يرغب فيها الرجال.

ومن رجاحة عقلها:

1) رغبت عن الأزواج، واختارت النبي محمد صلى الله عليه وسلم زوجا لها .. لما رأت فيه من علامات النبوة.

2) المسارعة إلي الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكانت أول من آمن من الرجال والنساء

3) واست النبي صلى الله عليه وسلم بمالها، وفرغته لجهد الدين والدعوة إلي الله عز وجل.

4) ما أغضبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.

5) قصتها في كشف رأسها لتعرف الملك الذي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في حراء ملك .. أم شيطان.

6) ولما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله زوجه في الجنة بمريم عليها السلام، وآسية امرأة فرعون، ما غضبت بل قالت: بالرفاء والبنين.

ص: 62

- أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها:

من رجاحة عقلها:

حينما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزلت عليه {: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} (1).

فقال: يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. فماذا قالت؟ انظر إلي رجاحة العقل، قالت: أفيك يا رسول الله! استشير أبواي، بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة (2).

وفي رواية لمسلم أيضا: معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بدأ بي فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن فقال إن الشهر تسع وعشرون (3)

ففي قول أم المؤمنين السيدة عائشة: أعدها تعبير موحي بتعلق قلب الزوجة

(1) سورة الأحزاب الآيتان من 28: 29.

(2)

انظر صحيح مسلم شرح النبوي 10/ 81.

(3)

انظر صحيح مسلم _ باب الشهر يكون تسعا وعشرين يوما.

ص: 63

المحبة الودود لزوجها، وترقبها لعودته إليها ليلة ليلة، وساعة ساعة، وفيه تودد وتحبب واستمالة لقلب الزوج المحب المشتاق، إذ بدأ بها قبل غيرها من نسائه.

وعن الأسود قال: قلت لعائشة: إن رجلا من الطلقاء يبايع له – يعني معاوية – قالت: يا بني! لا تعجب، هو ملك الله يؤتيه من يشاء (1).

انظروا وتأملوا إلي رجاحة عقلها.

- أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

أسلمت قديما وبايعت، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له " السكران بن عمرو بن عبد شمس " أخو سهيل بن عمرو .. وأسلم معها رضي الله عنه وهاجر معا إلي الحبشة في الهجرة الثانية، ولما قدما مكة، رأت سودة في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرا أنقض عليها، وهي مضجعة، فأخبرت زوجها، فقال: إن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت، وتتزوجين من بعدي، واشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلا قليلا ثم مات، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن رجاحة عقلها:

روى أبو عمر عن عائشة رضي الله عنه قالت لما أسنت سودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها، فقالت: " لا تطلقني وأنت في حل مني، فأنا أريد أن أحشر في أزواجك، وإني وقد وهبت يومي لعائشة، وإني لا أريد ما تريد النساء

(1) مصنف ابن أبي شيبة 6/ 186.

ص: 64

، فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفي عنها مع سائر من توفي عنهن من أزواجه (رضي الله تعالى عنهن). (1)

- أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها:

من رجاحة عقلها: إشارتها علي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، أن يحلق رأسه وينحر هديه فيتأس به والقصة بتمامها في باب مشاورة النساء.

- عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنها:

أبوها زيد رضي الله عنه مات على الحنيفية السمحة ملة إبراهيم عليه السلام .. وأخوها سعيد بن زيد رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة.

كانت من أجمل نساء قريش .... تزوجها عبد الله بن أبى بكر رضي الله عنه، فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حباً شديداً فثقل ذلك على أبيه، فمر به أبو بكر يوما، وهو في غرفة له، فقال: يابنى إنى أرى هذه المرأة قد أذهلت رأيك، وغلبت على عقلك، فطلقها .... قال عبد الله: لست أقدر علي ذلك، قال: أقسمت عليك إلا طلقتها، فلم يقدر على مخالفه أبيه فطلقها، فجزع عليها جزعاً شديداً، وامتنع عن الطعام والشراب .... فقيل لأبى بكر: أهلكت عبد الرحمن، فمر به يوما ً، وعبد الله لا يراه وهو مضجع في الشمس ويقول:

والله ما أنساك ما ذر شارق

وما ناح قمري الحمام المطوق

فلم أر مثلى طلق اليوم مثلها

ولا مثلها فى غير شئ يطلق

(1) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 12/ 105.

ص: 65

لها خلق عف ودين ومحتد

وخلق سوى في الحياء ومنطق

فسمعه أبوه فرق له، وقال له: راجعها يابني! فراجعها، وأقامت عنده وكان يحبها حباً شديداً فجعل لها حديقة على أن لا تزوج بعده فرمى بسهم يوم الطائف فانتقض بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ترثيه:

فآليت لا تنفك عيني سخينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فتى طول عمري ما أرى مثله فتى

أكر وأحمى في الصباح وأخيراً

إذا شرعت فيه الأسنة خافها

إلى القرن حتى يترك الرمح أحمراً

فخطبها عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) قالت: قد كان أعطاني حديقة أن لا أتزوج، قال: فاستفتى، فاستفتت على بن أبى طالب رضي الله عنه فقال: ردى الحديقة إلى أهله وتزوجي! فتزوجها عمر رضي الله عنه في خلافته ودعا الناس إلى وليمته فأتوه، فلما فرغ من الطعام وخرج الناس، قال له على بن أبى طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ائذن لي في كلام عاتكة حتى أهنيها، وأدعوا لها بالبركة، فذكر عمر ذلك لعاتكة، فقالت: إن أبى الحسن فيه مزاح، فأذن له يا أمير المؤمنين، فأذن له، فقال: يا عاتكة!

وآليت لا تنفك عيني سخينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فقال عمر رضي الله عنه: غفر الله لك لا تفسد علىَّ أهلي!

ص: 66

من رجاحة عقلها وقوة إيمانها:

أن عمر رضي الله عنه قال لها يوما وقد غضب عليها: لأسوأنك؟ فقالت له: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذا هداني الله عز وجل؟!! قال: لا .. قالت: فبمَ تسوء ني إذا؟

لله درها من امرأة صالحة عاقلة0

وظلت عنده حتى قتل، فلما قتل جزعت عليه جزعاً شديد

وقد رثته عاتكة (رضى الله عنها) بشعر قد ذكره الحاكم في المستدرك:

عين جودي بعبرة ونحيب

لا تمل على الإمام الطيب

فجعتني المنون بالفارس المعلم

يوم الهياج والتأنيب

عصمة الدين والمعين على الدهر

وغيث الملهوف والمكروب

قل لأهل الضراء والبؤس موتوا

إذا سقتنا المنون كأس شعوب (1)

o وقالت فيه أيضا:

فجعني فيروز لا در دره

بأبيض تال للكتاب منيب

رؤوف علي الأدني غليظ علي العدي

أخي ثقة في النائبات مجيب

متي ما يقل لا يكذب القول فعله

سريع إلي الخيرات غير قطوب (2)

ثم تزوجت بعده الزبير بن العوام وكان رجلا غيورا، وكانت تخرج إلى المسجد كعادتها مع أزواجها، فشق ذلك عليه وكان يكره أن ينهاها عن الخروج

(1) الحاكم في المستدرك ـ كتاب معرفة الصحابة ـ 3/ 94.

(2)

المرجع السابق.

ص: 67

إلى الصلاة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " رواه أحمد وأبو داود 0

فعرض لها ليلة في ظهر المسجد وهى لا تعرفه، فضرب بيده عجيزتها ثم انصرف، فقعدت بعد ذلك عن الخروج إلى المسجد

وكان يقول لها: ألا تخرجين يا عاتكة؟ فتقول: كنا نخرج إذا الناس ناس وما بهم من بأس، وأما الآن فلا .. ثم قُتل عنها الزبير، قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع وهو نائم .. وقد رثته فقالت:

غدر ابن جرموز بفارس نهمة

يوم اللقاء كان غير معرد

ياعمرو لونبهته لوجدته

لا طايشا رعش البنان ولا اليد

ياعثكلتك أمك إن ظفت بفارس

لافيما مضي مما يروح ويغتدي

ثكلتك أمك إن ظفرت بفارس

فيما مضي مما يروح ويغتدي

كم غمرة قد خاضها لم يثنه

فيعنها طرادك يابن فقع الفدفد

كم غمرة قد خاضها لم يثنه

عنها طرادك يا بن فقع الفدفدى

والله ربك إن قتلت لمسلما

والله ربك إن قتل يا مسلماً

حلت عليك عقوبه المتعمد (1)

ثم تزوجها بعده محمد بن أبى بكر رضي الله عنه فقتل عنها بمصر، فقالت: لا أتزوج بعده أبداً إني لأحسبنى أنى لو تزوجت جميع أهل الأرض لقتلوا عن آخرهم. (2)

(1) الحاكم المستدرك 3/ 368.

(2)

انظر حياة الصحابة 1/ 694 ـ المستطرف في كل فن مستطرف.

ص: 68

- أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها:

من رجاحة عقلها:

أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر رضي الله عنه معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق به معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة رضي الله عنه وقد ذهب بصره فقال: والله! إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً. قالت: وأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقالت: يا أبت! ضع يدك علي هذا المال. قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذ كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغٌ لكم، والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك. كذا في البداية (1). وهذا الذي فعلته من رجاحة عقلها رضي الله عنها.

ومن رجاحة عقلها أيضا:

عندما جلست معها ابنها البطل الشهيد عبد الله بن الزبير أيام محاصرة الحجاج له في الحرم فقال لها: والله ما أخاف إلا أن يمثل بي. فقالت له: وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.

وقتل البطل الشهيد .. حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك يا أبا خبيب .. السلام عليك يا أبا خبيب ..

(1) حياة الصحابة 2/ 151.

ص: 69

السلام عليك يا أبا خبيب .. أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا .. والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! إن كنت ما علمت صواماً قواماً وصولا للرحم .. أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله فأرسل إليه فأنزل عن جذعه فألقى في قبور اليهود، ثم أرسل إلي أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله لا آيتك حتى تبعث إلىّ من يسحبني بقروني فقال: أروني سبتي فأخذ نعليه ثمّ انطلق يتوذف حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبى بكر من الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا، ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها. رواه مسلم (1)

وقيل لابن عمر: إن أسماء في ناحية المسجد فمال إليها وقال: إن هذا الجسد ليس بشىء؛ وإنما الأرواح عند الله فاتقى الله واصبري، فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيٍّ من بغايا بنى إسرائيل. (2)

(1) صحيح مسلم - شرح النووي 16/ 99.

(2)

سير النبلاء 2/ 295.

ص: 70

- أسماء بنت عميس) رضي الله عنها:

عن الشعبي قال: تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسماء بنت عميس رضي الله عنها فتفاخر ابنها محمد بن جعفر، ومحمد بن أي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك فقال لها علي رضي الله عنه:اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شابا خير من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر، فقال لها: فما أبقيت لنا (1)(2).

انظروا إلي هذه المرأة العاقلة التي فضت النزاع بينهما بحسن التصرف في القول، فانصفت كل من زوجيها جعفر الطيار وعمر الفاروق رضي الله عنهما حتي قال لها علي رضي الله عنه علي سبيل المزاح، فما أبقيت لنا؟.

- أم سليم رضي الله عنها:-

عن أنس (رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وأنا ابن ثمان سنين فأخذت أمي بيدي فانطلقت بي الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله. إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الانصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر علي ما أتحفك به، إلا ابني، فخذه فليخدمك ما بدا لك، فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما ضربني ولا سبني سبة، ولا عبس في وجهي.

(1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 7/ 490.

(2)

وفي الطبقات الكبري لابن سعد (7/ 108): فقال علي: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الذي قلت لمقتك، فقالت أسماء: إن ثلاثة أنت أقلهم لخيار.

ص: 71

وعن أنس أن أم سليم قالت: يا رسول الله! أنس خادمك، ادع الله له، فقال:" اللهم أكثر ماله وولده ". رواه البخاري.

وفي رواية له: " اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه ".

يقول أنس: فإني لمن أكثر الأنصار مالاً، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلي مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة .. وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان فيها ريحان يجيء، منه ريح المسك. (1)

انظر إلي هذه المرأة العاقلة التي خدمت دين الله عز وجل .. فبخدمة أنس لرسول الله خدمة لدين الله تعالي، وما غفلت أن، تطلب الدعاء من رسول الله لأنس، فدعا له فنال خيري الدنيا والآخرة .. وما تركت الغزو مع رسول الله في صحبة زوجها أبو طلحة .. ولقد وجدت لها شبيهة في بني إسرائيل، فعن القاسم بن محمد، قال: هلكت امرأة لي، فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني فيها، فقال: إنه قد كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم، عابد مجتهد، وكانت له امرأ ة، وكان بها معجبا ولها محبا، فماتت فوجد عليها وجدا شديدا، وألقي عليها أسفا حتى خلى في بيت، وأغلق على نفسه، واحتجب عن الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد، وإن امرأة سمعت به، فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجة استفتيه فيها ليس يجزيني إلا أن أشافهه بها، فذهب الناس، ولزمت الباب، فأخبر، فأذن لها، فقالت: إني جئتك أستفتيك في أمر، قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حُليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا، ثم إنهم أرسلوا إليًَ فيه أفأرده إليهم؟ فقال: نعم والله، قالت: إنه مكث عندي زمانا، فقال: ذلك أحق لردك إياه حين أعار وكوه زمانا، فقالت له: يرحمك الله! فأتأسف علي ما أعارك الله! ثم أخذه منك وهو أحق به منك؟! فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها. رواه مالك في الموطأ

(1) تاريخ الإسلام للذهبي 3/ 107.

ص: 72

- كتاب الجنائز – باب جامع الحسبة في المصيبة.

ولكن هناك فرق كبير بين أم سليم وامرأة بني إسارئيل، لأن أم سليم، المصاب هو فلذة كبدها، والإسرائيلية ليست المصيبة مصيبتها فكان الشبه في الموعظة فقط 0

- سعيره وكنيتها أم زفر رضي الله عنها:

عن عطاء بن أبى رباح قال: قال لي ابن عباس صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى فقال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك. فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. متفق عليه. (1). انظروا إلي عقل هذه المرأة المؤمنة كيف آثرت مشقة الدنيا لراحة الآخرة.

- أم أيمن رضي الله عنها:

وهى بركة، حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأم أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثها وخمسة أجمال وقطعة غنم، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة، فتزوجها عبيد بن يزيد من بني الحارث بن الخزرج، فولدت له أيمن، فقتل يوم خيبر شهيدا، وكان زيد بن حارثه لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه أم أيمن فولدت له أسامة بن زيد

(1) رياض الصالحين – باب الصبر ص 63 – السيرة الشامية للصالحى.

ص: 73

وكان يحبها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لها: " يا أمه " .. وكان إذا نظر إليها قال: " هذه بقية أهل بيتي ". رواه الحاكم (1).

وفي صحيح مسلم قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر

- الصد يق والفاروق يزرنها:

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها: ما يبكيك، أما تعلمين أن ما عند الله خيرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم. (2)

أختي المسلمة: انظري إلى هذه المرأة العاقلة لماذا تبكى؟ لأن الوحي قد انقطع من السماء .. معناه: أنها تريد أوامر جديدة من الله عز وجل ولكن بانقطاع الوحي انقطعت الأوامر. ولما قتل الفاروق عمر رضي الله عنه بكت

(1) مستدرك الحاكم – كتاب معرفة الصحابة 4/ 63.

(2)

رياض الصالحين - باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم ص 186.

ص: 74

، لعلمها أن عمرا كان للإسلام حصنا حصينا، ونصرا مبينا .. ولذلك قيل لها في بكائها علي عمر، فقالت: اليوم وَهَي الإسلام (أي ضعف). (1)

- زوجة أبى حمزة:

هجر ابو حمزة الضبى زوجته لأنها ولدت بنتاً ولم تلد ولداً .. وأراد الزواج من أخرى وأخذ يتبادل الزيارات مع الجيران بغية الزواج، وذات يوم دخل بيت جيرانه فرأته زوجته فأخذت تداعب أبنتها بابيات من الشعر بصوت عال وهى ترقصها:

ما لأبى حمزة لا يأتينا

يظل فى البيت الذى يلينا

غضبان ألا نلد البنينا

تالله ما ذلك فى أيدينا

ونحن كالأرض لزارعينا

ننبت ما قد زرعوه فينا

(1) الإصابة لابن حجر 8/ 172.

ص: 75

فعاد الزوج إلى زوجته الحكيمة العاقلة، ودخل عليها الخباء فقبل رأس امرأته وابنته، وقال: ظلمتكما ورب العكبة (1).

- هاجر عليها السلام:

ما أعقلها حينما جاءها إبليس عليه لعنة الله، فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب في حاجته، قال: فإنه يريد أن يذبحه، قالت: وهل رأيت والدا يذبح ولده؟ قال: هو يزعم أن الله أمره بهذا، قالت: فقد أحسن حيث أطاع ربه .. وحينئذ علمت أنه إبليس فحملت حصيات ورجمته.

- ملكة سبأ:

قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الهدهد يدل سليمان عليه السلام علي الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه، أمر سليمان عليه السلام الجان فحفروا له ذلك المكان، حتى يستنبط الماء من قراره. فنزل سليمان يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يراه: {فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ * لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *وَجَدتّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشّمْسِ مِن

(1) انظر تربية الأولاد للصابونى – البيان والتبيين للجاحظ 1/ 108.

ص: 76

دُونِ اللهِ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلاّ يَسْجُدُواْ للهِ الّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ *اللهُ لَا إِلََهَ إِلاّ هُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بّكِتَابِي هََذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ* قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلاُ إِنّيَ أُلْقِيَ إِلَيّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنّهُ بِسْمِ اللهِ الرّحْمََنِ الرّحِيمِ* أَلاّ تَعْلُواْ عَلَيّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ * قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ*وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِي اللهُ خَيْرٌ مّمّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنّهُم بِجُنُودٍ لاّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنّهُم مّنْهَآ أَذِلّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ*قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الْجِنّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مّقَامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِينٌ * قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هََذَا

ص: 77

مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ رَبّي غَنِيّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أَمْ تَكُونُ مِنَ الّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنّا مُسْلِمِينَ* وَصَدّهَا مَا كَانَت تّعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ* قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنّهُ صَرْحٌ مّمَرّدٌ مّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ} (1)

من رجاحة عقلها:

أنها لما أُلقى إليها كتاب سليمان عليه السلام، قرأته ثم استشارت وزرائها في أمرها وما قد نزل بها {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ} أي تحضرون {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}

أي نحن أشداء إن شئت أن تقصديه وتحاربيه، وبعد هذا إن الأمر إليك نمتثله لها ما قالوا، كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، لا قبل لها بجنوده وجيوشه، وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب

(1) سورة النمل – الآيات من 20: 44.

ص: 78

مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا فقالت لهم: إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إليَّ واليكم الهلاك والدمار دون غيرنا {إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونََ}

ثم عدلت إلي المصالحة والمهادنة والمسالمة فقالت: {وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُون} من جوابه عليه السلام فلعله يقبل ذلك منا، فكيف عنا، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا.

وقال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها، علمت أن الهداية تقع موقعا من الناس.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: قالت لقومها: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه. وهذا من أقوى الأدلة علي رجاحة عقلها حيث أمرت قومها باتباعه إن كان نبيا .. فكانت مشورتها مع قومها سببا لنجاتها ونجاة قومها وسبب إسلامها وسعادتها في الدارين: في الدنيا بالإسلام والزواج بنبي الله سليمان عليه السلام، وفي الآخرة بالخلود في الجنان. (1)

(1) انظر القصة بتمامها في تفسير ابن كثير 2/ 668.

ص: 79

- جارية سليمان بن عبد الملك:

يروي أن سليمان بن عبد الملك تجمل يوما ولبس ثيابه واعتم بعمامة، وعنده جارية فقال لها: كيف ترين الهيئة. قالت: أنت أجمل العرب لولا

فطلب منها أن تكمل الجواب وتصرح بما أضمرت. فقالت:

أنت نعم المتاع لو كنت تبقي

غير أن لا بقاء للإنسان

أنت خال من العيوب ومما

يكره الناس غير أنك فان (1)

- فتاة:

عن عائشة رضي الله عنها، أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته، وأنا كارهة، قلت اجلسي حتي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأرسل إلي أبيها، فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله! قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. (2) ما أعقل هذه الفتاة وحسن أدبها مع أبيها، حيث أنها عرفت أن الحق معها ثم تنازلت عنه لأبيها أدبا منها.

(1) فانظر ترجمته في كتاب تاريخ الإسلام 3/ 142 – والبداية والنهاية لابن كثير.

(2)

سنن النسائي – كتاب النكاح – باب البكر يزوجها أبوها وهى كارهة 3/ 404، وابن ماجه في كتاب النكاح باب من زوج ابنته وهى كارهة 2/ 602.

ص: 80

- جارية:

وبينما رجل يجلس في بيته، ومعه جاريته، فإذا به يسمع رجل يمشي في الشارع ومعه أدوات اللهو يلهو بها في الشارع. فقال لجاريته: انظري هذا الرجل هل هو حر أم عبد؟ فخرجت الجارية ورجعت فقالت: إنه حر، فخرج مسرعا ليعرف من هو .. فإذا به يجده عبدا، فقال لها: ألم تقولي إنه حر، وهو عبد. فقالت: لو كان عبدا ما فعل هذا!!!

- زوجة شعيب بن حرب:

أراد شعيب بن حرب أن يتزوج امرأة ، فقال لها: إني لسئ الخلق ، فقالت: أسوأ خلقا منك من يحوجك إلى أن تكون سيئ الخلق.

- عجوز بني اسرائيل:

عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُئل عن شيء فأراد أن يفعله، قال نعم، وإذا أراد أن لا يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء لا، فأتاه أعرابي، فسأله فسكت، ثم سأله فسكت، ثم سأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كهيئة المنتهر له:" سل ما شئت يا أعرابي "، فغبطناه، وقلنا: الأن يسأل الجنة، قال: أسألك راحلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لك ذلك " ثم قال:"سل" قال: ورحلها، قال:"لك ذلك" ثم قال:" سل" قال: أسألك زاداً، قال:" ذاك لك " قال: فعجبنا من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني اسرائيل"، ثم قال:" إن موسى عليه السلام لما أمر أن

ص: 81

يقطع البحر فانتهى إليه فضرب وجوه الدواب فرجعت، فقال موسى عليه السلام: مالي يا رب! قال: إنك عند قبر يوسف فاحمل عظامه معك " قال: وقد استوى القبر بالأرض فجعل موسى لا يدري أين هو، فسأل موسى: هل يدري أحد منكم أين هو؟ فقالوا: إن كان أحد يعلم أين هو، فعجوز بني فلان، لعلها تعلم أين هو، فأرسل إليها موسى فانتهى إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت: ما لكم، قالوا: انطلقي إلي موسى، فلما أتته، قال: هل تعلمين أين قبر يوسف؟، قالت: نعم، قال: فدلينا عليه. قالت: لا والله حتى تعطيني ما أسألك قال: لك ذلك، قالت: فإني أسألك أن أكون معك في الدرجة التي تكون فيها في الجنة.، قال: سلي الجنة، قالت: والله! لا أرضى إلا أن أكون معك، فجعل موسى يرادها قال: فأوحى الله إليه أن أعطها ذلك فإنه لا ينقصك شيئاً فأعطاها ودلته علي القبر، فأخرجوا العظام وجازوا البحر. أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له والبغوى (1).

انظر إلي عقل الأعرابي وعقل هذه العجوز تجد بينهما بونا شاسعاً .. فقد طلب الأعرابي دنيا زائلة .. وطلبت العجوز آخرة لا زوال لها ولم تطلب الجنة فحسب بل طلبت الفردوس الأعلى مع أنبياء الله ورسله .. فكم من النساء اليوم يطلبون أشياء الدنيا ويرغمون أزواجهم علي تحصيلها ويكون ذلك علي حساب آخرتهم.

(1) جمع الجوامع للسيوطي برقم 16108، ورواه الحاكم في المستدرك – في كتاب التاريخ

مختصرا 2/ 0571

ص: 82

- زوجة شريح القاضي (رحمهما الله):

قال الشعبي: إن شريح القاضي قال له بعد زواجه من تميمة (امرأة من بني تميم) يا شعبي: عليكم بنساء بني تميم، فإنهن النساء.

فقلت: وكيف هذا؟

قال: مررت بدور لبني تميم، فإذا بامرأة جالسة على وساد، وتجاهها جارية (فتاة) كأحسن ما رأيت، فاستسقيت (أي طلبت أن تسقيني).

فقالت: أي الشراب أعجب لديك؟.

فقلت: ما تيسّر.

قالت: اسقوا الرجل لبنًاً، فإني أخاله غريباً.

فلما شربت، نظرت إلى الجارية، فأعجبتني فقلت: من هذه؟.

قالت: ابنتي.

قلت: ومن؟ (أي من هو أبوها، وأصلها).

قالت: زينب بنت جدير من بني حنظله.

قلت: أفارغة أم مشغولة؟ (أي هل هي ذات زوج أومخطوبة لأحد؟؟).

قالت: بل فارغة.

قلت: أتزوجينيها؟.

قالت: نعم، إ ن كنتَ كفاء.

ص: 83

فتركتها ومضيت إلى منزلي، لأقيل فيه (أي لأقضي فترة القيلولة) فلم يطب لي مقيل، فلما صليت، أخذت بعض إخواني من أشراف العرب، فوافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمها جالس. فقال: أبا أميه ما حاجتك؟ فذكرت له حاجتي، وزوجني، وبارك القوم لي، ثم نهضنا، فما بلغت منزلي، حتى ندمت!! فقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب، وأجفاها، وتذكرت نساء تميم، وغلظ قلوبهن، فهممت بطلاقها، ثم قلت أجمعها (أي أدخل بها، وأتزوجها) فإن لا قيت ما أحب وإلا طلقتها، وأقمت أياماً، ثم أقبل نساؤها يهادينها، فلما أُجلست في البيت، قلت: يا هذه! إن من السنة، إذا دخلت المرأة على الرجل، أن يصلي ركعتين، وتصلي هي كذلك، وقمت أصلي، ثم التفت ورائي، فإذا هي خلفي تصلي، فلما انتهيت، أتتني جواريها فأخذن ثيابي، وألبسنني ملحفة صبغت بالزعفران، فلما خلا البيت، دنوت منها، فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك (أي مهلاً)، فقلت في نفسي: إحدى الدواهي منيت بها (أي مصيبة ابتليت بها) فحمدت الله وصلت على النبي، وقالت: إني امرأة عربية، ولا والله ما سرت سيرا قط، إلا لما يرضي الله، وأنت رجل غريب، لا أعرف أخلاقك (أي لا أعرف طباعك)، فحدثني بما تحب فآتيه، وما تكرهه فأجتنبه، فقلت لها: أحب كذا وكذا (عدّد ما يحب من القول والأفعال والطعام ونحو ذلك) وأكره كذا (كل ما يكره)، قالت: أخبرني عن أصهارك (أهل قرابتك) أتحب أن يزوروك؟، فقلت: إني رجل قاضي، وما أحب أن يملوني.

فقمت بأنعم ليلة، وأقمت عندها ثلاثا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوما إلا هو أفضل من الذي قبله. حتى كان رأس الحول (أي بعد مرور عام)

ص: 84

ودخلت منزلي فإذا عجوز تأمر وتنهى!! فقلت: يا زينب ما هذه!؟ قالت: أمي. قلت: مرحبا. فقالت: يا أبا أمية، كيف أنت وحالك؟.قلت: بخير، أحمد الله. قالت: كيف زوجتك؟.

قلت: كخير امرأة، وأوفق قرينة. لقد ربيّت، فأحسنت التربية، وأدبّت، فأحسنت التأديب.

فقالت: إن المرأة لا ترى في حال أسوأ خلقاً منها في حالتين: (إذا حظيت عند زوجها .. وإذا ولدت غلاما).

فإن رابك منها ريب (لا حظت ما يغضبك منها) فالسوط (أي عليك بضربها).

فإن الرجال ما حازت في بيوتها شراً من الورهاء المدللة.

وكانت كل حول تأتينا مرة واحده، ثم تنصرف بعد أن تسألني كيف تحب أن يزوروك أصهارك؟.

وأجيبها: حيث شاؤوا [أي كما يشاءون] فمكثت معي عشرين سنه، لم أعب عليها شيئاً، وما غضبت عليها قط.

ما نستخلصه من هذه القصة:

1) يجب أن يتحلى الرجل بالتدين والالتزام.

2) على الرجل المسارعة للزواج إذا وقع في نفسه حب فتاة، خشية الفتنة.

3) التحري عن الفتاة، وعن أهلها قبل الارتباط بها.

ص: 85

4) التوكل على الله، وعدم الخوف من المستقبل، والتفاؤل بنجاح الزواج.

5) إتباع السنن المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى في مسائل الزواج.

6) إتباع وسيلة الحوار، والملاطفة مع الزوجة، وخاصة في بداية عهدهما بالزواج لتحقيق التآلف المطلوب بينهما، وإزالة الرهبة من الفتاة.

7) إهتمام الرجل بزينته، أمر مطلوب كما هو الحال عند المرأة. لتدوم المودة بينهما، ويعف كل منهما الآخر عن النظر للغريب [فما يعجب العين، يقع في القلب].

8) إتصاف المرأة برجاحة العقل أمر مهم، حيث أن ذلك يساعد في فهم، ومسايرة الرجل بما يوافق طبعه وخلقه.

9) التفاهم بين الزوجين منذ بدء الحياة الزوجية، يحقق الإستقرار والهدوء والخلو من المشاكل والمشاحنات.

- - - - -

ص: 86