الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقين المرأة المسلمة
- هاجر المصرية (زوجة الخليل إبراهيم .. وأم إسماعيل عليه السلام):
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء إبراهيم عليه السلام بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعها هناك، ووضع عندهما جرابا فيها تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفي إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها .. قالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا
…
ثم رجعت، .... الخ الحديث " رواه البخاري (1)
كم سنه صحبت هاجر إبراهيم عليه السلام حتى تتحصل علي هذا اليقين؟!!
أتدرين أختي المسلمة .. أين كانت تعيش هاجر كانت في بيئة كافرة حتى أخدمها جبار مصر لسارة عليها السلام .. وأنت كم صحبت والديك المسلمين؟، ثم انتقلت من صحبة والديك
…
إلى زوجك المسلم أيضاً .. فكم جاء عندك من اليقين.
وازني بين يقينك، ويقين هاجر عليها السلام .. تصوري، لو أنك مكانها .. على الحال التي كانت عليها حين تركها الخليل إبراهيم، كما وصف ابن عباس عليه السلام، وتركك زوجك وذهب في سبيل الله .. فكيف تفعلين وماذا تقولين؟ ..
(1) رياض الصالحين ـ باب المنثورات والملح صـ633ـ.
- يقين الصديقة مريم عليها السلام:
قال ابن جريج في قوله " وأنبتها نباتا حسنا " قال: نبتت في غذاء الله. (2)
وأجمع المفسرون مثل:" مجاهد .. ابن عباس .. ابن جريج، في قال تعالى:{وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} أنه وجد عندها فاكهة الجنة. الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد .. فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.
فقال زكريا عليه السلام: {أَنّىَ لَكِ هََذَا} يعني من أين لك هذا؟ ومن أتى لك بهذا في غير حينه؟ {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فالذي يقوم علي جهد الدعوة إلي الله عز وجل ويلزم بيوت الله عز وجل .. فالله عز وجل يرزقه اليقين الذي رزقه لمريم عليها السلام، التي تربت في بيت الله " بيت المقدس " فهكذا الله عز وجل يربي أولياءه وأحبابه رجالا ونساء.
(1) سورة آل عمران – الآية 37.
(2)
الدر المتثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 2/ 185.
قال ابن عبّاس وغيره دخل حديث بعضهم في بعض: إنّ الله تعالى لما قبض يوسف وهلك الملك الذي كان معه وتوارثت الفراعنة ملك مصر ونشر الله بني إسرائيل لم يزل بنو إسرائيل تحت يد الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام حتى كان فرعون موسى وكان أعتاهم علي الله وأعظمهم قولًا وأطولهم عمرًا واسمه فيما ذكر الوليد بن مصعب وكان سيء الملكة على بني إسرائيل يعذبهم ويجعلهم خولًا ويسومهم سوء العذاب.
فلما أراد الله أن يستنفذهم بلغ موسى الأشدّ وأعطي الرسالة وكان شأن فرعون قبل ولادة موسى أنه رأى في منامه كأن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت علي بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن رؤياه فقالوا: يخرج من هذا البلد يعنون بيت المقدس الذي جاء بنو إسرائيل منه رجل وقيل: إنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون إليه فقالوا: اعلم أنّا نجد في علمنا أن مولودًا من بني إسرائيل قد أظلّك زمانه الذي يولد فيه يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويبدل دينك فأمر بقتل كلّ مولود يولد في بني إسرائيل.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الإله العظيم الذي لا يخالف أمره ولا يغلب، بل نفذ حكمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلله وتتفاداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السماوات العلا هو القاهرون فيها الغالب العظيم، القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون: أنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم، وغلمانهم يقتلون، ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عاماً وتركهم عاماً، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الوالدان، وولد موسى في السنة التي يقتل فيها الولدان، وكان لفرعون موكلون بذلك وقوابل يدرن على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط، فإن ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن، وإن ولدت غلاماً دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا، قبحهم الله تعالى، فلما حملت أم موسى به عليه السلام لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ولم تفطن لها الدايات، ولكن لما وضعته ذكراً ضاقت به ذرعاً، وخافت عليه خوفاً شديداً وأحبته حباً زائداً، وكان موسى عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه، قال تعالى:{وألقيت عليك محبة مني} فلما ضاقت به ذرعاً ألهمت في سرها ونفث في روعها، كما قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتاً ومهدت فيه مهداً، وجعلت ترضع ولدها، فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وسيرته في البحر وربطته في بحبل عندها، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر، وذهلت أن تربطه، فذهب مع الماء واحتمله حتى مر به على دار فرعون فالتقطه الجواري، فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يفتتن فتحه دونها، فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله
وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها، ولهذا قال:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} الآية، قال محمد بن إسحاق: اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك، قال تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} ، وقوله تعالى:{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} الآية، يعني أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفاً من أن يكون من بني إسرائيل فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه إلى فرعون، فقالت:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} ، فقال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كذلك وهداها الله بسببه وأهلكه الله على يديه، وقوله:{عَسَى أَن يَنفَعَنَا} وقد حصل لها ذلك وهداها الله به وأسكنها الجنة بسببه، وقوله:{عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي أرادت أن تتخذه ولداً وتتبناه، وذلك أنه لم يكن لها ولد منه، وقوله تعالى:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه من الحكمة العظيمة البالغة والحجة القاطعة.
قول تعالى مخبراً عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارغاً، أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى، قاله ابن عباس ومجاهد {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها
لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها لولا أن الله ثبتها وصبرها، فأمرت ابنتها وكانت كبيرة تعي ما يقال لها فقالت لها: اتبعي أثره وخذي خبره، وتطلبي شأنه من نواحي البلد فخرجت لذلك {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قال ابن عباس: عن جانب، وقال مجاهد: وقال مجاهد: بصرت به عن بعيد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده، وذلك أنه لما استقر موسى عليه السلام بدار فرعون، وأحبته امرأة الملك عرضوا عليه المراضع التي في دارهم، فلم يقبل ثدياً وأبى أن يقبل شيئاً من ذلك، فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته، فلما رأته بأيديهم عرفته، ولم يظهر ذلك ولم يشعروا بها، قال تعالى:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ} أي تحريماً قدرياً وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه، ولأن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك سبباً إلى رجوعه إلى أمه لترضعه وهي آمنة بعدما كانت خائفة فلما رأتهم حائرين فيمن يرضعه {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}؟ قال ابن عباس: فلما قالت ذلك أخذوها وشكوا في أمرها، وقالوا لها: وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟ فقالت لهم: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في سرور الملك ورجاء منفعته فأرسلوها، فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم ذهبوا معها إلى منزلهم، فدخلوا به على أمه، فأعطته ثديها، فالتقمه ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وذهب البشير إلى امرأة الملك، فاستدعت أم موسى، وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلاً وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة ولكن لكونه وافق ثديها، ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً ولا أقدر على المقام عندك، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت، فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك وأجرت عليها النفقة والصلات والإحسان الجزيل،
فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية، قد أبدلها الله بعد خوفها أمناً في عز وجاه ورزق دارّ، ولهذا جاء في الحديث:(مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها)، ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليلة، فسبحان من بيده الأمر، يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجاً، وبعد كل ضيق مخرجاً، ولهذا قال تعالى:{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} أي به {وَلَا تَحْزَنَ} أي عليه {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي فيما وعدها من رده إليها وجعله من المرسلين، وقوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أي حكم الله في أفعاله وعواقبها المحمودة، فربما يقع الأمر كريهاً إلى النفوس وعاقبته محمودة في نفس الأمر، كما قال تعالى:{فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} هذه القصة من أعظم القصص في اليقين علي الله جل جلاله، حيث أن الوحي الذي أوحاه الله عز وجل لأم موسى كان وحي إلهام، ومع ذلك امتثلت ما أمرها به ربها مع شدة حبها لابنها
- يقين أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
عندما رجع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من الغار وقص عليها مجيء جبريل عليه السلام، فقال له: اقرأ ...... وأخبرها الخبر، وقال لقد خشيت علي نفسي، فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً
…
إنك لتصل الرحم، وتقرى الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين علي نوائب الحق .. فو الله! لقد صدق يقينها وما أخزاه الله أبدا ..
واختاره لنبوته ورسالته، وجعله خليله .. وحبيبه .. ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.
- يقين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: أن مسكينا سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيها إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيها إياه، قالت: ففعلت، فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدى لنا شاة وكتفها فدعتني عائشة رضي الله عنها فقالت: كلي من هذا! هذا خير من قرصك. (1)
- يقين الزهراء (فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وريحانته (:
فعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما، حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة، فقال:" يا بنية! هل عندك شيء أكله فإني جائع "؟ فقالت: لا والله. فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنه لها وقالت: والله لأوثرن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلي شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها، فقالت له: يا أبي أنت وأمي ـ قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال: هلمي يا بنية بالجفنة .. فكشفت عن الجفنة ـ فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهت وعرفت أنها بركة من الله
…
فحمدت الله تعالى وقدمته إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبت " هو
(1) رواه مالك في الموطأ صـ390ـ.
من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " فحمد الله، ثم قال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله عز وجل رزقا فسئلت عنه، قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " أخرجه أبو يعلى (1)
- يقين المرأة المجادلة: خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها:
عن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخا كبيراً قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليَّ يوما فراجعته بشئ فغضب، فقال، أنت عليَّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت: فواثبني، فامنتعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلي بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقي من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، فو الله! ما برحت، حتى نزل فيَّ قرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه، ثم سري عنه، فقال لي:" يا خويلة قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبك قرآن " ثم قرأ علينا: {
(1) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 2/ 186 - سبل الهدى والرشاد في سيرة
خير العباد).
قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (1) "
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مريه فليعتق رقبة " قالت، فقلت: يارسول الله! ما عنده ما يعتق، قال:" فليصم شهرين متتابعين "، قالت، فقلت: والله! إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال:" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر" قالت، فقلت: والله يا رسول الله! ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإنا سنعينه بفرق من تمر " قالت: فقلت: يا رسول الله! وأنا سأعينه بفرق آخر، قال:" قد أصبت وأحسنت فاذهبي فاتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا " قالت: ففعلت. أخرجه أحمد وأبو داود (2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلي النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: ": {قَدْ سَمِعَ اللهُ} أحرجه البخاري تعليقا والنسائي وابن ماجة (3)
وعنها أنها قالت: تبارك الذي أوعي سمعه كل شئ، إني لأسمع كلام (خولة بنت ثعلبة) ويخفي علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل مالي، وأفني شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا
(1) سورة المجادلة - الآية 1.
(2)
مختصر ابن كثير 3/ 459.
3) المرجع السابق.
كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتي نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية {قَدْ سَمِعَ اللهُ} قالت: وزوجها أوس بن الصامت. أخرجه بن أبي حاتم.
- يقول الفخر الرازي:
هذه الواقعة تدل علي أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له أحد سوي الخالق كفاه الله ذلك الأمر 0
- خولة تنصح عمر بن الخطاب:
يروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر في خلافته علي امرأة، وكان راكبا علي حمار والناس معه، فاستوقفته (خولة بنت ثعلبة) طويلا ووعظته وقالت له: عهدي بك ياعمر وأنت صغير تدعي عميراً، ثم قيل لك: يا عمر، ثم قيل لك: يا أمير المؤمنين فاتق الله! يا عمر، في الرعية 000 واعلم أن من أيقن الموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب 0 وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله! لو حسبتني من أول النهار إلي آخره، لا زلت إلا للصلاة المكتوبة 000أتدرون من هذه العجوز؟ هذه خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر 0 (1)
(1) انظر مختصر تفسير ابن كثير.
- يقين صاحبة التنور رضي الله عنها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل رجل علي أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلي البرية، فلما رأت امرأته قامت إلي الرحى فوضعتها: وإليٍ التنور فسجرته، ثم قالت: اللهم! ارزقنا، فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت قال: وذهبت إلي التنور، فوجدته ممتلئا. قال: فرجع الزوج، قال: أصبتم بعدي شيئا؟ قالت: امرأته: نعم من ربنا، وقام إلى الرحى فذكر ذلك إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" أما أنه لو لم يرفعها لم تزل تدور إلي يوم القيامة " رواه أحمد (1)
فيا لها من امرأة مؤمنة قد امتلأ قبلها إيمانا ويقينا بالله عز وجل.
- يقين المرأة التي أحيى الله عز وجل لها ولدها:
أخرج البيهقي عن عبد الله بن عون عن أنس رضي الله عنه قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم، قلنا: ما هن يا أبا حمزة؟ قال: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلي النساء، وأضاف ابنها إلينا فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله قال: يا أنس! ائت أمه فأعلمها، فأعلمتها، قال: فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما ثم قالت: اللهم: إني أسلمت لك طوعا، وخالفت الأوثان زهدا، وهاجرت لك رغبة. اللهم: لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة، مالا طاقة لي بحملها، قال: فو الله! ما انقضى كلامها حتى حرك
(1) مشكاة المصابيح ـ كتاب الرقاق ـ باب التوكل والصبر 3/ 1461.
قدميه، وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى قبض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحتى هلكت أمه " (1)
- سودة اليمانية رضي الله عنها:
أخرج أبو يعلي عن رزينة رضي الله عنهم مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،أن سودة اليمانية جاءت عائشة تزورها وعندها حفصة بنت عمر رضي الله عنهم، فجاءت سودة في هيئة، وفي حالة حسنة، عليها برد من دروع اليمن وخمار كذلك وعليها نقطتان مثل الفرستين من صبر وزعفران إلي موقها قالت عليلة: وأدركت النساء. يتزين به، فقالت حفصة لعائشة: يا أم المؤمنين! يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه بيننا تبرق (2).
فقالت أم المؤمنين: اتق الله. يا حفصة! فقالت: لأفسدن عليها زينتها، قالت: ما تقلن؟ وكان في أذنها ثقل. قالت لها حفصة: يا سودة! خرج الأعور، قالت: نعم، ففزعت فزعا شديداً، فجعلت تنتفض، قالت: أين أختبيء؟ قالت: عليك بالخيمة! خيمة لهم من سعف يختبئن فيها، فذهبت فاختبأت فيها، وفيها القذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما تضحكان، لا تستطيعان أن تتكلما من الضحك، فقال: ماذا الضحك؟ " ثلاث مرات، فأومأتا بأيديهما إلي الخيمة، فذهب فإذا سودة ترعد، فقال لها: يا سودة! مالك؟ قالت: يا رسول الله! خرج الأعور، قال: " ما خرج وليخرجن، ما خرج وليخرجن "، فأخرجها، فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت "(3) انظروا إلي يقينها وتصديقها.
(1) كذا في البداية 6/ 154.259.
(2)
وفي رواية للطبراني: ونحن فسقتين وهذه بيتنا تبرق.
(3)
حياة الصحابة ـ باب معاشرة النساء والرجال والصبيان 2/ 675
- ابنة حاتم الأصم (رحمها الله):
حكي أن حاتم الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور وإناث، فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم، فتعرضوا لذكر الحج، فدخل الشوق قلبه، ثم دخل علي أولاده، فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلي بيت ربه في هذا العام حاجا، ويدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده: أنت علي هذه الحال لا تملك شيئا، ونحن علي ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحال؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك؟ دعوه يذهب حيث شاء، فإنه مناول للرزق، وليس برزاق، فذكرتهم ذلك، فقالوا: صدقت ـ والله ـ هذه الصغيرة، يا أبانا، انطلق حيث أحببت. فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج. وخرج مسافرا، وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم كيف أذنوا له بالحج، وتأسف علي فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون: لو سكت ما تكلمنا، فرفعت الصغيرة طرفها إلي السماء فقالت: إلهي وسيدي ومولاي: عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم، ولا تخجلني معهم. فبينما هم علي هذه الحال، إذ خرج أمير البلد متصيدا، فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد، فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم، فاستقى منهم ماء، وقرع الباب، فقالوا: من أنت؟ قال: الأمير، ببابكم ليستسقيكم، فرفعت زوجة حاتم رأسها إلي السماء وقالت: إلهي وسيدي سبحانك .. البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير بابنا يستسقينا، ثم إنها أخذت كوزاً جديداً وملأته ماء، وقالت للمتناول منها: اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه، فاستطاب الشرب من ذلك الماء، فقال: هذه الدار لأمير؟ فقالوا:
لا والله! بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم، فقال الأمير: لقد سمعت به، فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر، ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا، فقال الأمير: ونحن قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا علي مثلهم، ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمي بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني، فليلق منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم، ثم انصرفوا، فقال الوزير: السلام عليكم أهل البيت .. لأتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، ودفع إليهم ثمن المناطق، مالا جزيلا واستردها منهم .. فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا. فقالوا لها: ما هذا البكاء؟ إنما يجب أن تفرحي، فإن الله قد وسع علينا، فقالت: يا أم، والله إنما بكائي، كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا؟ فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلي أحد طرفة عين .. اللهم انظر إلي أبينا، ودبره بأحسن تدبير. ولما خرج حاتم، مرض أمير الركب .. فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقالوا: هل من عبد صالح؟ فدل علي حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له، فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب، فنام تلك الليلة ففكر في أمر عياله، فقيل له: يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء علي الله تعالى .. فلما قضي حجه ورجع تلقته أولاده، فعانق الصبية الصغيرة، وبكى، ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين .. إن الله لا ينظر إلي أكابركم ولكن ينظر إلي أعرفكم به. (1)
(1) المستطرف في كل فن مستظرف ـ باب التوكل علي الله والرضا بما قسم صـ123ـ.
- يقين امرأة مظلومة:
ويروى أنه بينما الوزير فخر الملك يمشي إذ بامرأة تعترضه، وترفع إليه شكايتها وذكرت له أن بعض غلمانه قد قتلوا زوجها، فجعل الوزير لا يلتفت إليها! فقالت له ذات يوم: أيها الوزير أرأيت القصص التي رفعتها إليك فلم تلتفت إليها؟ قد رفعتها إلي الله عز وجل!! وأنا أنتظر التوقيع عليها!! فلم تمضى أيام حتى قبض سلطان الدولة علي الوزير فجرده من كل أمواله، ثم قتله، وعندها قال الوزير بحرقة وأسى: قد والله! خرج توقيع المرأة!
- قصة عجيبة في اليقين علي الله عز وجل:
عن وهب بن منبه قال: كان في بني إسرائيل عابد فلبث سبعًا لم يطعم هو وعياله شيئًا.
فقالت له امرأته: لو خرجت وطلبت لنا شيئًا.
فخرج فوقف مع العمال فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق فقال: والله لأعملنّ اليوم مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا حتى إذا أمسى أتى أهله فقالت له امرأته: ماذا صنعت فقال: قد عملتَ مع أستاذي وقد وعدني أن يعطيني ثم غدا إلى السوق فوقف مع العمال فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق ولم يستأجره أحد فقال: والله لأعملن اليوم مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا حتى إذا أمسى أقبل إلى منزله فقالتَ
له امرأته: ماذا صنعت قال: إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجري فخاصمته امرأته وبرزت عليه فلبث يتقلب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر وصبيانه يتضاغون جوعًا ثم غدا إلى السوق فاستؤجر العمال وصرف عنه الرزق ولم يستأجره أحد فقال: والله لأعملن مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا حتى إذا أمسى قال: أين أمضي تركت أقوامًا يتضاغون جوعًا ثم تحمل على جهد منه فلما قرب من داره سمع ضحكًا وسرورًا وسمع رائحة قديد ورائحة شواء فأخذ على بصره وقال: أنائم أنا أم يقظان تركت أقوامًا يتضاغون جوعًا وأشم رائحة قديد ورائحة شواء وأسمع ضحكًا وسرورًا دنا من الباب فطرق الباب فخرجت امرأته حاسرة وقد حسرت عن ذراعيها وهي تضحك في وجهه ثم قالت: يا فلان قد جاءنا رسول أستاذك بدنانير ودراهم وكساء وودك ودقيق وقال: إذا جاء فلان فأقرئوه السلام وقولوا له: إن أستاذك يقول لك: رأيت عملك فرضيته فإن أنت زدتني في العمل زدتك في الأجرة (1).
- - - - -
(1) المنتظم في التاريخ _ الجزء الثاني.