الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نساء فقيهات
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع نساءه ويحدثهم، فيتعلمون منه أمور دينهم، وما أشكل عليهم شيئاً إلا سألوا عنه، فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب العلم أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " قلت: أو ليس يقول
(1) سورة التوبة - الآية 71.
(2)
سورة الأحزاب - الآيتان 33، 34.
الله: " فسوف يحاسب حساباً يسيراً " فقال: " إنما ذلك العرض؛ ولكن من نوقش في الحساب يهلك ". متفق عليه. (1)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث عن أبى سعيد الخدرى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها ..... ) متفق عليه. (2)
فما كان يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يٌعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة، بل كان يكنى في بعض الأحيان .... ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام، فتقوم أمهات المؤمنين بتوضيح مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تروي لنا السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك، قالت: إن امرأة من الأنصار سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها " قالت: كيف أتطهر بها؟ قال سبحان الله! تطهري بها " فاجتذبتها إلىَّ فقلت لها: تتبعي بها أثر الدم. متفق عليه. (3)
فكانت نساء الأنصار حريصات على معرفة الأحكام في أخص أمورهن، فكانوا كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: نعم النساء، نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
وتروى لنا أم سلمة رضي الله عنها قالت: قالت أم سليم: يا رسول الله! إن الله لا يستحيى من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء " فغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله! أو تحتلم المرأة؟ قال: " نعم " تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟ "
(1) مشكاة المصابيح - باب الحساب والقصاص والميزان 3/ 1539، البخاري - باب من سمع شيئاً فراجع فيه حتى يعرفه انظر فتح الباري 1/ 207.
(2)
رياض الصالحين - كتاب الآداب - باب الحياء وفضله والحث علي التخلق به ص 294.
(3)
مشاة المصابيح - كتاب الطهارة - باب الغسل 1/ 136.
وزاد مسلم براوية أم سليم " إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيها علا أو سبق يكون منه الشبه. (1)
وفى رواية: فقالت أم سلمة: لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟
- مثال آخر:
عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة رفاعة القرظى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني فأبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " متفق عليه (2).
فهكذا كن في حرصهن على معرفة ما ينفعهن من أحكام، يجعلهن يبحن، بأخص أسرارهن .. وكانت المرأة منهن تأتى إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين .. من أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها.
فكان لزوجاته الطاهرات أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأفعاله البيتية .... وعلى رأسهن السيدة عائشة رضي الله عنها فكانت من الذكاء والفهم بمكان
…
فعن عروة بن الزبير قال: ما رأيت أحداً أعلم بالقران ولا بفريضه، ولا بحلال ولا بحرام، ولا بفقه، ولا بطب، ولا بشعر، ولا بحديث العرب، ولا بنسب من عائشة " (3)
(1) المرجع السابق 1/ 135.
(2)
المرجع السابق 2/ 982.
(3)
رواه الحاكم في المستدرك 4/ 11 والمعجم الكبير للطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وعن الزهري قال: لو جمع علم الناس كلهم، ثم علم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة أوسعهم علماً " (1)
وعن عطاء بن أبى رباح قال: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة. (2)
وعن سفيان بن عيينة قال: قال معاوية بن أبى سفيان، يا زياد، أي الناس أعلم؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أعزم عليك، قال: أما إذا عزمت علىَّ عائشة.
كان يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فعن أبى موسى رضي الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما ً " رواه الترمذي وصححه الألباني. (3)
وعن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة رضي الله عنها، قد اشتغلت بالفتوى زمن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وَهُلمَّ جراً إلى أن ماتت وكنت ملازما لها "
وروى لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفان ومائتان حديث وعشرة أحاديث (2210) أتفق الشيخان منهما على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم " ثمانية وسبعين .. وروى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
(1) الحاكم في المستدرك 4/ 11.
(2)
المرجع السابق.
(3)
مشكاة المصابيح - كتاب المناقب - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 1746.
- أخي المسلم .. أختي المسلمة:
تعالوا معي لننظر كم سنة صحبت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مسلم عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهى بنت سبع سنين، وزفت إليه وهى بنت تسع سنين ولٌعبها معها، ومات عنها وهى بنت ثمان عشر سنة "
نجدها صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنوات
…
فكان محصلتها هذا العلم الكثير، وقد ورد فيها حديث قال عنه الإمام ابن كثير في البداية والنهاية أنه لا يثبت " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء "
وأنت أخت المسلمة: كم سنة صحبتي زوجك؟ كم تعلمت ّّمنه؟!!
فلا أدرى العيب فيك أم في زوجك؟
…
صراحة لا نظلمك، فالعيب في الرجال، لأنهم في خارج البيت دعاة، وداخل البيت .. أصحاب الطعام والشراب وقضاء الحاجات والشهوات، ونسوا قول الله تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1).
والمرأة ظل الرجل ولا يستقيم الظل والعود أعوج.
(1) سورة التحريم – الآية 6.
- والمشايخ كل يوم يقولون يا أحباب اتقوا الله في النساء، وأقيموا حلقة التعليم في البيت ولكن لا حياة لمن تنادى!! إلا من رحم ربى .. نسأل الله عز وجل أن يجعل بيوتنا كبيت النبي صلى الله عليه وسلم {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (1)
- زواج بنت سيد التابعين (سعيد بن المسيب):
ومن حلقة التعليم في البيت تخرجت ابنة سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله التي خطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لابنه الوليد .. فرفض سعيد بن المسيب وخشي على ابنته من الترف في قصور بني أمية فتنس ربها .... وفي يوم من الأيام غاب عن مجلسه تلميذه عبد الله بن وداعة، لبضعة أيام ثم عاد مرة ثانيه، فسأله ابن المسيب: عن غيابه؟ فأخبره بوفاة زوجته وانشغاله بذلك، فقال ابن المسيب: فهلا أخبرتنا حتى نشهدها ونشاطرك العزاء؟ ثم سأله: هل استحدثت امرأة؟ هل تزوجت بأخرى؟ قال ابن وداعه: لا ومن الذي يزوجني لا أملك من الدنيا إلا ثلاثة دراهم، فقال ابن المسيب: أنا ثم وضع يده في يد عبد الله بن وداعة أمام الحاضرين إلى لمجلسه فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى علي نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أشهد جماعة المسلمين أنه زوج كريمته لعبد الله بن وداعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخذ سعيد بن المسيب ابنته ثم ذهب إلى بيت عبدالله بن وداعة ثم طرق الباب فخرج عبد الله فقال له سعيد: إنك كنت رجلا عزباً فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، ثم تركهم وانصرف، ولما أراد ابن وداعة أن
(1) سورة الأحزاب – الآية 34.
يخرج، قالت له زوجته: إلى أين؟ قال: لأحضر درس سعيد. فقالت له: اجلس هنا أعلمك علم سعيد.
- ولهذه الزيجة من فوائد عظيمة جداً:
1 -
درس وعبره لكل من ينتظر من يَطرق عليه الباب خاطباً لابنته، فمن ينتظر؟ دكتور مهندس .. صاحب الشركة .. صاحب المصنع .. أم صاحب الدين؟!!
2 -
كم كان في هذا الزواج من بساطة؟
ماذا دلت كلمة المرأة " اجلس حتى أعلمك علم سعيد "؟
تدل: على حلقات التعليم التي كان يبثها سعيد في بيته لزوجه ولأولاده.
فلا تتعجب فإن أبيها سيد فقهاء التابعين .. وأمها بنت أبي هريرة رضي الله عنه.
- فقه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها:
قالت رضي الله عنها: كان الناس علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعون أبصارهم في الصلاة موضع سجودهم، وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه قريبا من سجودهم، وفي عهد عمر طمحت أبصارهم إلي القبلة، وفي عهد عثمان رضي الله عنه التفتوا يمينا وشمالا فحدثت الفتنة.
وهذا يدل علي فقه أم سلمة رضي الله عنها وفهمها، حيث ربطت حال الأمة بحالهم في صلاتهم .. ودليل علي قوة استنباطها للأحكام الفقهية الموافقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية، يمسح صدورنا، ومناكبنا، يقول:" لا تختلفوا فتختلف قلوبكم "
رواه أبو داود بإسناد حسن (1). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: " لتسون صفوفكم أو لا يخالفن الله بين قلوبكم " متفق عليه حسن (2).
وقد رزقت أم سلمة هذا الفهم بسبب تضحيتها لدين الله عز وجل.
- فقه امرأة:
نظر رجل إلى امرأته وهى صاعدة على السلم فقال لها: أنت طالق إن صعدت وطالق إن نزلت. وطالق إن وقفت .... فرمت بنفسها على السلم وسط الدار، فقال لها: فداك أبى وأمي، إن مات الإمام مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
- فقه أم الشافعي رحمها الله:
شهدت أم الشافعى عند القاضي هي ورفيقتها، فأراد القاضي أن يفصل بينهما، فقالت له أم الشافعي: ليس لك ذلك، لأن الله تعالي يقول:(أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)(3)
(1) رياض الصالحين باب فضل الصف الأول ص 395.
(2)
المرجع السابق.
(3)
سورة البقرة – الآية 282.
- وكان ابن سيرين إذا أشكل عليه شئ من القراءة، قال: اذهبوا فاسألوا حفصة بنت سيرين لأخته كيف تقرأ. (1)
- وكانت أم عيسي بنت إبراهيم الحربي فاضلة عالمة تفتي في الفقه. (2)
- قال أبو الحسن الدارقطني: أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل بن محمد القاضي المحاملي .. حفظت القرآن والفقه علي مذهب الشافعي، والفرائض وحسابها، والنحو وغير ذلك من العلوم .. مسارعة في الخيرات، وحدثت وكتب عنها الحديث (3).
- وهذه فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي الحنفي صاحب كتاب " تحفة الفقهاء " حفظت التحفة فكانت فقيهة ، طلبها كثير من الرجال فلم يزوجها والدها ، وعندما صنف أبو بكر الكاساني كتابه " بدائع الصنائع" وهو شرح التحفة عرضه على شيخه – أبوها – ففرح به كثيراً وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك فقالوا: شرح تحفته فزوجه ابنته، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها فلما تزوجت صاحب البدائع كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها .. مهرها كتاب وأم سليم مهرها إسلام أبو طلحة .. نساء تشرف التاريخ بذكرهن.
(1) صفة الصفوة لابن الجوزي 4/ 14.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق.