المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً)

- ‌(بَاب الوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ ثَلاثاً ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ الاسْتجْمَارِ وِتْراً)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الَاعْقَابِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْليْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ولَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ)

- ‌(بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)

- ‌(بابُ الْتِمَاسِ الوَضُوءِ إِذا حانَتِ الصَّلاةُ)

- ‌(بابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الاِنْسانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إلَاّ مِنَ المَخْرجَيْنِ القُبُلِ والدُّبُرِ)

- ‌(بابُ الرَّجُلِ يُوَضِّىءُ صَاحبَهُ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكعْبَيْنِ)

- ‌(بابُ اسْتِعْمالِ فَضْل وَضُوءِ الناسِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدةٍ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً)

- ‌(بابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ إمْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ صَبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءَهُ علَى المُغْمَى عَلَيهِ)

- ‌(بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)

- ‌(بابُ الوُضُوء مِنَ التَّوْرِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ بالمُدِّ)

- ‌(بابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْن)

- ‌(بابٌ إِذا أدْخَلَ رِجْلَيْهِ وهُمَا طَاهِرَتانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ والسَّوِيقِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ ولَمْ يَتَوَضَّأْ)

- ‌(بَاب هَل يمضم من اللَّبن)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنَ النوْمِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ)

- ‌ بَاب:

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالناس الَاعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بَوْلِ الصِّبْيَانِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ قائِماً وقاعِداً)

- ‌(بابُ البَوْلِ عنْدَ صاحبِهِ والتَّسَتُّرِ بالحَائِطِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ عِنْدَ سُباطَةِ قوْمٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِهِ وغَسْل مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ إِذا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَها فَلمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ)

- ‌(بابُ أَبْوَالِ الابِلِ والدَّوابِّ والغَنَمِ ومَرَابِضهَا)

- ‌(بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسات فِي السِّمْنِ والمَاءِ)

- ‌(بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

- ‌(بابٌ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)

- ‌(بابٌ لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بالنَّبِيذِ ولاٍ بالمُسْكِرِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَرّأةِ أَبَاهَا الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ)

- ‌(بابُ السِّواكِ)

- ‌(بابُ دَفْعُ السَّوَاكِ إِلَى الأكْبَرَ)

- ‌(بابِ فَضْلِ مَنْ بَاتَ علَى الوُضوُءِ)

- ‌(كتاب الغسْلِ)

- ‌(بابُ الوُضوءِ قَبْلَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرأَتِهِ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الغُسْل مَرَّةً وَاحِدَةً)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ بالحِلابِ أَوْ الطِيّبِ عِنْدَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ والإِسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى)

- ‌(بابُ هَلْ يُدْهِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرُ غَيْرُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ والوُضُوءِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابٌ إذَا جامَعَ ثُمَّ عادَ وَمَنْ دَارَ علَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَذْىٍ وَالوُضُوءِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)

- ‌(بابُ تَخْلِيلِ الشِّعَرِ حَتَّى إذَا أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ

- ‌(بابُ مَنْ تَوَضَّلَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى

- ‌(بابُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

- ‌(بابُ نَفْضِ اليدَيْنِ مِنْ الغُسْلِ عَنُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ رَأْسِهِ الأيْمَنِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)

- ‌(بابُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)

- ‌(بابٌ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)

- ‌(بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)

- ‌(بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

- ‌(بابُ نَوْم الجُنُبُ)

- ‌(بابُ الجنُبِ يَتَوَضَأُ ثُمَّ يَنَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ مَا يُصيبُ منْ رُطُوبَةِ فَرْجِ المَرْأَةِ)

- ‌(كتاب الحيضِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ كانَ بَدْءَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِها وَتَرْجِيلِهِ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ)

- ‌(بابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضاً)

- ‌(بابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ)

- ‌(بابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ)

- ‌(بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)

- ‌(بابُ الاسْتِحَاضَةِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ الاعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحاضَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ فِيهِ

- ‌(بابُ الَطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَها أذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ امْتِشاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ المَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسَلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابٌ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ}

- ‌(بابُ كَيفَ تُهِلُّ الحائِضُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ)

- ‌(بابُ إقْبالِ المَحِيضِ وإدْبارِهِ)

- ‌(بابٌ لَا تَقْضِي الحائِضُ الصَّلاةَ)

- ‌(بابُ النَّوْمَ مَعَ الحَائِضِ وهْيَ فِي ثِيَابِهَا)

- ‌(بابُ مَنْ اتخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ)

- ‌(بابُ شُهُودِ الحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى)

- ‌(بابٌ إذَا حاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّساءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيما يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ الله تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أرْحَامِهِنَّ)

- ‌(بابُ الصُّفْرَةِ والْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أيَّامِ الْحَيْضِ)

- ‌(بابُ عِرْق الإسْتِحَاضَة)

- ‌(بابُ الْمَرأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَة)

- ‌(بابٌ إذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا)

- ‌(بابٌ)

الفصل: ‌(باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة)

الابط وَحلق الراس وَالسَّلَام من الصَّلَاة وَغسل أَعْضَاء الطَّهَارَة وَالْخُرُوج إِلَى الْخَلَاء وَالْأكل وَالشرب والمصافحة واستلام الْحجر الْأسود، وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، يسْتَحبّ التَّيَامُن فِيهِ؛ وَأما مَا كَانَ بضده: كدخول الْخَلَاء وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثَّوْب والسراويل والخف وَمَا أشبه ذَلِك، فَيُسْتَحَب التياسر فِيهِ، وَيُقَال: حَقِيقَة الشَّأْن مَا كَانَ فعلا مَقْصُودا، وَمَا يسْتَحبّ فِيهِ التياسر لَيْسَ من الْأَفْعَال الْمَقْصُودَة، بل هِيَ إِمَّا تروك وَإِمَّا غير مَقْصُودَة.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: فِيهِ الدّلَالَة على شرف الْيَمين وَقد مر فِي معنى الحَدِيث السَّابِق. الثَّانِي: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْبدَاءَة بشق الرَّأْس الْأَيْمن فِي الرتجل وَالْغسْل وَالْحلق. فَإِن قلت: هُوَ من بَاب الْإِزَالَة، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يبْدَأ بالأيسر. قلت: لَا، بل هُوَ من بَاب التزيين والتجميل. الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْبِدَايَة فِي التنعل والتخفف كَذَلِك. الرَّابِع: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْبدَاءَة بِالْيَمِينِ فِي الْوضُوء، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمعُوا على أَن لَا إِعَادَة على من بَدَأَ بيساره فِي وضوئِهِ قبل يَمِينه وروينا عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قَالَا:(لَا تبالي بِأَيّ شَيْء بدأت) . زَاد الدَّارَقُطْنِيّ: أَبَا هُرَيْرَة، وَنقل المرتضى الشِّيعَة عَن الشَّافِعِي فِي (الْقَدِيم) : وجوب تَقْدِيم الْيَمين على الْيُسْرَى، وَنسب المرتضى فِي ذَلِك إِلَى الْغَلَط، فَكَأَنَّهُ ظن أَن ذَلِك لَازم من وجوب التَّرْتِيب عِنْد الشَّافِعِي، وَقَالَ [قع النَّوَوِيّ [/ قع: أجمع الْعلمَاء على أَن تَقْدِيم الْيَمين فِي الْوضُوء سنة من خالفها فَاتَهُ الْفضل وَتمّ وضوؤه، وَالْمرَاد من قَوْله: الْعلمَاء أهل السّنة، لِأَن مَذْهَب الشِّيعَة الْوُجُوب، وَقد صحف العمراني فِي (الْبَيَان) والبندنيجي فِي (التَّجْرِيد) . الشِّيعَة، بالشين الْمُعْجَمَة، بالسبعة من الْعدَد فِي نسبتها القَوْل بِالْوُجُوب إِلَى الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَفِي كَلَام الرَّافِعِيّ أَيْضا مَا يُوهم أَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ بِوُجُوبِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن صَاحب (الْمُغنِي) قَالَ: لَا نعلم فِي عدم الْوُجُوب خلافًا. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد جيد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه، عليه الصلاة والسلام، قَالَ:(إِذا توضأتم فابدأوا بميامنكم) . وَفِي أَكثر طرقه: (بأيامنكم)، جمع: أَيمن، (إِذا لبستم وَإِذا توضأتم) . قلت: الْأَمر فِيهِ للاستحباب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَاعْلَم أَن الِابْتِدَاء باليسار، وَإِن كَانَ مجزئاً، فَهُوَ مَكْرُوه، نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي، رضي الله عنه فِي (الام)، وَقَالَ ايضا: ثمَّ اعْلَم أَن من الْأَعْضَاء فِي وَالْوُضُوء مَا لَا يسْتَحبّ فِيهِ التَّيَامُن وَهُوَ: الأذنان والكفان والخدان، بل يطهران دفْعَة وَاحِدَة، فَإِن تعذر ذَلِك كَمَا فِي حق الأقطع وَنَحْوه قدم الْيَمين، وَمِمَّا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب عَن ابْن عمر قَالَ: خير الْمَسْجِد الْمقَام ثمَّ ميامن الْمَسْجِد. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب، يُصَلِّي فِي الشق الْأَيْمن من الْمَسْجِد، وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُعجبهُ أَن يقوم عَن يَمِين الإِمَام، وَكَانَ أنس يُصَلِّي فِي الشق الْأَيْمن، وَكَذَا عَن الْحسن وَابْن سِيرِين.

32 -

(بابُ الْتِمَاسِ الوَضُوءِ إِذا حانَتِ الصَّلاةُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التمَاس الْوضُوء إِذا حانت الصَّلَاة. وَالْوُضُوء، بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (اذا حانت) أَي: قربت، يُقَال: حَان حِينه أَي: قرب وقته.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ مَا يَأْتِي إلَاّ بِالْجَرِّ الثقيل، وَهُوَ أَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق طلب التَّيَمُّن لأجل الْوضُوء وَالْغسْل، وَهَهُنَا طلب المَاء لأجل الْوضُوء.

وقالَتْ عائِشَةُ حضَرَتِ الصبْحُ فالتُمِسَ المَاءُ فلمْ يُوجَدْ فَنْزَلَ التَّيَمُّمُ

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فالتمس المَاء) . وَفِي قَوْله: (فالتمس النَّاس الْوضُوء) ، وَهَذَا تَعْلِيق صَحِيح لِأَنَّهُ أخرجه فِي كِتَابه مُسْندًا فِي مَوَاضِع شَتَّى، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيثهَا فِي قصَّة نزُول آيَة التَّيَمُّم، ذكره فِي كتاب التَّيَمُّم. قَوْله:(حضرت الصُّبْح)، الْقيَاس: حضر الصُّبْح، لِأَنَّهُ مُذَكّر، والتأنيث بِاعْتِبَار صَلَاة الصُّبْح. قَوْله:(فالتمس) بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَنزل التَّيَمُّم) أَي: فَنزلت آيَة التَّيَمُّم، وَإسْنَاد النُّزُول إِلَى التَّيَمُّم مجَاز عَقْلِي.

169 -

حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّهُ قالَ رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وحانَتْ صَلاةُ العَصْرِ فالْتَمَسَ

ص: 32

النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُوتِيَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءِ فَوَضَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الاِناءِ يَدَهُ وأَمَرَ النَّاسَ أنْ يَتَوَضَّؤُا مِنْهُ قالَ فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبِعُ مِنْ تَحْتِ أصابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤُا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.

وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة. قد ذكرُوا كلهم، وَهُوَ من رباعيات البُخَارِيّ، وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين تنيسي ومدني وبصري، فعبد الله بن يُوسُف شَامي نزل تنيس، بَلْدَة بساحل الْبَحْر الْملح، بِالْقربِ من دمياط، وَالْيَوْم خراب: وَمَالك بن أنس وَإِسْحَاق مدنيان، وَأنس بن مَالك يعد من أهل الْبَصْرَة. وَمِنْهَا: أَن إِسْنَاده قريب إِلَى النَّبِي، عليه الصلاة والسلام.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن القعْنبِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن معن، وَعَن أبي الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح عَن ابْن وهب وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة، خمستهم عَنهُ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.

بَيَان لغاته وَإِعْرَابه قَوْله: (حانت) بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: قرب وَقت صَلَاة الْعَصْر، وَزَاد قَتَادَة:(وَهُوَ بالزوراء)، وَهُوَ سوق بِالْمَدِينَةِ. قَوْله:(فالتمس النَّاس) الالتماس: الطّلب. قَوْله: (الْوضُوء)، بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ، وَكَذَا قَوْله:(فاتوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِوضُوء) بِالْفَتْح، قَوْله:(يَنْبع) فِيهِ ثَلَاث لُغَات: ضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا وَفتحهَا، وَمَعْنَاهُ: يخرج مثل مَا يخرج من الْعين. قَوْله: (من بَين أَصَابِعه) جمع: أصْبع، فِيهِ لُغَات: إِصْبَع، بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا، وَالْبَاء مَفْتُوحَة فيهمَا، وَلَك أَن تتبع الضمة الضمة والكسرة الكسرة.

وَأما الْإِعْرَاب: فَقَوله: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَعْنى: أَبْصرت، فَلذَلِك اقْتصر على مفعول وَاحِد. قَوْله: (وحانت) الْوَاو، فِيهِ للْحَال، وَالتَّقْدِير: وَالْحَال أَنه قد حانت صَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (فَلم يجدوه) بالضمير الْمَنْصُوب، رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:(فَلم يَجدوا) ، بِدُونِ الضَّمِير، وَهُوَ من الوجدان بِمَعْنى الْإِصَابَة. قَوْله:(فاتوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالصَّحِيح من الرِّوَايَة: (فأُتي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِصِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فِي ذَلِك الْإِنَاء) مُتَعَلق بقوله: (فَوضع)، و (يَده) مَنْصُوب بِهِ. قَوْله:(أَن يتوضؤا) أَي: بَان يتوضؤا، و: أَن، مَصْدَرِيَّة اي: بالتوضىء مِنْهُ، أَي: من ذَلِك الْإِنَاء. قَوْله: (قَالَ) الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله:(يَنْبع) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهُوَ الضَّمِير الَّذِي هُوَ فِيهِ الَّذِي يرجع إِلَى المَاء، وَهِي فِي مَحل النصب على الْحَال، وَقد علم أَن الْجُمْلَة أَن الْجُمْلَة الفعلية إِذا وَقعت حَالا تَأتي بِلَا، وَاو إِذا كَانَ فعلهَا مضارعاً. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون مَفْعُولا ثَانِيًا لرأيت؟ قلت: قد قلت لَك إِن: رَأَيْت، هُنَا بِمَعْنى: أَبْصرت، فَلَا تَقْتَضِي إلَاّ مَفْعُولا وَاحِدًا. قَوْله:(حَتَّى توضؤا) قَالَ الْكرْمَانِي: حَتَّى، للتدريج: وَمن، للْبَيَان أَي: تَوَضَّأ النَّاس حَتَّى تَوَضَّأ الَّذين من عِنْد آخِرهم

وَهُوَ كِنَايَة عَن جَمِيعهم، ثمَّ نقل عَن النَّوَوِيّ أَن: من، فِي: من عِنْد آخِرهم، بِمَعْنى إِلَى، وَهِي لُغَة. ثمَّ قَالَ: أَقُول وُرُود: من، بِمَعْنى إِلَى شَاذ قل مَا، يَقع فِي فصيح الْكَلَام. قلت: حَتَّى، هَهُنَا حرف ابْتِدَاء، يَعْنِي حرف يبتدأ بعده جملَة، أَي: تسْتَأْنف فَتكون إسمية أَو فعلية، والفعلية يكون فعلهَا مَاضِيا ومضارعاً، وَمِثَال الإسمية قَول جرير.

(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماؤها

بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل)

وَمِثَال الفعلية الَّتِي فعلهَا مَاض: {حَتَّى عفوا} (الْأَعْرَاف: 95) . و: (حَتَّى توضؤا)، وَمِثَال الفعلية الَّتِي فعلهَا مضارع:{حَتَّى يَقُول الرَّسُول} (الْبَقَرَة: 214) فِي قِرَاءَة نَافِع. قَوْله: (من)، للْبَيَان. قلت: إِنَّمَا تكون من للْبَيَان إِذا كَانَ فِيمَا قبلهَا إِبْهَام، وَلَا إِبْهَام هَهُنَا، لِأَن التَّقْدِير: وَأمر النَّاس أَن يتوضؤا فتوضؤا حَتَّى تَوَضَّأ من عِنْد آخِرهم، على ان: من، الَّتِي للْبَيَان كثيرا مَا يَقع بعد: مَا، وَمهما. الإفراط إبها مهما، نَحْو:{مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} (فاطر: 2){وَمهما تأتنا بِهِ من آيَة} (الْأَعْرَاف: 132) وَمَعَ هَذَا أنكر قوم مجىء: من، لبَيَان الْجِنْس. وَالظَّاهِر ان: من، هَهُنَا للغاية، تَوَضَّأ النَّاس ابْتِدَاء من أَوَّلهمْ حَتَّى انْتَهوا إِلَى آخِرهم. على أَن: من، تَأتي على خَمْسَة عشر وَجها،

ص: 33