الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن حَرْب، عرضتها أُخْتهَا أم حَبِيبَة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تحل لي لمَكَان أُخْتهَا أم حَبِيبَة تَحت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وكلبية لم يذكر اسْمهَا، فَبعث إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَائِشَة فرأتها فَقَالَت: مَا رَأَيْت طائلاً فَتَركهَا. وَامْرَأَة من الْعَرَب لم يذكر لَهَا اسْم خطبهَا صلى الله عليه وسلم ثمَّ تَركهَا ودرة بنت أم سَلمَة، قيل لَهُ صلى الله عليه وسلم، بِأَن يَأْخُذهَا قَالَ: إِنَّهَا بنت أخي من الرضَاعَة. وَأُمَيْمَة بنت شرَاحِيل، لَهَا ذكر فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) وحبيبة بنت سهل الْأَنْصَارِيَّة، أَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يَتَزَوَّجهَا ثمَّ تَركهَا وَفَاطِمَة بنت شُرَيْح ذكرهَا أَبُو عبيد فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم والعالية بنت ظبْيَان، تزَوجهَا صلى الله عليه وسلم وَكَانَت عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ طَلقهَا.
قَوْله: (كُنَّا نتحدث أَنه أعْطى قُوَّة ثَلَاثِينَ) كَذَا جَاءَ هَاهُنَا فِي (صَحِيح الْإِسْمَاعِيلِيّ) من حَدِيث أبي يعلى عَن أبي مُوسَى عَن معَاذ (قُوَّة أَرْبَعِينَ) وَفِي (الْحِلْية) لأبي نعيم عَن مُجَاهِد (أعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من رجال أهل الْجنَّة) . وَفِي (جَامع التِّرْمِذِيّ) فِي صفة الْجنَّة من حَدِيث عمرَان لقطان عَن قَتَادَة عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (يُعْطي الْمُؤمن فِي الْجنَّة قُوَّة كَذَا وَكَذَا من الْجِمَاع، قيل: يَا رَسُول الله أَو يُطيق ذَلِك؟ فَقَالَ: يُعْطي قُوَّة مائَة رجل) ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب صَحِيح، لَا نعرفه من حَدِيث قَتَادَة إلَاّ من حَدِيث عمرَان الْقطَّان، وصحيح ابْن حبَان حَدِيث أنس أَيْضا، فَإِذا ضربنا أَرْبَعِينَ فِي مائَة صَارَت أَرْبَعَة آلَاف، وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ أَنه كَانَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْقُوَّة الظَّاهِرَة على الْخلق فِي الْوَطْء، كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ لَهُ فِي الْأكل قناعة ليجمع الله لَهُ الفضيلتين فِي الْأُمُور الاعتبارية، كَمَا جمع لَهُ الفضيلتين فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة، حَتَّى يكون حَاله كَامِلا فِي الدَّاريْنِ.
وَقالَ سَعيدُ عَنْ قَتَادَةَ أنَّ أنسَاً حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ
سعيد هُوَ ابْن عرُوبَة، كَذَا هُوَ عِنْد الْجَمِيع، وَقَالَ الْأصيلِيّ: إِنَّه وَقع فِي نُسْخَة شُعْبَة يدل سعيد قَالَ: وَفِي عرضنَا على أبي زيد بِمَكَّة سعيد قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: هُوَ الصَّوَاب قَالَ الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَنه تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام ابْن أبي عدي وَيحيى الْقطَّان لِأَنَّهُمَا يرويان عَن ابْن أبي عرُوبَة، وَأَن يكون من كَلَام معَاذ إِن صَحَّ سَمَاعه من سعيد. قلت: هُنَا تَعْلِيق بِلَا نزاع، وَلكنه وَصله فِي بَاب الْجنب يخرج وَيَمْشي فِي السُّوق، وَهُوَ الْبَاب الثَّانِي عشر من هَذَا الْبَاب، وَقَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع. قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة أَن أنس بن مَالك حَدثهمْ: (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يطوف على نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَة الْوَاحِدَة وَله يَوْمئِذٍ تسع نسْوَة) وَأما رِوَايَة شُعْبَة بِهَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة فقد وَصلهَا الإِمَام أحم،. قَوْله:(تسع نسْوَة) أَي: قَالَ بدل: إِحْدَى عشرَة نسْوَة تسع نسْوَة، وتسع مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر.
ذكر أَحْكَام لَيست فِيمَا مضى. مِنْهَا: مَا أعطي النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الْقُوَّة على الْجِمَاع، وَهُوَ دَلِيل على كَمَال البنية. وَمِنْهَا: مَا اسْتدلَّ بِهِ ابْن التِّين لقَوْل مَالك بِلُزُوم الظِّهَار من الْإِمَاء بِنَاء على أَن المُرَاد بالزائدتين على التسع، مَارِيَة وَرَيْحَانَة، وَقد أطلق على الْجَمِيع لفظ نِسَائِهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الْإِطْلَاق الْمَذْكُور بطرِيق التغليب. وَمِنْهَا: مَا اسْتدلَّ بِهِ ابْن الْمُنِير على جَوَاز وَطْء الْحرَّة بعد الْأمة من غير غسل بَينهمَا، وَلَا غَيره للمنقول عَن مَالك إِنَّه يتَأَكَّد الِاسْتِحْبَاب فِي هَذِه الصُّورَة.
13 -
(بابُ غَسْلِ المَذْىٍ وَالوُضُوءِ مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الْمَذْي وَحكم الْوضُوء مِنْهُ، والمذي، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبكسر الذل وَتَشْديد الْيَاء، حُكيَ ذَلِك عَن ابْن الْأَعرَابِي: وَهُوَ مَا يخرج من الذّكر عِنْد الملاعبة والتقبيل، يُقَال مذي الرجل، بِالْفَتْح، وأمذى بِالْألف مثله، وَيُقَال: كل ذكر يمذي وكل أُنْثَى تقذي من قذت الشَّاة، إِذا أَلْقَت من رَحمهَا بَيَاضًا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْمَذْي البلل اللزح الَّذِي يخرج من الذّكر عِنْد ملاعبة النِّسَاء، وَرجل مذاه، فعال بِالتَّشْدِيدِ، للْمُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْمَذْي وَفِي (الْمطَالع) هُوَ مَاء رَقِيق يخرج عِنْد التَّذَكُّر أَو الملاعبة يُقَال: مذى وأمذى ومذى، وَقد لَا يحس بِخُرُوجِهِ.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبَاب الأول بَيَان حكم الْمَنِيّ، وَفِي هَذَا الْبَاب بَيَان حكم الْمَذْي، وَهُوَ من تَوَابِع الْمَنِيّ، وَمثله فِي النجاسية غير أَن فِي الْمَنِيّ الْغسْل، وَفِي الْمَذْي الْوضُوء.
269 -
حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قالَ حدّثنا زَائِدَةُ عَنْ أبي حَصِينٍ عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ عَليّ
قالَ كُنْتُ رَجخلاً مَدَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً أنْ يَسْأَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَكانٍ ابْنَتِهِ فَسَأَلَ فقالَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ.
(انْظُر الحَدِيث 132 وطرفه) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَأَلَ الْكرْمَانِي هُنَا مَا محصله أَن الحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب يدل على وجوب غسل الذّكر بِتَمَامِهِ. والترجمة تدل على غسل الْمَذْي، ومحصل الْجَواب أَنه رُوِيَ أَيْضا؛ (تَوَضَّأ وغسله) وَالضَّمِير يرجع إِلَى الْمَذْي، فَيظْهر من هَذَا أَن المُرَاد مِمَّا ورد وجوب غسل مَا ظهر من الْمَذْي لَا غير، على مَا يَجِيء تَحْقِيقه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام الطَّيَالِسِيّ، تكَرر ذكره. الثَّانِي: زَائِدَة بن قحدامة، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ أَبُو الصَّلْت الْكُوفِي، صَاحب سنة ورعاً صَدُوقًا مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة غازياً فِي الرّوم. الثَّالِث: أَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْكُوفِي التَّابِعِيّ، ثِقَة تقدم فِي آخر بَاب، ثمَّ من كذب على النَّبِي صلى الله عليه وسلم. الرَّابِع: أَبُو عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن حبيب السّلمِيّ، بِضَم السِّين المهلمة وَفتح اللَّام مقرىء، الْكُوفَة أحد أَعْلَام التَّابِعين. صَامَ ثَمَانِينَ رمضاناً مَاتَ سنة خمس وَمِائَة. الْخَامِس: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي، فَأَبُو الْوَلِيد بَصرِي والبقية كوفيون.
بَيَان ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَاهُنَا عَن أبي الْوَلِيد وَأخرجه مُسلم فِي الْعلم من مُسَدّد عَن عبد الله بن دَاوُد، وَفِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة عَن جرير، قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة، ثَلَاثَتهمْ عَن الْأَعْمَش عَن مُنْذر الثَّوْريّ عَنهُ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع وَأبي مُعَاوِيَة وهشيم ثَلَاثَتهمْ عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَعَن يحيى بن حبيب عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث بِهِ.
ذكر الِاخْتِلَاف فِي أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث وطرقه والسائل الَّذِي فِيهِ. أما أَولا: فَهَذَا الحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة فَلفظ البُخَارِيّ، مر الْآن بالسند الْمَذْكُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَقَالَ: أخبرنَا هناد بن السّري عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن أبي حُصَيْن عَن أبي عبد الرَّحْمَن. قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (كنت رجلا مذاء وَكَانَت ابْنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم تحتي، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأله، فَقلت لرجل جَالس إِلَى جَنْبي: سَله فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِيهِ الْوضُوء) . وَأخرجه الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء، قَالَ: حَدثنَا زاشئة بن قدامَة عَن أبي حُصَيْن عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(كنت رجلا مذاءً وَكَانَت عِنْدِي ابْنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَأرْسلت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: تَوَضَّأ واغسله) . وَفِي رِوَايَة للطحاوي عَن عَليّ، قَالَ:(سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْمَذْي قَالَ: فِيهِ الْوضُوء، وَفِي الْمَنِيّ الْغسْل) وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن هانىء بن هانىء عَن عَليّ. قَالَ: (كنت رجلا مذاء وَكنت إِذا أمذيت اغْتَسَلت، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فِيهِ الْوضُوء) وَبِنَحْوِ إِسْنَاده رَوَاهُ أَحْمد وَلَفظه (كنت رجلا مذاءً فَإِذا أمذيت اغْتَسَلت، فَأمرت الْمِقْدَاد فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَضَحِك، فَقَالَ: فِيهِ الْوضُوء) وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق زاشدة عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ، قَالَ:(سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْمَذْي، فَقَالَ: من الْمَذْي الْوضُوء، وَمن الْمَنِيّ الْغسْل) قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن أَبِيه، قَالَ: كنت أجد مذياً فَأمرت الْمِقْدَاد أَن يسْأَل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأله لِأَن ابْنَته عِنْدِي، فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: إِن كل فَحل يمذي، فَإِذا كَانَ الْمَنِيّ فَفِيهِ الْغسْل، وَإِذا كَانَ الْمَذْي فَفِيهِ الْوضُوء) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا نَحوه عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة، وَلَفظه:(فَكنت أستحي أَن أسأَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ) وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث رَافع بن خديج. (أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَمر عماراً أَن يسْأَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمَذْي قَالَ: يغسل مذاكيره وَيتَوَضَّأ) وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا نَحوه، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس. قَالَ: عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (قد كنت رجلا مذاءٍ فَأمرت رجلا فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: فِيهِ الْوضُوء) وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفظه: (أرْسلت
الْمِقْدَاد بن الْأسود إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَن الْمَذْي يخرج من الْإِنْسَان، كَيفَ يفعل: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: تَوَضَّأ وانضح فرجك) وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث حُصَيْن بن قبيصَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ:(كنت رجلا مذاءً فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِذا رَأَيْت الْمَذْي فَتَوَضَّأ واغسل ذكرك، وَإِذا رَأَيْت الْمَنِيّ فاغتسل) وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث حُصَيْن بن قبيصَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(كنت رجلا مذاءً، فَجعلت اغْتسل حَتَّى تشقق ظَهْري قَالَ: فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو ذكر لَهُ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تفعل إِذا رَأَيْت الْمَذْي فاغسل ذكرك وَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة فَإِذا فضخت المَاء فاغتسل) الفضخ، بِالْفَاءِ وبالمعجمتين، الدفق، وَأخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَفِي رِوَايَة أَحْمد (فليغسل ذكره وأنثييه) وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَهَذَا كَمَا رَأَيْت هَذَا الِاخْتِلَاف فِيهِ، وَلَكِن لَا خلاف فِي وجوب الْوضُوء، وَلَا خلاف فِي عدم وجوب الْغسْل.
وَأما الِاخْتِلَاف فِي السَّائِل فقد ذكر فِيمَا سقنا من الْأَحَادِيث أَن فِي بَعْضهَا السَّائِل هُوَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِنَفسِهِ وَفِي بَعْضهَا السَّائِل غَيره، وَلكنه حَاضر، وَفِي بَعْضهَا هُوَ الْمِقْدَاد، وَفِي بَعْضهَا هُوَ عمارد وَجمع ابْن حبَان بَين هَذَا الِاخْتِلَاف أَن عليا سَأَلَ عماراً أَن يسْأَل، ثمَّ أَمر الْمِقْدَاد بذلك. ثمَّ سَأَلَ بِنَفسِهِ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن عائش بن أنس قَالَ تَذَاكر عَليّ والمقداد وعمار الْمَذْي، فَقَالَ عَليّ: إِنَّنِي رجل مذاء فاسألا عَن ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ أحد الرجلَيْن: وَقَالَ ابْن شكوال: إِن الَّذِي تولى السُّؤَال عَن ذَلِك هُوَ الْمِقْدَاد، وَصَححهُ وَقَالَ بَعضهم: وعَلى هَذَا فنسبه عمار إِلَى أَنه سَأَلَ عَن ذَلِك مَحْمُولَة على الْمجَاز لكَونه قَصده، لَكِن تولى الْمِقْدَاد الْخطاب. قلت: كِلَاهُمَا كَانَا مشتركين فِي هَذَا السُّؤَال غير أَن أَحدهمَا قد سبق بِهِ، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الْمِقْدَاد، وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ عماراً، وَتَصْحِيح ابْن شكوال على أَنه هُوَ الْمِقْدَاد يحْتَاج إِلَى برهَان، وَدلّ مَا ذكر فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة أَن كلاًّ مِنْهُمَا قد سَأَلَ، وَأَن عليا سَأَلَ، فَلَا يحْتَاج بعد هَذَا إِلَى زِيَادَة حَشْو فِي الْكَلَام فَافْهَم.
ذكر مَعَانِيه قَوْله: (مذاء) صِيغَة مُبَالغَة. يَعْنِي: كثير الْمَذْي. قَوْله: (فَأمرت رجلا) قَالَ الشُّرَّاح المُرَاد بِهِ الْمِقْدَاد قلت: يجوز أَن يكون عماراً وَيجوز أَن يكون غَيرهمَا قَوْله: (لمَكَان ابْنَته) أَي بِسَبَب أَن ابْنَته فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَت تَحت نِكَاحه، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَليّ من أجل فَاطِمَة عليها السلام. قَوْله:(تَوَضَّأ) أَمر مجزوم، خطاب للرجل الَّذِي فِي قَوْله:(فَأمرت رجلا) على الِاخْتِلَاف فِي تَفْسِير الرجل. قَوْله: (واغسل ذكرك) هَكَذَا وَقع هَاهُنَا بِتَقْدِيم الْأَمر بِالْوضُوءِ على غسله، وَوَقع فِي الْعُمْدَة عَكسه مَنْسُوبا ألى البُخَارِيّ، وَاعْترض عَلَيْهِ، وَلَا يرد لِأَن، الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب على أَنه قد وَقع فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ تَقْدِيم الْغسْل على الْوضُوء فِي رِوَايَة رَافع بن خديج عَن عَليّ، وَقد ذَكرنَاهَا.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: جَوَاز الاستتابة فِي الاستفتاء، وَيُؤْخَذ مِنْهُ جَوَاز دَعْوَى الْوَكِيل بِحَضْرَة مُوكله. وَمِنْهَا: قبُول خبر الْوَاحِد، والاعتماد على الْخَبَر المظنون مَعَ الْقُدْرَة على الْمَقْطُوع بِهِ، فَإِن عليا اقْتصر على قَول الْمِقْدَاد مَعَ تمكنه من سُؤال النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب حسن الْعشْرَة مَعَ الأصهار، وَأَن الزَّوْج يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يذكر شَيْئا يتَعَلَّق بجماع النِّسَاء والاستمتاع بِهن بِحَضْرَة أَبِيهَا وأخيها وَابْنهَا وَغَيرهم من أقاربها، وَلِهَذَا قَالَ عَليّ: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن عِنْدِي ابْنَته وَأَنا استحي. وَمِنْهَا: أَن الْمَذْي يُوجب الْوضُوء وَلَا يُوجب الْغسْل، والبا وضوع لَهُ. وَمِنْهَا: كَانَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ من حفظ حُرْمَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وتوقيره. وَمِنْهَا: اسْتِعْمَال الْأَدَب فِي ترك المواجهة بِمَا يستحي مِنْهُ عرفا. وَمِنْهَا: أَن قَوْله: (أغسل ذكرك) هَل يَقْتَضِي غسل جَمِيع الذّكر أَو مخرج الْمَذْي ، فَهَذَا اخْتلفُوا فِيهِ، فَذهب بَعضهم، مِنْهُم الزُّهْرِيّ، إِلَى أَنه يجب غسل جَمِيع الذّكر كُله لظَاهِر الْخَبَر، وَمِنْهُم من أوجب غسل مخرج الْمَذْي وَحده.
وَفِي (الْمَعْنى) لِابْنِ قدامَة. اخْتلفت الرِّوَايَة فِي حكمه، فَروِيَ أَنه لَا يُوجب الِاسْتِنْجَاء وَالْوُضُوء، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة يجب غسل الذّكر والأنثيين مَعَ الْوضُوء، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْمَذْي: هَل يجزىء مِنْهُ الِاسْتِجْمَار كالبول أَو لَا بُد من المَاء؟ وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل يجب غسل جَمِيع الذّكر؟ وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل يفْتَقر إِلَى النِّيَّة فِي غسل ذكره أم لَا؟ وَقَالَ أَبُو عرم: الْمَذْي عِنْد جَمِيعهم يُوجب الْوضُوء مَا لم يكن خَارِجا عَن عِلّة أَو بردة أَو زمانة، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَهُوَ أَيْضا كالبول عِنْد جَمِيعهم، فَإِن كَانَ سلساً لَا يَنْقَطِع فَحكمه حكم سَلس