الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
(بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مسح المغتسل يَده بِالتُّرَابِ لتَكون أنقى أَي: أطهر، وَكلمَة. من محذوفة. أَي:(أنقى) من غير الممسوحة، وَذَلِكَ لِأَن أفعل التَّفْضِيل لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْإِضَافَة أَو بِاللَّامِ أَو بِمن، وَالضَّمِير فِي: لتَكون، اسْم. كَانَ، وَخَبره قَوْله: أنقى، وَلَا مُطَابقَة بَينهمَا، مَعَ شَرط بَين اسْم كَانَ وَخَبره، وَجه ذَلِك أَن أفعل التَّفْضِيل إِذا كَانَ بِمن فَهُوَ مُفْرد مُذَكّر لَا غير.
260 -
حدّثنا الحُمَيْدِي قالَ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ حدّثنا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسِ عَنْ مَيْمُونَةَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم اغْتَسَل مِنَ الجَنَابَةِ فَغَسَل فَرْجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دّلَكَ بِهَا الحَائِطِ ثُمَّ غَسَلْهَا ثُمَّ تَوَضأَ وُضُوءَه لِلصَّلَاةِ فَلَمَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثمَّ دلك الْحَائِط بهَا.
فَإِن قلت: هَذِه التَّرْجَمَة قد علمت من حَدِيث الْبَاب الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: (ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْض فمسها بِالتُّرَابِ) فَمَا فَائِدَة التّكْرَار؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: عرض البُخَارِيّ من أمتا لَهُ الشُّعُور باخْتلَاف استخراجات الشُّيُوخ وتفاوت سياقاتهم، مثلا عمر بن حَفْص روى هَذَا الحَدِيث فِي معرض بَيَان الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي غسل الْجَنَابَة، والْحميدِي رَوَاهُ فِي بَيَان معرض مسح الْيَد بِالتُّرَابِ فحافظ على السِّيَاق وَمَا أستخرجه الشُّيُوخ فِيهِ مَعَ مَا فِيهِ من التقوية والتأكيد. قلت: هَاهُنَا فَائِدَة أُخْرَى. وَهِي: أَن فِي الْبَاب الأول دلك الْيَد على التُّرَاب، وَهَاهُنَا دلك الْيَد على الْحَائِط، وَبَينهمَا فرق.
ذكر رِجَاله وَمَا فِي السَّنَد من اللطائف أما رِجَاله فهم سَبْعَة مثل رجال الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق، فير أَن شَيْخه هَاهُنَا الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَبَقِيَّة الرِّجَال متحدة.
وَأما لطائفه فَفِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنَا الْحميدِي، وَفِي بَعْضهَا: حَدثنَا عبد الله بن الزبير الْحميدِي، وَفِي بَعْضهَا حَدثنَا الْحميدِي، عبد الله بن الزبير. قَوْله:(فَغسل فرجه) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْفَاء للتعقيب، وَغسل الْفرج لَيْسَ متعقباً على الِاغْتِسَال بل مقدم عَلَيْهِ، وَكَذَا الدَّلْك وَالْوُضُوء. قلت: الْفَاء تفصيلية، لِأَن هَذَا كُله تَفْصِيل للاختصار الْمُجْمل، وَالتَّفْصِيل يعقب الْمُجْمل، وَأخذ مِنْهُ عبضهم وَقَالَ: هَذِه الْفَاء تفسيرية وَلَيْسَ بتعقيبية، لِأَن غسل الْفرج لم يكن بعد الْفَرَاغ انْتهى قلت: من دقق النّظر وَعرف أسرار الْعَرَبيَّة يَقُول: الْفَاء، هَاهُنَا عاطفة وَلكنهَا للتَّرْتِيب، وَمعنى الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اغْتسل فرتب غسله، فَغسل فرجه ثمَّ تَوَضَّأ، وَكَون الْفَاء للتعقيب لَا يُخرجهَا عَن كَونهَا عاطفة.
بَيَان الْأَحْكَام قد مر مستقصىً.
9 -
(بابُ هَلْ يُدْهِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرُ غَيْرُ الجَنَابَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هَل يدْخل الْجنب يَده؟ إِلَخ. قَوْله: (فِي الْإِنَاء) أَي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ المَاء. قَوْله: (قذر) أَي: شَيْء مستكره من نَجَاسَة وَغَيرهَا. قَوْله: (غير الْجَنَابَة) يشْعر بِأَن الْجَنَابَة نجس وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْمُؤمن لَا ينجس كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح، وَقَالَ بَعضهم: غير الْجَنَابَة أَي: حكمهَا، لِأَن أَثَرهَا مُخْتَلف فِيهِ، فَدخل فِي قَوْله:(قذر) قلت: لم يدْخل الْجَنَابَة فِي القذر أصلا لِأَنَّهَا أَمر معنوي لَا يُوصف بالقذر حَقِيقَة، فَمَا مُرَاد هَذَا الْقَائِل من قَوْله: أَي حكمهَا؟ فَإِن كَانَ الِاغْتِسَال، فَلَا دخل لَهُ هَاهُنَا وَإِن كَانَ النَّجَاسَة فقد قُلْنَا إِن الْمُؤمن لَا ينجس، وَكَذَا إِن كَانَ مُرَاده من قَوْله: لِأَن أَثَرهَا أَي: الْمَنِيّ وَهُوَ طَاهِر فِي زَعمه.
وأدْخَلَ ابنُ عُمَرَ والبَرَاءُ ابنُ عازِبٍ يَدَهُ فِي الطِّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول: أَن الْوَاو فِي قَوْله: (وَأدْخل) مَا هِيَ؟ قلت: ذ (قد ذكرت غير مرّة أَن هَذِه الْوَاو، تسمى: وَاو، الاستفتاح يستفتح بهَا كَلَامه، وَهُوَ السماع من الْمَشَايِخ الْكِبَار.
الثَّانِي: أَن هَذَا الْأَثر غير مُطَابق للتَّرْجَمَة على الْكَمَال، لِأَن التَّرْجَمَة مُقَيّدَة والأثر مُطلق.
الثَّالِث: أَن هَذَا مُعَلّق أما أثر ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فقد وَصله سعيد بن مَنْصُور بِمَعْنَاهُ، وَأما أثر الْبَراء فقد وَصله ابْن أبي شيبَة بِلَفْظ أَنه أَدخل يَده فِي المطهرة قبل أَن يغسلهَا. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) أخبرنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن أبي سِنَان ضرار، عَن محَارب عَن ابْن عمر قَالَ: من مَاء وَهُوَ جنب فَمَا بَقِي نجس
وَهَذَا يُعَارض مَا ذكره من اعْترف. قلت: حملُوا هَذَا على مَا إِذا كَانَ بِيَدِهِ قدر، تَوْفِيقًا بَين الأثرين، وَقَالَ بَعضهم: لأ غسل للنَّدْب وَترك للْجُوَاز. قلت: كَيفَ يكون تَركه للْجُوَاز إِذا كَانَ بِيَدِهِ قذر؟ وَإِن لم يكن فَلَا يضر، فَلم يحصل التَّوْفِيق بَينهمَا بِمَا ذكره هَذَا الْقَائِل، وَهَذَا الْأَثر من أقوى الدَّلَائِل لمن ذهب من الْحَنَفِيَّة إِلَى نَجَاسَة المَاء الْمُسْتَعْمل فَافْهَم.
الرَّابِع: فِي مَعْنَاهُ، فَقَوله:(يَده) أَي أَدخل كل وَاحِد مِنْهُمَا يَده وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت (يديهما) بالتثنية على الأَصْل وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض النّسخ يديهما.
بَينهمَا وَلم يغسلاهما ثمَّ تَوَضَّأ بالتثنية فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاث. قَوْله: (فِي الطّهُور) بِفَتْح الطَّاء، وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ فِي الْوضُوء والاغتسال.
الْخَامِس: فِي حكم هَذَا الْأَثر. وَهُوَ جَوَاز إِدْخَال الْجنب يَده فِي إِنَاء المَاء قبل أَن يغسلهما إِذا لم يكن عَلَيْهَا نَجَاسَة حَقِيقِيَّة. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ الصَّحَابَة يدْخلُونَ أَيْديهم المَاء قبل أَن يغسلوها وهم جنب، وَكَذَلِكَ النِّسَاء، وَلَا يفْسد ذَلِك بَعضهم على بعض، وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن سِيرِين وَعَطَاء وَسَالم وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن أبي جُبَير وَابْن الْمسيب.
وَلَمْ يَرَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبَّاسٍ بَأْساً بِما يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ
وجد مُطَابقَة هَذَا الْأَثر بالتعسف كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ من حَيْثُ إِن المَاء الَّذِي يدْخل الْجنب يَده فِيهِ لَا ينجس إِذا كَانَت طَاهِرَة فَكَذَلِك انتشار المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ الْجنب فِي إنائه لِأَن فِي تنجيسه مشقة أَلا ترى كَيفَ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وَمن يملك انتشار المَاء؟ فَإنَّا لنَرْجُو من رَحْمَة الله مَا هُوَ أوسع من هَذَا إِمَّا أثر ابْن عمر فوصله عبد الرَّزَّاق بِمَعْنَاهُ، وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن الْعَلَاء بن الْمسيب عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يغْتَسل من الْجَنَابَة فينتضح فِي إناثه من غسله فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين إِبْرَاهِيم وَابْن عَبَّاس وَرُوِيَ مثله عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن فِيمَا حَكَاهُ ابْن بطال عَنْهُم، وَيقرب من ذَلِك مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَن كَانَ يُصَلِّي فاناتضح عَلَيْهِ الْبَوْل أَكثر من قدر الدِّرْهَم، فَإِنَّهُ لَا يفْسد صلَاته بل يتَصَرَّف وَيغسل ذَلِك وَيَبْنِي على صلَاته.
261 -
حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْلَمَة قَالَ أخبرنَا أَفْلَحُ عَن القاسِمِ عَن عائِشَةَ قالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاء وَاحدٍ تَخْتَلِفُ أَيْد ينَا فِيهِ..
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ جَوَاز إِدْخَال الْجنب فِي الْإِنَاء قبل أَن يغسلهَا إِذا لم يكن عَلَيْهَا قذر يدل عَلَيْهِ من قَوْله عَائِشَة: (تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ وتلتقي) وَاخْتِلَاف الْأَيْدِي فِي الْإِنَاء لَا يكون إلَاّ بعد الإدخال، فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا يفْسد المَاء فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُقَيّدَة، وَهَذَا الحَدِيث مُطلق. قلت: الْقَيْد الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة مراعى فِي الحَدِيث للقرينة الدَّالَّة على ذَلِك، شَأْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وشأن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أجل من أَن يدخلا أَيْدِيهِمَا فِي أناء المَاء، وعَلى أَيْدِيهِمَا مَا يفْسد المَاء، وَحَدِيث هِشَام الَّذِي يَأْتِي عَن قريب أقوى الْقَرَائِن على ذَلِك وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي الْموضع، لَا مَا ذكره الْكرْمَانِي، إِن ذَلِك ندب وَهُوَ جَائِز. ثمَّ اعْلَم أَن البُخَارِيّ أخرج فِي هَذَا الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث. فمطابقة الحَدِيث الأول: للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا. وَالثَّانِي: مُفَسّر للْأولِ على مَا نذكرهُ. وَالثَّالِث وَالرَّابِع: وَإِن لم يذكر فيهمَا غسل الْيَد، ولكنهما محمولان على معنى الحَدِيث الثَّانِي وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ للتطابق، وَلَا معنى لتطويل الْكَلَام بِدُونِ فَائِدَة نافعة، كَمَا ذكره غير مرّة، وَابْن الْمُنِير وَغَيرهمَا.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الله بن مسلمة، بِفَتْح الميمين. والقعنبي، وَقد تقدم ذكره غير مرّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن مسملة بن قعنب. الثَّانِي: أَفْلح بن حميد بِضَم الْحَاء الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَقد وَقع فِي نسختنا الصَّحِيحَة هَكَذَا، أَفْلح بن حميد، بِذكر أَبِيه حميد، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي أَكثر النّسخ: أَفْلح، غير مَنْسُوب، وَهُوَ ابْن حميد بِلَا خلاف، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ غَيره، وَأخرج بِهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَفِي مُسلم: أَفْلح بن سعيد، وأفلح عَن مَوْلَاهُ، وَفِي النَّسَائِيّ: أَفْلح الْهَمدَانِي، وَالأَصَح أَبُو أَفْلح بن سعيد السَّابِق، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْكتب سواهُم. الثَّالِث: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. الرَّابِع: عَائِشَة الصديقة.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة فِي مَوضِع وَاحِد لِأَن فِي روايتهما حَدثنَا عبد الله بن مسلمة أخبرنَا أَفْلح. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كدنيون، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة وَابْن حبَان من
طَرِيق ابْن وهب عَن أَفْلح أَنه سمع الْقَاسِم يَقُول: سَمِعت عاشة فَذكره.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن عبد الله بن مسلمة نَحوه
بَيَان إعرابه وَمَعْنَاهُ قَوْله: (وَالنَّبِيّ) بِالرَّفْع عطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي كنت، وأبرز الضَّمِير أَيْضا ليَصِح الْعَطف عَلَيْهِ، وَيجوز فِيهِ النصب على أَنه مفعول مَعَه، فَتكون الْوَاو للمصاحبة. قَوْله:(تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ) جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا حَال من قَوْله من إِنَاء وَاحِد، وَالْجُمْلَة بعد الْمعرفَة حَال، وَبعد النكرَة صفة، والإناء هُنَا مَوْصُوف، وَمعنى اخْتِلَاف الْأَيْدِي فِي الْإِنَاء يَعْنِي من الإدخال فِيهِ والإخراج مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة مُسلم فِي آخِره (من الْجَنَابَة) أَي: لأجل الْجَنَابَة، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة وَابْن حبَان بعد قَوْله:(تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق إِسْحَاق بن سُلَيْمَان عَن أَفْلح، تخْتَلف فِيهِ أَيْدِينَا حَتَّى تلتقي، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه، تخْتَلف أَيْدِينَا فيبادرني حَتَّى أَقُول: دع لي. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فِيهِ، يَعْنِي: وتلتقي وَفِيه إِشْعَار بِأَن قَوْله: تلتقي، مدرج وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم من طَرِيق معَاذ عَن عَائِشَة فيبادرني حَتَّى أَقُول: دع لي، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:(وأبادره حَتَّى يَقُول دعِي لي) .
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: جَوَاز اعْتِرَاف الْجنب من المَاء الَّذِي فِي الْإِنَاء وَيجوز التطهر بذلك المَاء وَمِمَّا يفصل مِنْهُ، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ دلَالَة على أَن النَّهْي عَن انغماس الْجنب فِي المَاء الدَّائِم إِنَّمَا هُوَ للتنزيه كَرَاهِيَة أَن يستقذر، لَا لكَونه يصير نجسا بانغماس الْجنب فِيهِ قلت: هَذَا الْكَلَام على إِطْلَاقه غير صَحِيح، لِأَن الْجنب إِذا انغمس فِي المَاء الدَّائِم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ذَلِك المَاء كثيرا أَو قَلِيلا، فَإِن كَانَ كثيرا نَحْو الغدير الْعَظِيم الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أحد طَرفَيْهِ بتحريك الطّرف الآخر فَإِن الْجنب إِذا انغمس فِيهِ لَا يفْسد المَاء وَإِن كَانَ قَلِيلا لَا يبلغ الغدير الْعَظِيم فَإِن الْجنب إِذا انغمس فِيهِ فَإِنَّهُ يفْسد المَاء وَهل يطهر الْجنب أم لَا فِيهِ خلاف.
262 -
حدّثنا مُسَدَّدُ قالحدّثنا حَمَّادُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قالَتُ كانِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ.
(انْظُر الحَدِيث 248 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث مُفَسّر للْحَدِيث السَّابِق، لِأَن فِي الحَدِيث السَّابِق اخْتِلَاف الْأَيْدِي فِي الْإِنَاء، بِظَاهِرِهِ بتناول اليدي الطاهرة وَالْيَد الَّتِي عَلَيْهَا مَا يفْسد المَاء، وَبَين هَذَا أَنه إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة غسل يَده يَعْنِي: إِذا أَرَادَ الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة غسل يَده ثمَّ بعد ذَلِك لَا يضر إِدْخَاله فِي الْإِنَاء لَكِن هَذَا عِنْد خَشيته من أَن يكون بهَا أَذَى من أَذَى الْجَنَابَة أَو غَيرهَا وَأما عِنْد تيقنه ب (طَهَارَة) الْيَد فَلم يكن يغسلهَا فيهذا يَنْتَفِي التَّعَارُض بَينهمَا أَو يكون الحَدِيث السَّابِق مَحْمُولا على تيقنه بِعَدَمِ الْأَذَى، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يدل على أَنه يغسلهَا قبل إدخالها فِي الْإِنَاء لعدم تيقنه بطهارتها.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: مُسَدّد بن مسرهد، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، لِأَن البُخَارِيّ لم يرو عَن حَمَّاد بن سَلمَة، وَهِشَام وَهُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَالْبُخَارِيّ أخرج هَذَا مُخْتَصرا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب ومسدد، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة، قَالَ سُلَيْمَان: يبْدَأ فيفرغ بِيَمِينِهِ، وَقَالَ مُسَدّد: غسل يَده، يصب الْإِنَاء على يَده الْيُمْنَى، ثمَّ اتفقَا فَيغسل فرجه، قَالَ مُسَدّد: يفرغ على شِمَاله، وَرُبمَا كنت عَن الْفرج ثمَّ يتَوَضَّأ كوضوئه للصَّلَاة، ثمَّ يدْخل يَده فِي الْإِنَاء فيخلل شعره حَتَّى إِذا رأى أَنه قد أصَاب الْبشرَة أَو أنقى الْبشرَة أفرغ على رَأسه ثَلَاثًا وَإِذا فضل فضلَة صبها عَلَيْهِ.
263 -
حدّثنا أبُو الوَليدِ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي بَكْرِ بنِ حَفْصِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ كُنت أغْتَسُلُ أنَا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إناءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ.
(انْظُر الحَدِيث أَطْرَافه) .
أَبُو الْوَلِيد هُوَ الطَّيَالِسِيّ، تقدم فِي بَاب عَلامَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَأَبُو بكر ب ن حَفْص مرا فِي بَاب الْغسْل بالصاع،
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
قَوْله: (من جَنَابَة) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من الْجَنَابَة) وَهَاهُنَا كلمة من فِي موضِعين: الأولى: مُتَعَلقَة بمقدر كَقَوْلِك أخذين المَاء من إِنَاء وَاحِد وَالْأولَى