الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إِذا أصَاب) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة أَصَابَت. قَوْلهَا: (إحدانا) أَي: من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَوْلهَا:(أخذت بِيَدَيْهَا) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (بِيَدِهَا) أَي: المَاء، وَصرح بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته، قَوْلهَا:(فَوق رَأسهَا) أَي: تصبه فَوق رَأسهَا وَفِي الْإِسْمَاعِيلِيّ: (أخذت بِيَدَيْهَا ثمَّ صبَّتْ على رَأسهَا)(وبيدها الْأُخْرَى) أَي: ثمَّ أخذت بِيَدِهَا الْأُخْرَى، وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي قَوْلهَا:(أخذت بِيَدَيْهَا) وَفِي بعض النّسخ أخذت يَديهَا بِدُونِ الْجَار فَلَا بُد أَن يُقَال: إِمَّا بنصبه ينْزع الْخَافِض، وَإِمَّا بِتَقْدِير مُضَاف أَي: أخذت ملْء يَديهَا. قلت: هَذَا تَوْجِيه حسن إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة. فَإِن قلت: مَا حكم هَذَا الحَدِيث؟ قلت: حكمه الرّفْع، لِأَن الظَّاهِر اطلَاع النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ذَلِك.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
20 -
(بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز غسل الْعُرْيَان وَحده إلَاّ أَن التستر أفضل، وَهَذَا اللَّفْظ دلّ على الْجَوَاز قَوْله:(وَحده فِي خلْوَة) أَي: من النَّاس، وَهَذَا تَأْكِيد لقَوْله وَحده: وهما لفظان بِحَسب الْمَعْنى متلازمان، وانتصاب وَحده، على الْحَال قَوْله:(وَمن تستر) عطف على من اغْتسل قَوْله: (والستر أفضل) جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وموضعها الْعلمَاء، وَمنعه ابْن أبي ليلى، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَجها لأصحابهم فِيمَا إِذا أنزل فِي المَاء عُريَانا بِغَيْر مئزر، وَاحْتج بِحَدِيث ضَعِيف لم يَصح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: [حم (لَا تدْخلُوا المَاء إِلَّا بمئزر فَإِن للْمَاء عَامِرًا) [/ حم وروى ابْن وهب عَن ابْن مهْدي عَن خَالِد بن حميد عَن بعض أهل الشَّام، أَن ابْن عَبَّاس لم يكن يغْتَسل فِي بَحر وَلَا نهر إلَاّ وَعَلِيهِ إِزَار، وَإِذا سُئِلَ عَن ذَلِك قَالَ: إِن لَهُ عَامِرًا. وَرُوِيَ برد عَن مَكْحُول عَن عَطِيَّة مَرْفُوعا: [حم (من اغْتسل بلَيْل فِي فضاء فليحاذر على عَوْرَته، وَمن لم يفعل ذَلِك وأصابه لمَم فَلَا يَلُومن إلَاّ نَفسه) [/ حم وَفِي مرسلات الزُّهْرِيّ: فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(لَا تغتسلوا فِي الصَّحرَاء إلَاّ أَن تجذوا متوارى، فَإِن لم تَجدوا متوارى فليخط أحدكُم كالدائرة، ثمَّ يُسَمِّي الله تَعَالَى ويغتسل فِيهِ) وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) قَالَ: حَدثنَا ابْن نفَيْل: قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي عَن عَطاء عَن يعلى. [حم (إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغْتَسل بالبزار فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله حَيّ ستير يحب الْحيَاء والستر، فَإِذا اغْتسل أحدكُم فليستتر) [/ حم وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، وَنَصّ أَحْمد فِيمَا حَكَاهُ ابْن تَيْمِية على كَرَاهَة دُخُول المَاء بِغَيْر إِزَار، وَقَالَ إِسْحَاق: هُوَ بالإزار أفضل لقَوْل الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقد قيل لَهما وَقد دخلا المَاء عَلَيْهِمَا بردَان فَقَالَا: إِن للْمَاء سكاناً.
وَقالَ بَهْزٌ عَنْ أبيهِ عَن جده عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحقُّ أنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول: فِي وَجه مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة، وَهُوَ إِنَّمَا يُطَابق إِذا حملناه على النّدب والاستحباب لَا على الْإِيجَاب، وَعَلِيهِ عَامَّة الْفُقَهَاء كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ بَعضهم: ظَاهر حَدِيث بهز أَن التعري فِي الْخلْوَة غير جَائِز، لَكِن اسْتدلَّ المُصَنّف على الْجَوَاز فِي الْغسْل بِقصَّة مُوسَى وَأَيوب، عليهما السلام. قلت: على قَوْله لَا يكون حَدِيث بهز مطابقا للتَّرْجَمَة، فَلَا وَجه لذكره هَاهُنَا لَكِن نقُول: إِنَّه مُطَابق، وإيراده هَاهُنَا موجه لِأَنَّهُ عِنْده مَحْمُول على النّدب، كَمَا حمله عَامَّة الْفُقَهَاء، فَإِذا كَانَ مَنْدُوبًا كَانَ التستر أفضل فيطابق قَوْله: والتستر أفضل خلافًا لما قَالَه أَبُو عبد الْملك فِيمَا حَكَاهُ ابْن التِّين عَنهُ، يُرِيد بقوله: فَالله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ النَّاس، أَن لَا يغْتَسل أحد فِي الفلاة، وَهَذَا فِيهِ حرج بَين، وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ أَن لَا يعْصى، وَهَذَا جيد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الْعلمَاء، كشف الْعَوْرَة فِي حَال الْخلْوَة بِحَيْثُ لَا يرَاهُ آدَمِيّ: إِن كَانَ لحَاجَة جَازَ، وَإِن كَانَ لغير حَاجَة فَفِيهِ خلاف فِي كَرَاهَته وتحريمه، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِي أَنه حرَام.
النَّوْع الثَّانِي فِي رِجَاله: وهم ثَلَاثَة: الأول: بهز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره زَاي مُعْجمَة، وَقَالَ الْحَاكِم: بهز كَانَ من الثِّقَات مِمَّن يحْتَج بحَديثه، وَإِنَّمَا لَا يعد من الصَّحِيح رُوَاته عَن أَبِيه عَن جده، لِأَنَّهَا شَاذَّة وَلَا متابع لَهُ فِيهَا، وَقَالَ الْخَطِيب: حدث عَنهُ الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَبَين وفاتيهما إِحْدَى وَتسْعُونَ سنة. الثَّانِي: أَبوهُ حكم، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الْكَاف، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ: وَقَالَ بهز بن حَكِيم يذكر أَبِيه صَرِيحًا، وَهُوَ تَابِعِيّ ثِقَة. الثَّالِث: جده مُعَاوِيَة بن حيدة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ صَحَابِيّ على مَا قَالَه صَاحب (الْكَمَال) وَكَلَام البُخَارِيّ يشْعر بذلك أَيْضا.
النَّوْع الثَّالِث: إِن هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة فَأَبُو دَاوُد أخرجه فِي كتاب الْحمام، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان فِي موضِعين، وَالنَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء، وَابْن مَاجَه فِي النِّكَاح، وَقَالَ: حدّثنا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حدّثنا يزِيد بن هَارُون وَأَبُو أُسَامَة قَالَا حدّثنا بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: (قلت يَا رَسُول الله عوراتنا مَا تَأتي مِنْهُ وَمَا نذر؟ قَالَ: احفظ عورتك إلَاّ من زَوجتك أَو مَا ملئت يَمِينك قلت: يَا رَسُول الله: أَرَأَيْت أَن كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي بعض؟ قَالَ: إِن اسْتَطَعْت أَن لَا تريها أحدا فَلَا تَرَهَا. قلت: يَا رَسُول الله، فَإِن كَانَ أَحَدنَا خَالِيا؟ قَالَ: فَالله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ من النَّاس) .
النَّوْع الرَّابِع فِي حكمه: وَهُوَ أَن التِّرْمِذِيّ لما أخرجه قَالَ: حَدِيث حسن، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَأما عِنْد البُخَارِيّ فبهز وَأَبوهُ ليسَا من شَرطه، وَأما الْإِسْنَاد إِلَى بهز فَصَحِيح، وَلِهَذَا لما علق فِي النِّكَاح شَيْئا من حَدِيث بهز وَأَبِيهِ لم يجْزم بِهِ، بل قَالَ: وَيذكر عَن مُعَاوِيَة بن حيدة، فَمن هَذَا يعرف أَن مُجَرّد جزمه بِالتَّعْلِيقِ لَا يدل على صِحَة الْإِسْنَاد إلَاّ إِلَى من علق عَنهُ، وَأما فَوْقه فَلَا يدل فَافْهَم.
النَّوْع الْخَامِس فِي مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه، قَوْله:(عوراتنا) جمع عَورَة، وَهِي كل مَا يستحي مِنْهُ إِذا ظهر، وَهِي من الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَمن الْحرَّة جَمِيع الْجَسَد إلَاّ الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الكوعين، وَفِي أخمصها خلاف وَمن الْأمة مثل الرجل، وَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي الْحَال لخدمة كالرأس والرقبة والساعد فَلَيْسَ بِعَوْرَة، وَستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة وَغير الصَّلَاة وَاجِب، وَفِيه عِنْد الْخلْوَة خلاف، وكل خلل وعيب فِي شَيْء فَهُوَ عَورَة، قَوْله:(وَمَا نذر) أَي: وَمَا نَتْرُك، وأمات الْعَرَب ماضي يذر ويدع إلَاّ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَة شَاذَّة فِي قَوْله تَعَالَى:{مَا وَدعك} بِالتَّخْفِيفِ قَوْله: (أَرَأَيْت) مَعْنَاهُ أَخْبرنِي قَوْله: (من النَّاس) يتَعَلَّق بقوله: (أَحَق) وَفِي بَعْضهَا يدل (أَن يستحيي مِنْهُ، أَن يسْتَتر مِنْهُ) ، وَهُوَ رِوَايَة السَّرخسِيّ.
278 -
حدّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قالَ حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرِ عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبَّهٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ كَانَتْ بَنُوا إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فقالُوا واللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أنْ يَغْتَسِلَ مَعْنَا إلَاّ أنَّهُ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَّوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى فِي إثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى مُوسَى فقالُوا واللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ وَأَخَذَ ثَوْبِهِ فَطَفِق بالحَجَرِ ضَرْباً فقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ واللَّهِ إنَّهُ لَنَدَبٌ بالحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْباً بِالْحَجَرِ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي اغتسال مُوسَى صلى الله عليه وسلم عُريَانا وَحده خَالِيا عَن النَّاس، وَلَكِن هَذَا مَبْنِيّ على أَن شرع من قبلنَا من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة والسَّلام، هَل يلْزمنَا أم لَا فِيهِ خلاف، وَالأَصَح أَنه يلْزمنَا إِن لم يقص الله علينا بالإنكار.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: إِسْحَاق بن نصر السَّعْدِيّ النجاري، قد يذكرهُ البُخَارِيّ تَارَة فِي هَذَا الْكتاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِيه بِأَن يَقُول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَتارَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جده كَمَا ذكره هَاهُنَا، وَقد تقدم ذكره فِي اباب فضل من علم وَعلم. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ. الثَّالِث: معمر بن رَاشد. الرَّابِع: همام، بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم، بن مُنَبّه، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد تقدمُوا فِي بَاب حسن إِسْلَام الْمَرْء. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي مَوضِع آخر عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه (اغْتسل مُوسَى، عليه السلام، عِنْد مويه) بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَإِسْكَان الْيَاء، تَصْغِير المَاء، وَأَصله موه، والتصغير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أَصْلهَا، هَكَذَا هُوَ فِي بعض نسخ مُسلم: روى ذَلِك العذري والباجي. وَفِي مُعظم نسخ مُسلم. مشربَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي حُفْرَة فِي أصل النَّخْلَة. وَقَالَ عِيَاض: وأظن الأول تصحيفاً، وَقَالَ [قعالقرطبي [/ قع: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل تفعل هَذَا معاندة للشَّرْع وَمُخَالفَة لنبيهم، عليه الصلاة والسلام.
ذكر لغاته قَوْله: (كَانَت بَنو إِسْرَائِيل) هُوَ اسْم يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرحمان، صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه، وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ سَافر إِلَى خَاله لأمر ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى، وَكَانَ خَاله فِي حران، وَكَانَ يسير بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ، وَكَانَ بَنو يَعْقُوب اثْنَي عشر رجلا وهم: روبيل ويهوذا وشمعون ولاؤي وداني ويفتالي وزبولون وجاد ويساخر وأشير ويوسف وبنيامين، وهم الَّذين سماهم الله الأسباط، وَسموا بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم وَالِد قَبيلَة، والسبط فِي كَلَام الْعَرَب الشَّجَرَة الملتفة الْكَثِيرَة الأغصان، والأسباط بني إِسْرَائِيل كالشعوب من الْعَجم، والقبائل من الْعَرَب، ومُوسَى عليه الصلاة والسلام، من ذُرِّيَّة لاؤي، وَهُوَ مُوسَى بن عمرَان بن فاهث بن لاؤي. قَوْله:(آدر) ، زعم ثَعْلَب فِي (الفصيح) أَنه كآدم، وَقَالَ كرَاع فِي (الْمُنْتَخب) الأدرة، على مِثَال فعله، فتق يكون فِي إِحْدَى الخصيتين، وَقَالَ عَليّ بن حَمْزَة فِيمَا ذكره ابْن عُمَيْس يُقَال أدرة وادرة بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَإِسْكَان الدَّال، وبالفتح والتحريك وَفِي (الْمُخَصّص) لِابْنِ سَيّده الإدرة الخصية الْعَظِيمَة إدر الرجل أدراً، وَقيل: الأدر: الَّذِي ينفتق صفاقه فَيَقَع قصبه فِي صفنه، وَلَا ينفتق إلَاّ من جَانِبه الْأَيْسَر، وَقد تأدر الرجل من دَاء يُصِيبهُ، والشرج ضِدّه وَفِي (الْمُحكم) الأدر والمأدور الَّذِي ينفتق صفاقه، وَقيل: هُوَ أَن يُصِيبهُ فتق فِي إِحْدَى الخصيتين، وَلَا يُقَال: امْرَأَة أدراء إِمَّا لِأَنَّهُ لم يسمع، وَإِمَّا أَن يكون لاخْتِلَاف الْخلقَة، وَقد أدر إدراء، وَالِاسْم الأدرة وَقيل: الخصية الإدراء الْعَظِيمَة من غير فتق، وَفِي (الْجَامِع) الأدرة والأدر مصدران، وَاسم المنتفخة الأدرة. وَقيل: إدر الرجل يأدر. إِذا أَصَابَهُ ذَلِك. وَفِي (الصِّحَاح) الأدرة نفخة فِي الخصية، يُقَال: رجل أدربين الأدر وَفِي (الجمهرة) هُوَ الْعَظِيم الخصيتين. قَوْله: (فَخرج) وَفِي رِوَايَة فَجمع مُوسَى، زعم ابْن سَيّده أَنه يُقَال: جمح الْفرس بِصَاحِبِهِ جمحاً وجماحاً ذهب يجْرِي جَريا عَالِيا، وكل شَيْء مضى لَيْسَ على وَجهه فقد جمع قَالَ نفطويه، الدَّابَّة الجموح هِيَ الَّتِي تميل فِي أحد شقيها وَفِي (التَّهْذِيب) لأبي مَنْصُور: فرس جموح، إِذا ركب فَلم يرد اللجام رَأسه، وَهَذَا ذمّ، وَفرس جموح أَي: سريع، وهذامدح. قَوْله:(فِي إثره) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة. وَقَالَ كرَاع إِثْر الشَّيْء واثره واثره، بِمَعْنى وَقَالَ فِي (الْمُنْتَخب) بوجهيه إِثْر واثر واثر وَفِي (الواعي) الْأَثر محركة هُوَ مَا يُؤثر الرجل بقدمه فِي الأَرْض. قَوْله:(ثوبي يَا حجر) أَي: أَعْطِنِي ثوبي، وَإِنَّمَا خاطبه لِأَنَّهُ أجراه مجْرى من يعقل لكَونه قر بِثَوْبِهِ، فانتقل عِنْده من حكم الجماد إِلَى حكم الْحَيَوَان، فناداه فَلَمَّا لم يطعه ضربه، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مُوسَى، عليه السلام، أَرَادَ أَن يضْربهُ إِظْهَارًا للمعجزة بتأثير ضربه، وَيحْتَمل أَن يكون عَن وَحي لإِظْهَار الإعجاز، وَمَشى الْحجر إِلَى بني إِسْرَائِيل بِالثَّوْبِ أَيْضا معْجزَة أُخْرَى لمُوسَى عليه السلام. قَوْله: فَطَفِقَ (بِالْحجرِ ضربا) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي:(فَطَفِقَ الْحجر)، وَسَنذكر إعرابه قَوْله:(لندب) بِفَتْح النُّون وَفتح الدَّال وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) النّدب أثر الْجرْح إِذا لم يرْتَفع عَن الْجلد، وجرح نديب ذُو ندب، وَقد انتدبته. جعلته فِي جِسْمه ندبا واثراً، وَالْجمع أنداب وندوب. وَفِي (الْمُحكم) عَن أبي زيد، وَالْجمع ندب، وَقيل: النّدب وَاحِد، وَندب ظَهره ندبا وندوبة وندوباً فَهُوَ ندب، صَارَت فِيهِ ندوب، وأندب بظهره وَفِي ظَهره غادر فِيهِ ندوباً وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني عَن الْأَصْمَعِي: هُوَ الْجرْح إِذا بَقِي مِنْهُ أثر مشرف، يُقَال) ضربه حَتَّى أندبه.
ذكر إعرابه قَوْله: (بَنو إِسْرَائِيل) لفظ بَنو جمع السَّلامَة أصلة بنُون لكنه على خلاف الْقيَاس لوُقُوع التَّغَيُّر فِي مفرده، وَأما التَّأْنِيث فِي الْفِعْل فعلى قَول من يَقُول: حكم ظَاهر مُطلقًا حكم ظَاهر غير الْحَقِيقِيّ، فَلَا إِشْكَال وَإِمَّا على قَول من يَقُول: كل جمع مؤنث إلَاّ السَّلامَة الْمُذكر فتأنيثه أَيْضا عِنْده على خلاف الْقيَاس أَو بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة قَوْله: (عُرَاة) جمع عارٍ كقضاة جمع قاضٍ، وانتصابها على الْحَال. قَوْله:(ينظر إِلَى بعض) جملَة فعلية وَقعت حَالا قَوْله: إِلَّا أَنه آدر اسْتثِْنَاء مفرغ والمستثنى مِنْهُ مَقْدُور هُوَ امْر من الْأُمُور قَوْله: (يغْتَسل) جملَة وَقعت حَالا، وَهِي حَال منتظرة. قَوْله:(يَقُول) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال. قَوْله: (ثوبي) مفعول فعل مَحْذُوف تَقْدِيره، رد ثوبي أَو أَعْطِنِي ثوبي. قَوْله:(من بَأْس) كلمة من زَائِدَة، وَهُوَ اسْم كَانَ على تَقْدِير: مَا كَانَ بمُوسَى من بَأْس، وَفِي أَكثر النّسخ مَا بمُوسَى فعلى هَذَا، من بَأْس اسْم مَا. قَوْله:(فَطَفِقَ الْحجر) بِنصب: الْحجر، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي. وطفق؟ من أَفعَال المقاربة: بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا لُغَتَانِ: وَالْحجر، مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر وَهُوَ: يضْرب، أَي: طفق يضْرب الْحجر ضربا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (فَطَفِقَ بِالْحجرِ، بِزِيَادَة الْبَاء، وَمَعْنَاهَا: جعل مُلْتَزما بذلك يضْربهُ ضربا.
وَاعْلَم أَن أَفعَال المقاربة ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر، وَهُوَ ثَلَاثَة، نَحْو:
كَاد وكرب وأوشك. الثَّانِي: مَا وضع للدلالة على رجائه، وَهِي ثَلَاثَة، نَحْو: عَسى واخلولق وحرى. الثَّالِث: مَا وضع للدلالة على الشُّرُوع فِيهِ، وَهُوَ كثير. وَمِنْه، طفق، وَهَذِه كلهَا مُلَازمَة لصيغة الْمَاضِي إلَاّ أَرْبَعَة فَاسْتعْمل لَهَا مضارع وَهِي: كَاد وأوشك، وطفق، وَجعل واستعلم مصدر لاثْنَيْنِ وهما: طفق وَكَاد، وَحكى الْأَخْفَش طفوقاً، عَمَّن قَالَ: طفق بِالْفَتْح، وطفقاً عَمَّن قَالَ: طفق بِالْكَسْرِ. قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) قَالَ بَعضهم: هُوَ من تَتِمَّة مقول همام وَلَيْسَ بمعلق وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة اما تَعْلِيق من البُخَارِيّ وَأما تَتِمَّة مقول همام فَيكون مُسْندًا (قلت) أحتمال الْأَمريْنِ ظَاهرا وَقطع الْبَعْض بِأحد الْأَمريْنِ غير مَقْطُوع بِهِ. قَوْله: (سِتَّة) بِالرَّفْع على الْبَدَلِيَّة أَي: سِتَّة آثَار، أَو هُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَكَذَلِكَ: ضربا تَمْيِيز فَافْهَم.
ذكر استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: دَلِيل على إِبَاحَة التعري فِي الْخلْوَة للْغسْل وَغَيره بِحَيْثُ يَأْمَن أعين النَّاس. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز النّظر إِلَى الْعَوْرَة عِنْد الضَّرُورَة الداعية إِلَيْهِ من مداواة أَو برَاء من الْعُيُوب أَو إِثْبَاتهَا، كالبرص وَغَيره مِمَّا يتحاكم النَّاس فِيهَا مِمَّا لَا يَد فِيهَا من رُؤْيَة الْبَصَر بهَا. وَفِيه: جَوَاز الْحلف على الْإِخْبَار، كحلف أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: دلَالَة على معْجزَة مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ: مشي الْحجر بِثَوْبِهِ إِلَى مَلأ من بني إِسْرَائِيل ونداؤه، عليه الصلاة والسلام، للحجر، وتأثير ضربه فِيهِ. وَفِيه: دَلِيل على أَن الله تَعَالَى كمل أَنْبيَاء خلقا وخلقا، ونزههم عَن المعايب والنقائص. وَفِيه: مَا غلب على مُوسَى صلى الله عليه وسلم من البشرية حَتَّى ضرب الْحجر. فَإِن قلت: كشف الْعَوْرَة حرَام فِي حق غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكيف الَّذِي صدر من مُوسَى صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ذَاك فِي شرعنا، وَأما فِي شرعهم فَلَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنهم كَانُوا يغتسلون عُرَاة ومُوسَى صلى الله عليه وسلم يراهم لَا يُنكر عَلَيْهِم، وَلَو كَانَ حَرَامًا لأنكره. فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَلم، كَانَ مُوسَى ينْفَرد فِي الْخلْوَة عِنْد الْغسْل؟ قلت: إِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك من بَاب الْحيَاء، لَا أَنه كَانَ يجب عَلَيْهِ ذَلِك، وَيحْتَمل أَنه كَانَ عَلَيْهِ مئزر رَقِيق فَظهر مَا تَحْتَهُ لما ابتل بِالْمَاءِ، فَرَأَوْا أَنه أحسن الْخلق، فَزَالَ عَنْهُم مَا كَانَ فِي نُفُوسهم. فَإِن قلت: مَا هَذَا الْحجر؟ قلت: قَالَ سعيد بن جُبَير: الْحجر الَّذِي وضع مُوسَى صلى الله عليه وسلم ثَوْبه عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يحملهُ مَعَه فِي الْأَسْفَار فيضربه فيتفجر مِنْهُ المَاء، وَالله أعلم.
(وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا فَخر عَلَيْهِ جَراد من ذهب فَجعل أَيُّوب يحتثي فِي ثَوْبه فناداه ربه يَا أَيُّوب ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى قَالَ بلَى وَعزَّتك وَلَكِن لَا غنى بِي عَن بركتك) هَذَا مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول وَقد صرح أَبُو مَسْعُود وَخلف فَقَالَا فِي أطرافهما أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ هَهُنَا عَن اسحق بن نصر وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق وَرَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي أَحْمد بِهن شيرويه حَدثنَا اسحق أخبرنَا عبد الرَّزَّاق فَذكره وَذكر أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن اسحق بن نصر عَن عبد الرَّزَّاق وَأورد الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر ثمَّ لما فرغ مِنْهُ قَالَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " بَينا أَيُّوب يغْتَسل " الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم وَجزم الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ تَعْلِيق بِصِيغَة التمريض فَأَخْطَأَ فَإِن الْخَبَرَيْنِ ثابتان فِي نُسْخَة همام بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور (قلت) الْكرْمَانِي لم يجْزم بذلك وَإِنَّمَا قَالَ تَعْلِيق بِصِيغَة التمريض بِنَاء على الظَّاهِر لِأَنَّهُ لم يطلع على مَا ذكرنَا قَوْله " بَينا " بِالْألف أَصله بَين بِلَا الْألف زيدت الْألف فِيهِ لإشباع الفتحة وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله " خر " وَمَا قيل أَن مَا بعد الْفَاء لَا يعْمل فِيمَا قبله لِأَن فِيهِ معنى الجزائية إِذْ بَين مُتَضَمّن للشّرط فَجَوَابه لَا نسلم عدم عمله سِيمَا فِي الظّرْف إِذْ فِيهِ توسع وَالْعَامِل خر الْمُقدر وَالْمَذْكُور مُفَسّر لَهُ وَمَا قيل أَن الْمَشْهُور دُخُول إِذا وَإِذا فِي جَوَابه فَجَوَابه كَمَا أَن إِذا تقوم مقَام الْفَاء فِي جَوَاب الشَّرْط نَحْو قَوْله {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} تقوم الْفَاء مقَام إِذا فِي جَوَاب بَين فبينهما مُعَاوضَة قَوْله " أَيُّوب " اسْم أعجمي وَهُوَ ابْن أموص بن زراح بن عيص بن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ بَعضهم أَيُّوب بن أموص بن زيرح ابْن زعويل بن عيص بن اسحق وَقَالَ آخَرُونَ أَيُّوب بن أموص بن زراح بن روم بن عيص بن اسحق وَأمه بنت لوط عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَكَانَ أَيُّوب فِي زمَان يَعْقُوب وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ كَانَت مَنَازِله الثَّنية من أَرض الشَّام والجابية من كورة دمشق وَكَانَ الْجَمِيع لَهُ ومقامه بقرية تعرف بدير أَيُّوب وقبره بهَا وَإِلَى هَلُمَّ جرا وَهِي قَرْيَة من نوى عَلَيْهِ مشْهد وَهُنَاكَ قدم فِي حجر يَقُولُونَ أَنَّهَا أثر قدمه وَهُنَاكَ عين يتبرك بهَا وَكَانَ أعبد أهل زَمَانه وعاش ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة قَوْله " يغْتَسل " جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله " أَيُّوب " وَالْجُمْلَة فِي مَحل الْجَرّ بِإِضَافَة بَين إِلَيْهِ قَوْله " عُريَانا " نصب على الْحَال ومصروف لِأَنَّهُ فعلان بِالضَّمِّ بِخِلَاف فعلان بِالْفَتْح كَمَا عرف فِي مَوْضِعه قَوْله " جَراد " بِالرَّفْع فَاعل خر قَالَ ابْن سَيّده الْجَرَاد مَعْرُوف قَالَ أَبُو عبيد قيل هُوَ سروة ثمَّ دبا ثمَّ غوغا ثمَّ كتفان ثمَّ خيفان ثمَّ جَراد وَقَالَ أَبُو اسحق إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الأجواني أول مَا يكون الْجَرَاد دبا ثمَّ يكون غوغا إِذا ماج بعضه فِي بعض ثمَّ يكون كتفانا ثمَّ يصير خيفانا إِذا صَارَت فِيهِ خطوط مُخْتَلفَة الْوَاحِدَة خيفانة ثمَّ يكون جَرَادًا وَقيل الْجَرَاد الذّكر والجرادة الْأُنْثَى وَمن كَلَامهم رَأَيْت جَرَادًا على جَرَادَة كَقَوْلِهِم رَأَيْت نعاما على نعَامَة وَفِي الصِّحَاح الْجَرَاد مَعْرُوف والواحدة الجرادة يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَيْسَ الْجَرَاد بِذكر للجرادة إِنَّمَا هُوَ اسْم جنس كالبقر وَالْبَقَرَة وَالتَّمْر وَالتَّمْرَة وَالْحمام والحمامة وَمَا أشبه ذَلِك فَحق مؤنثه أَن لَا يكون مؤنثه من لَفظه لِئَلَّا يلتبس الْوَاحِد الْمُذكر بِالْجمعِ وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة سمي جَراد لِأَنَّهُ يجرد الأَرْض فَإِنَّهُ يَأْكُل مَا عَلَيْهَا وَكَذَا هُوَ فِي الِاشْتِقَاق للرماني قَوْله " يحتثي " من بَاب الافتعال من الحثي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة قَالَ ابْن سَيّده الحثي مَا رفعت بِهِ يَديك يُقَال حَتَّى يحثي ويحثو وَالْيَاء أَعلَى وَزعم ابْن قرقول أَنه يكون بِالْيَدِ الْوَاحِدَة أَيْضا وَفِي الصِّحَاح حثى فِي وَجهه التُّرَاب يحثو ويحثي حثوا وحثيا وتحثيا وحثوت لَهُ إِذا أَعْطيته شَيْئا يَسِيرا وَيُقَال الحثية باليدين جَمِيعًا عِنْد أهل اللُّغَة وَقَالَ الْكرْمَانِي يحتثي أَي يَرْمِي يَعْنِي يَأْخُذ وَيَرْمِي فِي ثَوْبه وَقَالَ بَعضهم وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ عَن زيد يحتثن بنُون فِي آخِره بدل الْيَاء (قلت) أمعنت النّظر فِي كتب اللُّغَة فَمَا وجدت لَهَا وَجها فِي هَذَا قَوْله " فناداه ربه " يحْتَمل أَن يكون كَلمه كَمَا كلم مُوسَى وَهُوَ أولى بِظَاهِر اللَّفْظ وَيحْتَمل أَن يُرْسل إِلَيْهِ ملكا فَسمى هَذَا بذلك قَوْله " بلَى " أَي بلَى أغنيتني وَقَالَ الْكرْمَانِي وَلَو قيل فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع بدل بلَى نعم لَا يجوز بل يكون كفرا (قلت) لِأَن بلَى مُخْتَصَّة بِإِيجَاب النَّفْي وَنعم مقررة لما سبقها وَالْمرَاد فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أَنْت رَبنَا وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَو قَالُوا نعم لكفروا وَالْفُقَهَاء لم يفرقُوا فِي الأقارير لِأَن مبناها على الْعرف وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْعرف قَوْله " لَا غنى بِي " قَالَ بَعضهم لَا غنى بِالْقصرِ بِلَا تَنْوِين على أَن لَا بِمَعْنى لَيْسَ (قلت) هَذَا الْقَائِل لم يدر الْفرق بَين لَا بِمَعْنى لَيْسَ وَبَين لَا إِلَى لنفي الْجِنْس فَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَيْسَ فَهُوَ منون مَرْفُوع وَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَا لنفي الْجِنْس يكون مَبْنِيا على مَا ينصب بِهِ وَلَا ينون وَيجوز هَهُنَا الْوَجْهَانِ وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم وَقَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي أول الْبَقَرَة قرىء لَا ريب بِالرَّفْع وَالْفرق بَينهَا وَبَين الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة أَن الْمَشْهُورَة توجب الِاسْتِغْرَاق وَهَذِه تجوزه (فَإِن قلت) خبر لَا مَا هُوَ هَل هُوَ لفظ بِي أَو عَن بركتك قلت يجوز كِلَاهُمَا وَالْمعْنَى صَحِيح على التَّقْدِيرَيْنِ قَوْله " عَن بركتك " الْبركَة كَثِيرَة الْخَيْر. (وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ) مَا قَالَه ابْن بطال جَوَاز الِاغْتِسَال عُريَانا لِأَن الله تَعَالَى عَاتب أَيُّوب عليه السلام على جمع الْجَرَاد وَلم يعاتبه على الِاغْتِسَال عُريَانا وَفِيه جَوَاز الْحلف بِصفة من صِفَات الله تَعَالَى وَقَالَ الدَّاودِيّ فِيهِ فضل الكفاف على الْفقر لِأَن أَيُّوب عليه السلام لم يكن يَأْخُذ ذَلِك مفاخرا وَلَا مكاثرا وَإِنَّمَا أَخذه ليستعين بِهِ فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وَلم يكن الرب جلّ وَعلا ليعطيه مَا ينقص بِهِ حَظه وَفِيه الْحِرْص على الْحَلَال وَفِيه فضل الْغنى لِأَنَّهُ سَمَّاهُ بركَة
(وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى بن عقبَة عَن صَفْوَان عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا) أَي روى هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور إِبْرَاهِيم وَهُوَ ابْن طهْمَان بِفَتْح الطَّاء الْخُرَاسَانِي أَبُو سعيد مَاتَ بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة التَّابِعِيّ تقدم فِي بَاب إسباغ الْوضُوء عَن صَفْوَان بن سليم بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام التَّابِعِيّ الْمدنِي أَبُو عبد الله الإِمَام الْقدْوَة يُقَال أَنه لم يضع جنبه على الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ