المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً)

- ‌(بَاب الوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ ثَلاثاً ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ الاسْتجْمَارِ وِتْراً)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الَاعْقَابِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْليْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ولَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ)

- ‌(بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)

- ‌(بابُ الْتِمَاسِ الوَضُوءِ إِذا حانَتِ الصَّلاةُ)

- ‌(بابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الاِنْسانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إلَاّ مِنَ المَخْرجَيْنِ القُبُلِ والدُّبُرِ)

- ‌(بابُ الرَّجُلِ يُوَضِّىءُ صَاحبَهُ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكعْبَيْنِ)

- ‌(بابُ اسْتِعْمالِ فَضْل وَضُوءِ الناسِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدةٍ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً)

- ‌(بابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ إمْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ صَبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءَهُ علَى المُغْمَى عَلَيهِ)

- ‌(بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)

- ‌(بابُ الوُضُوء مِنَ التَّوْرِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ بالمُدِّ)

- ‌(بابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْن)

- ‌(بابٌ إِذا أدْخَلَ رِجْلَيْهِ وهُمَا طَاهِرَتانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ والسَّوِيقِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ ولَمْ يَتَوَضَّأْ)

- ‌(بَاب هَل يمضم من اللَّبن)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنَ النوْمِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ)

- ‌ بَاب:

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالناس الَاعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بَوْلِ الصِّبْيَانِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ قائِماً وقاعِداً)

- ‌(بابُ البَوْلِ عنْدَ صاحبِهِ والتَّسَتُّرِ بالحَائِطِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ عِنْدَ سُباطَةِ قوْمٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِهِ وغَسْل مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ إِذا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَها فَلمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ)

- ‌(بابُ أَبْوَالِ الابِلِ والدَّوابِّ والغَنَمِ ومَرَابِضهَا)

- ‌(بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسات فِي السِّمْنِ والمَاءِ)

- ‌(بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

- ‌(بابٌ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)

- ‌(بابٌ لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بالنَّبِيذِ ولاٍ بالمُسْكِرِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَرّأةِ أَبَاهَا الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ)

- ‌(بابُ السِّواكِ)

- ‌(بابُ دَفْعُ السَّوَاكِ إِلَى الأكْبَرَ)

- ‌(بابِ فَضْلِ مَنْ بَاتَ علَى الوُضوُءِ)

- ‌(كتاب الغسْلِ)

- ‌(بابُ الوُضوءِ قَبْلَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرأَتِهِ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الغُسْل مَرَّةً وَاحِدَةً)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ بالحِلابِ أَوْ الطِيّبِ عِنْدَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ والإِسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى)

- ‌(بابُ هَلْ يُدْهِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرُ غَيْرُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ والوُضُوءِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابٌ إذَا جامَعَ ثُمَّ عادَ وَمَنْ دَارَ علَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَذْىٍ وَالوُضُوءِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)

- ‌(بابُ تَخْلِيلِ الشِّعَرِ حَتَّى إذَا أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ

- ‌(بابُ مَنْ تَوَضَّلَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى

- ‌(بابُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

- ‌(بابُ نَفْضِ اليدَيْنِ مِنْ الغُسْلِ عَنُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ رَأْسِهِ الأيْمَنِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)

- ‌(بابُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)

- ‌(بابٌ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)

- ‌(بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)

- ‌(بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

- ‌(بابُ نَوْم الجُنُبُ)

- ‌(بابُ الجنُبِ يَتَوَضَأُ ثُمَّ يَنَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ مَا يُصيبُ منْ رُطُوبَةِ فَرْجِ المَرْأَةِ)

- ‌(كتاب الحيضِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ كانَ بَدْءَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِها وَتَرْجِيلِهِ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ)

- ‌(بابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضاً)

- ‌(بابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ)

- ‌(بابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ)

- ‌(بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)

- ‌(بابُ الاسْتِحَاضَةِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ الاعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحاضَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ فِيهِ

- ‌(بابُ الَطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَها أذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ امْتِشاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ المَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسَلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابٌ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ}

- ‌(بابُ كَيفَ تُهِلُّ الحائِضُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ)

- ‌(بابُ إقْبالِ المَحِيضِ وإدْبارِهِ)

- ‌(بابٌ لَا تَقْضِي الحائِضُ الصَّلاةَ)

- ‌(بابُ النَّوْمَ مَعَ الحَائِضِ وهْيَ فِي ثِيَابِهَا)

- ‌(بابُ مَنْ اتخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ)

- ‌(بابُ شُهُودِ الحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى)

- ‌(بابٌ إذَا حاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّساءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيما يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ الله تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أرْحَامِهِنَّ)

- ‌(بابُ الصُّفْرَةِ والْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أيَّامِ الْحَيْضِ)

- ‌(بابُ عِرْق الإسْتِحَاضَة)

- ‌(بابُ الْمَرأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَة)

- ‌(بابٌ إذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا)

- ‌(بابٌ)

الفصل: ‌(باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين)

قلت: مَا وَجه اعرابه على الْوَجْهَيْنِ؟ قلت: وَجه وجود: الْفَاء، أَن تكون: الْفَاء تفسيرية لِأَنَّهَا تفسر: قَالَ، المحذوفة بعد قَوْله: أَبَا هُرَيْرَة، لَان تَقْدِير الْكَلَام: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: وَكَانَ يمر بِنَا

إِلَى آخِره، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن: أَبَا هُرَيْرَة، مفعول: سَمِعت. وَشرط وُقُوع الذَّات مفعول فعل السماع أَن يكون مُقَيّدا بالْقَوْل، وَنَحْوه كَقَوْلِه تَعَالَى {سمعنَا منادياً يُنَادي} (آل عمرَان: 193) وَوجه عدم: الْفَاء، أَن يكون: قَالَ، حَالا من ابي هُرَيْرَة، وَالتَّقْدِير: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة حَال كَونه قَائِلا: أَسْبغُوا الْوضُوء. قَوْله: (فَإِن أَبَا الْقَاسِم)، الْفَاء: للتَّعْلِيل، و: أَبُو الْقَاسِم، كنية رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(قَالَ) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر: أَن قَوْله: (ويل للاعقاب من النَّار) مقول القَوْل، وَإِعْرَابه مر غير مرّة مَعَ سَائِر أبحاثه.

30 -

(بابُ غَسْلِ الرِّجْليْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ولَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الرجلَيْن حَال كَونهمَا فِي النَّعْلَيْنِ.

والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة، وَهِي: أَن كلا مِنْهُمَا فِي بَيَان حكم غسل الرجلَيْن حَال كَونهمَا فِي النَّعْلَيْنِ، لِأَن الْبَاب الأول فِي غسل الأعقاب وَهِي من الرجلَيْن.

166 -

حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ أخبرنَا مالكٌ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بنِ جُرَيّحٍ أنَّهُ قالَ لعْبدِ الله بنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ رَأيْتُكَ تَصْنَعُ أرْبَعاً لَمْ أرَ أحَداً منْ أصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قالَ وَمَا هِي يَا ابنَ جُرَيْجٍ قالَ رَأيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الَارْكانِ إلَاّ اليَمَانِيَيْنِ وَرَأيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأيْتُكَ تَصْبُغُ بالصُّفْرَةِ وَرَأيْتُكَ إذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أهَلَّ النَّاسُ إذَا رَأَوُا الهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قالَ عَبْدُ اللَّهِ أمَّ الَارْكانُ فَانِيِّ لَمْ أرَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إلَاّ اليَمَانِيَيْنِ وَأمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَانِّي رَأيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيها شَعَرٌ ويَتَوَضَّأُ فِيها فانَا أُحبُّ أنْ أَلْبَسَهَا وأمّا الصُّفْرَةُ فانِّي رَأَيْتُ رسولَ الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْبُغُ بِها فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِها وأمَّا الاِهْلالُ فِانِّي لَمْ أَرَ رسولَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بهِ راحِلَتُهُ..

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيتَوَضَّأ فِيهَا) فَإِن ظَاهره كَانَ، عليه الصلاة والسلام، يغسل رجلَيْهِ وهما فِي نَعْلَيْنِ، لِأَن قَوْله: فِيهَا، أَي: فِي النِّعَال ظرف لقَوْله: يتَوَضَّأ، وَبِهَذَا يرد على من زعم لَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي ذكره تَصْرِيح بذلك، وَإِنَّمَا هُوَ من قَوْله:(يتَوَضَّأ فِيهَا)، لِأَن الأَصْل فِي الْوضُوء الْغسْل. قلت: مَا يُرِيد هَذَا من التَّصْرِيح أقوى من هَذَا، وَقَوله: وَلِأَن: فِيهَا، يدل على الْغسْل، وَلَو أُرِيد الْمسْح لقَالَ: عَلَيْهَا. وَهَذَا التَّعْلِيل يرد عَلَيْهِ قَوْله: لَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي ذكره تَصْرِيح بذلك، وَهَذَا من الْعَجَائِب حَيْثُ ادّعى عدم التَّصْرِيح، ثمَّ أَقَامَ دَلِيلا عَلَيْهِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيمَا ذكره البُخَارِيّ فِي النَّعْلَيْنِ وَالْوُضُوء فيهمَا نظر. قلت: وَفِي نظره نظر، وَوَجهه مَا قَرَّرْنَاهُ الْآن. قَوْله:(وَلَا يمسح على النَّعْلَيْنِ) أَشَارَ بذلك إِلَى نفي مَا رُوِيَ عَن عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة أَنهم مسحوا على نعَالهمْ ثمَّ صلوا. وَرُوِيَ فِي ذَلِك حَدِيث مَرْفُوع أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي الْوضُوء، لَكِن ضعفه عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيره، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ إِذا تَوَضَّأ ونعلاه فِي قدمية مسح ظُهُور نَعْلَيْه بيدَيْهِ، وَيَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هَكَذَا، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَالْبَزَّار، وَرُوِيَ فِي حَدِيث رَوَاهُ عَليّ بن يحيى بن خَلاد عَن أَبِيه عَن عَمه رِفَاعَة بن رَافع:(أَنه كَانَ جَالِسا عِنْد النَّبِي، عليه الصلاة والسلام ، وَفِيه: (وَمسح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ)، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) . وَالْجَوَاب عَن حَدِيث ابْن عمر: أَنه كَانَ فِي وضوء مُتَطَوّع بِهِ لَا فِي وضوء وَاجِب عَلَيْهِ، وَعَن حَدِيث رِفَاعَة: أَن المُرَاد أَنه مسح بِرَأْسِهِ وخفيه على رجلَيْهِ، وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ على عدم الْإِجْزَاء بِالْإِجْمَاع على أَن الْخُفَّيْنِ إِذا تخرقا حَتَّى يَبْدُو القدمان، أَن الْمسْح لَا يجزىء عَلَيْهِمَا، قَالَ: فَكَذَلِك النَّعْلَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يغيبان

ص: 24

الْقَدَمَيْنِ. قَالَ بَعضهم: هَذَا اسْتِدْلَال صَحِيح، وَلكنه مُنَازع فِي نقل الْإِجْمَاع الْمَذْكُور. وَقلت: غير مُنَازع فِيهِ لِأَن مَذْهَب الْجُمْهُور أَن مُخَالفَة الْأَقَل لَا تضر الْإِجْمَاع، وَلَا يشْتَرط فِيهِ عدد التَّوَاتُر عِنْد الْجُمْهُور. وَرُوِيَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن سعيد، قَالَ: حَدثنَا عبد السَّلَام عَن عبد الْملك، قَالَ: قلت لعطاء: أَبلَغك عَن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام انه مسح على الْقَدَمَيْنِ؟ قَالَ: لَا.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة، كلهم ذكرُوا مَا خلا عبيد بن جريج، كِلَاهُمَا مصغر والجرج: وعَاء يشبه الخرج وَهُوَ مدنِي ثِقَة مولى ابْن تَمِيم، وَلَيْسَ بَينه وَبَين عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج نسب، وَقد يظنّ أَن هَذَا عَمه، وَلَيْسَ كَذَلِك.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَنهم كلهم مدنيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الأقران، لِأَن عبيدا وسعيداً تابعيان من طبقَة وَاحِدَة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَأَبُو دَاوُد فِي الْحَج. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي شمائله. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة، وَابْن مَاجَه فِي اللبَاس، فالنسائي عَن كريب عَن ابْن إِدْرِيس عَن مَالك، وَابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن ابي شيبَة.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب قَوْله: (لَا تمس) من: مسست أمس بِكَسْر الْمَاضِي وَفتح الْمُسْتَقْبل مساً ومسيساً، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ثَعْلَب فِي مسست أمس بِكَسْر الْمَاضِي فِي الفصيح، وَفِي (الصِّحَاح) و (أَفعَال) ابْن القطاع عَن أبي عُبَيْدَة، والمطرزي فِي شَرحه عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَابْن فَارس فِي (مجمله) وَابْن السّكيت فِي (كتاب الْإِصْلَاح) : مسست بِالْكَسْرِ، ومسست بِالْفَتْح، وبالكسر أفْصح. وَحَكَاهُ أَيْضا ابْن سَيّده، وَحكي أَيْضا عَن ابْن جني: أمسه إِيَّاه، عداهُ إِلَى مفعولين. وَعَن سِيبَوَيْهٍ، قَالُوا: مسست الشَّيْء، وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: ماسسته أَيْضا مماسة ومساساً ومساساً، بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا وَفِي (نَوَادِر) يُونُس: ماسسته. وَزعم ابْن درسْتوَيْه فِي كتاب (تَصْحِيح الفصيح)، أَن: مسست، بِالْفَتْح خطأ مِمَّا تلحن فِيهِ الْعَامَّة. قَوْله:(اليمانيين)، تَثْنِيَة: يمَان بتَخْفِيف الْيَاء، هَذَا هُوَ الْأَفْصَح الَّذِي اخْتَارَهُ ثَعْلَب، وَلم يذكر ابْن فَارس غَيره، وَذكر المطرزي فِي كِتَابه (غرائب أَسمَاء الشّعْر) ، عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء عَن الْكسَائي، قَالَ: الْعَرَب تَقول فِي النِّسْبَة إِلَى الْيمن: رجل يمَان ويمني ويماني، وَفِي (الْكتاب الْجَامِع) : النِّسْبَة إِلَى الْيمن: يمَان على غير قِيَاس، وَالْقِيَاس يمني. وَفِي (الْمُحكم) : يمَان على نَادِر المعدول، وألفه عوض عَن الْيَاء لِأَنَّهُ يدل على مَا تدل عَلَيْهِ الْيَاء، وبنحوه ذكره فِي (الْمغرب) . وَفِي (الصِّحَاح) قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَبَعْضهمْ يَقُول: يماني، بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ أُميَّة بن خلف:

(يَمَانِيا بَطل يشد كيراً

وينفخ دَائِما لَهب الشواظ)

وَقوم يَمَانِية ويمانون مثل: ثَمَانِيَة وَثَمَانُونَ، وَفِي كتاب (التيجان) لِابْنِ هِشَام: سميت الْيمن يمناً بيعرب، واسْمه: يمن بن قحطان ابْن عَامر، وَهُوَ: هود، عليه الصلاة والسلام، فَلذَلِك قيل: أَرض يمن، وَهُوَ أول من قَالَ الشّعْر ووزنه، وَفِي (مُعْجم) ابْن عبيد: سمي الْيمن قبل أَن تعرف الْكَعْبَة المشرفة، لِأَنَّهُ عَن يَمِين الشَّمْس، وَقَالَ ابو عبيد: قَالَ بَعضهم: سميت بذلك لِأَنَّهَا عَن يَمِين الْكَعْبَة. وَقيل: سميت بيمن بن قحطان، وَفِي (الزَّاهِر) لِابْنِ الانباري: وَقد أَيمن ويامن إِذا اتى الْيمن. وَفِي كتاب الرشاطي: سمي الْيمن ليمنه، وَهُوَ يعزى لقطرب. قَوْله:(السبتية) نشبة إِلَى: سبت، بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: وَهُوَ جلد الْبَقر المدبوغ بالقرظ. وَقَالَ ابو عمر: وكل مدبوغ فَهُوَ سبت. وَقَالَ ابو زيد: هِيَ السبت مدبوغة وَغير مدبوغة. وَقيل السبتية الَّتِي تشعر عَلَيْهَا وَقيل الَّتِي عَلَيْهَا الشّعْر وَفِي الحكم خص بَعضهم بِهِ جُلُود الْبَقر مدبوغة أَو غير مدبوغة وَفِي (التَّهْذِيب) للأزهري: إِنَّمَا سميت سبتية لِأَن شعرهَا قد سبت عَنْهَا، أَي: خلق وأزيل. يُقَال: سبت رَأسه إِذا حلقه. وَفِي (النَّبَات) لأبي حنيفَة: السبت مُعرب من سبت. وَفِي (الغريبين) : سميت سبتة لِأَنَّهَا انسبتت بالدباغ اي لانت وَفِي كتاب ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ: نسبته إِلَى سوق السبت، وَقيل: هِيَ سود لَا شعر فِيهَا. قَوْله: (أهلَّ) من الإهلال. وَهُوَ رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. وَفِي (الْمغرب) : كل شَيْء ارْتَفع صَوته فقد اسْتهلّ. وَقَالَ ابو الْخطاب: كل مُتَكَلم رَافع الصَّوْت أَو خافضه فَهُوَ مهل ومستهل. وَقَالَ صَاحب (الْعين) يُقَال: أهل بِعُمْرَة أَو بِحجَّة اي أحرم بهَا، وَجرى على ألسنتهم لأَنهم أَكثر مَا كَانُوا يحجون إِذا أهل الْهلَال، وإهلال الْهلَال واستهلاله رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ عِنْد رُؤْيَته، واستهلال الصَّبِي: تصويته عِنْد وِلَادَته، وَأهل الْهلَال: إِذا طلع، وَأهل واستهل: إِذا أبْصر، وأهللته: إِذا أبصرته.

ص: 25

واما الْإِعْرَاب فَقَوله: (رَأَيْتُك) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول. وَقَوله: (تصنع) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل النصب على انها مفعول ثَان (وأربعا) مفعول: تصنع، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: رَأَيْتُك، الثَّانِي وَالثَّالِث. وَأما: رَأَيْتُك، وَالْخَامِس فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى الإبصار، وَبِمَعْنى الْعلم وَقَوله:(كنت) ، يحْتَمل أَن تكون تَامَّة أَو نَاقِصَة، و:(بِمَكَّة) ظرف لَغْو أَو مُسْتَقر. وَقَوله: (إِذا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ يحْتَمل أَن تَكُونَا شرطيتين وَأَن تَكُونَا ظرفيتين، وَأَن تكون الأولى شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة ظرفية وَبِالْعَكْسِ. قَوْله:(أهل) يجوز أَن يكون حَالا، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلم يبين وَجهه، وَلَيْسَ هُوَ إلَاّ جَزَاء إِذا الأول، وَإِذا الثَّانِي مُفَسّر لَهُ، وَيجوز أَن يكون: أهل، جَزَاء إِذا الثَّانِي على مَذْهَب الْكُوفِيّين لأَنهم جوزوا تَقْدِيمه على الشَّرْط. قَوْله:(حَتَّى يكون يَوْم التَّرويَة) يجوز فِي: كَانَ، أَن تكون تَامَّة وَأَن تكون نَاقِصَة، فَإِن كَانَت تَامَّة يكون يَوْم، مَرْفُوعا لِأَنَّهُ إسم: كَانَ، وَإِن كَانَت نَاقِصَة تكون خبر: كَانَ. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: ذكر فِي جَوَاب كل وَاحِد من: رَأَيْتُك، الْأَرْبَع فعلا رَآهُ مِنْهُ: فَمَا هُوَ هَهُنَا يَعْنِي فِي: رَأَيْتُك الْخَامِس؟ وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: رَأَيْتُك لم تهل حَتَّى كَانَ يَوْم التَّرويَة. قلت: أما أَن يكون محذوفاً. وَالْمَذْكُور دَلِيل عَلَيْهِ. وَإِمَّا أَن تكون الشّرطِيَّة قَائِمَة مقَامه. قلت: هَذَا السُّؤَال لَا وَجه لَهُ،، وَمَا وَجه الْقيَاس الَّذِي ذكره.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: (أَرْبعا) أَي: أَربع خِصَال. قَوْله: (لم أر أحدا من اصحابك يصنعها) : يحْتَمل أَن يكون مُرَاده لَا يصنعن أحد غَيْرك مجتمعة وَإِن كَانَ يصنع بَعْضهَا، وَفِي بعض النّسخ: من اصحابنا، أَي: من اصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَفِي بعض النّسخ: وَمن أَصْحَابك قَوْله: (من الْأَركان) أَي: من أَرْكَان الْكَعْبَة الْأَرْبَعَة: واليمانيين، الرُّكْن الْيَمَانِيّ والركن الْيَمَانِيّ الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود، وَيُقَال لَهُ الرُّكْن الْعِرَاقِيّ لكَونه إِلَى جِهَة الْعرَاق، وَالَّذِي قبله يماني لِأَنَّهُ من جِهَة الْيمن. وَيُقَال لَهما: اليمانيان تَغْلِيبًا لأحد الاسمين، وهما باقيان على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم. فان قلت: لمَ لَا قَالُوا: الأسودين؟ وَيَأْتِي فِيهِ التغليب أَيْضا؟ قلت: لَو قيل كَذَلِك رُبمَا كَانَ يشْتَبه على بعض الْعَوام أَن فِي كل من هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْحجر الْأسود، وَكَانَ يفهم التَّثْنِيَة وَلَا يفهم التغليب لقُصُور فهمه، بِخِلَاف: اليمانيين. قَوْله: (يلبس) ، بِفَتْح الْبَاء لِأَنَّهُ من بَاب فعل يفعل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي، وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل، من بَاب علم يعلم. وَأما الَّذِي بِفَتْح الْبَاء فِي الْمَاضِي فمضارعه بِكَسْر الْبَاء من بَاب: ضرب يضْرب، فمصدر الأول: اللّبْس، بِضَم اللَّام. ومصدر الثَّانِي: اللّبْس، بِالْفَتْح: وَهُوَ الْخَلْط. قَوْله: (تصبغ) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا لُغَتَانِ مشهورتان. قَالَ الْكرْمَانِي، قلت: فِيهِ ثَلَاث لُغَات ذكرهَا ابْن سَيّده فِي (الْمُحكم) يُقَال: صبغ الثَّوْب والشيب وَنَحْوهمَا يصبغه، ويصبغه فالكسر عَن اللحياني صبغاً وصبغا وصبغة، وَأما: الصبغة، بِالْكَسْرِ فالمرة من الصَّبْغ، وصبغه. بِالتَّشْدِيدِ. أَي: لَونه، عَن ابي حنيفَة. قَوْله:(حَتَّى كَانَ يَوْم التَّرويَة) وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة، وَاخْتلفُوا فِي سَبَب التَّسْمِيَة بذلك على قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره: أَحدهمَا: لِأَن النَّاس يروون فِيهِ من المَاء من زَمْزَم لِأَنَّهُ لم يكن بمنى وَلَا بِعَرَفَة مَاء. وَالثَّانِي: أَنه الْيَوْم الَّذِي رأى فِيهِ آدم صلى الله عليه وسلم حَوَّاء. قلت: وَفِيه قَول أخر، وَهُوَ: أَن جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، ارى فِيهِ إِبْرَاهِيم أول الْمَنَاسِك. وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: سمي بذلك لِأَن ابراهيم عليه الصلاة والسلام أَتَاهُ الْوَحْي فِي مَنَامه أَن يذبح ابْنه، فتروى فِي نَفسه: من الله تَعَالَى هَذَا أم من الشَّيْطَان؟ فَأصْبح صَائِما، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة عَرَفَة أَتَاهُ الْوَحْي، فَعرف أَنه الْحق من ربه، فسميت عَرَفَة، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (فَضَائِل الاوقات) من رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَنهُ. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وروى أَبُو الطُّفَيْل عَن ابْن عَبَّاس: أَن إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام، لما ابْتُلِيَ بِذبح ابْنه أَتَاهُ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فَأرَاهُ مَنَاسِك الْحَج، ثمَّ ذهب بِهِ إِلَى عَرَفَة. قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: سميت عَرَفَة لِأَن جِبْرِيل قَالَ لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام: هَل عرفت؟ قَالَ: نعم، فَمن ثمَّ سميت: عَرَفَة. قَوْله: (حَتَّى تنبعث بِهِ رَاحِلَته)، يُقَال: بعثت النَّاقة: أثرتها فانبعثت هِيَ، وَبَعثه فانبعث فِي السّير أَي: أسْرع، وَالْمعْنَى هُنَا: استواؤها قَائِمَة. وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ كِنَايَة عَن ابْتِدَاء الشُّرُوع فِي أَفعَال الْحَج، وَالرَّاحِلَة: هِيَ الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو انثى. قَوْله: (وَلم تهل أَنْت حَتَّى كَانَ) . وَفِي رِوَايَة مُسلم: (حَتَّى تكون) ؟ قَوْله: (قَالَ عبد الله) بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ هُوَ المسؤول من جِهَة عبيد بن جريج. قَوْله:(فَإِنِّي أحب أَن أصنع) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والباقين: (فَأَنا أحب) ، كَالَّتِي قبلهَا.

ص: 26

بَيَان استنباط الاحكام الأول: أَن فِيهِ مس الرُّكْنَيْنِ اليمانيين: قَالَ القَاضِي عِيَاض: اتّفق الْفُقَهَاء الْيَوْم على أَن الرُّكْنَيْنِ الشاميين وهما مُقَابلا اليمانيين لَا يستلمان، وَإِنَّمَا كَانَ الْخلاف فِيهِ فِي الْعَصْر الأول بَين بعض الصَّحَابَة وَبَعض التَّابِعين، ثمَّ ذهب الْخلاف. وَتَخْصِيص الرُّكْنَيْنِ اليمانين بالاستلام لِأَنَّهُمَا كَانَا على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم، بِخِلَاف الرُّكْنَيْنِ الآخرين، لِأَنَّهُمَا ليسَا على قَوَاعِد ابراهيم صلى الله عليه وسلم، وَلما ردهما عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم استلمها. أَيْضا، لَو بني الْآن كَذَلِك استلمت كلهَا اقْتِدَاء بِهِ، صرح بِهِ القَاضِي عِيَاض. وركن الْحجر الْأسود خص بشيئين: الاستلام والتقبيل، والركن الآخر خص بالاستلام فَقَط، والآخران لَا يقبلان وَلَا يستلمان. وَكَانَ بعض الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى، عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ يمسحهما على وَجه الِاسْتِحْبَاب. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رُوِيَ عَن جَابر وَأنس وَابْن الزبير وَالْحسن وَالْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَنهم كَانُوا يستلمون الْأَركان كلهَا. وَعَن عُرْوَة مثل ذَلِك. وَاخْتلف عَن مُعَاوِيَة وَابْن عَبَّاس فِي ذَلِك. وَقَالَ أَحدهمَا: لَيْسَ بِشَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا، وَالصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: إلَاّ الرُّكْن الْأسود واليماني، وهما المعروفان باليمانيين. وَلما رأى عبيد بن جريج جمَاعَة يَفْعَلُونَ على خلاف ابْن عمر سَأَلَهُ عَن ذَلِك.

الثَّانِي: فِي حكم النِّعَال السبتيه، قَالَ ابو عمر: لَا أعلم خلافًا فِي جَوَاز لبسهَا فِي غير الْمَقَابِر، وَحكي عَن ابْن عمر أَنه روى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه لبسهَا، وَإِنَّمَا كره قوم لبسهَا فِي الْمَقَابِر لقَوْله صلى الله عليه وسلم لذَلِك الْمَاشِي بَين الْمَقَابِر:(ألق سبيتك) . وَقَالَ قوم: يجوز ذَلِك وَلَو كَانَ فِي الْمَقَابِر، لقَوْله صلى الله عليه وسلم:(اذا وَقع الْمَيِّت فِي قَبره انه يسمع قرع نعَالهمْ) وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي (نَوَادِر الاصول) إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قَالَ لذَلِك الرجل: (إلق سبتيتك) لِأَن الْمَيِّت كَانَ يُسأل، فَلَمَّا صر نعل ذَلِك الرجل شغله عَن جَوَاب: الْملكَيْنِ، فكاد يهْلك لَوْلَا أَن ثبته الله تَعَالَى.

الثَّالِث: الصَّبْغ بالصفرة، وَلَفظ الحَدِيث يَشْمَل صبغ الثِّيَاب وصبغ الشّعْر، وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد مِنْهُمَا، فَقَالَ القَاضِي عِيَاض: الْأَظْهر أَن المُرَاد ضبغ الثِّيَاب لِأَنَّهُ أخبر أَنه صلى الله عليه وسلم صبغ، وَلم يقل: إِنَّه صبغ شعره. قلت: جَاءَت آثَار عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بيَّن فِيهَا تصفير ابْن عمر لحيته، وَاحْتج بِأَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، كَانَ يصفر لحيته بالورس والزعفران، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَذكر أَيْضا فِي حَدِيث آخر احتجاجه بِهِ بِأَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، كَانَ يصْبغ بهما ثِيَابه حَتَّى عمَامَته، وَكَانَ أَكثر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يخضب بالصفرة مِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة وَآخَرُونَ، ويروى ذَلِك عَن عَليّ، رضي الله عنه. الرَّابِع: فِيهِ حكم الإهلال، وَاخْتلف فِيهِ، فَعِنْدَ الْبَعْض: الْأَفْضَل أَن يهل لاستقبال ذِي الْحجَّة، وَعند الشَّافِعِي: الْأَفْضَل أَن يحرم إِذا انبعثت رَاحِلَته، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، وَقَالَ ابو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يحرم عقيب الصَّلَاة وَهُوَ جَالس قبل ركُوب دَابَّته، وَقبل قِيَامه، وَفِيه حَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ بعض الشُّرَّاح: وَهُوَ ضَعِيف. قلت: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب يَعْنِي ابْن ابراهيم، قَالَ: حَدثنَا ابي عَن ابْن اسحاق، قَالَ: حَدثنَا خصيف ابْن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: يَا ابْن الْعَبَّاس؛ عجبت لاخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي إهلال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين أوجب. فَقَالَ: إِنِّي لأعْلم النَّاس بذلك، إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة وَاحِدَة فَمن مَعنا هُنَاكَ اخْتلفُوا. خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَاجا، فَلَمَّا صلى فِي مَسْجده بِذِي الحليفة ركعتيه أوجبه فِي مَجْلِسه فأهلَّ بِالْحَجِّ حِين فرغ من ركعتيه، فَسمع ذَلِك مِنْهُ أَقوام فحفظته عَنهُ، ثمَّ ركب، فَلَمَّا اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته أهل، وَأدْركَ ذَلِك مِنْهُ أَقوام وَذَلِكَ أَن النَّاس إِنَّمَا كَانُوا يأْتونَ أَرْسَالًا، فسمعوه حِين اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته يهل فَقَالُوا: إِنَّمَا أهل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته، ثمَّ مضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا علا شرف الْبَيْدَاء أهل، وَأدْركَ ذَلِك مِنْهُ أَقوام فَقَالُوا: إِنَّمَا أهل حِين علا شرف الْبَيْدَاء، وأيم الله لقد أوجب فِي مُصَلَّاهُ، وَأهل حِين اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته، وَأهل حِين علا شرف الْبَيْدَاء. قَالَ سعيد: فَمن أَخذ بقول ابْن عَبَّاس أهل فِي مصلاة إِذا فرغ من ركعتيه وَأخرج الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) نَحوه، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم، مُفَسّر فِي الْبَاب، وَلم يخرجَاهُ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ ثمَّ قَالَ: وَبَين ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الْوَجْه الَّذِي مِنْهُ جَاءَ الِاخْتِلَاف، وَأَن إهلال النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّذِي ابْتَدَأَ بِالْحَجِّ وَدخل بِهِ فِيهِ كَانَ فِي مصلاة، فَبِهَذَا نَأْخُذ. فَيَنْبَغِي للرجل إِذا أَرَادَ الْإِحْرَام أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يحرم فِي دبرهما، كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد. وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا بعد أَن ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء، فروى أَولا عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى بِذِي الْخَلِيفَة

ص: 27