الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوسوس إِلَيْهِ، فَإِذا ذكر الله تَعَالَى العَبْد خنس. ثمَّ الْحِكْمَة فِي الْخَاتم. على وَجه الِاعْتِبَار. أَن قلبه، عليه الصلاة والسلام، لما ملىء حِكْمَة وإيمانا، كَمَا فِي (الصَّحِيح) ، ختم عَلَيْهِ كَمَا يخْتم على الْوِعَاء المملوء مسكاً أَو درا، فَلم يجد عدوه سَبِيلا إِلَيْهِ من أجل ذَلِك الْخَتْم، لِأَن الشَّيْء الْمَخْتُوم محروس، وَكَذَا تَدْبِير الله، عز وجل، فِي هَذِه الدُّنْيَا إِذا وجد الشَّيْء بختمه زَالَ الشَّك وَانْقطع الْخِصَام فِيمَا بَين الْآدَمِيّين، فَلذَلِك ختم رب العلمين فِي قلبه ختماً تطامن لَهُ الْقلب، وَبَقِي النُّور فِيهِ، ونفذت قُوَّة الْقلب إِلَى الصلب فظهرت بَين الْكَتِفَيْنِ كالبيضة، وَمن أجل ذَلِك برز بِالصّدقِ على أهل الْموقف، فَصَارَت لَهُ الشَّفَاعَة من بَين الرُّسُل بالْمقَام الْمَحْمُود، لِأَن ثَنَاء الصدْق هُوَ الَّذِي خصّه ربه بِمَا لم يخص بِهِ أحدا غَيره من الْأَنْبِيَاء، وَغَيرهم، يحققه قَول الله الْعَظِيم:{وَبشر الَّذين آمنُوا أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} (يُونُس: 2) قَالَ ابو سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد صدق: هُوَ مُحَمَّد، عليه السلام، شفيعكم يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَا قَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَزيد بن أسلم: وَقَول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذكره مُسلم من حَدِيث أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأخرت الثَّالِثَة ليَوْم ترغب إِلَيّ فِيهِ الْخلق كلهم حَتَّى إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا الْخَاتم هُوَ أثر شقّ الْملكَيْنِ بَين كَتفيهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا بَاطِل، لِأَن شقّ الْملكَيْنِ إِنَّمَا كَانَ فِي صَدره.
مشكلات مَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب قَوْله: (فِي نغض كتفه الْيُسْرَى) ، بِضَم النُّون وَفتحهَا وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة، قَالَ ابْن الاثير: النغض والنغض والناغض: أَعلَى الْكَتف. وَقيل: هُوَ الْعظم الرَّقِيق الَّذِي على طرفه. قَوْله: (كأه جمع) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، مَعْنَاهُ: مثل جمع الْكَفّ، وَهُوَ أَن تجمع الْأَصَابِع وتضمها، وَمِنْه يُقَال: ضربه بِجمع كَفه. (و: الخيلان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء، جمع: خَال. قَوْله: (الثآليل) جمع: ثؤلول، وَهُوَ الْحبَّة الَّتِي تظهر فِي الْجلد كالحمصة فمادونها. قَوْله:(ردع حناء)، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الدَّال وَفِي آخِره عين مُهْملَة: أَي لطخ حناء، والحناء، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد وبالمد، مَعْرُوف. والحناءة أخص مِنْهُ. قَوْله:(أَلَا أبطها) ؟ من البَطِّ، وَهُوَ: شقّ الدمل وَالْخَرَاج. قَوْله: (بضعَة نَاشِزَة) . الْبضْعَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْقطعَة من اللَّحْم. و: نَاشِزَة، بالنُّون والشين وَالزَّاي المعجمتين أَي: مُرْتَفعَة عَن الْجِسْم. قَوْله: (محتفرة) : أَي غائصة، وَأَصله من حفر الأَرْض.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الاول: فِيهِ بركَة الاسترقاء. الثَّانِي: فِيهِ الدّلَالَة على مسح رَأس الصَّغِير، وَكَانَ مولد السَّائِب الَّذِي مسح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأسه فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَشهد حجَّة الْوَدَاع، وَخرج مَعَ الصّبيان إِلَى ثنية الْوَدَاع يتلَقَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مقدمه من تَبُوك. الثَّالِث: فِيهِ الدّلَالَة على طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل، وَإِن كَانَ المُرَاد من قَول السَّائِب بن يزِيد: فَشَرِبت من وضوئِهِ، وَهُوَ: المَاء الَّذِي يتقاطر من أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه الْأَحَادِيث يَعْنِي الَّتِي فِي هَذَا الْبَاب. ترد عَلَيْهِ: أَي على أبي حنيفَة، لِأَن النَّجس لَا يتبرك بِهِ. قلت: قصد هَذَا الْقَائِل التشنيع على أبي حنيفَة بِهَذَا الرَّد الْبعيد، لِأَن لَيْسَ فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مَا يدل صَرِيحًا على أَن المُرَاد من: فضل وضوئِهِ، هُوَ: المَاء الَّذِي تقاطر من أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة. وَكَذَا فِي قَوْله: (كَانُوا يقتتلون على وضوئِهِ)، وَكَذَا فِي قَول السَّائِب:(فَشَرِبت من وضوئِهِ) . وَلَئِن سلمنَا أَن المُرَاد هُوَ المَاء الَّذِي يتقاطر من أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة، فَأَبُو حنيفَة يُنكر هَذَا وَيَقُول بِنَجَاسَة ذَاك، حاشاه مِنْهُ، وَكَيف يَقُول ذَلِك هُوَ يَقُول بِطَهَارَة بَوْله وَسَائِر فضلاته؟ وَمَعَ هَذَا قد قُلْنَا: لم يَصح عَن أبي حنيفَة تنجيس المَاء الْمُسْتَعْمل، وفتوى الحنيفة عَلَيْهِ، فَانْقَطع شغب هَذَا المعاند. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَفِي إِجْمَاع أهل الْعلم على أَن البلل الْبَاقِي على أَعْضَاء المتوضىء، وَمَا قطر مِنْهُ على ثِيَابه، دَلِيل قوي على طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل. قلت: الْمثل.
حفظت شَيْئا وَغَابَتْ عَنْك أَشْيَاء.
وَالْمَاء الْبَاقِي على أَعْضَاء المتوضيء لَا خلاف لأحد فِي طَهَارَته، لِأَن من يَقُول بِعَدَمِ طهرته إِنَّمَا يَقُول بالانفصال عَن الْعُضْو، بل عِنْد بضعهم بالانفصال والاستقرار فِي مَكَان. وَأما المَاء الَّذِي قطر مِنْهُ على ثِيَابه فَإِنَّمَا سقط حكمه للضَّرُورَة لتعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ.
41 -
(بابُ مَنْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق من غرفَة وَاحِدَة، كَمَا فعله عبد الله بن زيد.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن كلا مِنْهُمَا من تعلقات الْوضُوء. فَالْأول: فِي الْوضُوء، بِالْفَتْح، وَالثَّانِي: فِي الْوضُوء، بِالضَّمِّ.
191 -
حدّثنا مُسَدَّدٌ قالَ حدّثنى خالِدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ أَبِيهِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ أنَّهُ أفْرَغَ مِنَ الاِناءِ علَى يَدَيْهِ فَغَسَلهُمَا ثُمَّ غَسَلَ أوْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثاً ثُمَّ غَسَل يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ومَسَحَ برَأُسِهِ مَا أَقْبلَ وَمَا أَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثُمَّ قالَ هَكَذَا وُضُوءُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة. الأول: مُسَدّد بِفَتْح الدَّال المسددة، وَقد تقدم فِي أول كتاب الايمان. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ، أَبُو الْهَيْثَم الطَّحَّان، يحْكى أَنه تصدق بزنة بدنه فضَّة ثَلَاث مَرَّات، مَاتَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة. الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ابْن عمَارَة الْمَازِني الْأنْصَارِيّ، تقدم قَرِيبا. الرَّابِع: أَبوهُ يحيى، تقدم أَيْضا. الْخَامِس: عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي ومدني. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ فعل الصَّحَابِيّ ثمَّ إِسْنَاده إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره قد ذكرنَا عَن قريب أَن البُخَارِيّ قد أخرج حَدِيث عبد الله بن زيد فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَأخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن خَالِد بن عبد الله بِسَنَدِهِ هَذَا من غير شكّ، وَلَفظه:(ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَمَضْمض واستنشق) : وَأخرجه أَيْضا الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق وهب بن بَقِيَّة عَن خَالِد كَذَلِك.
بَيَان لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (أفرغ) اي: صب المَاء فِي الْإِنَاء على يَدَيْهِ. قَوْله: (ثمَّ غسل) أَي: فَمه. قَوْله: (أَو مضمض) شكّ من الرَّاوِي. قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن الشَّك من يحيى. وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَن الشَّك من مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ، ثمَّ قَالَ: وَأغْرب الْكرْمَانِي فَقَالَ: الظَّاهِر أَن الشَّك فِيهِ من التَّابِعِيّ: قلت: كل مِنْهُمَا مُحْتَمل، وَكَونه من الظَّاهِر من أَيْن بِلَا قرينَة؟ قَوْله:(من كفة) كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَر بن:(من كف) بِلَا هَاء، وَفِي بعض النّسخ:(من غرفَة وَاحِدَة) . وَقَالَ ابْن بطال: من كفة، أَي: من حفْنَة وَاحِدَة، فاشتق لذَلِك من اسْم الْكَفّ عبارَة عَن ذَلِك الْمَعْنى، وَلَا يعرف فِي كَلَام الْعَرَب إِلْحَاق هَاء التَّأْنِيث فِي الْكَفّ. وَقَالَ ابْن التِّين: اشتق بذلك من اسْم الْكَفّ، وَسمي الشَّيْء باسم مَا كَانَ فِيهِ. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : هِيَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْح مثل غرفَة وغرفة، أَي: مَلأ كَفه من مَاء. وَقَالَ بَعضهم: ومحصل ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله: (كَفه) فعلة فِي أَنَّهَا تَأْنِيث الْكَفّ. قلت: هَذَا مُحَصل غير حَاصِل، فَكيف يكون كفة تَأْنِيث كف، والكف مؤنث؟ وَالْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب مَا ذكره ابْن التِّين قَوْله:(فَغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين) . وَلَا يكون ذَلِك إلَاّ بعد غسل الْوَجْه، وَلم يذكر غسل الْوَجْه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فان قلت: أَيْن ذكر غسل الْوَجْه؟ قلت: هُوَ من بَاب اخْتِصَار الحَدِيث وَذكر مَا هُوَ الْمَقْصُود، وَهُوَ الَّذِي ترْجم لَهُ الْبَاب مَعَ زِيَادَة بَيَان مَا اخْتلف فِيهِ من التَّثْلِيث فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَإِدْخَال الْمرْفق فِي الْيَد وتثنية غسل الْيَد وَمسح مَا أقبل وَأدبر من الرَّأْس وَغسل الرجل منتهياً إِلَى الكعب، وَأما غسل الْوَجْه فَأمره ظَاهر لَا احْتِيَاج لَهُ إِلَى الْبُنيان؛ فالتشبيه فِي:(هَكَذَا وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ من جَمِيع الْوُجُوه، بل فِي حكم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق. قلت: هَذَا جَوَاب لَيْسَ فِيهِ طائل، وَتصرف غير موجه، لِأَن هَذَا فِي بَاب التَّعْلِيم لغيره صفة الْوضُوء، فَيشْهد بذلك قَوْله: (هَكَذَا وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي حَدِيث الآخر عَن عَمْرو بن يحيى الْمَازِني، عَن أَبِيه أَن رجلا قَالَ لعبد الله بن زيد، وَهُوَ حد عَمْرو بن يحيى: (أتستطيع أَن تريني كَيفَ كَانَ رَسُول الله يتَوَضَّأ) ؟ الحَدِيث
…
وَقد مر عَن قريب، وكل مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن زيد فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث وَاحِد وَقد ذكر فِيهِ غسل الْوَجْه، وَكَذَا ثَبت ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره، فَإِذا كَانَ هَذَا فِي بَاب التَّعْلِيم فَكيف يجوز لَهُ ترك فرض من فروض الْوضُوء وَذكر شَيْء من الزَّوَائِد؟ وَالظَّاهِر أَنه سقط من الرَّاوِي كَمَا أَنه شكّ فِي قَوْله:(ثمَّ غسل أَو مضمض) . وَقَول الْكرْمَانِي: واما غسل الْوَجْه فَأمره ظَاهر، غير ظَاهر، وَكَونه ظَاهرا عِنْد عبد الله بن زيد لَا يسْتَلْزم أَن يكون ظَاهرا عِنْد السَّائِل عَنهُ، وَلَو كَانَ ظَاهرا لما سَأَلَهُ. وَقَوله