الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
319 -
ح دَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيثُ عنْ عُقَيْلٍ عنْ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا منْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ ومنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَي فَلَا يَحِلُّ حتَّى يَحلَّ بِنَحْرِ هَدْيه ومَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فلْيُتِمَّ حَجَّهُ قالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حائِضا حتَّى كانَ يَوْمُ عَرَفَة ولَمْ أُهْلِلْ إلَاّ بِعُمْرَةٍ فأَمَرَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأمْتَشِطَ وأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ معِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبي بَكْرٍ وأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي منَ التنْعِيم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: (وَأهل بِحَجّ) فَإِن فِيهِ إهلال الْحَائِض بِالْحَجِّ، لِأَن عَائِشَة كَانَت حائضة حِين أهلت بِالْحَجِّ. وعَلى قَول من قَالَ: إِنَّهَا كَانَت قارنة، كَانَت الْمُطَابقَة أظهر لِأَنَّهَا أَحرمت بِالْحَجِّ وَهِي حَائِض، وَكَانَت معتمرة فَلهَذَا قَالَت:(أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أترك الْعمرَة) ، وَترك الشَّيْء لَا يكون إِلَّا بعد وجوده.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى ابْن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف: بن خَالِد بن عقيل، بِفَتْح الْعين: الْأَيْلِي. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير ابْن الْعَوام. السَّادِس: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأيلي ومدني.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك، وَيَأْتِي بِزِيَادَة فِي الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْلهَا: (فِي حجَّة الْوَدَاع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، وَكَانَت حجَّة الْوَدَاع فِي سنة عشر من الْهِجْرَة. قَوْلهَا:(وَمنا من أهل بِحجَّة) بِفَتْح، الْحَاء وَكسرهَا، وَهُوَ بِالتَّاءِ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَرِوَايَة غَيره:(بِحَجّ) . قَوْلهَا: (فقدمنا) بِكَسْر الدَّال. قَوْلهَا: (وَلم يهد) بِضَم الْيَاء: من الإهداء، وَهُوَ جملَة وَقعت حَالا. قَوْله:(فليحلل) ، بِكَسْر اللَّام من الثلاثي، وَفِي مثل هَذِه الْمَادَّة يجوز الْإِدْغَام وفكه. قَوْله:(حَتَّى يحل نحر هَدْيه) ، يَعْنِي يَوْم الْعِيد، ويروى:(حَتَّى يحل بنحر هَدْيه)، بِزِيَادَة: الْبَاء، لَا يُقَال: إِنَّه متمتع، فَلَا بُد لَهُ من تحلله عَن الْعمرَة، ثمَّ إِحْرَامه بِالْحَجِّ قبل الْوُقُوف لأَنا نقُول: لَا يلْزم أَن يكون مُتَمَتِّعا لجَوَاز أَن يدْخل الْحَج فِي الْعمرَة فَيصير قَارنا فَلَا يتَحَلَّل. قَوْله: (وَمن أهل بِحجَّة)، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي. وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا:(بِحَجّ) ، بِدُونِ التَّاء، وَمَعْنَاهُ: أهلَّ بِحجَّة وَنوى الْإِفْرَاد، سَوَاء كَانَ مَعَه هدي أَو لَا. وَلِهَذَا لم يُقيد: بلم يهد، وَلَا: بأهدى. قَوْلهَا: (حَتَّى كَانَ يَوْم عَرَفَة) بِرَفْع: يَوْم، و: كَانَ، تَامَّة. قَوْله:(وأترك الْعمرَة) ، صَرِيح بِفَسْخ الْعمرَة، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِيَّة. قَوْلهَا:(حَتَّى قضيت حجتي) . ويروى: (حجي) . قَوْلهَا: (فَأمرنِي) ، بفاء الْعَطف، ويروى:(أَمرنِي)، بِدُونِ الْفَاء. قَوْلهَا:(من التَّنْعِيم) يتَعَلَّق بقوله: (ان اعْتَمر) .
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ أَن الْحَائِض تهل بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة وَتبقى على إحرامها، وَتفعل مَا يفعل الْحَاج كُله غير الطّواف، فَإِذا طهرت اغْتَسَلت وطافت وأكملت حَجهَا، وَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن تنقض شعرهَا وتمتشط وَهِي حَائِض لَيْسَ للْوُجُوب، وَإِنَّمَا ذَلِك لإهلالها بِالْحَجِّ، لِأَن من سنة الْحَائِض وَالنُّفَسَاء أَن يغتسلا لَهُ، وَالله تَعَالَى أعلم.
19 -
(بابُ إقْبالِ المَحِيضِ وإدْبارِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إقبال الْحيض وإدباره. وَقَالَ ابْن بطال: إقبال الْحيض هُوَ الدفعة من الدَّم، وإدباره أقبال الطُّهْر. وَعند
أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: عَلامَة إدبار الْحيض وانقطاعه الزَّمَان وَالْعَادَة، فَإِذا أخلت عَادَتهَا تحرت، وَإِن لم يكن لَهَا ظن أخذت بِالْأَقَلِّ.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ وجود حكم الْحيض فِي كل مِنْهُمَا.
وكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عائشَةَ بالدُّرْجَةِ فِيها الكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةَ فَتَقُولُ لَا تعْجَلْنَ حتَّى تَرَيْنَ القَصةَ البَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: (حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء) ، فَإِنَّهَا عَلامَة إدبار الْحيض، وَهَذَا الْأَثر ذكره مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) فَقَالَ: عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة، عَن أمه مولاة عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت:(كَانَ النِّسَاء يبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَة بالدرجة فِيهَا الكرسف فِيهَا الصُّفْرَة من دم الْحيض يسألنها عَن الصَّلَاة فَتَقول لَهُنَّ: لَا تعجلن حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء، تُرِيدُ الطُّهْر من الْحَيْضَة) . وَقَالَ ابْن حزم: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أقوي من رِوَايَتهَا، وَاسم: أم عَلْقَمَة، مرْجَانَة سَمَّاهَا ابْن حبَان فِي (كتاب الثِّقَات) . وَقَالَ الْعجلِيّ: مَدَنِيَّة تابعية ثِقَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : كَذَا ذكره البُخَارِيّ هُنَا مُعَلّقا مَجْزُومًا، وَبِه تعلق النَّوَوِيّ فَقَالَ: هَذَا تَعْلِيق صَحِيح لِأَن البُخَارِيّ ذكره بِصِيغَة الْجَزْم، وَمَا علم أَن هَذِه الْعبارَة قد لَا تصح كَمَا سبق بَيَانه فِي كثير من التَّعْلِيق المجزوم بِهِ عِنْد البُخَارِيّ، وَلَو نظر كتاب (الْمُوَطَّأ) لمَالِك بن أنس لوجده قد قَالَ: عَن علقمةِ إِلَى آخِره، وَلَو وجده ابْن حزم لما قَالَ: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أقوى من رِوَايَاتهَا. قلت: حَاصِل كَلَامه أَنه يرد على النَّوَوِيّ فِي دَعْوَاهُ الْجَزْم بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحصار: هَذَا حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ من غير تَقْيِيد.
قَوْله: (وَكن نسَاء) ، بِصِيغَة الْجمع للمؤنث، وَفِيه ضمير يرجع إِلَى النِّسَاء، وَيُسمى مثل هَذَا الضَّمِير بالضمير الْمُبْهم، وَجوز ذَلِك بِشَرْط أَن يكون مشعرا بِمَا بعده، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يُقَال: إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر. قَوْله: (نسَاء)، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ بدل من الضَّمِير الَّذِي فِي: ركن، وَهَذَا على لُغَة: أكلوني البراغيث. وَفَائِدَة ذكره بعد أَن علم من لفظ كن إِشَارَة إِلَى التنويع، والتنوين فِيهِ يدل عَلَيْهِ. وَالْمرَاد أَن ذَلِك كَانَ من بَعضهنَّ لَا من كُلهنَّ. وَقَالَ بَعضهم: والتنكير فِي النِّسَاء للتنويع. قلت: إِن لم يكن هَذَا مُصحفا من النَّاسِخ فَهُوَ غلط لِأَنَّهُ ماثم كسر فِي النِّسَاء، وَإِنَّمَا فِيهِ الرّفْع كَمَا ذكرنَا، أَو النصب على الِاخْتِصَاص، لَا يُقَال: إِنَّه نكرَة وَشرط النصب على الِاخْتِصَاص أَن يكون معرفَة، لأَنا نقُول: جَاءَ نكرَة كَمَا جَاءَ معرفَة. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
(ويأوي إِلَى نسْوَة عطلوشعثا مراضيع مثل السعالي.)
قَوْله: (بالدرجة) ، بِضَم الدَّال وَسُكُون الرَّاء. قَالَه ابْن قرقول. وَقيل بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء، وَعند الْبَاجِيّ بِفَتْح الدَّال وَالرَّاء. قَالَ ابْن قرقول: وَهِي بعيدَة عَن الصَّوَاب. وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي كتاب (الْمُنْتَهى) : والدرج، بالتسكين: خفش النِّسَاء، والدرجة شَيْء يدرج فَيدْخل فِي حَيا النَّاقة، ثمَّ تشمه فتظنه وَلَدهَا فتراه، وَكَذَا ذكره الْقَزاز، وَصَاحب (الصِّحَاح) وَابْن سَيّده زَاد: والدرجة أَيْضا خرقَة يوضع فِيهَا دَوَاء ثمَّ يدْخل فِي حَيا النَّاقة، وَذَلِكَ إِذا اشتكت مِنْهُ. وَفِي (الباهر) : الدرجَة بِالْكَسْرِ، والإدراج جمع: الدرج، وَهُوَ سفط صَغِير. والدرجة مِثَال رطبَة. وَفِي (الجمهرة) لِابْنِ دُرَيْد: الدرج سفط صَغِير تجْعَل فِيهِ الْمَرْأَة طيبها وَمَا أشبهه. وَقَالَ ابْن قرقول: وَمن قَالَ بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء فَهُوَ عِنْده جمع درج، وَهُوَ سفط صَغِير نَحْو خرج وخرجة، وَنَحْو ترس وترسة. قَوْله:(الكرسف) بِضَم الْكَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَضم السِّين الْمُهْملَة، وَفِي آخِره فَاء: وَهُوَ الْقطن، كَذَا قَالَه أَبُو عبيد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب (النَّبَات) : وَزعم بعض الروَاة أَنه يُقَال لَهُ: الكرسف، على الْقلب، وَيجمع الكرفس على كراسف. وَفِي (الْمُحكم) : إِنَّمَا اختير الْقطن لبياضه، وَلِأَنَّهُ ينشف الرُّطُوبَة فَيظْهر فِيهِ من آثَار الدَّم مَا لَا يظْهر من غَيره. قَوْله:(فَتَقول) أَي عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْلهَا:(لَا تعجلن) بِسُكُون اللَّام نهي لجمع مؤنث مُخَاطبَة، وَيَأْتِي كَذَلِك للْجمع الْمُؤَنَّث الغائبة، وَيجوز هَهُنَا الْوَجْهَانِ. وَكَذَا:(فِي تَرين) فَافْهَم. قَوْلهَا: (حَتَّى تَرين) صِيغَة جمع الْمُؤَنَّث المخاطبة، وَأَصلهَا: ترأين، على وزن: تفعلن، لِأَنَّهَا من: رأى يرأى رُؤْيَة بِالْعينِ، وَتقول للْمَرْأَة: أَنْت تَرين، وللجماعة: أنتن تَرين، لِأَن الْفِعْل للواحدة وَالْجَمَاعَة سَوَاء فِي المواجهة فِي خبر الْمَرْأَة من بَنَات الْيَاء، إلَاّ أَن النُّون الَّتِي فِي الْوَاحِدَة عَلامَة الرّفْع، وَالَّتِي فِي الْجمع نون الْجمع. فَإِن قلت: إِذا كَانَ أصل: تَرين ترأين، كَيفَ فعل بِهِ حَتَّى صَار: تَرين؟ قلت: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء، ثمَّ قلبت ألفا لتحركها فِي الأَصْل وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ: تَرين، على وزن: تفلن، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ عين الْفِعْل وَهُوَ الْهمزَة فَقَط، وَوزن الْوَاحِدَة: تفين، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ عين الْفِعْل ولامه. قَوْلهَا:(الْقِصَّة الْبَيْضَاء) ، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِي تَفْسِيرهَا أَقْوَال. قَالَ ابْن سَيّده: الْقِصَّة والقص والجص، وَقيل: الْحِجَارَة من الجص. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: هِيَ لُغَة حجازية، يُقَال: قصَص دَاره أَي: جصصها. وَيُقَال: الْقِصَّة القطنة والخرقة الْبَيْضَاء الَّتِي تحتشى بهَا الْمَرْأَة عِنْد الْحيض. وَقَالَ الْقَزاز: الْقِصَّة الجص، هَكَذَا قرأته بِفَتْح الْقَاف وحكيت بِالْكَسْرِ. وَفِي (الغريبين) و (الْمغرب) و (الْجَامِع) : الْقِصَّة شَيْء كالخيط الْأَبْيَض يخرج بعد انْقِطَاع الدَّم كُله. وَفِي (الْمُحِيط) من كتب أَصْحَابنَا: الْقِصَّة الطين الَّذِي يغسل بِهِ الرَّأْس. وَهُوَ أَبيض يضْرب إِلَى الصُّفْرَة. وَجَاء فِي الحَدِيث: (الْحَائِض لَا تَغْتَسِل حَتَّى تري الْقِصَّة الْبَيْضَاء) . إِي: حَتَّى تخرج الْقطن الَّتِي تحتشي بهَا كَأَنَّهَا جصة لَا تخالطها صفرَة. قلت: أُرِيد بهَا التَّشْبِيه بالجصة فِي الْبيَاض والصفاء، وأنث لِأَنَّهُ ذهب الى الْمُطَابقَة، كَمَا حكى سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: لبنة وعسلة. وَقَالَ ابْن قرقول: قد فسر مَالك الْقِصَّة بقوله: تُرِيدُ بذلك الطُّهْر، أَي: تُرِيدُ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بقولِهَا:(حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء) : الطُّهْر من الْحَيْضَة. وَفسّر الْخطابِيّ بقوله: تُرِيدُ الْبيَاض التَّام. وَقَالَ ابْن وهب فِي تَفْسِيره: رَأَتْ الْقطن الْأَبْيَض كَأَنَّهُ هُوَ، وَقَالَ مَالك: سَأَلت النِّسَاء عَن الْقِصَّة الْبَيْضَاء، فَإِذا ذَلِك أَمر مَعْلُوم عِنْد النِّسَاء يرينه عِنْد الطُّهْر. وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن اسحاق عَن عبد الله بن أبي بكر عَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد، وَكَانَت فِي حجر عمْرَة. قَالَت: أرْسلت امْرَأَة من قُرَيْش إِلَى عمْرَة كرسفة قطن فِيهَا. أَظُنهُ أَرَادَ الصُّفْرَة تسألها إِذا لم تَرَ من الْحَيْضَة إلَاّ هَذَا طهرت؟ قَالَ: فَقَالَت: لَا حَتَّى ترى الْبيَاض خَالِصا. وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، فَإِن رَأَتْ صفرَة فِي زمن الْحيض ابْتِدَاء فَهُوَ حيض عِنْدهم. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا حَتَّى يتقدمها دم.
وَبَلَغَ ابْنَةَ زَيدِ بنِ ثابِتٍ أنَّ نِساءً يَدْعُونَ بالمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ مَا كانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن نظر النِّسَاء إِلَى الطُّهْر لأجل أَن يعلمن إدبار الْحيض.
وَأخرجه مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عمته عَن ابْنة زيد بن ثَابت أَنه: بلغنَا
…
فَذكره، وعمة ابْن أبي بكر اسْمهَا عمْرَة بنت حزم، وَوَقع ذكر بنت زيد بن ثَابت هَهُنَا هَكَذَا مُبْهما، وَوَقع فِي (الْمُوَطَّأ)، وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: لزيد بن ثَابت من الْبَنَات: أم إِسْحَاق وحسنة وَعمرَة وَأم كُلْثُوم وَأم حسن وَأم مُحَمَّد وَقَرِيبَة وَأم سعد. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَيُشبه أَن تكون هَذِه المبهمة أم سعد، ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي الصحابيات، وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر لوَاحِدَة مِنْهُنَّ يَعْنِي من بَنَات زيد رِوَايَة إلَاّ لأم كُلْثُوم، وَكَانَت زوج سَالم بن عبد الله بن عمر، فَكَأَنَّهَا هِيَ المبهمة هُنَا. وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنَّهَا أم سعد. قَالَ لِأَن ابْن عبد الْبر ذكرهَا فِي الصَّحَابَة، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَلَيْسَ فِي ذكره لَهَا دَلِيل على الْمُدعى، لِأَنَّهُ لم يقل: إِنَّهَا صَاحِبَة هَذِه الْقِصَّة، بل لم يَأْتِ لَهَا ذكر عِنْده وَلَا عِنْد غَيره إلَاّ من طَرِيق عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن، وَقد كذبوه، وَكَانَ مَعَ ذَلِك يضطرب فِيهَا، فَتَارَة يَقُول: بنت زيد، وَتارَة يَقُول: امْرَأَة زيد. وَلم يذكر أحد من أهل الْمعرفَة بِالنّسَبِ فِي أَوْلَاد زيد من يُقَال لَهَا أم سعد. انْتهى. قلت: ذكره الذَّهَبِيّ، فَقَالَ: أم سعد بنت زيد بن ثَابت. وَقيل: امْرَأَته، وَأَيْضًا عدم رُؤْيَة هَذَا الْقَائِل رِوَايَة الْوَاحِدَة من بَنَات زيد إلَاّ لأم كُلْثُوم لَا يُنَافِي رِوَايَة غَيرهَا من بَنَاته، لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَأْنه أَن يُحِيط بِجَمِيعِ الرِّوَايَات. وَقَوله: زعم بعض الشُّرَّاح، أَرَادَ بِهِ صَاحب (التَّوْضِيح)، فليت شعري مَا الْفرق بَين زعم هَذَا وزعمه هُوَ حَيْثُ قَالَ: فَكَأَنَّهَا هِيَ المبهمة، أَي: أم كُلْثُوم هِيَ المبهمة فِي هَذَا الْأَثر؟ على أَن صَاحب (التَّوْضِيح) مَا جزم بِمَا قَالَه، بل قَالَ: وَيُشبه أَن تكون هَذِه المبهمة أم سعد.
قَوْله: (إِن نسَاء) هَكَذَا وَقع فِي غَالب النّسخ بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَفِي بَعْضهَا:(إِن النِّسَاء) ، بِالْألف وَاللَّام، حَتَّى قَالَ الْكرْمَانِي: إِن اللَّام، للْعهد عَن نسَاء الصَّحَابَة، وَبِدُون اللَّام أَعم وأشمل. قَوْله:(يدعونَ) بِلَفْظ الْجمع الْمُؤَنَّث، ويشترك فِي هَذِه الْمَادَّة الْجمع الْمُذكر والمؤنث، وَفِي التَّقْدِير مُخْتَلف، فوزن الْجمع الْمُذكر: يفعون، وَوزن الْجمع الْمُؤَنَّث: يفعلن، وَمعنى: يدعونَ بالمصابيح؛ يطلبنها لينظرن بهَا إِلَى مَا فِي الكراسيف حَتَّى يَقِفن على مَا يدل على الطُّهْر. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يدعين، قَالَه بَعضهم: قلت: فِي نِسْبَة هَذَا إِلَيْهِ نظر لَا يخفى، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: قَالَ صَاحب (الْقَامُوس) : دعيت لُغَة فِي دَعَوْت. قلت: أَرَادَ بِهَذَا تَقْوِيَة صِحَة مَا رَوَاهُ عَن الْكشميهني، وَلَا يفِيدهُ هَذَا، لِأَن صَاحب (الْقَامُوس) تكلم فِيهِ. قَوْله:(إِلَى الطُّهْر) أَي: إِلَى مَا يدل على الطُّهْر من القطنة. قَوْله: (وعابت عَلَيْهِنَّ)، أَي: عابت بنت زيد بن ثَابت على النِّسَاء الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا عابت عَلَيْهِنَّ لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي الْحَرج وَهُوَ مَذْمُوم، وَكَيف لَا وجوف اللَّيْل لَيْسَ إلَاّ وَقت الاسْتِرَاحَة؟ وَقيل: لكَون ذَلِك كَانَ فِي غير وَقت الصَّلَاة، وَهُوَ جَوف اللَّيْل. قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ وَقت الْعشَاء. قلت: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لم يدل شَيْء أَنه