الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
194 -
حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بن المِنْكَدِرِ قالَ سَمِيْتُ جابِراً يَقُولُ جاءَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُني وَانَا مَرِيضٌ لَا اَعْقلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ علَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ يَا رسولَ اللَّهِ لِمَنِ المِيرَاثُ إنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ فَنزلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة. الأول: أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ هِشَام بن عبد الْملك، تقدم فِي كتاب الايمان. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر التَّيْمِيّ الْقرشِي التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، الْجَامِع بَين الْعلم والزهد، وَكَانَ الْمُنْكَدر خَال عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَشكى إِلَيْهَا الْحَاجة فَقَالَت لَهُ: أول شَيْء يأتيني أبْعث بِهِ إِلَيْك، فَجَاءَهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم، فَبعثت بهَا إِلَيْهِ فَاشْترى مِنْهَا جَارِيَة فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا إِمَامًا متألهاً بكاء، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: جَابر بن عبد الله الصَّحَابِيّ الْكَبِير، تقدم فِي كتاب الْوَحْي.
بَيَان لطائف إِسْنَاده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني وَمِنْهَا: أَنهم كلهم أَئِمَّة أجلاء.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَفِي الْفَرَائِض عَن عبد الله بن عُثْمَان عَن عبد الله بن الْمُبَارك. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل وَأبي عَامر الْعَقدي، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن وهب بن جرير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الطَّهَارَة، وَفِي التَّفْسِير، وَفِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث، ثمانيتهم عَنهُ بِهِ.
بَيَان اللُّغَات وَالْمعْنَى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (يَقُول) جملَة وَقعت حَالا، وَكَذَا قَوْله:(يعودنِي) . وَكَذَا قَوْله: (وَأَنا مَرِيض لَا أَعقل) اي: لَا أفهم، وَحذف مَفْعُوله إِمَّا للتعميم أَي: لَا أَعقل شَيْئا، أَو لجعله كالفعل اللَّازِم. قَوْله:(من وضوئِهِ)، بِفَتْح الْوَاو: مَعْنَاهُ من المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ، أَو مِمَّا بَقِي مِنْهُ. وَأخرج فِي الِاعْتِصَام عَن عَليّ بن عبد الله: ثمَّ صب وضوءه عَليّ، وَلأبي دَاوُد:(فَتَوَضَّأ وصبه عَليّ) . قَوْله: (لمن الْمِيرَاث) ؟ الْألف وَاللَّام فِيهِ عوض عَن يَاء الْمُتَكَلّم، أَي: لمن ميراثي، وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه فِي الِاعْتِصَام أَنه قَالَ:(كَيفَ اصْنَع فِي مالى) ؛ وَفِي رِوَايَة: (مَا تَأْمُرنِي أَن أصنع فِي مَالِي) ؟ وَفِي أُخْرَى: (كَيفَ أَقْْضِي فِي مَالِي)، وَفِي أُخْرَى:(إِنَّمَا ترثني سبع أَخَوَات)، وَفِي أُخْرَى فَنزلت:{يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} (النِّسَاء: 11) . قَوْله: (كَلَالَة) فِيهَا أَقْوَال أَصَحهَا: مَا عدا الْوَالِد وَالْولد، وَفِيه حَدِيث صَحِيح من طَرِيق الْبَراء بن عَازِب. وَقيل: مَا عدا الْوَلَد خَاصَّة، وَقيل: الْأُخوة للام، وَقيل: بَنو الْعم وَمن أشبهم، وَقيل: الْعَصَبَات كلهم وَإِن بعدوا، ثمَّ قيل: للْوَرَثَة، وَقيل: للْمَيت، وَقيل: لَهما، وَقيل: لِلْمَالِ الْمَوْرُوث. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الكُّل: الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد، يُقَال: كَلُّ الرجل يكلُّ كَلَالَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تطلق الْكَلَالَة على ثَلَاثَة: على من لم يخلف ولدا وَلَا والداً، وعَلى من لَيْسَ بِولد وَلَا وَالِد من الْمُخلفين، وعَلى الْقَرَابَة من غير جِهَة الْوَلَد وَالْوَالِد. قَوْله:(فَنزلت آيَة الْفَرَائِض) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} (النِّسَاء: 176)
إِلَى آخر السُّورَة، وَقيل: هِيَ آيَة الْمَوَارِيث مُطلقًا. والفرائض: جمع فَرِيضَة، وَالْمرَاد هَهُنَا: الحصص الْمقدرَة فِي كتاب الله للْوَرَثَة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: قَالَ ابْن بطال فِيهِ دَلِيل على طهورية المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ، لِأَنَّهُ لَو لم يكن طَاهِرا لما صبه عَلَيْهِ. قلت: لَيْسَ فِيهِ دَلِيل، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صب من الْبَاقِي فِي الْإِنَاء. الثَّانِي: فِيهِ رقية الصَّالِحين للْمَاء ومباشرتهم إِيَّاه، وَذَلِكَ مِمَّا يُرْجَى بركته. الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن بركَة يَد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تزيل كل عِلّة. الرَّابِع: فِيهِ أَن مَا يقْرَأ على المَاء مِمَّا ينفع. الْخَامِس: فِيهِ فَضِيلَة عِيَادَة الضُّعَفَاء. السَّادِس: فِيهِ فَضِيلَة عِيَادَة الأكابرِ الأصاغرَ.
45 -
(بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. قَالَ ابْن سَيّده: المخضب شبه الإجانة، وَقَالَ صَاحب (الْمُنْتَهى) : هُوَ المركن. وَقَالَ ابو هِلَال العسكري فِي كتاب (التَّلْخِيص) : إِنَاء يغسل فِيهِ. وَفِي (مجمع الغرائب) هُوَ إجانة تغسل فِيهِ الثِّيَاب وَيُقَال لَهُ المركن. قَوْله: (والقدح) وَاحِد الأقداح الَّتِي للشُّرْب
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْقدح الَّذِي يُؤْكَل فِيهِ، وَأكْثر مَا يكون من الْخشب مَعَ ضيف فِيهِ. قَوْله:(والخشب)، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: جمع خَشَبَة، وَكَذَلِكَ: الْخشب، بِضَمَّتَيْنِ وبسكون الشين أَيْضا، وَمرَاده: الْإِنَاء الْخشب، وَكَذَلِكَ الْإِنَاء الْحِجَارَة، وَذَلِكَ لِأَن الْأَوَانِي تكون من الْخشب وَالْحجر وَسَائِر جَوَاهِر الأَرْض كالحديد والصفر والنحاس وَالذَّهَب وَالْفِضَّة. فَقَوله:(والخشب) يتَنَاوَل سَائِر الأخشاب. وَقَوله: (وَالْحِجَارَة) يتَنَاوَل سَائِر الْأَحْجَار من الَّتِي لَهَا قيمَة، وَالَّتِي لَا قيمَة لَهَا، وَالْحِجَارَة حمع حجر وَهُوَ جمع نَادِر: كالجمالة جمع جمل، وَكَذَلِكَ: حجار، بِدُونِ الْهَاء، وهما جمع كَثْرَة، وَجمع الْقلَّة أَحْجَار. فَإِن قلت: مَا وَجه عطف: الْخشب وَالْحِجَارَة، على: الخضب والقدح؟ قلت: من بَاب عطف التَّفْسِير، لِأَن المخضب والقدح قد يكونَانِ من الْخشب، وَقد يكونَانِ من الْحِجَارَة، وَقد صرح فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب بمخضب من حِجَارَة كَمَا يَأْتِي عَن قريب، وَالدَّلِيل على صِحَة ذَلِك مَا قد وَقع فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة: فِي المخضب والقدح الْخشب وَالْحِجَارَة، بِدُونِ حرف الْعَطف. وَقَالَ بَعضهم: وَعطف: الْخشب وَالْحِجَارَة، على: المخضب والقدح، لَيْسَ من عطف الْعَام على الْخَاص فَقَط، بل بَين هذَيْن وهذين عُمُوم وخصوص من وَجه. قلت: قصارى فهم هَذَا الْقَائِل أَنه لَيْسَ من عطف الْعَام على الْخَاص، ثمَّ أضْرب عَنهُ إِلَى بَيَان الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه بَين هَذِه الْأَشْيَاء، وَلم يبين وَجه الْعَطف مَا هُوَ وَقد وَقع فِي بعض النّسخ بعد قَوْله: وَالْحِجَارَة. (والتور) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ إِنَاء يشرب فِيهِ، زَاد المطرزي: صَغِير، وَفِي (المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ إِنَاء يشبه إجانة من صفر، أَو حِجَارَة يتَوَضَّأ فِيهِ ويؤكل. وَقَالَ ابْن قر قَول: هُوَ مثل قدح من الْحِجَارَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
والمناسبة بَين هَذَا الْبَاب والأبواب الَّتِي قبله ظَاهِرَة، لِأَن الْكل فِيمَا يتَعَلَّق بِالْوضُوءِ.
195 -
حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ بَكْرٍ حدّثنا حُمَيْدٌ عنْ أَنَسٍ قالَ حَضَرَت الصَّلَاةُ فَقامَ مَنْ كانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَاُتِيَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ماءٌ فَصَغُرَ المِخْضَبُ اَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ قُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَمَانِينَ وزِيادَةً..
مُطَابق الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (بمخضب من حِجَارَة) إِلَى آخِره.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة. الأول: عبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رواء، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ابْن الْمُنِير، بِالْألف وَاللَّام. قلت: يجوز كِلَاهُمَا كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، وَقد يلتبس هَذَا: بِابْن الْمُنِير، الَّذِي لَهُ كَلَام فِي تراجم البُخَارِيّ وَفِي غَيرهَا، وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ مُتَأَخّر عَن ذَلِك بزهاء أَرْبَعمِائَة سنة، وَهُوَ: أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن ابي الْمَعَالِي مُحَمَّد كَانَ قَاضِي اسكندرية وخطيبها، وَعبد الله بن مُنِير الْحَافِظ الزَّاهِد السَّهْمِي الْمروزِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الله بن بكر أَبُو وهب الْبَصْرِيّ، نزل بَغْدَاد وَتُوفِّي فِي خلَافَة الْمَأْمُون سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: حميد، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن ابي حميد الطَّوِيل، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي، وَقد تقدم فِي بَاب خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَالسَّمَاع والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن يزِيد بن هَارُون، وَأخرجه مُسلم وَلَفظه:(كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بالزوراء، والزوراء بِالْمَدِينَةِ عِنْد السُّوق وَالْمَسْجِد، دَعَا بقدح فِيهِ مَاء فَوضع كَفه فِيهِ فَجعل يَنْبع من بَين أَصَابِعه، فَتَوَضَّأ جَمِيع أَصْحَابه. قَالَ: قلت: كم كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَة؟ قَالَ: كَانُوا زهاء الثلاثمائة) . وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره.
بَيَان الْمعَانِي وَالْإِعْرَاب قَوْله: (حضرت الصَّلَاة) هِيَ صَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (من كَانَ) فِي مَحل الرّفْع، لِأَنَّهُ فَاعل: قَامَ. قَوْله: (إِلَى أَهله) يتَعَلَّق بقوله: (فَقَامَ)، وَذَلِكَ الْقيام كَانَ لقصد تَحْصِيل المَاء والتوضىء بِهِ. قَوْله:(وَبَقِي قوم) أَي: عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا غَابُوا عَن مَجْلِسه وَلم يَكُونُوا على الْوضُوء أَيْضا، وَإِنَّمَا توضؤوا من المخضب الَّذِي اتى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فأُتي) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (من حِجَارَة) كلمة: من. للْبَيَان. قَوْله: (فصغر المخضب) أَي: لم يسع بسط
الْكَفّ فِيهِ لصغره، وَقد علم من ذَلِك أَن المخضب يكون من حِجَارَة وَغَيره، وَيكون صَغِيرا وكبيراً. قَوْله:(ان يبسط) اي: لِأَن يبسط، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: لبسط الْكَفّ فِيهِ. قَوْله: (فَتَوَضَّأ الْقَوْم) أَي: الْقَوْم الَّذين بقوا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم من ذَلِك المخضب الصَّغِير. قَوْله: (فَقُلْنَا) وَفِي بعض النّسخ وَفِي بَعْضهَا: قلت. وَهُوَ من كَلَام حميد الطَّوِيل الرَّاوِي عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(كم كُنْتُم) ؟ مُمَيّز: كم، مَحْذُوف تَقْدِيره: كم نفسا كُنْتُم؟ وَكَذَلِكَ مُمَيّز ثَمَانِينَ مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر للكون الْمُقدر تَقْدِيره: كُنَّا ثَمَانِينَ نفسا وَزِيَادَة على الثَّمَانِينَ.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ دلَالَة على معْجزَة كَبِيرَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم. الثَّانِي: فِيهِ التهيء للْوُضُوء عِنْد حُضُور الصَّلَاة. الثَّالِث: فِيهِ أَن الْأَوَانِي كلهَا، سَوَاء كَانَت من الْخشب أَو من جَوَاهِر الأَرْض طَاهِرَة، فَلَا كَرَاهَة فِي اسْتِعْمَالهَا، وَذكر أَبُو عبيد فِي (كتاب الطّهُور) عَن ابْن سِيرِين: كَانَت الْخُلَفَاء يتوضأون فِي الطشت، وَعَن الْحسن رَأَيْت عُثْمَان يصب عَلَيْهِ من إبريق يعْنى نُحَاسا. قَالَ أَبُو عبيد: وعَلى هَذَا أَمر النَّاس فِي الرُّخْصَة والتوسعة فِي الْوضُوء فِي آنِية النّحاس وأشباهه من الْجَوَاهِر إلَاّ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من الْكَرَاهَة. قلت: ذكر ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن سليم عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: كرهت أَن أتوضأ فِي النّحاس، وَفِي كتاب (الْأَشْرَاف) : رخص كثير من أهل الْعلم فِي ذَلِك، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَمَا علمت أَنِّي رَأَيْت أحدا كره الْوضُوء فِي آنِية الصفر والنحاس والرصاص وَشبهه، والأشياء على الْإِبَاحَة وَلَيْسَ يحرم مَا هُوَ مَوْقُوف على ابْن عمر. وَقَالَ ابْن بطال: وَقد وجدت عَن ابْن عمر أَنه تَوَضَّأ فِيهِ، وَهَذِه الرِّوَايَة أشبه للصَّوَاب، وَكَانَ الشَّافِعِي وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر يكْرهُونَ الْوضُوء فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَبِه نقُول. وَلَو تَوَضَّأ لَهُ متوضىء أَجزَأَهُ وَقد أَسَاءَ، وَعَن أبي حنيفَة، رضي الله عنه، كَانَ يكره الْأكل وَالشرب فِي آنِية الْفضة، وَكَانَ لَا يرى بَأْسا بالمفضض، وَكَانَ لَا يرى بِالْوضُوءِ مِنْهُ بَأْسا. قلت: أَبُو حنيفَة كَانَ يكره الْأكل فِي آنِية الذَّهَب أَيْضا، وَالْمرَاد من الْكَرَاهَة: كَرَاهَة التَّحْرِيم، وَفِي (سنَن) أبي دَاوُد، بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا:(كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، فِي تور من شبه) . وَفِي (مُسْند) أَحْمد بِسَنَد صَحِيح عَن زَيْنَب بنت جحش: (أَن النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، كَانَ يتَوَضَّأ من مخضب من صفر) . الصفر، بِضَم الصَّاد: هُوَ النّحاس الْجيد. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كسر الصَّاد فِيهِ لُغَة وَلم يجزه غَيره، وَيُقَال لَهُ: الشّبَه، أَيْضا بِفتْحَتَيْنِ لِأَنَّهُ يشبه الذَّهَب.
196 -
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ قَالَ حدّثنا أبُو أسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسى أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَعا بِقَدَحٍ فِيهِ ماءٌ فَغَسلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فيهِ.
(انْظُر الحَدِيث: 188 وطرفه) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْعَلَاء، بِالْمُهْمَلَةِ وبالمد. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن اسامة. الثَّالِث: بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى، وَاسم أبي الْحَارِث، وَيُقَال: عَامر، وَيُقَال: اسْمه كنيته، وَأَبُو مُوسَى اسْمه عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي بَاب فضل من علم وَعلم. وَلَا تفَاوت بَينهمَا إلَاّ فِي لفظ حَمَّاد، فَإِنَّهُ ذكر هُنَا بالكنية. وثمة بِالِاسْمِ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة مكيون.
بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (مج فِيهِ) أَي: صب فِيهِ، وَمِنْه: مج لعابه إِذا قذفه. قَوْله: (فِيهِ مَاء)، جملَة إسمية فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لقدح. قَوْله:(فَغسل يَدَيْهِ) : الْفَاء، للْعَطْف على: دَعَا بِالْمُهْمَلَةِ، وَمعنى دَعَا طلب. قَوْله:(وَوَجهه) بِالنّصب عطف على قَوْله: (يَدَيْهِ) . وَقَوله: (وَمَج) عطف على (غسل) .
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: قَالَ الْكرْمَانِي، هَذَا الحَدِيث يدل على الْغسْل فِي الْقدح، بِفَتْح الْغَيْن، لَا على الْغسْل، بِضَم الْغَيْن، وَلَا على الْوضُوء. الثَّانِي: قَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ جَوَاز الْوضُوء بِمَاء قد مج فيهه. الثَّالِث: فِيهِ دلَالَة على جَوَاز الشّرْب مِنْهُ، وَكَذَا الإفراغ مِنْهُ على الْوُجُوه والنحور، لِأَن تَمام الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مُعَلّقا عَن أبي مُوسَى فِي بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وَقد ذكرنَا بَقِيَّة الْكَلَام هُنَاكَ.
197 -
حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي سَلَمَة قَالَ حدّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ قالَ أتَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْرَجْنا لَهُ مَاء فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْن مَرَّتَيْن وَمَسَحَ بِرَأسِهِ فَاقْبَلَ بِهِ وَأدْبَرَ وَغَسَلَ رِجلَيْه..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس، نسب إِلَى جده، تقدم فِي بَاب من قَالَ: الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل الصَّالح. الثَّانِي: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: الْمَاجشون، بِفَتْح الْجِيم، مر فِي بَاب السُّؤَال والفتيا عِنْد رمي الْجمار. الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى. الرَّابِع: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة. الْخَامِس: عبد الله بن زيد، وَقد تقدمُوا فِي بَاب غسل الرجلَيْن.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ اثْنَيْنِ وهما أَحْمد بن يُونُس وَعبد الْعَزِيز، وَكِلَاهُمَا منسوبان إِلَى جدهما، وَاسم أَب كل مِنْهُمَا: عبد الله، وكنية كل مِنْهُمَا: ابو عبد الله، وكل مِنْهُمَا: ثِقَة حَافظ فَقِيه.
بَيَان الْمَعْنى وَالْحكم قَوْله: (أَتَانَا رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام رِوَايَة الْكشميهني وابي الْوَقْت، وَرِوَايَة غَيرهمَا: (أَتَى رَسُول الله عليه الصلاة والسلام . قَوْله: (فِي تور) صفة لقَوْله: (مَاء) ، وَمحله النصب، وَكلمَة: من فِي: (من صفر) للْبَيَان، وَتَفْسِير: التور، قد مر عَن قريب قَوْله:(فَغسل وَجهه) تَفْسِير لقَوْله: (فَتَوَضَّأ) وَفِيه حذف تَقْدِيره: فَمَضْمض واستنشق، كَمَا دلّت عَلَيْهِ الرِّوَايَات الْأُخَر، والمخرج مُتحد. قَوْله:(فِي تور من صفر) زِيَادَة عبد الْعَزِيز. قَالَ الْكرْمَانِي: فان قلت: لم يذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ: التور، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي بعده. قلت: لَعَلَّ إِيرَاده فِي هَذَا الْبَاب من جِهَة أَن ذَلِك لتور كَانَ على شكل الْقدح، أَو من جملَة أَنه حجر، لِأَن الصفر من أَنْوَاع الْأَحْجَار، أَقُول: رَأَيْت فِي نُسْخَة صَحِيحَة بِخَط المُصَنّف: والتور، بعد قَوْله:(والخشب وَالْحِجَارَة) .
198 -
حدّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ لمَا ثَقُلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم واشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فاذِنَّ لهُ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الارْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فاخبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابنَ عَبَّاسٍ فقالَ أتَدْرِي منِ الرَّجُلُ الآخَرُ قُلْتُ لَا قالَ هُوَ عَلِيٌّ وكانَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها تُحَدِّثُ أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ واشْتَدَّ وَجعُهُ هَرِيقُوا عَليَّ مِنْ سَبْع قِرَبٍ لمْ تُحْلَلْ اوْ كِيَتُهُنَّ لعَلِّي أَعْهَدُ إلَى النَّاسِ وأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لحَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ من تِلْكَ القِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إليْنَا أنْ قدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى النَّاسِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه الحكم ابْن نَافِع. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة دِينَار، وَأَبُو بشر الْحِمصِي. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عبيد الله بن عبد الله، بتصغير الابْن وتكبير الْأَب، وَالْكل تقدمُوا فِي كتاب الْوَحْي. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والإخبار، وبصيغة الْإِفْرَاد وَالْقَوْل. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بن حمصي ومدني. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رَاوِيَيْنِ جليلين: الزُّهْرِيّ وَعبيد الله.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي سبع مَوَاضِع هُنَا، وَفِي الصَّلَاة فِي موضِعين، وَفِي حد الْمَرِيض يشْهد الْجَمَاعَة، وَإِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ مُخْتَصرا، وَفِي الْهِبَة، وَالْخمس، وَأجر الْمَغَازِي، وَفِي بَاب مَرضه، عليه الصلاة والسلام، وَفِي الطِّبّ. وَأخرجه مُسلم
فِي الصَّلَاة عَن عبد بن حميد وَمُحَمّد بن رَافع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء، وَفِي الْوَفَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور، وَفِي الْوَفَاة أَيْضا عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَلم يذكر ابْن عَبَّاس. أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن ابْن إِسْمَاعِيل عَن سُفْيَان بِهِ.
بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب قَوْله: (لما ثقل) ، بِضَم الْقَاف، يُقَال: ثقل الشَّيْء ثقلاً، مِثَال صغر صغراً، فَهُوَ ثقيل. وَقَالَ ابو نصر: أصبح فلَان ثاقلاً إِذا أثقله الملاض، والثقل ضد الخفة، وَالْمعْنَى هَهُنَا: اشْتَدَّ مَرضه، ويفسره قَوْلهَا بعده: وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعه، وَأما: الثّقل، بِفَتْح الثَّاء وَسُكُون الْقَاف، فَهُوَ مصدر: ثقل، بِفَتْح الْقَاف: الشَّيْء فِي الْوَزْن يثقله ثقلاً، من بَاب: نصر ينصر، إِذا وَزنه. وَكَذَلِكَ: ثقلت الشَّاة إِذا رفعتها للنَّظَر مَا ثقلهَا من خفتها. وَقَالَ بَعضهم: وَفِي الْقَامُوس: ثقل كفرح يعْنى بِكَسْر الْقَاف فَهُوَ ثاقل وثقيل: اشْتَدَّ مَرضه. قلت: هَذَا يحْتَاج إِلَى نسبته إِلَى أحد من أَئِمَّة اللُّغَة الْمُعْتَمد عَلَيْهِم. قَوْله: (فِي أَن يمرض) على صِيغَة الْمَجْهُول، من: التمريض، يُقَال: مَرضه تمريضاً إِذا أَقمت عَلَيْهِ فِي مَرضه، يَعْنِي: خدمته فِيهِ. وَيحْتَمل أَن يكون التَّشْدِيد فِيهِ للسلب والإزالة كَمَا تَقول قردت الْبَعِير إِذا أزلت قراده، والمعني هُنَا: أزلت مَرضه بِالْخدمَةِ. قَوْله: (فَأذن) بتَشْديد النُّون لِأَنَّهُ جمَاعَة النِّسَاء، أَي: أَذِنت زَوْجَات النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، أَن يمرض فِي بَيتهَا. قَوْله:(تخط رِجْلَاهُ) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة، و: رِجْلَاهُ، فَاعله أَي: يُؤثر بِرجلِهِ على الأَرْض كَأَنَّهَا تخط خطا، وَفِي بعض النّسخ: تخط، بِصِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(قَالَ عبيد الله) هُوَ الرَّاوِي لَهُ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور بِغَيْر وَاو الْعَطف. قَوْله:(وَكَانَت) مَعْطُوف أَيْضا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وعباس هُوَ ابْن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فَأخْبرت) أَي: بقول عَائِشَة، رضي الله عنها. قَوْله:(بعد مَا دخل بَيته) وَفِي بعض النّسخ: (بَيتهَا)، وأضيف إِلَيْهَا مجَازًا: بملابسة السُّكْنَى فِيهِ. قَوْله: (هريقوا عَليّ) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:(أهريقوا)، بِزِيَادَة الْهمزَة. وَفِي بعض النّسخ:(اريقوا) . إعلم أَن فِي هَذِه الْمَادَّة ثَلَاث لُغَات. الأولى: هراق المَاء يهرقه هراقة أَي: صب، وَأَصله: أراق يريق إِرَاقَة، من بَاب الإفعال، وأصل: أراق يريق على وزن أفعل، نقلت حَرَكَة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا، ثمَّ قلبت ألفا لتحركها فِي الأَصْل وانفتاح مَا قبلهَا بعد النَّقْل، فَصَارَ أراق، وأصل: يريق يأريق على وزن: يؤفعل، مثل: يكرم، أَصله: يؤكرم، حذفت الْهمزَة مِنْهُ اتبَاعا لحذفها فِي الْمُتَكَلّم لِاجْتِمَاع الهمزتين فِيهِ، وَهُوَ ثقيل. اللُّغَة الثَّانِيَة: أهرق المَاء يهرقه إهراقاً على وزن: أفعل إفعالاً. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: قد أبدلوا من الْهمزَة الْهَاء ثمَّ لَزِمت فَصَارَت كَأَنَّهَا من نفس الْكَلِمَة حذفت الْألف بعد الْهَاء، وَتركت الْهَاء عوضا عَن حذفهم الْعين، لِأَن أصل أهرق: أريق. اللُّغَة الثَّالِثَة: أهراق يهريق إهراياقاً، فَهُوَ مهريق، وَالشَّيْء مهراق ومهراق أَيْضا بِالتَّحْرِيكِ، وَهَذَا شَاذ، وَنَظِيره: اسطاع يسطيع اسطياعاً، بِفَتْح الْألف فِي الْمَاضِي، وَضم الْيَاء فِي الْمُضَارع وَهُوَ لُغَة فِي: اطاع يُطِيع، فَجعلُوا السِّين عوضا من ذهَاب حَرَكَة عين الْفِعْل، فَكَذَلِك حكم: الْهَاء، وَقد خبط بَعضهم خباطاً فِي هَذَا الْمَوْضُوع لعدم وقوفهم على قَوَاعِد علم الصّرْف. قَوْله:(من سبع قرب) جمع قربَة، وَهِي مَا يستقى بِهِ، وَهُوَ جمع الْكَثْرَة، وَجمع الْقلَّة: قربات، بِسُكُون الرَّاء وَفتحهَا وَكسرهَا. قَوْله:(أوكيتهن) الأوكية جمع: وكاء، وَهُوَ الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة. قَوْله:(أَعهد) بِفَتْح الْهَاء اي: أوصى من بَاب: علم يعلم، يُقَال عهِدت إِلَيْهِ أَي: أوصيته. قَوْله: (واجلس) على صِيغَة الْمَجْهُول اي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَفِي بعض الرِّوَايَات:(فاجلس) بِالْفَاءِ. و: المخضب، مر تَفْسِيره عَن قريب، وَزَاد ابْن خريمة من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنه كَانَ من نُحَاس. قَوْله:(ثمَّ طفقنا نصب عَلَيْهِ) بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا، حَكَاهُ الْأَخْفَش، وَالْكَسْر أفْصح. وَهُوَ من أَفعَال المقاربة، وَمَعْنَاهُ: جعلنَا نصب المَاء على رَأس النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (تِلْكَ) أَي: الْقرب السَّبع، وَفِي بعض الرِّوَايَات:(تِلْكَ الْقرب) . وَهُوَ فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول نصب. قَوْله: (حَتَّى طفق) اي حَتَّى جعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُشِير إِلَيْنَا، وَفِي: طفق، معنى الِاسْتِمْرَار والمواصلة. قَوْله:(أَن قد فعلتن) أَي: بِأَن فعلتن مَا أمرتكن بِهِ من إهراق المَاء من الْقرب الموصوفة، و: فعلتن، بِضَم التَّاء وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ جمع الْمُؤَنَّث الْمُخَاطب. قَوْله:(ثمَّ خرج إِلَى النَّاس) أَي: خرج من بَيت عَائِشَة، رضي الله عنها، وَزَاد البُخَارِيّ فِيهِ من طَرِيق عقيل عَن الزُّهْرِيّ:(فصلى بهم وخطبهم) ، على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
بَيَان استنباط الاحكام الأول: فِيهِ الدّلَالَة على وجوب الْقسم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وإلَاّ لم يحْتَج إِلَى الاسْتِئْذَان عَنْهُن، ثمَّ