الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى عَن خَالِد بن عبد الله عَن الشَّيْبَانِيّ بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن مُسَدّد، وَمُحَمّد بن الْعَلَاء، كِلَاهُمَا عَن حَفْص بن غياث عَن الشَّيْبَانِيّ، وَأخرجه ابْن مَاجَه بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: [حم (كَانَت إحدانا فِي فورها أول مَا تحيض تشد عَلَيْهَا إزاراً إِلَى أَنْصَاف فخذيها ثمَّ تضطجع مَعَه، عليه الصلاة والسلام [/ حم وَأخرج أَبُو يعلى الْموصِلِي، من حَدِيث عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لَهُ مَا فَوق الْإِزَار وَلَيْسَ لَهُ مَا تَحْتَهُ) وَفِي لفظ: [حم (لَا يطلعن إِلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى يطهرن) [/ حم وَأخرج أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم: [حم (أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ من الْحَائِض شَيْئا ألْقى على فرجهَا ثوبا) [/ حم وَأخرج ابْن أبي دَاوُد بِسَنَد جيد عَن أم سَلمَة: [حم (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرهَا وعَلى قبلهَا ثوب) [/ حم تَعْنِي: وَهِي حَائِض، وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ وَعبد الله بن سعد:(مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض؟ قَالَ: مَا فَوق الْإِزَار) وَفِي حَدِيث معَاذ: (وَالتَّعَفُّف عَن ذَلِك أجمل) ، وَأخرج عبد الله بن وهب بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث كريب، قَالَ: سَمِعت أم الْمُؤمنِينَ تَقول: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وَأَنا حَائِض، وبيني وَبَينه ثوب) وَأخرج الدَّارمِيّ فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل، قَالَ:(قَالَت أم الْمُؤمنِينَ: كنت أتزر وَأَنا حَائِض وَأدْخل مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي لِحَافه) وَإِسْنَاده صَحِيح، وَفِي (الْمُوَطَّأ) عَن زيد بن أسلم:(سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا يحل لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض؟ قَالَ لِتشد عَلَيْهَا إزَارهَا ثمَّ شَأْنك بِأَعْلَاهَا) قَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم أحدا روى هَذَا الحَدِيث مُسْندًا بِهَذَا اللَّفْظ.
ورَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِي
يَعْنِي: روى هَذَا الحَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، كَذَا قَالَ بَعضهم، سُفْيَان هُوَ: الثَّوْريّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي سَوَاء كَانَ هُوَ الثَّوْريّ أَو ابْن عُيَيْنَة فَهُوَ على شَرط البُخَارِيّ فَلَا بَأْس فِي إبهامه وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) وَكَانَ البُخَارِيّ يُرِيد بمتابعة سُفْيَان هُنَا الْمَعْنى لَا اللَّفْظ، وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ سمع عبد الله بن شَدَّاد عَن مَيْمُونَة: (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مرط على بعض أَزوَاجه مِنْهُ وَهِي حَائِض) وَقد رَوَاهُ عَن الشَّيْبَانِيّ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد خَالِد بن عبد الله عِنْد مُسلم وَجَرِير بن عبد الحميد عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا بِإِسْنَاد مَيْمُونَة حَفْص بن غياث عِنْد أبي دَاوُد، رحمه الله، وَأَبُو مُعَاوِيَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وأسباط بن مُحَمَّد عَن أبي عوَانَة فِي (صَحِيحه) وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ رَوَاهُ، وَلم يقل تَابعه؟ قلت: الرِّوَايَة أَعم مِنْهَا، فَلَعَلَّهُ لم يروها مُتَابعَة.
6 -
(بابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحَائِض الصَّوْم فِي أَيَّام حَيْضَتهَا.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن كلاًّ مِنْهُمَا مُشْتَمل على حكم من أَحْكَام الْحيض. فَإِن قلت: الْحَائِض تتْرك الصَّلَاة أَيْضا فَمَا وَجه ذكر الصَّوْم فِي تَركهَا دون الصَّلَاة، مَعَ أَنَّهُمَا مذكوران فِي حَدِيث الْبَاب؟ قلت: تَركهَا الصَّلَاة لعدم وجود شَرطهَا وَهِي الطَّهَارَة، فَكَانَت ملجأة إِلَى ذَلِك بِخِلَاف الصَّوْم فَإِن الطَّهَارَة لَيست بِشَرْط فَكَانَ تَركهَا إِيَّاه من بَاب التَّعَبُّد وَأَيْضًا فَإِن تَركهَا للصَّلَاة لَا إِلَى خلف بِخِلَاف الصَّوْم، فخصص الصَّوْم بِالذكر دون الصَّلَاة إشعاراً لما ذكرنَا.
304 -
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ أبي مَرْيَمَ قالَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قالَ أخبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابنُ أسْلَمَ عَنْ عِياضٍ بنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِي قالَ خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى عَلَى النِّساء تَصَدَّقْنَ فَانِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَر أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَيِمَ يَا رسولَ اللَّهِ قالَ تُكْبِرْنَ اللَّعْنَ وَتكْفُرْنَ العَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ ناقِصاتِ عَقْلٍ وَدينٍ أذْهَبَ لِلُبِ الرَّجْلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْداكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رسولَ اللَّهِ قالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِها أَلَيْسَ إِذا
حاضَتْ لَمْ تصَلِّ وَلَمْ تَصُمَّ قُلَّنَ بَلَى قالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِها. .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلم تصم) .
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: سعيد بن أبي مَرْيَم وَهُوَ سعيد بن الحكم ابْن مُحَمَّد بن سَالم الْمَعْرُوف بِابْن أبي مَرْيَم الجُمَحِي، أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ، مر ذكره فِي بَاب من سمع شَيْئا فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهُوَ ابْن أبي كثير، بِفَتْح الْكَاف وبالتاء الْمُثَلَّثَة الْأنْصَارِيّ. الثَّالِث: زيد بن أسلم، بِلَفْظ الْمَاضِي، أَبُو أُسَامَة الْمدنِي، مر فِي بَاب كفران العشير. الرَّابِع: عِيَاض، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بن عبد الله وَهُوَ ابْن أبي سرح العامري، لِأَبِيهِ صُحْبَة. الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: واسْمه سعد بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين: وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد: وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَن صَحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون مَا خلا ابْن أبي مَرْيَم فَإِنَّهُ مصري.
ذكر تعدده وَضعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي الصَّوْم وَالطَّهَارَة وَفِي الزَّكَاة، وَأخرجه فِي الْعِيدَيْنِ بِطُولِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حسن الْحلْوانِي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق الصَّاغَانِي، كِلَاهُمَا عَن ابْن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر، ثَلَاثَتهمْ عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن دَاوُد بن قيس عَنهُ بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة، ثَلَاثَتهمْ عَن دَاوُد بن قيس نَحوه.
بَيَان لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَعْنِي: خرج إِمَّا من بَيته أَو من مَسْجده. قَوْله: (فِي أضحى) أَي: فِي يَوْم أضحى، قَالَ الْخطابِيّ: الْأُضْحِية شَاة تذبح يَوْم الْأَضْحَى، وفيهَا أَربع لُغَات: أضْحِية، بِضَم الْهمزَة وبكسرها، وضحية وأضحاة، وَالْجمع: أضحى، وَبهَا سمي يَوْم الْأَضْحَى، والأضحى يذكر وَيُؤَنث، وَقيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا تفعل فِي الْأَضْحَى وَهُوَ ارْتِفَاع النَّهَار. قَوْله: (أَو فطر) أَي: أَو يَوْم فطر، وَهُوَ يَوْم عيد الْفطر، وَالشَّكّ من الرَّاوِي. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من أبي سعيد. قلت: لَا يتَعَيَّن ذَلِك. قَوْله: (إِلَى الْمصلى) هُوَ مَوضِع صَلَاة الْعِيد فِي الْجَبانَة. قَوْله: (فَقَالَ: يَا معشر النِّسَاء)، المعشر: الْجَمَاعَة متخالطين كَانُوا أَو غير ذَلِك، قَالَ الْأَزْهَرِي: أَخْبرنِي الْمُنْذر عَن أَحْمد بن يحيى، قَالَ: المعشر والنفر وَالْقَوْم والرهط، هَؤُلَاءِ معناهم: الْجمع لَا وَاحِد لَهُم من لَفظهمْ للرِّجَال دون النِّسَاء، وَعَن اللَّيْث: المعشر كل جمَاعَة أَمرهم وَاحِد، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر، وَقَول أَحْمد بن يحيى مَرْدُود بِالْحَدِيثِ، وَيجمع على معاشر. قَوْله:(اللَّعْن) فِي اللُّغَة الطَّرْد والإيعاد من الْخَيْر، واللعنة وَالِاسْم، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ يتلفظن باللعنة كثيرا. قَوْله: (ويكفرن) من الْكفْر وَهُوَ السّتْر، وكفران النِّعْمَة وكفرها سترهَا بترك أَدَاء شكرها، وَالْمرَاد يجحدن نعْمَة الزَّوْج ويستقللن مَا كَانَ مِنْهُ. قَوْله:(العشير) هُوَ: الزَّوْج سمي بذلك لمعاشرته إِيَّاهَا. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: عشيرك الَّذِي يعاشرك أَيْدِيكُم وأمركما وَاحِد، لَا يكادون يَقُولُونَ فِي جمعه عشراء وَلَكنهُمْ، معاشروك وعشيرون. وَقَالَ بَعضهم: هم عشراؤك. وَقَالَ الْفراء: يجمع العشير على عشراء، مثل: جليس وجلساء، وَإِن الْعَرَب لتكرهه كَرَاهَة أَن يشاكل قَوْلهم، نَاقَة عشراء، والعشير: الخليط، والعشير: الصّديق وَالزَّوْج وَابْن الْعم. قَوْله: (عقل) الْعقل فِي اللُّغَة ضد، الْحمق، وَعَن الْأَصْمَعِي: هُوَ مصدر: عقل الْإِنْسَان يعقل، وَعَن ابْن دُرَيْد، اشتق من عقال النَّاقة، لِأَنَّهُ يعقل صَاحبه عَن الْجَهْل، أَي: يحْبسهُ وَلِهَذَا قيل: عقل الدَّوَاء بَطْنه، أَي أمْسكهُ، وَفِي (الْعين) عقلت بعد الصِّبَا، أَي: عرفت بعد الْخَطَأ الَّذِي كنت فِيهِ، واللغة الْغَالِبَة، عقل، وَقَالُوا: عقل يعقل مثل حكم يحكم الَّذِي يحبس نَفسه ويردها عَن هَواهَا، أخذا من قَوْلهم: أعتقل لِسَانه إِذا حبس، وَمنع من الْكَلَام. وَفِي (الْمُخَصّص) قَالَ سِيبَوَيْهٍ، قَالُوا: الْعقل، كَمَا قَالُوا: الظّرْف، أدخلوه فِي بَاب عجز، لِأَنَّهُ مثله، وَالْعقل من المصادر الْمَجْمُوعَة من غير أَن تخْتَلف أَنْوَاعهَا. وَقَالَ أَبُو عَليّ: الْعقل والحجى، وَالنَّهْي، كلهَا مُتَقَارِبَة الْمعَانِي، وَعَن الْأَصْمَعِي: هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْقَبِيح وَقصر النَّفس وحبسها على الْحسن، وَقَالُوا: عَاقل وعقلاء وَهُوَ: الْحلم واللب وَالْحجر والعظم والمحت والمرجح والجول وَالْخَوْف والذهن والهرمان والحصاة، وَفِي (الْمُحكم) وَجمعه عقول. وَقَالَ الْقَزاز: مَسْكَنه عِنْد قوم فِي الدِّمَاغ، وَعند آخَرين فِي الْقلب الأول قَول أبي
حنيفَة، وَالثَّانِي قَول الشَّافِعِي. وَقيل: مَسْكَنه الدِّمَاغ وتدبيره فِي الْقلب. قلت: وَعَن هَذَا قَالُوا: الْعقل جَوْهَر خلقه الله فِي الدِّمَاغ وَجعل نوره فِي الْقلب، تدْرك بِهِ المغيبات بالوسائط والمحسوسات بِالْمُشَاهَدَةِ، وَعند الْمُتَكَلِّمين، الْعقل الْعلم، وَقيل: بعض الْعُلُوم هِيَ الضرورية، وَقيل: قُوَّة يُمَيّز بهَا حقائق المعلومات، وَفِي كتاب (الْحُدُود) لأبي عَليّ بن سينا، هُوَ اسْم مُشْتَرك لمعان عدَّة: عقل لصِحَّة الْفطْرَة الأولى فِي الناى، وَهُوَ قُوَّة يُمَيّز بهَا بَين الْأُمُور القبيحة والحسنة، وعقل لما يكتسبه بالتجارب بَين الْأَحْكَام تكون مُقَدّمَة يحصل بهَا الْأَغْرَاض والمصالح، وعقل لِمَعْنى آخر، وَهَذِه هَيْئَة محمودة للْإنْسَان فِي حركاته وَكَلَامه، وَأما الْحُكَمَاء فقد فرقوا بَينه وَبَين الْعلم، وَقَالُوا: الْعقل النظري، وبالفعل والفعال، وتحقيقه فِي كتبهمْ، وَإِنَّمَا سمي: الْعقل، عقلا من قَوْلهم: ظَبْي عَاقل، إِذا امْتنع فِي أَعلَى الْجَبَل، يُسمى هَذَا بِهِ لِأَنَّهُ فِي أَعلَى الْجَسَد بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي أَعلَى الْجَبَل. وَقيل: الْعَاقِل: الْجَامِع لأموره بِرَأْيهِ، مَأْخُوذ من قَوْلهم: عقلت الْفرس إِذا جمعت قوائمه وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم: أَن المُرَاد من الْعقل الدِّيَة، لِأَن دِيَتهَا على النّصْف من دِيَة الرجل. قلت: ظَاهر الحَدِيث يأباه.
بَيَان إعرابه قَوْله: (إِلَى الْمصلى) يتَعَلَّق بقوله: (خرج) . قَوْله: (يتصدقن) مقول القَوْل، وَالْفَاء، فِي: فَانِي، للتَّعْلِيل قَوْله:(أريتكن) بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمعْنَى أَرَانِي الله إياكن أَكثر أهل النَّار، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَكثر، بِنصب الرَّاء على أَن أريت، يتَعَدَّى إِلَى مفعولين. أَو على الْحَال إِذا قُلْنَا أَن أفعل لَا يتعرف بِالْإِضَافَة، كَمَا صَار إِلَيْهِ الْفَارِسِي وَغَيره وَقيل: إِنَّه بدل من الْكَاف فِي: أريتكن. انْتهى قلت: نقل هَذَا من صَاحب (التَّلْوِيح) وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قَوْله: أريتكن مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل: الأول التَّاء الَّتِي هِيَ مفعول نَاب عَن الْفَاعِل. وَالثَّانِي:. قَوْله: (كنَّ) . وَالثَّالِث:. قَوْله: (أَكثر أهل النَّار) فَإِن قلت: فِي أَيْن أريهن أَكثر أهل النَّار؟ قلت: فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بِلَفْظ (أريت النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء) فَإِن قلت: ورد فِي الحَدِيث، قَالَ: لكل رجل زوجتان من الْآدَمِيّين. قلت: لَعَلَّ هَذَا قبل وُقُوع الشَّفَاعَة. قَوْله: (ويم يَا رَسُول الله) قَالَ بَعضهم: الْوَاو، استئنافية. قلت: للْعَطْف على مُقَدّر تَقْدِيره، مَا دنبنا، وَبِمَ، الْبَاء للسبيبة، وَكلمَة استفهامية. وَقَالَ الْكرْمَانِي: حذفت الفها تَخْفِيفًا. قلت: يجب حذف ألف، مَا الاستفهامية إِذا جرت، وإبقاء الفتحة دَلِيل عَلَيْهَا وَنَحْوهَا، إلَاّمَ، وَعَلَامَ، وَعلة حذف الْألف، الْفرق بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، فَلهَذَا حذفت فِي نَحْو:{فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} (سُورَة النَّحْل: 35){فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} (سُورَة النازعات: 43) وَأما قِرَاءَة عِكْرِمَة وَعِيسَى: {عَمَّا يتساءلون} (سُورَة النبإ: 1) فنادر. قَوْله: (تكثرن اللَّعْن) فِي مقَام التَّعْلِيل، وَكَانَ الْمَعْنى: لأنكن تكثرن اللَّعْن، الْإِكْثَار، قَالَ الطَّيِّبِيّ: الْجَواب من الأسلوب الْحَكِيم لِأَن قَوْله: (مَا رَأَيْت) إِلَخ زِيَادَة، فَإِن قَوْله:(تكثرن اللَّعْن وتكفرن العشير) جَوَاب تَامّ، فَكَأَنَّهُ من بَاب الاتتباع، إِذا الذَّم بِالنُّقْصَانِ استتبع للذم بِأَمْر آخر غَرِيب، وَهُوَ كَون الرجل الْكَامِل الحازم منقاداً للنِّسَاء الناقصات عقلاء دينا. قَوْله:(من ناقصات عقل) صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: مَا رَأَيْت أحدا من ناقصات. قَوْله: (أذهب) أفعل التَّفْضِيل من الإذهاب، هَذَا على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ حَيْثُ جوز بِنَاء أفعل التَّفْضِيل من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَكَانَ الْقيَاس فِيهِ أَشد إذهاباً.
بَقِيَّة مَا فِيهِ من الْمعَانِي والأسئلة والأجوبة قَوْله: (قُلْنَ وَمَا نُقْصَان ديننَا) ويروي: (فَقُلْنَ) بِالْفَاءِ، وَهَذَا استفسار مِنْهُنَّ عَن وَجه نُقْصَان دينهن وعقلهن، وَفك لِأَنَّهُ خفى عَلَيْهِنَّ ذَلِك حَتَّى استفسرن. وَقَالَ بَعضهم: وَنَفس هَذَا السُّؤَال دَال على النُّقْصَان لِأَنَّهُنَّ سلمن مَا نسب إلَيْهِنَّ من الْأُمُور الثَّلَاثَة: الْإِكْثَار والكفران والإذهاب، ثمَّ استشكلن كونهن ناقصات. قلت: هَذَا استفسار وَلَيْسَ باستشكال، لِأَنَّهُنَّ بعد أَن سلمن هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة، لَا يكون عَلَيْهِنَّ إِشْكَال، وَلَكِن لما خَفِي سَبَب نُقْصَان دينهن وعقلهن سَأَلَهُنَّ عَن ذَلِك بقولهن: مَا نُقْصَان ديننَا وعقلنا، وَالتَّسْلِيم بِهَذِهِ الْأُمُور كَيفَ يدل على النُّقْصَان، وبَيْنَ، عليه الصلاة والسلام، مَا خَفِي عَلَيْهِنَّ من ذَلِك بقوله:(أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة) إِلَى آخِره؟ وَهَذَا جَوَاب مِنْهُ، عليه الصلاة والسلام، بلطف وإرشاد من غير تعفيف وَلَا لوم، بِحَيْثُ خاطبهن على قدر فهمهن، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمر أَن يُخَاطب النَّاس على قدر عُقُولهمْ، قَوَّال النَّوَوِيّ: وَأما وَصفه النِّسَاء بِنُقْصَان الدّين لتركهن الصَّلَاة وَالصَّوْم فقد يسْتَشْكل مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بمشكل، فَإِن الدّين وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام مُشْتَرك فِي معنى وَاحِد، فَإِن من كثرت عِبَادَته زَاد إيمَانه وَدينه، وَمن نقصت عِبَادَته نقص دينه. قلت: دَعْوَاهُ الِاشْتِرَاك فِي هَذِه الثَّلَاثَة غير مسلمة، لِأَن بَينهَا فرقا لُغَة وَشرعا، وَقَوله: زَاد إيمَانه أَو نقص، لَيْسَ براجع إِلَى الذَّات، بل هُوَ رَاجع إِلَى الصّفة
كَمَا تقرر هَذَا فِي مَوْضِعه. قَوْله: (أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة مثل نصف شَهَادَة الرجل) إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (سُورَة الْبَقَرَة: 282) فَإِن قلت: النُّكْتَة فِي تَعْبِيره بِهَذِهِ الْعبارَة وَلم يقل: أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ مثل شَهَادَة الرجل؟ قلت: لِأَن فِي عِبَارَته تِلْكَ تنصيصاً على النَّقْص صَرِيحًا. بِخِلَاف مَا ذكرت، فَإِنَّهُ يدل عَلَيْهِ ضمنا فَافْهَم، فَإِنَّهُ دَقِيق فَإِن قلت: أَلَيْسَ ذَلِك ذماً لَهُنَّ؟ قلت: لَا وَإِنَّمَا هُوَ على معنى التَّعَجُّب بأنهن مَعَ اتصافهن بِهَذِهِ الْحَالة يفعلن بِالرجلِ الحازم كَذَا وَكَذَا فَإِن قلت: هَذَا الْعُمُوم فِيهِنَّ يُعَارضهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرِّجَال كثير، وَلم يكمل من النِّسَاء إلَاّ مَرْيَم بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم) وَفِي رِوَايَة أَربع، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَأحمد من حَدِيث أنس: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَسبك من نسَاء الْعَالمين بِأَرْبَع: مَرْيَم بنت عمرَان، وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن، وَخَدِيجَة بنت خويلد، وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قلت: أجَاب بَعضهم بِأَن الْإِفْرَاد خرج عَن ذَلِك لِأَنَّهُ نَادِر قَلِيل، وَالْجَوَاب السديد فِي ذَلِك هُوَ أَن الحكم على الْكل بِشَيْء لَا يسْتَلْزم الحكم على كل فَرد من أَفْرَاده بذلك الشَّيْء وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَنقص الدّين قد يكون على وَجه يَأْثَم بِهِ، كمن ترك الصَّلَاة بِلَا عذر، وَقد يكون على وَجه لَا يَأْثَم لَهُ، كمن ترك الْجُمُعَة بِعُذْر، وَقد يكون على وَجه هُوَ مُكَلّف بِهِ كَتَرْكِ الْحَائِض الصَّلَاة وَالصَّوْم. فَإِن قيل: فَإِذا كَانَت معذورة، فَهَل تثاب على ترك الصَّلَاة فِي زمن الْحيض؟ وَإِن كَانَت لَا تقضيها كَمَا يُثَاب الْمَرِيض، وَيكْتب لَهُ فِي مَرضه مثل نوافل الصَّلَوَات الَّتِي كَانَ يَفْعَلهَا فِي صِحَّته. وَالْجَوَاب أَن ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنَّهَا لَا تثاب، وَالْفرق أَن الْمَرِيض كَانَ يَفْعَلهَا بنية الدَّوَام عَلَيْهَا مَعَ أَهْلِيَّته لَهَا، وَالْحَائِض لَيست كَذَلِك، بل نِيَّتهَا ترك الصَّلَاة فِي زمن الْحيض، وَكَيف لَا وَهِي حرَام عَلَيْهَا؟ قلت: يَنْبَغِي أَن يُثَاب على ترك الْحَرَام. قَوْله: (فَذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من. قَوْله: (أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة مثل نصف شَهَادَة الرجل) . قَوْله: (فَذَلِك) بِكَسْر الْكَاف، خطابا للواحدة الَّتِي تولت الْخطاب، وَيجوز فتح الْكَاف على أَنه للخطاب الْعَام.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام وهوعلى وُجُوه: الأول: فِيهِ اسْتِحْبَاب خُرُوج الإِمَام مَعَ الْقَوْم إِلَى مصلى الْعِيد فِي الْجَبانَة لأجل صَلَاة الْعِيد، وَلم يزل الصَّدْر الأول كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك، ثمَّ تَركه أَكْثَرهم لِكَثْرَة الْجَوَامِع، وَمَعَ هَذَا فَإِن أهل بِلَاد شَتَّى لم يتْركُوا ذَلِك. الثَّانِي: فِيهِ الْحَث على الصَّدَقَة لِأَنَّهَا من أَفعَال الْخيرَات وَالْمِيرَاث فَإِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات، وَلَا سِيمَا فِي مثل يَوْم الْعِيدَيْنِ لِاجْتِمَاع الْأَغْنِيَاء والفقراء، وتحسر الْفُقَرَاء عِنْد رُؤْيَتهمْ الْأَغْنِيَاء وَعَلَيْهِم الثِّيَاب الفاخرة، وَلَا سِيمَا الْأَيْتَام الْفُقَرَاء والأرامل الفقيرات، فَإِن الصَّدَقَة عَلَيْهِم فِي مثل هَذَا الْيَوْم مِمَّا يقل تحسرهم وهمهم، وَإِمَّا تَخْصِيصه، صلى الله عليه وسلم النِّسَاء فِي ذَلِك الْيَوْم، حَيْثُ أمرهن بِالصَّدَقَةِ فلغلبة الْبُخْل عَلَيْهِنَّ، وَقلة معرفتهن بِثَوَاب الصَّدَقَة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الْحسن وَالْفضل فِي الدُّنْيَا قبل يَوْم الْآخِرَة. الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز خُرُوج النِّسَاء أَيَّام الْعِيد إِلَى الْمصلى للصَّلَاة مَعَ النَّاس. وَقَالَت الْعلمَاء: كَانَ هَذَا فِي زَمَنه صلى الله عليه وسلم، وَأما الْيَوْم فَلَا تخرج الشَّابَّة ذَات الْهَيْئَة، وَلِهَذَا قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَو رأى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم مَا أحدث النِّسَاء بعده لمنعهن الْمَسَاجِد، كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل. قلت: هَذَا الْكَلَام من عَائِشَة بِعُذْر من يسير جدا بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأما الْيَوْم فنعوذ بِاللَّه من ذَلِك، فَلَا يرخص فِي خروجهن مُطلقًا للعيد وَغَيره، وَلَا سِيمَا نسَاء مصر، على مَا لَا يخفى. وَفِي (التَّوْضِيح) رأى جمَاعَة ذَلِك حَقًا عَلَيْهِنَّ، يَعْنِي: فِي خروجهن للعيد مِنْهُم: أَبُو بكر وَعلي وَابْن عمر وَغَيرهم، وَمِنْهُم من منعن ذَلِك، مِنْهُم: عُرْوَة وَالقَاسِم وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمَالك وَأَبُو يُوسُف، وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة مرّة وَمنعه أُخْرَى، وَمنع بَعضهم فِي الشَّابَّة دون غَيرهَا، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأبي يُوسُف، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: كَانَ الْأَمر بخروجهن أول الْإِسْلَام لتكثير الْمُسلمين فِي أعين الْعَدو. قلت: كَانَ ذَلِك لوُجُود الْأَمْن أَيْضا، وَالْيَوْم قلَّ الأمنُ، والمسلمون كثير، وَمذهب أَصْحَابنَا فِي هَذَا الْبَاب مَا ذكره صَاحب (الْبَدَائِع) أَجمعُوا على أَنه لَا يرخص للشابة الْخُرُوج فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة وَشَيْء من الصَّلَوَات، لقَوْله تَعَالَى:{وقرون فِي بُيُوتكُمْ} (سُورَة الْأَحْزَاب: 33) وَلِأَن خروجهن سَبَب للفتنة وَأما الْعَجَائِز فيرخص لَهُنَّ الْخُرُوج فِي الْعِيدَيْنِ، وَلَا خلاف أَن الْأَفْضَل أَن لَا يخْرجن فِي صَلَاة مَا، فَإِذا خرجن يصلين صَلَاة الْعِيد، فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَنهُ، لَا يصلين، بل يكثرن سَواد الْمُسلمين وينتفعن بدعائهم، وَفِي حَدِيث أم عَطِيَّة، قَالَت: [حم (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور وَالْحيض