الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع غير أَن فِي قَوْله: قَالَ أَخْبرنِي، رُوِيَ: الثَّالِث: أخبرنَا الأول أَكثر. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: لَطِيفَة حَسَنَة وَهِي أَن ابْن جريح يروي عَن هِشَام، وَهِشَام يروي عَن ابْن جريج فالأعلى ابْن عُرْوَة، والأدنى ابْن يُوسُف. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين رازي وصنعاني ومكي ومدني.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (أَنه سُئِلَ) أَي: عُرْوَة سُئِلَ، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(أتخدمني الْحَائِض؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (أَو تَدْنُو؟) أَي: أَو تقرب؟ قَوْله: (وَهِي جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا. وَلَفظ جنب، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَالْوَاحد وَالْجمع، وَهِي اللُّغَة الفصيحة قَوْله:(كل ذَلِك) إِشَارَة إِلَى الْخدمَة، والدنو اللَّذَان يدلان عَلَيْهِمَا لفظ أتخدمني وتدنو؟ وَجَاءَت الْإِشَارَة بِلَفْظ ذَلِك للمثنى قَالَ الله تَعَالَى:{عوان بَين ذَلِك} (سُورَة الْبَقَرَة: 68) قَوْله: (هَين) أَي: سهل، وَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف: كميت وميت، وَأَصله: هيون إجتمعت الْيَاء وَالْوَاو وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ، فقلبت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء. قَوْله:(وكل ذَلِك) أَي: الْحَائِض وَالْجنب، والتذكير بِاعْتِبَار الْمَذْكُور لفظا، وَوجه التَّثْنِيَة قد ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(وَلَيْسَ على أحد فِي ذَلِك بَأْس) أَي: حرج، وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول: وَلَيْسَ عَليّ فِي ذَلِك بَأْس، لكنه قصد بذلك التَّعْمِيم مُبَالغَة فِيهِ، وَدخل هُوَ فِيهِ بِالْقَصْدِ الأول. قَوْله:(ترجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: شعر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَهِي حَائِض) جملَة حَالية، وَإِنَّمَا لم يقل: حائضة، لعدم الالتباس، وَأما قَوْلهم: جَاءَ الحاملة والمرضعة، فِي الِاسْتِعْمَال، فلإرادة التباسهما بِتِلْكَ الصّفة بِالْفِعْلِ، فَإِذا أُرِيد التباسهما بِالْقُوَّةِ. يكون بِلَا تَاء، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى:{يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} (سُورَة الْحَج: 2) فَإِن قلت: لم قيل مُرْضِعَة دون مرضع؟ قلت: الْمُرضعَة الَّتِي هِيَ فِي حَال الْإِرْضَاع تلقم ثديها الصَّبِي، والمرضع الَّتِي من شَأْنهَا أَن ترْضع وَإِن لم تباشر الْإِرْضَاع فِي حَال وصفهَا بِهِ. قَوْله:(حِينَئِذٍ) أَي: حِين الترجيل. قَوْله: (مجاور) أَي: معتكف. قَوْله: (بدني) بِضَم الْيَاء أَي: يقرب لَهَا، أَي: لعَائِشَة رَأسه، وَالْحَال أَنَّهَا فِي حُجْرَتهَا، وَكَانَت حُجْرَتهَا ملاصقة لِلْمَسْجِدِ، والحجرة، بِضَم الْحَاء الْبَيْت. قَوْله:(فترجله) أَي: ترجل عَائِشَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَي: ترجل شعر رَأسه، وَالْحَال أَنَّهَا حَائِض.
والْحَدِيث دلّ على جَوَاز خدمَة الْحَائِض فَقَط، وَأما دلَالَته على دنو الْجنب فبالقياس عَلَيْهَا، وَالْجَامِع إشتراكهما فِي الْحَدث الْأَكْبَر، وَهُوَ من بَاب الْقيَاس الْجَلِيّ، لِأَن الحكم بالفرع أولى، لِأَن الاستقذار من الْحَائِض أَكثر.
وَمِمَّا يستنبط من الحَدِيث أَن الْمُعْتَكف إِذا خرج رَأسه أَو يَده أَو رِجَاله من الْمَسْجِد لم يبطل اعْتِكَافه، وَأَن من حلف لَا يدْخل دالااً أَو لَا يخرج مِنْهَا فَأدْخل بعضه أَو أخرج بعضه لَا يخنث. وَفِيه: جَوَاز اسْتِخْدَام الزَّوْجَة فِي الْغسْل وَنَحْوه بِرِضَاهَا، وَأما بِغَيْر رِضَاهَا فَلَا يجوز، لِأَن عَلَيْهَا تَمْكِين الزَّوْج من نَفسهَا وملازمة بَيته فَقَط، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ حجَّة على طَهَارَة الْحَائِض وَجَوَاز مباشرتها. وَفِيه: دَلِيل على أَن الْمُبَاشرَة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} (سُورَة الْبَقَرَة: 187) لم يرد بهَا كل مَا وَقع عَلَيْهِ اسْم الْمس، وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا الْجِمَاع أَو مَا دونه من الدَّوَاعِي للذة. وَفِيه: ترجيل الشّعْر للرِّجَال وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الزِّينَة. وَفِيه: أَن الْحَائِض لَا تدخل الْمَسْجِد تَنْزِيها لَهُ وتعظيماً، وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك، وَحكى ابْن سَلمَة أَنَّهَا تدخل هِيَ وَالْجنب، وَفِي رِوَايَة: يدْخل الْجنب وَلَا تدخل الْحَائِض. وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه: حجَّة على الشَّافِعِي فِي أَن الْمُبَاشرَة الْخَفِيفَة مثل مَا فِي هَذَا الحَدِيث لَا تنقض الْوضُوء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِيهِ حجَّة على الشَّافِعِي، إِذْ هُوَ لَا يَقُول بِأَن مس الشّعْر نَاقض للْوُضُوء، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا حجَّة فِيهِ، لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يشْتَرط فِيهِ الْوضُوء، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه عقب ذَلِك الْفِعْل بِالصَّلَاةِ، وعَلى تَقْدِير ذَاك فمس الشّعْر لَا ينْقض الْوضُوء. قلت: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَيْضا أَنه تَوَضَّأ عقيب ذَلِك، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
3 -
(بابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قِرَاءَة الرجل فِي حجر امْرَأَته، وَالْحَال أَنَّهَا حَائِض، وَالْحجر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا، وَسُكُون الْجِيم وَالْجمع حجور، وَمحل: فِي حجر امْرَأَته، نصب على الْحَال تَقْدِيره قِرَاءَة الرجل حَال كَونه مُتكئا على حجر امْرَأَته،
وَكلمَة: فِي، تَأتي بِمَعْنى على كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{ولأصلبنكم فِي جزوع النّخل} (سُورَة طه: 71) أَي: عَلَيْهَا وَيجوز أَن يقدر، وَاضِعا رَأسه على حجر امْرَأَته ومستنداً إِلَيْهِ.
ثمَّ وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهَا على حكم مُتَعَلق بالحائض، وَهُوَ ظَاهر.
وكانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وهَيَ حائضٌ إلَى أبي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بالمُصْحَفٍ فَتُمُسِكُهُ بَعِلَاقَتِهِ
الْكَلَام فِي هَذَا على أَنْوَاع.
الأول: فِي وَجه مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة فَقَالَ: صَاحب (التَّلْوِيح) وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) لما ذكر البُخَارِيّ حمل الْحَائِض العلاقة الَّتِي فِيهَا الْمُصحف، نطرها بِمن يحفظ الْقُرْآن فَهُوَ حامله، لِأَنَّهُ فِي جَوْفه، كَمَا رُوِيَ عَن سعيد ابْن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير، هُوَ فِي جَوْفه ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ورقة وَهُوَ جنب قَالَ: فِي جوفي أَكثر من هَذَا وَنزل ثِيَاب الْحَائِض بِمَنْزِلَة العلاقة، وَقِرَاءَة الرجل بِمَنْزِلَة الْمُصحف، لكَونه فِي جَوْفه. قلت: هَذَا فِي غَايَة الْبعد، لِأَن بَين قِرَاءَة الرجل فِي حجر امْرَأَته، وَبَين حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته بون عَظِيم من الْجِهَة الَّتِي ذكرت، لِأَن قَوْله: نظرها، إِمَّا تَشْبِيه وَإِمَّا قِيَاس، فَإِن أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيه، وَهُوَ تَشْبِيه محسوس بمعقول، فَلَا وَجه للتشبيه، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْقيَاس فشروطه غير مَوْجُودَة فِيهِ، وَيُمكن أَن يُقَال: وَجه التطابق بَينهمَا هُوَ جَوَاز الحكم فِي كل مِنْهُمَا، فَكَمَا تجوز قِرَاءَة الرجل فِي حجر الْحَائِض. فَكَذَلِك يجوز حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته، وَفِي كل مِنْهُمَا دخل للحائض، وَفِيه وَجه التطابق. ثمَّ لَو قيل: مَا قيل فِي ذَلِك فَلَا يَخْلُو عَن تعسف.
النَّوْع الثَّانِي: أَن هَذَا الْأَثر أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد صَحِيح، فَقَالَ: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة، كَانَ أَبُو وَائِل. فَذكره.
النَّوْع الثَّالِث: فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: (يُرْسل خادمه) الْخَادِم اسْم لمن يخْدم غَيره، وَيُطلق على الْغُلَام وَالْجَارِيَة، فَلذَلِك قَالَ: وَهِي حَائِض، فأنث الضَّمِير. قَوْله:(بعلاقته) بِكَسْر الْعين: مَا يتَعَلَّق بِهِ الْمُصحف، وَكَذَلِكَ علاقَة السَّيْف وَنَحْو ذَلِك. وَأَبُو وَائِل: اسْمه شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي أدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يره، روى عَن كثيرين من الصَّحَابَة، وَقَالَ يحيى بن معِين ثِقَة لَا يسْأَل عَن مثله، قَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، رضي الله عنه، وَأَبُو رزين، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة اسْمه مَسْعُود بن مَالك الْأَسدي مولى أبي وَائِل وَأَبُو الْكُوفِي التَّابِعِيّ، روى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة.
النَّوْع الرَّابِع فِي استنباط الحكم مِنْهُ. وَهُوَ جَوَاز حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته، وَكَذَلِكَ الْجنب، وَمِمَّنْ أجَاز ذَلِك عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَعَطَاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَمُجاهد وَطَاوُس وَأَبُو وَائِل رزين وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالشعْبِيّ وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَقَالَ ابْن بطال: رخص فِي حمله الحكم وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن جُبَير وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأهل الظَّاهِر، وَمنع الحكم مَسّه بباطن الْكَفّ خَاصَّة، وَقَالَ ابْن حزم، وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالسُّجُود فِيهِ وَمَسّ الْمُصحف وَذكر الله تَعَالَى جَائِز، كل ذَلِك وضوء وَبلا وضوء وللجنب وَالْحَائِض، وَهُوَ قَول ربيعَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن جُبَير وَابْن عَبَّاس وَدَاوُد وَجَمِيع أَصْحَابنَا، وَأما مس الْمُصحف فَإِن الْآثَار الَّتِي احْتج بهَا من لم يجز للْجنب مَسّه، فآنه لَا يَصح مِنْهَا شَيْء لِأَنَّهَا إِمَّا مُرْسلَة وَإِمَّا صحيفَة لَا يسْتَند بِهِ، وَأما عَن ضَعِيف، وَالصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان حَدِيث هِرقل الَّذِي فِيهِ و {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا:{أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ} (سُورَة آل عمرَان: 64) فَهَذَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد بعث كتابا فِيهِ قُرْآن للنصاري، وَقد أَيقَن أَنهم يمسونه، فَإِن ذكرُوا حَدِيث ابْن عمر، (نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو) قُلْنَا: هَذَا حق يلْزم اتِّبَاعه وَلَيْسَ فِيهِ لَا يمس الْمُصحف جنب وَلَا كَافِر، وَإِنَّمَا فِيهِ أَن لَا ينَال أهل الْحَرْب الْقُرْآن فَقَط، فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا بعث إِلَى هِرقل بِآيَة وَاحِدَة، قيل: لَهُم: وَلم يمْنَع من غَيرهَا وَأَنْتُم أهل قِيَاس، فَإِن لم تقيسوا على الْآيَة مَا هُوَ أَكثر مِنْهَا فَلَا تقيسوا على هَذِه الْآيَة غَيرهَا فَإِن ذكرُوا قَوْله جلّ وَعلا:{لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} (سُورَة الْوَاقِعَة: 79) قُلْنَا: لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أمرا وَإِنَّمَا هُوَ خير، والرب تَعَالَى لَا يَقُول إلَاّ حَقًا وَلَا يجوز أَن يصرف لفظ الْخَبَر إِلَى معنى الْأَمر إلَاّ بِنَصّ جلي أَو إِجْمَاع مُتَيَقن، فَلَمَّا رَأينَا الْمُصحف يمسهُ الطَّاهِر وَغير الطَّاهِر علمنَا أَنه لم يعن الْمُصحف، وَإِنَّمَا عَنى كتابا آخر عِنْده كَمَا جَاءَ عَن سعيد بن جُبَير فِي هَذِه الْآيَة هم الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَاء، وَكَانَ عَلْقَمَة إِذا أَرَادَ أَن يتَّخذ مُصحفا أَمر نَصْرَانِيّا فينسخه لَهُ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس أَن يحمل الْجنب الْمُصحف بعلاقته، وَغير المتوضىء عِنْده كَذَلِك، وأبى ذَلِك مَالك إلَاّ إِن كَانَ فِي خرج أَو تَابُوت فَلَا بَأْس أَن يحملهُ
الْجنب واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَهَذِه تفاريق لَا دَلِيل على صِحَّتهَا. انْتهى كَلَامه.
وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه. فَقَوله بِأَن الْآثَار الَّتِي احْتج بهَا من لم يجز للْجنب مَسّه إِلَخ، لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن أَكثر الْآثَار فِي ذَلِك صِحَاح. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) بِسَنَد صَحِيح مُتَّصِل عَن أنس: (خرج عمر بن الْخطاب مُتَقَلِّدًا السَّيْف، فَدخل على أُخْته وَزوجهَا خباب وهم يقرؤون سُورَة طه، فَقَالَ: أعطوني الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ فاقرؤوه، فَقَالَت لَهُ أُخْته: إِنَّك رِجْس {وَلَا يمسهُ إلَاّ الْمُطهرُونَ} (سُورَة الْوَاقِعَة: 79) فَقُمْ فاغتسل أَو تَوَضَّأ، فَقَامَ وَتَوَضَّأ ثمَّ أَخذ الْكتاب بِيَدِهِ) وَالْعجب من أبي عمر بن عبد الْبر إِذْ ذكره فِي سيرا ابْن إِسْحَاق وَقَالَ: هُوَ معضل، وَتَبعهُ على ذَلِك أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: وَهَذَا أعجب مِنْهُ، وَقَالَ السُّهيْلي: هُوَ من أَحَادِيث السّير. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث سَالم يحدث عَن أَبِيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يمس الْقُرْآن إلَاّ طَاهِر) وَلما ذكره الجوزقاني فِي كِتَابه، قَالَ: هَذَا حَدِيث مَشْهُور حسن. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده: (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى أهل الْيمن كتابا فِيهِ، لَا يمس الْقُرْآن إلَاّ طَاهِر) وَرَوَاهُ فِي (الغرائب) من حَدِيث إِسْحَاق إلطباع عَن مَالك مُسْندًا وَمن الطَّرِيق الأولى خرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) وَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) .
وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة بِمَنْع قِرَاءَة الْقُرْآن للْجنب وَالْحَائِض. مِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن رَوَاحَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. [حم (نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يقْرَأ أَحَدنَا الْقُرْآن وَهُوَ جنب) [/ حم. قَالَ أَبُو عمر: روينَاهُ من وُجُوه صِحَاح. وَمِنْهَا: حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرفعهُ:(لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إلَاّ الْجَنَابَة) صَححهُ جمَاعَة مِنْهُمَا بن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَأَبُو عَليّ الطوسي وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَغوِيّ فِي (شرح السّنة) وَفِي (سُؤَالَات الْمَيْمُونِيّ) قَالَ شُعْبَة: لَيْسَ أحد يحدث بِحَدِيث أَجود من ذَا، وَفِي (كَامِل) ابْن عدي عَنهُ، لم يرو عَمْرو وَأحسن من هَذَا وَكَانَ شُعْبَة يَقُول: هَذَا ثلث رَأس مَالِي، وخرجه ابْن الْجَارُود فِي (الْمُنْتَقى) زَاد ابْن حبَان، قد يتَوَهَّم غير المتحر فِي الحَدِيث أَن حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَ يذكر الله تَعَالَى على أحيائه، بِعَارِض هَذَا، وليبس كَذَلِك، لِأَنَّهَا أَرَادَت الذّكر الَّذِي هُوَ غير الْقُرْآن، إِذْ الْقُرْآن يجوز أَن يُسمى ذكرا وَكَانَ لَا يقْرَأ وَهُوَ جنب، ويقرؤه فِي سَائِر الْأَحْوَال. وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب وَلَا النُّفَسَاء الْقُرْآن شَيْئا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ سَنَده صَحِيح وَمِنْهَا حَدِيث أبي مُوسَى قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يَا عَليّ لَا تقْرَأ الْقُرْآن وَأَنت جنب) ، وَعَن الْأسود أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ وَإِبْرَاهِيم لَا يقْرَأ الْجنب، وَعَن الشّعبِيّ وَأبي وَائِل مثله بِزِيَادَة، وَالْحَائِض.
وَالْجَوَاب: عَن الْكتاب إِلَى هِرقل فَنحْن نقُول بِهِ لمصْلحَة الإبلاغ والإنذار، وَأَنه لم يقْصد بِهِ التِّلَاوَة.
وَأما الْجَواب عَن الْآيَة بِأَن المُرَاد بالمطهرين الْمَلَائِكَة، كَمَا قَالَه قَتَادَة وَالربيع بِهِ أنس وَأنس بن مَالك وَمُجاهد بن جُبَير وَغَيرهم وَنَقله السُّهيْلي عَن مَالك وأكدوا هَذَا بقوله:(المطهرين) وَلم يقل: المتطهرين إِن تَخْصِيص الْمَلَائِكَة من بَين سَائِر المتطهرين على خلاف الأَصْل، وَكلهمْ مطهرون، والمس والإطلاع عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لبَعْضهِم دون الجمبع.
4 -
(حَدثنَا أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن سمع زهيرا عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة أَن أمه حدثته أَن عَائِشَة حدثتها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يتكيء فِي حجري وَأَنا حَائِض ثمَّ يقْرَأ الْقُرْآن) قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَجه مُنَاسبَة إِدْخَال حَدِيث عَائِشَة فِيهِ أَن ثِيَابهَا بِمَنْزِلَة العلاقة والشارع بِمَنْزِلَة الْمُصحف لِأَنَّهُ فِي جَوْفه وحامله إِذْ غَرَض البُخَارِيّ بِهَذَا الْبَاب الدّلَالَة على جَوَاز حمل الْحَائِض الْمُصحف وقراءتها الْقُرْآن فالمؤمن الْحَافِظ لَهُ أكبر أوعيته قلت لَيْسَ فِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى الْحمل وَفِيه الاتكاء والاتكاء غير الْحمل وَكَون الرجل فِي حجر الْحَائِض لَا يدل على جَوَاز الْحمل وغرض البُخَارِيّ الدّلَالَة على جَوَاز الْقِرَاءَة بِقرب مَوضِع النَّجَاسَة لَا على جَوَاز حمل الْحَائِض للمصحف وَبِهَذَا رد الْكرْمَانِي على ابْن بطال فِي قَوْله وغرض البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب أَن يدل على جَوَاز حمل الْحَائِض للمصحف وقراءتها الْقُرْآن قلت رده عَلَيْهِ إِنَّمَا يَسْتَقِيم فِي قَوْله وقراءتها الْقُرْآن لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على جَوَاز قِرَاءَة الْحَائِض الْقُرْآن وَالَّذِي فِيهِ يدل على جَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن فِي حجر الْحَائِض وعَلى جَوَاز حمل الْمُصحف لَهَا بعلاقته فأورد حَدِيثا وأثرا