الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقليب الْمُتَكَلّم على الْغَائِب كَمَا غلب الْمُخَاطب على الْغَائِب فِي قَوْله تَعَالَى: {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} (سُورَة الْبَقَرَة: 35)(سُورَة الْأَعْرَاف: 19) عطف زَوجك، على: أَنْت فَإِن قلت: الْفَائِدَة فِي تَغْلِيب: اسكن، هِيَ أَن تدم كَانَ أصلا فِي سُكْنى الْجنَّة وحواء عليها السلام، تَابِعَة لَهُ، فَمَا الْفَائِدَة فِيمَا نَحن فِيهِ. قلت: الإيذان بِأَن النِّسَاء مَحل الشَّهَوَات وحاملات للاغتسال فَكُن أصلا فِي. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير: اغْتسل أَنا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من إِنَاء مُشْتَرك بيني وَبَينه فيبادرني ويغتسل بِبَعْضِه وَيتْرك مَا بَقِي فاغتسل أَنا مِنْهُ. قلت: يُخَالِفهُ الحَدِيث الآخر، وَهُوَ أَنه صلى الله عليه وسلم نهى أَن تَغْتَسِل الْمَرْأَة بِفضل الرجل. انْتهى. وَعَكسه أَيْضا على مَا تقدم فِيمَا مضى. وَقد نقل الْكرْمَانِي فِي شَرحه مَا قَالَه الطَّيِّبِيّ، وَنَقله بَعضهم أَيْضا مُخْتَصرا من غير أيضاح قَوْله:(من إِنَاء وَاحِد من قدح) كلمة من الأولى ابتدائية وَالثَّانيَِة بَيَانِيَّة. قَالَ الْكرْمَانِي: الأولى: أَن يكون قدم بَدَلا من إِنَاء بتكرار حرف الْجَرّ فِي الْبدن. انْتهى وَنَقله بَعضهم فِي شَرحه، وَقَالَ: يحْتَمل أَن يكون. قدح. بَدَلا من إِنَاء. قلت: لَا يُقَال فِي مثل ذَلِك يحْتَمل: لِأَن الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الْكرْمَانِي جائزان قطعا غَايَة مَا فِي الْبَاب يرجح أَحدهمَا بالأولوية. كَمَا نبه عَلَيْهِ، ثمَّ هَذَا الْإِنَاء الْمَذْكُور كَانَ من شبه يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَلَفظه. (تورمن شبه) بِفَتْح الشين المعمة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ نوع من النّحاس يُقَال: كوز شبه، وَشبه بِمَعْنى.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: جَوَاز اغتسال الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد، وَكَذَلِكَ الْوضُوء، وَهَذَا بِالْإِجْمَاع. وَفِيه: تطهر الْمَرْأَة بِفضل الرجل، وَأما الْعَكْس فَجَائِز عِنْد الْجُمْهُور، سَوَاء خلت الْمَرْأَة بِالْمَاءِ أَو لم تخل. وَذهب الإِمَام أَحْمد إِلَى إِنَّهَا إِذا خلت بِالْمَاءِ واستعملته لَا يجوز للرجل اسْتِعْمَال فَضلهَا. فَإِن قلت: ذكر ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يُنْهِي أَن يغْتَسل الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد. قلت: غَابَ عَنهُ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَالسّنة قاضية عَلَيْهِ. فَإِن قلت: ورد نهي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة. قلت: قَالَ الْخطابِيّ: أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ لم يرفع وأطرق أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث، وَلَو ثَبت فَهُوَ مَنْسُوخ، وَقد استقضينا الْكَلَام فِي بَاب وضوء الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد. وَفِيه: طَهَارَة فضل الْجنب وَالْحَائِض. قَالَ الدَّرَاورْدِي: وَفِيه: جَوَاز نظر الرجل إِلَى عَورَة امْرَأَته وَعَكسه، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من طَرِيق سُلَيْمَان بن مُوسَى أَنه سُئِلَ عَن الرجل ينظر إِلَى فرج امْرَأَته، فَقَالَ: سَأَلت عَطاء فَقَالَ: سَأَلت عَائِشَة، فَذكرت هَذَا الحَدِيث.
3 -
(بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْغسْل بِالْمَاءِ قدر ملْء الصَّاع، لِأَن الصَّاع اسْم للخشبة، فَلَا يتَصَوَّر الْغسْل بِهِ. قَوْله:(وَنَحْوه) أَي: وَنَحْو الصَّاع من الْأَوَانِي الَّتِي يسع فِيهَا مَا يسع فِي الصَّاع، قَالَ الْجَوْهَرِي: الصَّاع الَّذِي يُكَال بِهِ وَهُوَ أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْجمع أصوع، وَإِن شِئْت أبدلت من الْوَاو المضمومة همزَة، والصواع لُغَة فِيهِ وَيُقَال: هُوَ إِنَاء يشرب فِيهِ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الصَّاع مكيال يسع أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْمدّ مُخْتَلف فِيهِ، فَقيل: هُوَ رَطْل وَثلث بالعراقي. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وفقهاء الْحجاز. وفيل: هُوَ رطلان، وَبِه أَخذ أَبُو حنيفَة وفقهاء الْعرَاق، فَيكون الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا، أَو ثَمَانِيَة أَرْطَال. وَقَالَ عِيَاض: جمع الصَّاع أصوِع وآصع، لَكِن الْجَارِي على الْعَرَبيَّة، أصوع، لَا غير. وَالْوَاحد: صَاع وصواع وصوع، وَيُقَال: أصؤع، بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ مكيال لأهل الْمَدِينَة مَعْرُوف يسع أَرْبَعَة أَمْدَاد بِمد النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ الْخَلِيل: الصَّاع طاس يشرب فِيهِ. وَفِي (الْمطَالع) يجمع على أصوع وصيعان. وَقَالَ بَعضهم: قَالَ بعض الْفُقَهَاء من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهمَا إِن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال، وتمسكوا بِمَا روى مُجَاهِد عَن عَائِشَة، رضي الله عنها: أَنه حرز المَاء ثَمَانِيَة أَرْطَال، وَالصَّحِيح الأول فَإِن الْحِرْز لَا يُعَارض بِهِ التَّحْدِيد. انْتهى. قلت: هَذ الْعبارَة تدل على أَن هَذَا الْقَائِل لم يعرف أَنه مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة، إِذْ لَو عرف لم يَأْتِ بِهَذِهِ الْعبارَة وَلم ينْفَرد بِهَذَا بل ذهب إِلَيْهِ أَيْضا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحجاج بن أَرْطَأَة، وَالْحكم بن عتيبة وَأحمد فِي رِوَايَة، وتمسكوا فِي هَذَا بِمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ حَدثنَا ابْن أبي عمرَان، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن شُجَاع وَسليمَان بن بكار وَأحمد بن مَنْصُور الزيَادي، قَالُوا حَدثنَا يعلى بن عبيد عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ عَن مُجَاهِد. قَالَ: (دَخَلنَا على عَائِشَة. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَاسْتَسْقَى بَعْضنَا فَأتي بعد، قَالَت عَائِشَة كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يغْتَسل بملء هَذَا، قَالَ مُجَاهِد، فحرزته فِيمَا أحرز ثَمَانِيَة أَرْطَال، تِسْعَة أَرْطَال،
عشرَة أَرْطَال) وَابْن أبي عمرَان هُوَ: أَحْمد بن مُوسَى بن عِيسَى الْفَقِيه الْبَغْدَادِيّ نزيل مصر، وثقة ابْن يُونُس. وَمُحَمّد بن شُجَاع الْبَغْدَادِيّ أبوعبد الله الثَّلْجِي، بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَة، فلأجل التَّكَلُّم فِيهِ ذكر مَعَه شيخين آخَرين. أَحدهمَا: سُلَيْمَان بن بكار أَبُو الرّبيع الْمصْرِيّ. وَالْآخر: أَحْمد بن مَنْصُور الزِّيَادَة، شيخ ابْن مَاجَه، وَأَبُو عوَانَة الأسفراثني قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة، ويعلى بن عبيد الإبادي روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومُوسَى بن عبد الله الْجُهَنِيّ الْكُوفِي روى لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ قَالَ: (أَتَى مُجَاهِد بقدح فَقَالَ: حرزته ثَمَانِيَة أَرْطَال، فَقَالَ حدثنتي عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يغْتَسل بِمثل هَذَا) ثمَّ قَالَ المتمسكون بِهِ مُجَاهِد لم يشك فِي ثَمَانِيَة، وَإِنَّمَا شكّ فِيمَا فَوْقهَا، فَثَبت الثَّمَانِية بِهَذَا الحَدِيث وانتفى مَا فَوْقهَا. قلت: الدَّلِيل على عدم شكّ مُجَاهِد فِي الثَّمَانِية رِوَايَة النَّسَائِيّ، ثمَّ قَول هَذَا الْقَائِل: وَالصَّحِيح الأول، غير صَحِيح لِأَن الأول فِيهِ ذكر الْفرق، وَهُوَ كَمَا ترى فِيهِ أَقْوَال، فَكيف يَقُول الْحِرْز لَا يُعَارض بِهِ التَّحْدِيد؟ فَفِي أَي مَوضِع التحدي الْمعِين وَأما حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فالمذكور فِيهِ الْفرق، الَّذِي كَانَ يغْتَسل مِنْهُ النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، وَلم يذكر مِقْدَار المَاء الَّذِي كَانَ يكون فِيهِ، هَل هُوَ ملؤه أَو أقل من ذَلِك.
251 -
حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدّثني شُعْبَةُ قَالَ حدّثني أبِو بَكْرٍ بنُ حَفْصٍ قَالَ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ دَخَلْتِ أَنا وَأَخُو عائِشَةَ فَسَأَلَها أَخُوها عَنْ غَسْلْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَتُ بِإِناء نَحْوٍ منْ صاعٍ فَاغْتَسَلَتْ وَأَفاضَتْ عَلَى رَأْسِها وَبَيْننَا وَبَيْنَا حِجابٌ.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ المسندي، بِضَم الْمِيم، تقدم فِي بَاب الْإِيمَان. الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث التنوري، مر فِي كتاب التَّعَلُّم فِي بَاب من أعَاد الحَدِيث ثلاثاَ الثَّالِث: شُعْبَة بن الحجاح، تكَرر ذكره. الرَّابِع: أَبُو بكر بن حَفْص بن عمر بن سعد بن أبي وَقاص، وهومشهور وبالكنية، وَقيل: اسْمه عبد الله. الْخَامِس: أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مر فِي بَاب الْوَحْي، وَهُوَ ابْن أُخْت عَائِشَة من الرضَاعَة أَرْضَعَتْه أم كُلْثُوم بنت أبي بكر الصّديق، رضي الله عنه، فعائشة حَالَته. السَّادِس: أَخُو عَائِشَة من الرضَاعَة، كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي (صَحِيح مُسلم) واسْمه فِيمَا قيل: عبد الله بن يزِيد، قَالَه النَّوَوِيّ: وَقَالَ مُسلم فِي (الطَّبَقَات) عبد الله بن يزِيد رَضِيع عَائِشَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي شَرحه: إِنَّه أَخُوهَا عبد الرَّحْمَن. قيل: إِنَّه وهم مِنْهُ، وَقيل: هُوَ أَخُوهَا لأمها، وَهُوَ الطُّفَيْل بن عبد الله. قيل: هُوَ غير صَحِيح، وَالدَّلِيل على فَسَاد هذَيْن الْقَوْلَيْنِ مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق معَاذ وَالنَّسَائِيّ من طريف خَالِد بن الْحَارِث، وَأَبُو عوَانَة من طَرِيق يزِيد ابْن هَارُون، كلهم عَن شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث أَنه أَخُوهَا من الرضَاعَة، ثمَّ الَّذِي ادّعى أَنه عبد الله بن يزِيد اسْتدلَّ بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن أبي قلَابَة عَن عبد الله بن يزِيد، رَضِيع عَائِشَة، فَذكر حَدِيثا غير هَذَا. قلت: لَا يلْزم من هَذَا أَن يكون هُوَ عبد الله بن يزِيد، لِأَن لَهَا أَخا آخر من الرضَاعَة، وَهُوَ كثير بن عبيد، رَضِيع عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، روى عَنْهَا أَيْضا، وَالظَّاهِر أَنه لم يتَعَيَّن، وَالْأَقْرَب أَنه عبد الرَّحْمَن وَلَا يلْزم من رِوَايَة مُسلم وَغَيره أَن يتَعَيَّن عبد الله بن زيزيد، لِأَن الَّذِي سَأَلَهَا عَن غسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لَا يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الَّذِي روى عَنهُ أَبُو قلَابَة فِي الْجَنَائِز. السَّابِع: عَائِشَة الصديقة بنت الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع وَالسُّؤَال. وَفِيه: راويات كِلَاهُمَا بالكنية مشهوران ومشاركان فِي الِاسْم على قَول من يَقُول أَن اسْم أبي بكر: عبد الله. وَكِلَاهُمَا زهريان ومدنيان.
بَيَان الْمَعْنى واستنباط الْأَحْكَام قَوْله: (يَقُول) جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال، هَذَا هُوَ الصَّحِيح إِن: سَمِعت، لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، وعَلى قَول من يَقُول: يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، مِنْهُم الْفَارِسِي، تكون الْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثانٍ قَوْله:(وأخو عَائِشَة) عطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بعد التوكيد بضمير مُنْفَصِل، وَهُوَ قَوْله:(أَنا) وَهَذِه الْقَاعِدَة
أَنه لَا يحسن الْعَطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بإزار كَانَ أَو مستتراً. إلَاّ بعد توكيده بضمير مُنْفَصِل نَحْو: {لقد كُنْتُم أَنْتُم وآباؤكم} (سُورَة الْأَنْبِيَاء: 54) قَوْله: (نَحْو من صَاع) بِالْجَرِّ والتنوين فِي نَحْو لِأَنَّهُ صفة إِنَاء وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة (نَحوا) بِالنّصب، فَيحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: كَون موصوفه مَنْصُوب الْمحل لِأَنَّهُ مفعول قَوْله: (فدعَتْ) وَالْآخر: بإضمار: أَعنِي. وَنَحْوه. قَوْله: (وأفاضت) أَي: أسالت المَاء على رَأسهَا، وَهَذِه الْجُمْلَة كالتفسير لقَوْله:(فاغتسلت) قَوْله: (وبيننا وَبَينهَا حجاب) جملَة وَقعت حَالا.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنَّهُمَا رَأيا عَملهَا فِي رَأسهَا وأعالي جَسدهَا مِمَّا يحل للْمحرمِ نظره من ذَات الرَّحِم، وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهدا ذَلِك لم يكن لاستدعائها المَاء وطهارتها بحضرتهما معنى، إِذْ لَو فعلت ذَلِك لكنه فِي ستر عَنْهُمَا لرجع الْحَال إِلَى وصفهَا لَهما وَإِنَّمَا فعلت السّتْر لستر أسافل الْبدن وَمَا لَا يحل للْمحرمِ النّظر إِلَيْهَا، وَفِي فعلهَا هَذَا دلَالَة على اسْتِحْبَاب الْعلم بِالْفِعْلِ، فَإِنَّهُ أوقع فِي النَّفس من القَوْل، وأدل عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم: وَلما كَانَ السُّؤَال مُحْتملا للكيفية والكمية فَأَتَت لَهما مَا يدل على الْأَمريْنِ مَعًا أما الْكَيْفِيَّة فبالاقتصار على إفَاضَة المَاء، وَأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع. قلت: لَا نسلم أَن السُّؤَال عَن الكمية أَيْضا، وَلَئِن سلمنَا فَلم تبين إلَاّ الْكَيْفِيَّة وَلَا تعرض فِيهِ للكمية لِأَنَّهُ قَالَ:(فدعَتْ بِإِنَاء نَحْو من صَاع) فَلَا يدل ذَلِك على حَقِيقَة الكمية، لِأَنَّهَا طلبت إِنَاء مَاء مثل صَاع، فَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك المَاء ملْء الْإِنَاء أَو أقل مِنْهُ. وَفِيه: مَا يدل على أَن الْعدَد والتكرار فِي إفَاضَة المَاء لَيْسَ بِشَرْط، وَالشّرط وُصُول المَاء إِلَى جَمِيع الْبدن.
قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قالَ يَزِيدُ بنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ والجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ قَدْرِ صاعٍ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه حَاصِل كَلَامه أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة رووا عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج هَذَا الحَدِيث، وَلَفظه، (قدر صاعٍ) بدل: نَحْو من صَاع، وَيزِيد بن هَارُون مر فِي بَاب التبرز فِي الْبيُوت، ونهز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره زَاي مُعْجمَة، ابْن أَسد أَبُو الْأسود الإِمَام الْحجَّة الْبَصْرِيّ، مَاتَ بمر وَفِي بضع وَتِسْعين وَمِائَة، والجدي، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الدَّال. نِسْبَة إِلَى جدة الَّتِي بساحل الْبَحْر من نَاحيَة مَكَّة، وَهُوَ عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم مَاتَ سنة خمس وَمِائَتَيْنِ، وَأَصله من جدة لكنه سكن الْبَصْرَة، وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيّ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ. قَوْله:(عَن شُعْبَة) مُتَعَلق بهؤلاء الثَّلَاثَة، وَهَذِه مُتَابعَة نَاقِصَة ذكرهَا البُخَارِيّ تَعْلِيقا أما طريف يزِيد فرواها أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) عَن أبي بكر بن خَلاد عَن الْحَارِث بن مُحَمَّد عَنهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي (مستخرجه) وَأما طَرِيق بهز فرواها الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا المنيعي يَعْقُوب وَأحمد حَدثنَا إِبْرَاهِيم قَالَا: حَدثنَا بهز بن أَسد حَدثنَا شُعْبَة. وَأما طَرِيق الْجد فَلم أَقف عَلَيْهِ. قَوْله: (قدر صَاع) تَقْدِيره: فدعَتْ بِإِنَاء قدر صَاع، وَيجوز الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان فِي: نَحْو من صَاع، هَاهُنَا. وَقَالَ بَعضهم: وَالْمرَاد من الرِّوَايَتَيْنِ أَن الِاغْتِسَال وَقع بملء الصَّاع من المَاء تَقْرِيبًا لَا تحديداً. قلت: هَذَا الْقَائِل ذكر فِي الْبَاب السَّابِق من حَدِيث مُجَاهِد عَن عَائِشَة أَنه حرز الْإِنَاء ثَمَانِيَة أَرْطَال، إِن الحزر لَا يُعَارض بِهِ التَّحْدِيد، وَنقض كَلَامه هَذَا بقوله: وَالْمرَاد من الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى آخِره.
5 -
(حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا يحيى بن آدم قَالَ حَدثنَا زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر أَنه كَانَ عِنْد جَابر بن عبد الله هُوَ وَأَبوهُ وَعِنْده قوم فَسَأَلُوهُ عَن الْغسْل فَقَالَ يَكْفِيك صَاع فَقَالَ رجل مَا يَكْفِينِي فَقَالَ جَابر كَانَ يَكْفِي من هُوَ أوفى مِنْك شعرًا وَخير مِنْك ثمَّ أمنا فِي ثوب) هَذَا أَيْضا مُطَابق للتَّرْجَمَة. (بَيَان رِجَاله) وهم سَبْعَة الأول عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ تقدم عَن قريب الثَّانِي يحيى بن آدم الْكُوفِي مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ الثَّالِث زُهَيْر بِضَم الزَّاي بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي ثمَّ الْجَزرِي الرَّابِع أَبُو اسحق السبيعِي بِفَتْح السِّين عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي الْخَامِس أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بالباقر دفن بِالبَقِيعِ فِي الْقبَّة الْمَشْهُورَة بِالْعَبَّاسِ تقدم فِي بَاب من لم ير الْوضُوء إِلَّا من المخرجين. السَّادِس أَبوهُ هُوَ زين العابدين. السَّابِع جَابر الصَّحَابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (بَيَان لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السُّؤَال وَالْجَوَاب وَفِيه أَن بَين عبد الله بن مُحَمَّد وَبَين زُهَيْر يحيى بن آدم قَالَ الغساني قد سقط ذكر يحيى فِي بعض النّسخ وَهُوَ خطأ إِذْ لَا يتَّصل الْإِسْنَاد إِلَّا بِهِ وَفِيه أَن أَكثر الروَاة كوفيون والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ قَالَ أخبرنَا قُتَيْبَة قَالَ أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي جَعْفَر قَالَ " تمار يُنَافِي الْغسْل عِنْد جَابر بن عبد الله فَقَالَ جَابر يَكْفِي فِي الْغسْل من الْجَنَابَة صَاع من مَاء قُلْنَا مَا يَكْفِي صَاع وَلَا صَاعَانِ قَالَ جَابر قد كَانَ يَكْفِي من كَانَ خيرا مِنْك وَأكْثر شعرًا ". (بَيَان مَعَانِيه وَإِعْرَابه) قَوْله " هُوَ وَأَبوهُ " أَي مُحَمَّد بن عَليّ وَأَبوهُ عَليّ بن الْحُسَيْن قَوْله " وَعِنْده قوم " هَكَذَا فِي أَكثر النّسخ وَفِي بَعْضهَا " وَعِنْده قومه " وَكَذَا وَقع فِي الْعُمْدَة قَوْله " فَسَأَلُوهُ عَن الْغسْل " أَي مِقْدَار مَاء الْغسْل وَفِي مُسْند اسحق بن رَاهَوَيْه أَن مُتَوَلِّي السُّؤَال هُوَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الْكرْمَانِي الْقَوْم هم السائلون فَلم أفرد الْكَاف حَيْثُ قَالَ يَكْفِيك صَاع وَالظَّاهِر يَقْتَضِي أَن يُقَال يَكْفِي كل وَاحِد مِنْكُم صَاع (قلت) السَّائِل كَانَ شخصا وَاحِدًا من الْقَوْم وأضيف السُّؤَال إِلَيْهِم لِأَنَّهُ مِنْهُم كَمَا يُقَال النُّبُوَّة فِي قُرَيْش وَإِن كَانَ النَّبِي مِنْهُم وَاحِدًا أَو يُرَاد بِالْخِطَابِ الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رُؤْسهمْ} وَكَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ - " بشر الْمَشَّائِينَ فِي ظلم اللَّيَالِي إِلَى الْمَسَاجِد بِالنورِ التَّام " أَي يَكْفِي لكل مَا يَصح الْخطاب لَهُ صَاع قَوْله " فَقَالَ رجل " المُرَاد بِهِ الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب الَّذِي يعرف أَبوهُ بِابْن الْحَنَفِيَّة مَاتَ فِي سنة مائَة أَو نَحْوهَا وَاسم الْحَنَفِيَّة خَوْلَة بنت جَعْفَر وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَقَالَ رجل مِنْهُم " أَي من الْقَوْم قَوْله " أوفى مِنْك شعرًا " ارتفاعه بالخبرية وشعرا مَنْصُوب على التَّمْيِيز وَأَرَادَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَوْله " وَخير مِنْك " روى بِالرَّفْع وَالنّصب أما الرّفْع فبكونه عطفا على أوفى وَأما النصب فبكونه عطفا على الْمَوْصُول أَعنِي قَوْله من فَاتَهُ مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول يَكْفِي وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ " وخبرا " بِالنّصب قَوْله " ثمَّ أمنا " أَي جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَيْهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله " ثمَّ أمنا " أما مقول جَابر فَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله " كَانَ يَكْفِي " فالإمام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَأما مقول أبي جَعْفَر فَهُوَ عطف على " فَقَالَ رجل " فالإمام جَابر رضي الله عنه وَقَالَ بَعضهم فَاعل أمنا جَابر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك وَاضحا فِي كتاب الصَّلَاة وَلَا الْتِفَات إِلَى من جعله مقوله وَالْفَاعِل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قلت أَرَادَ بِهَذَا الرَّد على الْكرْمَانِي فِيمَا ذكرنَا عَنهُ وَجزم بقوله أَن الإِمَام جَابر وَاحْتج عَلَيْهِ بِمَا جَاءَ فِي كتاب الصَّلَاة وَهُوَ مَا روى عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ " رَأَيْت جَابِرا يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يُصَلِّي فِي ثوب " فَإِن كَانَ استدلاله بِهَذَا الحَدِيث فِي رده على الْكرْمَانِي فَلَا وَجه لَهُ وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى. (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) فِيهِ بَيَان مَا كَانَ السّلف عَلَيْهِ من الِاحْتِجَاج بِفعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - والانقياد إِلَى ذَلِك وَفِيه جَوَاز الرَّد على من يُمَارِي بِغَيْر علم إِذْ الْقَصْد من ذَلِك إِيضَاح الْحق والإرشاد إِلَى من لَا يعلم وَفِيه كَرَاهِيَة الْإِسْرَاف فِي اسْتِعْمَال المَاء وَفِيه اسْتِحْبَاب اسْتِعْمَال قدر الصَّاع فِي الِاغْتِسَال وَفِيه جَوَاز الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد
253 -
حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍ وعَنْ جَابِرٍ بِنْ زَيْدٍ عَنِ ابنَ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة.
وَجه الْكرْمَانِي فِي ذَلِك بِثَلَاثَة أوجه بالتعسف. الأول: أَن يُرَاد بِالْإِنَاءِ الْفرق، الْمَذْكُور. الثَّانِي: أَن الْإِنَاء كَانَ معهوداً عِنْدهم أَنه هُوَ الَّذِي يسع الصَّاع وَالْأَكْثَر، فَترك تَعْرِيفه اعْتِمَادًا على الْعرف وَالْعَادَة. الثَّالِث: أَنه من بَاب اخْتِصَار الحَدِيث، وَفِي تَمَامه مَا يدل عَلَيْهِ، كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة، رضي الله عنها. وَوَجهه بَعضهم بِأَن مناسبته للتَّرْجَمَة مستفادة من مُقَدّمَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن أوانيهم كَانَت صغَارًا، فَيدْخل هَذَا الحَدِيث تَحت قَوْله: وَنَحْوه، وَنَحْو الصَّاع، أَو يحمل الْمُطلق فِيهِ على الْمُقَيد فِي حَدِيث عَائِشَة، وَهُوَ: الْفرق لكَون كل مِنْهُمَا زَوْجَة لَهُ، وَاغْتَسَلت مَعَه، فَيكون حِصَّة كل مِنْهُمَا أَزِيد من صَاع، فَيدْخل تَحت التَّرْجَمَة بالتقريب. قلت: مقَال هَذَا الْقَائِل أَكثر تعسفاً وَأبْعد وَجها من كَلَام الْكرْمَانِي، لِأَن المُرَاد من هَذَا الحَدِيث جَوَاز اغتسال الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد، وَهَذَا هُوَ مورد الحَدِيث، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ بَيَان مِقْدَار الْإِنَاء، وَالْبَاب فِي بَيَان الْمِقْدَار فَمن أَيْن يلتثم وَجه التطابق بَينه وَبَين الْبَاب؟ وَقَوله: لكَون كل مِنْهُمَا زَوْجَة لَهُ، كَلَام من لم