الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْعِيد، وَأما الْحيض فيعتزلن الْمصلى ويشهدن الْخَيْر ودعوة الْمُسلمين) [/ حم أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَقَالَ، عليه الصلاة والسلام: [حم (لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله) [/ حم أَخْرجَاهُ وَفِي رِوَايَة أبي دواد: (وليخرجن ثقلات غير عطرات) ، الْعَوَاتِق، جمع عاتق، وَهِي الْبِنْت الَّتِي بلغت وَقيل: الَّتِي لم تتَزَوَّج، والخدور جمع: خدر، وَهُوَ السّتْر، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) للنووي: يكره للشابة وَمن تشْتَهي الْحُضُور ولخوف الْفِتْنَة عَلَيْهِنَّ وبهن. الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز عظة النِّسَاء على حِدة، وَهَذِه للْإِمَام، فَإِن لم يكن فلنائبه. الْخَامِس: فِيهِ إِشَارَة إِلَى الإغلاظ فِي النصح بِمَا يكون سَببا لإِزَالَة الصّفة الَّتِي تعاب أَو الذَّنب الَّذِي ينصف بِهِ الْإِنْسَان، السَّادِس: فِيهِ أَن لَا يواجه بذلك الشَّخْص الْمعِين، فَإِن فِي الشُّمُول تَسْلِيَة وتسهيلاً. السَّابِع: فِيهِ أَن الصَّدَقَة تدفع الْعَذَاب وَأَنَّهَا تكفر الذُّنُوب. الثَّامِن: فِيهِ أَن جحد النعم حرَام، وكفران النِّعْمَة مَذْمُوم. التَّاسِع: فِيهِ أَن اسْتِعْمَال الْكَلَام الْقَبِيح: كاللعن والشتم حرَام، وَأَنه من الْمعاصِي: فَإِن داوم عَلَيْهِ صَار كَبِيرَة، وَاسْتدلَّ النَّوَوِيّ على أَن اللَّعْن والشتم من الْكَبَائِر بالتوعد عَلَيْهِمَا بالنَّار. الْعَاشِر: فِيهِ ذمّ الدُّعَاء باللعن لِأَنَّهُ دُعَاء بالإبعاد من رَحْمَة الله تَعَالَى. قَالُوا: إِنَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ على معِين. الْحَادِي عشر: فِيهِ إِطْلَاق الْكفْر على الذُّنُوب الَّتِي لَا تخرج عَن الْملَّة تَغْلِيظًا على فاعلها. الثَّانِي عشرَة: فِيهِ إِطْلَاق الْكفْر على غير الْكفْر بِاللَّه. الثَّالِث عشر: فِيهِ مُرَاجعَة المتعلم وَالتَّابِع الْمَتْبُوع والمعلم فِيمَا قَالَه إِذا لم يظْهر لَهُ مَعْنَاهُ. الرَّابِع عشر: فِيهِ تَنْبِيه على أَن شَهَادَة امْرَأتَيْنِ تعدل شَهَادَة رجل. الْخَامِس عشر: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن النَّقْص من الطَّاعَات نقص من الدّين. قلت: لَا ينقص من نفس الدّين شَيْء وَإِنَّمَا النَّقْص أَو الزِّيَادَة يرجعان إِلَى الْكَمَال. السَّادِس عشر: فِيهِ دلَالَة على أَن ملاك الشَّهَادَة الْعقل. السَّابِعَة عشر: فِيهِ نَص على أَن الْحَائِض يسْقط عَنْهَا فرض الصَّوْم وَالصَّلَاة. الثَّامِن عشر: فِيهِ الشَّفَاعَة للْمَسَاكِين وَغَيرهم أَن يسْأَل لَهُم. التَّاسِع عشر: فِيهِ حجَّة لمن كره السُّؤَال لغيره. الْعشْرُونَ: فِيهِ مَا دلّ على مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، من الْخلق الْعَظِيم والصفح الْجَمِيل والرأفة وَالرَّحْمَة أمته، عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات وأشرف التَّحِيَّات.
7 -
(بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)
بَاب منون لِأَنَّهُ مَقْطُوع عَمَّا بعده أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان أَن الْمَرْأَة إِذا حَاضَت بعد الإحرامتقضي أَي: تُؤدِّي جَمِيع الْمَنَاسِك كلهَا إلَاّ أَنَّهَا لَا تَطوف بِالْبَيْتِ والمناسك: جمع منسك، بِفَتْح السِّين وَكسرهَا، وَهُوَ التَّعَبُّد وَيَقَع على الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَسميت أُمُور الْحَج كلهَا مَنَاسِك الْحَج، وَسُئِلَ ثَعْلَب عَن الْمَنَاسِك، مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ من النسيكة وَهُوَ سبيكة الْفضة المصفاة كَأَنَّهُ صفى نَفسه لله تَعَالَى. وَفِي (الْمطَالع) الْمَنَاسِك مَوَاضِع متعبدات الْحَج، والمنسك المذبح أَيْضا، وَقد نسك ينْسك نسكا إِذا ذبح، والنسيكة الذَّبِيحَة، وَجَمعهَا: نسك والنسك أَيْضا الطَّاعَة وَالْعِبَادَة، وكل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى: والنسك: مَا أمرت بِهِ الشَّرِيعَة والورع، وَمَا نهت عَنهُ. والناسك العابد، وَجمعه النساك.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة، لِأَن فِي الأول ترك الْحَائِض الصَّوْم، وَهُوَ فرض، وَفِي هَذَا تَركهَا الطّواف الَّذِي هُوَ ركن، وَهُوَ أَيْضا فرض، وَبَقِيَّة الطّواف كالركعتين بعده أَيْضا لَا تعْمل إلَاّ بِالطَّهَارَةِ، وَهل هِيَ شَرط فِي الطّواف، أم لَا فِيهِ خلاف مَشْهُور.
وقالَ إبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أنْ تَقْرَأْ الآيَةَ
وَجه تطابق هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة والْآثَار الَّتِي بعده من حَيْثُ أَن الْحيض لَا يُنَافِي كل عبَادَة، بل صحت مَعَه عبادات بدنية من الْأَذْكَار نَحْو: التَّسْبِيح والتحميد والتهليل، وَنَحْو ذَلِك، وَقِرَاءَة مَا دون الْآيَة عِنْد جمَاعَة وَالْآيَة عِنْد إِبْرَاهِيم، ومناسك الْحَج كَذَلِك من جملَة مَا لَا يُنَافِيهِ الْحيض إلَاّ الطّواف، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنى من ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْآيَة وَمَا قوقها مُسْتَثْنى من ذَلِك فَمن هَذَا الْوَجْه طابق هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة، وَكَذَلِكَ الْآثَار الَّتِي تَأتي، وَحكم الْجنب كَحكم الْحَائِض فِيمَا ذكرنَا، وَإِذا وجد التطابق بِأَدْنَى شَيْء يَكْتَفِي بِهِ، والتطويل فِيهِ يؤول إِلَى التعسف.
قَوْله: (قَالَ إِبْرَاهِيم) هُوَ: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. قَوْله: (لَا بَأْس) أَي: لَا حرج أَن تقْرَأ أَي: الْحَائِض الْآيَة من الْقُرْآن، وَقد وَصله الدَّارمِيّ بِلَفْظ أَرْبَعَة لَا يقرؤون الْقُرْآن: الْجنب وَالْحَائِض وَعند الْخَلَاء وَفِي الْحمام إلَاّ آيَة وَعَن إِبْرَاهِيم فِيهِ أَقْوَال: فِي قَول: يستفتح رَأس الْآيَة وَلَا يُتمهَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير، لما روى ابْن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حجاج عَن عَطاء، وَعَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم وَسَعِيد بن جُبَير
فِي الْحَائِض وَالْجنب: يستفتحون رَأس الْآيَة وَلَا يتمون آخرهَا. وَفِي قَول: يكره قِرَاءَة الْقُرْآن للْجنب، وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن شُعْبَة بن حَمَّاد أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: يقْرَأ الْجنب الْقُرْآن قَالَ: فَذَكرته لإِبْرَاهِيم فكرهه. وَفِي قَول: يقْرَأ مَا دون الْآيَة وَلَا يقْرَأ آيَة تَامَّة وروى ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يقْرَأ مَا دون الْآيَة: وَلَا يقْرَأ آيَة تَامَّة وَفِي قَوْله: يقْرَأ الْقُرْآن مَا لم يكن جنبا، وَحدثنَا وَكِيع عَن شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عمر قَالَ: تقْرَأ الْحَائِض الْقُرْآن.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسِ بالقِرَاءَةِ لَلْجُنُبِ بَأْساً
هَذَا الْأَثر وَصله ابْن الْمُنْذر بِلَفْظ: أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرَأ ورده وَهُوَ جنب. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا الثَّقَفِيّ عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يقْرَأ الْجنب الْآيَة والآيتين، وَكَانَ أَحْمد يرخص للْجنب أَن يقْرَأ الْآيَة وَنَحْوهَا، وَبِه قَالَ مَالك: وَقد حكى عَنهُ أَنه قَالَ: تقْرَأ الْحَائِض وَلَا يقْرَأ الْجنب لِأَن الْحَائِض إِذا لم تقْرَأ نسيت الْقُرْآن، لِأَن أَيَّام الْحَائِض تتطاول وَمُدَّة الْجَنَابَة لَا تطول.
وكانَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ أَحْيَائِهِ
هَذَا حَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: يرْوى على كل أَحْوَاله وَأَرَادَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا، وَبِمَا ذكره فِي هَذَا الْبَاب، الِاسْتِدْلَال على جَوَاز قِرَاءَة الْجنب وَالْحَائِض، لِأَن الذّكر أَعم من أَن يكون بِالْقُرْآنِ أَو بِغَيْرِهِ، وَبِه قَالَ الطَّبَرِيّ وَابْن الْمُنْذر وَدَاوُد.
وقالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ يَخْرُجَ الحَيَّضُ فَيَكُبرنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ فِي أَيَّام التَّكْبِير: أَيَّام مني، وَإِذا غَدا إِلَى عَرَفَة حَدثنَا مُحَمَّد، قَالَ حَدثنَا عمر ابْن حَفْص، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن عَاصِم عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:(كُنَّا نؤمر أَن نخرج يَوْم الْعِيد، حَتَّى تخرج الْبكر من خدرها، وَحَتَّى تخرج الْحيض، فيكنَّ خلف النَّاس فيكبرنَّ بتكبيرهم، ويدعونَ بدعائهم يرجون بركَة ذَلِك الْيَوْم وطهرته) ، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي بَاب خُرُوج النِّسَاء الْحيض إِلَى الْمصلى على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَوجه الِاسْتِدْلَال بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لَا فرق بَين الذّكر والتلاوة، لِأَن الذّكر أَعم. وَقَالَ بَعضهم: وَيدعونَ، كَذَا الْأَكْثَر الروَاة، وللكشميهني: يدعين، بياء تَحْتَانِيَّة بدل الْوَاو. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره مُخَالف لقواعد التصريف، لِأَن هَذِه الصِّيغَة معتل الْأُم من ذَوَات الْوَاو، ويستوى فِيهَا لفظ جمَاعَة الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي الْخطاب والغيبة جَمِيعًا.
وَفِي التَّقْدِير مُخْتَلف، فوزن الْجمع الْمُذكر: يقعون، وَوزن الْجمع الْمُؤَنَّث يفعلن، وَسَيَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِي مَوضِع، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث أبي سُفْيَان فِي قصَّة هِرقل: وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي بَدْء الْوَحْي وَغَيره، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ (أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش إِلَى أَن قَالَ: ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة الْكَلْبِيّ إِلَى عَظِيم بصرى، فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه، فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم من مُحَمَّد ابْن عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد، فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ، فَإِن توليت فَعَلَيْك إِثْم الأريسين. {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَى الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ} .
وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وسلمكتب إِلَى الرّوم وهم كفار، وَالْكَافِر جنب، كَأَنَّهُ يَقُول: إِذا جَازَ مس الْكتاب للْجنب مَعَ كَونه مُشْتَمِلًا على آيَتَيْنِ، فَكَذَا يجوز لَهُ قِرَاءَته، وَالْحَاصِل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعث للْكفَّار الْقُرْآن مَعَ أَنهم غير ظَاهِرين، فجوز مسهم وقراءتهم لَهُ، فَدلَّ على جَوَاز الْقِرَاءَة للْجنب.
وقالَ عَطَاءٌ عَنْ جابرٍ حاضَتْ عائِشَةٌ فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوافِ بالبَيْتِ لَا تُصَلِّى
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث ذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي كتاب الْأَحْكَام فِي بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت) حدّثنا الْحسن بن عمر حدّثنا يزِيد عَن حبيب عَن عَطاء عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فلبينا بِالْحَجِّ وَقدمنَا مَكَّة إِلَى أَن قَالَ: وَكَانَت عَائِشَة قدمت مَكَّة وَهِي حَائِض، فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن تنسك الْمَنَاسِك كلهَا غير أَنَّهَا لَا تَطوف وَلَا تصلي حَتَّى تطهر) الحَدِيث.
قَوْله: (فنسكت) ، بِفَتْح السِّين، وَالْمعْنَى: أَقَامَت بِأُمُور الْحَج كلهَا غير الطّواف بِالْبَيْتِ وَالصَّلَاة وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) قَوْله: (وَلَا تصلى) يحْتَمل أَن يكون من كَلَام عَطاء، أَو من كَلَام البُخَارِيّ، وَالله أعلم.
وقالَ الحَكَمُ إنِّي لَا ذْبَحْ وَأَنَّا جُنُبٌ وقالَ اللَّهُ: {وَلَا تأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (سُورَة الْأَنْعَام: 121)
الحكم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف ابْن عتيبة، بِضَم الْعين المهلمة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، الْكُوفِي، وَقد تقدم فِي بَاب السمر بِالْعلمِ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَغَوِيّ فِي (الجعديات) من رِوَايَته عَن عَليّ بن الحعد عَن شُعْبَة عَنهُ. قَوْله:(إِنِّي لأذبح) أَي: أَنِّي لأذبح الذَّبِيحَة وَالْحَال أَنِّي جنب، وَلَكِن لَا بُد أَن أذكر الله تَعَالَى يحكم هَذِه الْآيَة وَهِي:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} (سُورَة الْأَنْعَام: 121) وَأَرَادَ بِهَذَا أَن الذّبْح مُسْتَلْزم شرعا لذكر الله بِمُقْتَضى هَذِه الْآيَة، فَدلَّ على أَن الْجنب يجوز لَهُ التِّلَاوَة.
وَاعْلَم أَن البُخَارِيّ ذكر فِي هَذَا الْبَاب سِتَّة من الْآثَار إِلَى هُنَا، وَاسْتدلَّ بهَا على جَوَاز قِرَاءَة الْجنب الْقُرْآن، وَفِي كل ذَلِك مناقشة، ورد عَلَيْهِ الْجُمْهُور بِأَحَادِيث وَردت بِمَنْع الْجنب عَن قِرَاءَة الْقُرْآن.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الْأَرْبَعَة، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا حَفْص بن عمر، قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله ابْن سَلمَة، قَالَ: دخلت على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنا ورجلان: رجل منا وَرجل من بني إسد، أحسبد فبعثهما عَليّ بعثاً وَقَالَ: إنَّكُمَا علجان فعالجان عَن دينكما، ثمَّ قَامَ فَدخل الْمخْرج، ثمَّ خرج فَدَعَا بِمَاء فَأخذ مِنْهُ حفْنَة فتمسح بهَا ثمَّ جعل يقْرَأ الْقُرْآن، فأنكروا ذَلِك، فَقَالَ:(إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجِيء من الْخَلَاء فيقرإ بِنَا الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم لَا يحجزه عَن الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة) . فَإِن قلت: ذكر الْبَزَّار أَنه لَا يرْوى عَن عَليّ إلَاّ حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة، وَحكى البُخَارِيّ: عَن عَمْرو بن مرّة، كَانَ عبد الله، يَعْنِي ابْن سَلمَة يحدثنا، فتعرق وتنكر، وَكَانَ قد كبر وَلَا يُتَابع فِي حَدِيثه، وَذكر الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: وَإِن لم يكن أهل الحَدِيث يثبتونه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا توقف الثَّانِي فِي ثُبُوت هَذَا الحَدِيث لِأَن مَدَاره على عبد الله بن سَلمَة الْكُوفِي، وَكَانَ قد كبر وَأنكر من حَدِيث وعقله بعض النكرَة، وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث بعد كبر. قَالَه شُعْبَة، وَذكر الْخطابِيّ أَن الإِمَام أَحْمد كَانَ يوهن حَدِيث عَليّ هَذَا، ويضعف أَمر عبد الله بن سَلمَة وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي (الضُّعَفَاء والمتروكين) وَقَالَ النَّسَائِيّ: يعرف وينكر. قلت: التِّرْمِذِيّ لما أخرجه قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا، وَقَالَ الْحَاكِم فِي عبد الله بن سَلمَة، أَنه غير مطعون فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: تَابِعِيّ ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. قَوْله: لَا يحجزه، بالزاي الْمُعْجَمَة، أَي: لَا يمنعهُ ويروى، بالراء الْمُهْملَة، بِمَعْنَاهُ ويروي: لَا يَحْجُبهُ، بِمَعْنَاهُ أَيْضا. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عرم، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن)، وَضعف هَذَا الحَدِيث بِإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رِوَايَته عَن أهل الْحجاز ضَعِيفَة لَا يحْتَج بهَا، قَالَه أَحْمد وَيحيى وَغَيرهمَا من الْحفاظ. وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل عَن أَبِيه عَن طَاوُوس عَن جَابر مَرْفُوعا نَحوه، وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَأعله بِمُحَمد بن الْفضل وَأَغْلظ فِي تَضْعِيفه عَن البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن معِين. قلت: وَرُبمَا يعتضدان بِحَدِيث عَليّ الْمَذْكُور، وَلم يَصح عَن البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث، فَلذَلِك ذهب إِلَى جَوَاز قِرَاءَة الْجنب وَالْحَائِض أَيْضا وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا صَحَّ عِنْده وَعند غَيره من حَدِيث عَائِشَة الَّذِي رَوَاهُ مُسلم الَّذِي ذكر عَن قريب، قَالَ الطَّبَرِيّ فِي (كتاب التَّهْذِيب) الصَّوَاب أَن مَا رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ، الصَّلَاة وَالسَّلَام، من ذكر الله على كل أحيائه وَأَنه كَانَ يقْرَأ مَا لم يكن جنبا أَن قِرَاءَته طَاهِرا اخْتِيَار مِنْهُ لأَفْضَل الْحَالَتَيْنِ