المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الاعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً)

- ‌(بَاب الوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ ثَلاثاً ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ الاسْتجْمَارِ وِتْراً)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الَاعْقَابِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْليْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ولَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ)

- ‌(بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)

- ‌(بابُ الْتِمَاسِ الوَضُوءِ إِذا حانَتِ الصَّلاةُ)

- ‌(بابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الاِنْسانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إلَاّ مِنَ المَخْرجَيْنِ القُبُلِ والدُّبُرِ)

- ‌(بابُ الرَّجُلِ يُوَضِّىءُ صَاحبَهُ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكعْبَيْنِ)

- ‌(بابُ اسْتِعْمالِ فَضْل وَضُوءِ الناسِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدةٍ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً)

- ‌(بابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ إمْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ صَبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءَهُ علَى المُغْمَى عَلَيهِ)

- ‌(بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)

- ‌(بابُ الوُضُوء مِنَ التَّوْرِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ بالمُدِّ)

- ‌(بابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْن)

- ‌(بابٌ إِذا أدْخَلَ رِجْلَيْهِ وهُمَا طَاهِرَتانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ والسَّوِيقِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ ولَمْ يَتَوَضَّأْ)

- ‌(بَاب هَل يمضم من اللَّبن)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنَ النوْمِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ)

- ‌ بَاب:

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالناس الَاعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بَوْلِ الصِّبْيَانِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ قائِماً وقاعِداً)

- ‌(بابُ البَوْلِ عنْدَ صاحبِهِ والتَّسَتُّرِ بالحَائِطِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ عِنْدَ سُباطَةِ قوْمٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِهِ وغَسْل مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ إِذا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَها فَلمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ)

- ‌(بابُ أَبْوَالِ الابِلِ والدَّوابِّ والغَنَمِ ومَرَابِضهَا)

- ‌(بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسات فِي السِّمْنِ والمَاءِ)

- ‌(بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

- ‌(بابٌ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)

- ‌(بابٌ لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بالنَّبِيذِ ولاٍ بالمُسْكِرِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَرّأةِ أَبَاهَا الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ)

- ‌(بابُ السِّواكِ)

- ‌(بابُ دَفْعُ السَّوَاكِ إِلَى الأكْبَرَ)

- ‌(بابِ فَضْلِ مَنْ بَاتَ علَى الوُضوُءِ)

- ‌(كتاب الغسْلِ)

- ‌(بابُ الوُضوءِ قَبْلَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرأَتِهِ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الغُسْل مَرَّةً وَاحِدَةً)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ بالحِلابِ أَوْ الطِيّبِ عِنْدَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ والإِسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى)

- ‌(بابُ هَلْ يُدْهِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرُ غَيْرُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ والوُضُوءِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابٌ إذَا جامَعَ ثُمَّ عادَ وَمَنْ دَارَ علَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَذْىٍ وَالوُضُوءِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)

- ‌(بابُ تَخْلِيلِ الشِّعَرِ حَتَّى إذَا أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ

- ‌(بابُ مَنْ تَوَضَّلَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى

- ‌(بابُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

- ‌(بابُ نَفْضِ اليدَيْنِ مِنْ الغُسْلِ عَنُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ رَأْسِهِ الأيْمَنِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)

- ‌(بابُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)

- ‌(بابٌ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)

- ‌(بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)

- ‌(بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

- ‌(بابُ نَوْم الجُنُبُ)

- ‌(بابُ الجنُبِ يَتَوَضَأُ ثُمَّ يَنَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ مَا يُصيبُ منْ رُطُوبَةِ فَرْجِ المَرْأَةِ)

- ‌(كتاب الحيضِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ كانَ بَدْءَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِها وَتَرْجِيلِهِ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ)

- ‌(بابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضاً)

- ‌(بابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ)

- ‌(بابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ)

- ‌(بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)

- ‌(بابُ الاسْتِحَاضَةِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ الاعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحاضَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ فِيهِ

- ‌(بابُ الَطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَها أذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ امْتِشاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ المَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسَلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابٌ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ}

- ‌(بابُ كَيفَ تُهِلُّ الحائِضُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ)

- ‌(بابُ إقْبالِ المَحِيضِ وإدْبارِهِ)

- ‌(بابٌ لَا تَقْضِي الحائِضُ الصَّلاةَ)

- ‌(بابُ النَّوْمَ مَعَ الحَائِضِ وهْيَ فِي ثِيَابِهَا)

- ‌(بابُ مَنْ اتخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ)

- ‌(بابُ شُهُودِ الحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى)

- ‌(بابٌ إذَا حاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّساءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيما يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ الله تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أرْحَامِهِنَّ)

- ‌(بابُ الصُّفْرَةِ والْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أيَّامِ الْحَيْضِ)

- ‌(بابُ عِرْق الإسْتِحَاضَة)

- ‌(بابُ الْمَرأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَة)

- ‌(بابٌ إذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا)

- ‌(بابٌ)

الفصل: ‌(باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الاعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد)

الْأَعْمَش مُدَلّس، وعنعنة المدلس لَا تعْتَبر إلَاّ إِذا علم سَمَاعه، فَأَرَادَ التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ، إِذْ الْإِسْنَاد الأول مُعَنْعَن. فَإِن قلت: قَالَ فِي الأول حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، وَقَالَ هَهُنَا: قَالَ ابْن الْمثنى، هَل بَينهمَا فرق؟ قلت: بلَى أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن قَالَ: أحط دَرَجَة من حدث كَمَا يَقُول فِي بعض الْمَوَاضِع فِي إِسْنَاد وَاحِد: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ و: حَدثنَا، بِالْجمعِ. فان قلت: مُجَاهِد فِي هَذِه الطَّرِيقَة يروي عَن طَاوُوس أَو عَن ابْن عَبَّاس؟ قلت: الظَّاهِر أَنه يروي عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، لِأَنَّهُ قَالَ مثله وَمثل الشَّيْء غَيره.

57 -

(بابُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالناس الَاعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالنَّاس الْأَعرَابِي الَّذِي قدم الْمَدِينَة وَدخل مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وبال فِيهِ، فَلم يتَعَرَّض إِلَيْهِ أحد بِإِشَارَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى فرغ من بَوْله، كَمَا يَأْتِي كل ذَلِك مُفَسرًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

فَقَوله: (وَالنَّاس)، بِالْجَرِّ عطف على لفظ: النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ مجرور بِالْإِضَافَة، وَالتَّقْدِير: وتكر الناسِ، وَيجوز: النَّاس، بِالرَّفْع عطفا على الْمحل، لِأَن لفظ التّرْك مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، والأعرابي نِسْبَة إِلَى الْأَعْرَاب لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُم، وهم سكان الْبَادِيَة، والعربي نِسْبَة إِلَى الْعَرَب، وهم أهل الْأَمْصَار وَلَيْسَ الْأَعْرَاب جمعا للْعَرَب، وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِيمَا تقدم، وَالْألف وَاللَّام فِي: الْأَعرَابِي، وَفِي: الْمَسْجِد، للْعهد الذهْنِي، وَعَن قريب يَأْتِي مَن الْأَعرَابِي مَعَ الْخلال فِيهِ.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب، وَالْبَاب الَّذِي قبله هُوَ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على أَن حكم الْبَوْل إِزَالَته، فَذكر فِي الْبَاب السَّابِق الْغسْل، وَفِي هَذَا الْبَاب صب المَاء عَلَيْهِ، وَحكمه حكم الْغسْل.

219 -

حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعيلَ قَالَ حَدثنَا هَمَّامٌ قَالَ أخبرنَا إسْحاقُ عنْ أنَسِ بن مالِكٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى أعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَى إِذا فَرَغَ دَعا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة. الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي الْبَصْرِيّ، مر فِي كتاب الْوَحْي. الثَّانِي: همام بن يحيى بن دِينَار العوذي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالذال الْمُعْجَمَة: كَانَ ثِقَة ثبتاً فِي كل الْمَشَايِخ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة. الثَّالِث: إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة بن سهل الْأنْصَارِيّ، تقدم فِي بَاب من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس. الرَّابِع: أنس بن مَالك.

بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاث مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن عَمْرو بن يُونُس عَن عِكْرِمَة بن عمار الْيَمَانِيّ عَن إِسْحَاق عَن أنس. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: سَمِعت أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى بن الْقطَّان، وَعَن يحيى بن يحيى وقتيبة، وَكِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعيد ابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفَاتَ الْمزي هَذَا فِي الْأَطْرَاف. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن سُوَيْد بن نصر وَعَن قُتَيْبَة. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن ابي هُرَيْرَة فِي الطَّهَارَة هَهُنَا، كَمَا يَأْتِي عَن قريب. وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن ابي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن دُحَيْم عَن عَمْرو بن عبد الْوَاحِد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِهِ نَحوه. وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة:(أَن أَعْرَابِيًا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالس، فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً، وَلَا ترحم مَعنا أحدا. فَقَالَ النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، لقد تحجرت وَاسِعًا، ثمَّ لم يلبث أَن بَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فأسرع النَّاس إِلَيْهِ فنهاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: إِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين، صبوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو قَالَ؛ ذنوباً من مَاء) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي آخر الطَّهَارَة، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة، وَلم يذكر قصَّة الْبَوْل. وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث ابي سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن حَدِيث عَليّ ابْن مسْهر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالس، فَقَالَ: اللَّهُمَّ

ص: 124

اغْفِر لي ولمحمد) الحَدِيث. وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذِه الْقِصَّة أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن معقل بن المقرن قَالَ: (صلى أَعْرَابِي مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهِ: وَقَالَ، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه وأهريقوا على مَكَانَهُ مَاء) . ثمَّ قَالَ ابو دَاوُد: وَهُوَ مُرْسل ابْن معقل لم يدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد وَضَعفه، وَقَالَ: مُرْسل. قلت: لم يقل أَبُو دَاوُد: هَذَا ضَعِيف، وَإِنَّمَا قَالَ: مُرْسل، وَهُوَ مُرْسل من طَرِيقين: أَحدهمَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْآخر مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين مسندين أَيْضا: أَحدهمَا: عَن سمْعَان بن مَالك عَن أبي وَائِل عَن عبد الله، قَالَ:(جَاءَ أَعْرَابِي فَبَال فِي الْمَسْجِد، فَأمر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بمكانه فاحتفر وصب عَلَيْهِ دلو من مَاء)، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) . . وَالثَّانِي: أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس:(أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ، عليه الصلاة والسلام: احفروا مَكَانَهُ ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذنوباً من مَاء) .

بَيَان لغته قَوْله: (فَصَبَّهُ) الصب: السكب، يُقَال: صببت المَاء فانصب أَي سكبته فانسكب وَالْمَاء ينصب من الْجَبَل أَي يتخذر وَيُقَال ماصب وَهُوَ كَقَوْلِك مَا سكب ويروى فصب، بِدُونِ الضَّمِير الْمَفْعُول، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي:(فَلَمَّا قضى بَوْله أمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذنوب من مَاء فأهريق عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأمر رجلا من الْقَوْم فجَاء بِدَلْو فسنه عَلَيْهِ) ، بِالسِّين الْمُهْملَة، ويروى بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ رِوَايَة الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَالْفرق بَينهمَا أَن: السِّين، بِالْمُهْمَلَةِ: الصب الْمُتَّصِل، وبالمعجمة: الصب الْمُنْقَطع. قَالَه ابْن الاثير: والذنُوب، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة: الدَّلْو الْعَظِيمَة، وَقيل: لَا يُسمى ذنوباً إلَاّ إِذا كَانَ فِيهَا مَاء. قَوْله: (اهريقوا) أَصله: (أريقوا) من الإراقة، فالهاء زَائِدَة، ويروى:(هريقوا) ، فَتكون الْهَاء بَدَلا من الْهمزَة.

بَيَان إعرابه قَوْله: (رأى) بِمَعْنى: أبْصر، و (أَعْرَابِيًا) مَفْعُوله، وَقَوله:(يَبُول) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة: لأعرابياً، وَالتَّقْدِير: أبْصر أَعْرَابِيًا بائلاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي؛ و: يَبُول، إِمَّا صفة وَإِمَّا حَال. قلت: لَا يَقع الْحَال عَن النكرَة إلَاّ إِذا كَانَ مقدما على ذِي الْحَال، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.

بَيَان مَعْنَاهُ قَوْله: (دَعوه) اي: اتركوه، وَهُوَ أَمر بِصِيغَة الْجمع من: يدع، تَقول: دع دَعَا دعوا بِضَم الْعين، وَالْعرب أماتت ماضيه إلَاّ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَة شَاذَّة فِي قَوْله تَعَالَى {مَا وَدعك رَبك} (الضُّحَى: 3) بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(لَا تزرموه وَدعوهُ) ، وَهُوَ بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء الْمُهْملَة، يَعْنِي: لَا تقطعوا عَلَيْهِ بَوْله. يُقَال: أزرم الدمع وَالدَّم: انقطعا، وأزرمته أَنا؛ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْأَعرَابِي، وَعَن عبد الله بن نَافِع الْمدنِي أَن هَذَا الْأَعرَابِي كَانَ: الْأَقْرَع بن حَابِس، حَكَاهُ أَبُو بكر التاريخي. وَأخرج أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحَابَة من طَرِيق مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ: اطلع ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَكَانَ رجلا جَافيا، فَذكر الحَدِيث تَاما بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة، وَلكنه مُرْسل، وَفِي إِسْنَاده أَيْضا مُبْهَم، وَلَكِن فهم مِنْهُ أَن الْأَعرَابِي الْمَذْكُور هُوَ: ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَلَا يبعد ذَلِك مِنْهُ بجلافته وَقلة أدبه. قَوْله:(حَتَّى إِذا فرغ من كَلَام أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) اي: حَتَّى إِذا فرغ من بَوْله، وَكلمَة: حَتَّى، للغاية، وَالْمعْنَى: فَتَرَكُوهُ إِلَى أَن فرغ من بَوْله. قَوْله: (دُعَاء بِمَاء) أَي: دَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي: طلب مَاء. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ، الْآتِيَة عَن قريب:(فَلَمَّا قضى بَوْله أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذنوب من مَاء فهريق عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأمر رجلا من الْقَوْم فجَاء بِدَلْو فسنه عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (فَلَمَّا فرغ دَعَا بِدَلْو فصب عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (دَعَا بِدَلْو مَاء فصب عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (ثمَّ أَمر بسجل من مَاء فأفرغ على بَوْله) . وَفِي رِوَايَة ابْن صاعد، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(أحفروا مَكَانَهُ ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء) . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد عَن عبد الله بن معقل بن مقرن: (خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فالقوه وأهريقوا على مَكَانَهُ مَاء) .

بَيَان استنباط الاحكام من هَذَا الحَدِيث، من جَمِيع أَلْفَاظه وَالرِّوَايَات الْمُخْتَلفَة فِيهِ، وَهُوَ على وُجُوه. الأول: استنبط الشَّافِعِي مِنْهُ على أَن الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة وصب عَلَيْهَا المَاء تطهر. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَلَا يشْتَرط حفرهَا. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا أَصَابَت الأَرْض نَجَاسَة فصب عَلَيْهَا من المَاء مَا يغمرها، وتستهلك فِيهَا النَّجَاسَة طهرت بعد نضوب المَاء وَقَبله، فِيهِ وَجْهَان: إِن قُلْنَا: إِن الغسالة طَاهِرَة وَالْعصر لَا يجب فَنعم، وَإِن قُلْنَا: إِنَّهَا نَجِسَة وَالْعصر وَاجِب فَلَا، وعَلى هَذَا فَلَا يتَوَقَّف

ص: 125

الحكم بِالطَّهَارَةِ على الْجَفَاف، بل يَكْفِي أَن يفاض المَاء كَالثَّوْبِ المعصر فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْجَفَاف والتصوب كالعصر، وَفِيه وَجه: أَن يكون المَاء المصبوب سَبْعَة أَضْعَاف الْبَوْل، وَوجه آخر: يجب أَن يصب على بَوْل الْوَاحِد ذنُوب، وعَلى بَوْل الْإِثْنَيْنِ ذنوبان، وعَلى هَذَا أبدا. انْتهى. وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِذا أَصَابَت الأَرْض نَجَاسَة رطبَة. فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة صب عَلَيْهَا المَاء حَتَّى يتسفل فِيهَا، وَإِذا لم يبْق على وَجههَا شَيْء من النَّجَاسَة، وتسفل المَاء، يحكم بطهارتها، وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْعدَد، وَإِنَّمَا هُوَ على اجْتِهَاده. وَمَا هُوَ فِي غَالب ظَنّه أَنَّهَا طهرت، وَيقوم التسفل فِي الأَرْض مقَام الْعَصْر فِيمَا لَا يحْتَمل الْعَصْر، وعَلى قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة يصب عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات، ويتسفل فِي كل مرّة، وَإِن كَانَت الأَرْض صلبة، فَإِن كَانَت صعُودًا يحْفر فِي أَسْفَلهَا حفيرة وَيصب المَاء عَلَيْهَا ثَلَاث مَرَّات، ويتسفل إِلَى الحفيرة، ثمَّ تكبس الحفيرة. وَإِن كَانَت مستوية بِحَيْثُ لَا يَزُول عَنْهَا المَاء لَا يغسل لعدم الْفَائِدَة فِي الْغسْل، بل تحفر، وَعَن أبي حنيفَة: لَا تطهر الأَرْض حَتَّى تحفر إِلَى الْموضع الَّذِي وصلت إِلَيْهِ النداوة وينقل التُّرَاب، وَدَلِيلنَا على الْحفر الحديثان اللذآن أخرجهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ: أَحدهمَا: عَن عبد الله، وَالْآخر: عَن أنس. وَقد ذكرناهما عَن قريب. وَقد ذكرنَا أَيْضا مَا قَالَه الْخطابِيّ، وَذكرنَا جَوَابه أَيْضا. وروى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن طَاوس قَالَ:(بَال أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد، فأرادوا أَن يضربوه فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: أحفروا مَكَانَهُ واطرحوا عَلَيْهِ دلواً من مَاء، علِّموا ويسِّروا وَلَا تعسِّروا) . وَالْقِيَاس أَيْضا يَقْتَضِي هَذَا الحكم، لِأَن الغسالة نَجِسَة فَلَا يطهر الأَرْض مَا لم تحفر وينقل التُّرَاب. فَإِن قلت: قد تركْتُم الحَدِيث الصَّحِيح، واستدللتم بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وبالمرسل. قلت: قد عَملنَا بِالصَّحِيحِ فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض صلبة، وعملنا بالضعيف على زعمكم لَا على زَعمنَا فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض رخوة، وَالْعَمَل بِالْكُلِّ أولى من الْعَمَل بالبغض وإهمال الْبَعْض. وَأما الْمُرْسل فَهُوَ مَعْمُول بِهِ عندنَا، وَالَّذِي يتْرك الْعَمَل بالمرسلات يتْرك الْعَمَل باكثر الاحاديث وَفِي اصْطِلَاح الْمُحدثين ان مرسلين صَحِيحَيْنِ اذا عارضا حَدِيثا صَحِيحا مُسْندًا كَانَ الْعَمَل بِالْمُرْسَلين أولى، فَكيف مَعَ عدم الْمُعَارضَة؟

الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة على أَن المَاء مُتَعَيّن فِي إِزَالَة النَّجَاسَة، وَمنعُوا غَيره من الْمَائِعَات المزيلة، وَهَذَا اسْتِدْلَال فَاسد، لِأَن ذكر المَاء هُنَا لَا يدل على نفي غَيره، لِأَن الْوَاجِب هُوَ الْإِزَالَة، وَالْمَاء مزيل بطبعه، فيقاس عَلَيْهِ كل مَا كَانَ مزيلاً لوُجُود الْجَامِع، على أَن هَذَا الِاسْتِدْلَال يشبه مَفْهُوم مُخَالفَة وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة.

الثَّالِث: استدلت بِهِ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم أَن غسالة النَّجَاسَة الْوَاقِعَة على الأَرْض طَاهِرَة، وَذَلِكَ لِأَن المَاء المصبوب لَا بُد أَن يتدافع عِنْد وُقُوعه على الأَرْض ويصل إِلَى مَحل لم يصبهُ الْبَوْل مِمَّا يجاوره، فلولا أَن الغسالة طَاهِرَة لَكَانَ الصب ناشراً للنَّجَاسَة، وَذَلِكَ خلاف مَقْصُود التَّطْهِير، وَسَوَاء كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض أَو غَيرهَا، لَكِن الْحَنَابِلَة فرقوا بَين الأَرْض وَغَيرهَا، وَيُقَال: إِنَّه رِوَايَة وَاحِدَة عِنْد الشَّافِعِيَّة. إِن كَانَت على الأَرْض، وَإِن كَانَت غَيرهَا فَوَجْهَانِ. قلت: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا بعد صب المَاء عَلَيْهَا لَا تطهر حَتَّى تدلك وتنشف بصوف أَو خرقَة، وَفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، وَإِن لم يفعل ذَلِك لَكِن صب عَلَيْهَا مَاء كثيرا حَتَّى عرف أَنه أَزَال النَّجَاسَة، وَلم يُوجد فِيهِ لون وَلَا ريح، ثمَّ ترك حَتَّى نشفت كَانَت طَاهِرَة.

الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة أَن الْعَصْر فِي الثَّوْب المغسول من النَّجَاسَة لَا يجب، وَهَذَا اسْتِدْلَال فَاسد وَقِيَاس بالفارق، لِأَن الثَّوْب ينعصر بالعصر بِخِلَاف الأَرْض.

الْخَامِس: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض أَن الأَرْض إِذا اصابتها نَجَاسَة فجفت بالشمس أَو بالهواء لَا تطهر، وَهِي محكي عَن أبي قلَابَة أَيْضا، وَهَذَا أَيْضا فَاسد، لِأَن ذكر المَاء فِي الحَدِيث لوُجُوب الْمُبَادرَة إِلَى تَطْهِير الْمَسْجِد وَتَركه إِلَى الْجَفَاف تَأْخِير لهَذَا الْوَاجِب، وَإِذا تردد الْحَال بَين الْأَمريْنِ لَا يكون دَلِيلا على أَحدهمَا بِعَيْنِه.

السَّادِس: فِيهِ دَلِيل على وجوب صِيَانة الْمَسَاجِد وتنزيهها عَن الأقذار والنجاسات، أَلَا ترى إِلَى تَمام الحَدِيث فِي رِوَايَة مُسلم:(ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ) أَي: الْأَعرَابِي، (فَقَالَ لَهُ: إِن هَذِه الْمَسَاجِد لَا تصلح لشَيْء من هَذَا الْبَوْل، وَلَا القذر، وَإِنَّمَا هِيَ لذكر الله وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن) ؟

السَّابِع: فِيهِ دَلِيل على أَن الْمَسَاجِد لَا يجوز فِيهَا إلَاّ ذكر الله وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن بقوله: (وَإِنَّمَا هِيَ لذكر الله) ، من قصر الْمَوْصُوف على الصّفة، وَلَفظ الذّكر عَام يتَنَاوَل قِرَاءَة الْقُرْآن وَقِرَاءَة الْعلم، وَوعظ النَّاس وَالصَّلَاة أَيْضا عَام، فَيتَنَاوَل الْمَكْتُوبَة والنافلة، وَلَكِن النَّافِلَة فِي الْمنزل أفضل، ثمَّ غير هَذِه الْأَشْيَاء: ككلام الدُّنْيَا والضحك واللبث فِيهِ بِغَيْر نِيَّة الِاعْتِكَاف مشتغلاً بِأَمْر من أُمُور الدُّنْيَا يَنْبَغِي أَن لَا يُبَاح، وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة، وَالصَّحِيح أَن الْجُلُوس فِيهِ لعبادة أَو قِرَاءَة علم أَو درس أَو سَماع موعظة أَو انْتِظَار صَلَاة أَو نَحْو ذَلِك مُسْتَحبّ، ويثاب على ذَلِك، وَإِن لم يكن

ص: 126