الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لشَيْء من ذَلِك كَانَ مُبَاحا، وَتَركه أولى. واما النّوم فِيهِ فقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يجوز، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رخص فِي النّوم فِي الْمَسْجِد ابْن المسيت وَالْحسن وَعَطَاء وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تتخذوه مرقداً. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِن كَانَ ينَام فِيهِ لصَلَاة فَلَا بَأْس. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يكره النّوم فِي الْمَسْجِد. وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس بذلك للغرباء، وَلَا أرى ذَلِك للحاضر. وَقَالَ احْمَد: إِن كَانَ مُسَافِرًا أَو شبهه فَلَا بَأْس، وَإِن اتَّخذهُ مقيلاً أَو مبيتاً فَلَا، وَهُوَ قَول إِسْحَاق. وَقَالَ الْيَعْمرِي، وَحجَّة من أجَاز نوم عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَأهل الصّفة، وَالْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح، والعرنية، وثمامة بن أَثَال، وَصَفوَان بن أُميَّة، وَهِي أَخْبَار صِحَاح مَشْهُورَة. واما الْوضُوء فِيهِ فَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَبَاحَ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم الْوضُوء فِي الْمَسْجِد إلَاّ أَن يتَوَضَّأ فِي مَكَان يبله ويتأذى النَّاس بِهِ، فَإِنَّهُ مَكْرُوه. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا مَنْقُول عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك، وَذكر عَن ابْن سِيرِين وَسَحْنُون أَنَّهُمَا كرهاه تَنْزِيها لِلْمَسْجِدِ، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِن كَانَ فِيهِ مَوضِع معد للْوُضُوء فَلَا بَأْس، وإلَاّ فَلَا. وَفِي شرح التِّرْمِذِيّ لليعمري: إِذا اقتصد فِي الْمَسْجِد، فان كَانَ فِي غير الْإِنَاء فَحَرَام، وَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء فمكروه، وَإِن بَال فِي الْمَسْجِد فِي إِنَاء فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه حرَام، وَالثَّانِي أَنه مَكْرُوه. وَيجوز الاستلقاء فِي الْمَسْجِد، وَمد الرجل، وتشبيك الْأَصَابِع للأحاديث الثَّابِتَة فِي ذَلِك.
الثَّامِن: فِيهِ الْمُبَادرَة لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
التَّاسِع: فِيهِ مبادرة الصَّحَابَة إِلَى الْإِنْكَار بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير مُرَاجعَة لَهُ. فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا من بَاب التَّقَدُّم بَين يَدي الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لَا، لِأَن ذَلِك مُقَرر عِنْدهم فِي الشَّرْع من مُقْتَضى الْإِنْكَار، فَأمر الشَّارِع مُتَقَدم على مَا وَقع مِنْهُم فِي ذَلِك، وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْوَاقِعَة الْخَاصَّة إِذن فَدلَّ على أَنه لَا يشْتَرط الْإِذْن الْخَاص، ويكتفي بِالْإِذْنِ الْعَام.
الْعَاشِر: فِيهِ دفع أعظم المفسدتين بِاحْتِمَال أيسرهما، وَتَحْصِيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فَإِن الْبَوْل فِيهِ مفْسدَة، وقطعه على البائل مفْسدَة أعظم مِنْهَا، فَدفع أعظمها بأيسر المفسدتين، وتنزيه الْمَسْجِد عَنهُ مصلحَة وَترك البائل إِلَى الْفَرَاغ مصلحَة أعظم مِنْهَا، فَحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.
الْحَادِي عشر: فِيهِ مُرَاعَاة التَّيْسِير على الْجَاهِل والتألف للقلوب.
الثَّانِي عشر: فِيهِ الْمُبَادرَة إِلَى إِزَالَة الْمَفَاسِد عِنْد زَوَال الْمَانِع، لَان الْأَعرَابِي حِين فرغ أَمر بصب المَاء.
الثَّالِث عشر: فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (أهريقوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو دلواً من مَاء) اعْتِبَار الْأَدَاء بِاللَّفْظِ، وَإِن كَانَ الْجُمْهُور على عدم اشْتِرَاطه، وَأَن الْمَعْنى كافٍ، وَيحمل: أَو، هَهُنَا على الشَّك، وَلَا معنى للتنويع وَلَا للتَّخْيِير وَلَا للْعَطْف، فَلَو كَانَ الرَّاوِي يرى جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لاقتصر على أَحدهمَا، فَلَمَّا تردد فِي التَّفْرِقَة بَين الدَّلْو والسجل، وهما بِمَعْنى، علم أَن ذَلِك التَّرَدُّد لموافقة اللَّفْظ، قَالَه الْحَافِظ الْقشيرِي، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا يتم هَذَا أَن لَو اتَّحد الْمَعْنى فِي السّجل والدلو لُغَة، لكنه غير مُتحد، فالسجل: الدَّلْو الضخمة المملوءة، وَلَا يُقَال لَهَا فارغة: سجل.
58 -
(بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صب المَاء على بَوْل البائل فِي مَسْجِد من مَسَاجِد الله تَعَالَى، وَإِذا جعلنَا: الْألف وَاللَّام، فِيهِ للْعهد يكون الْمَعْنى فِي: مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَيكون حِكَايَة عَن ذَلِك، وعَلى الأول الحكم عَام سَوَاء كَانَ فِي مَسْجِد النَّبِي اَوْ غَيره.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لَا تخفى، وَلَيْسَ لذكر الْبَاب زِيَادَة فَائِدَة، وبدونه يحصل الْمَقْصُود.
220 -
حدّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْريِّ قَالَ أخْبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أنَّ أبَا هُريْرَةَ قَالَ قامَ أعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِه سَجْلاً مِنْ ماءٍ أَو ذَنُوباً مِنْ ماءٍ فانَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرينَ ولمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرينَ.
(الحَدِيث 220 طرفه فِي: 6217) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم: هُوَ الحكم بن نَافِع، وَقد تقدم فِي كتاب الْوَحْي. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عبيد الله إِلَى آخِره. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، وَالْكل تقدمُوا.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع وبصيغة الْمُفْرد. وَفِيه: العنعنة. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني وبصري. وَفِيه: أَخْبرنِي عبيد الله عِنْد أَكثر الروَاة عَن الزُّهْرِيّ، وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سعيد بن الْمسيب، بدل: عبيد الله، وَتَابعه سُفْيَان بن حُسَيْن، قَالَ طَاهِر: إِن الرِّوَايَتَيْنِ صحيحتان.
وَأما بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق، وَكَذَلِكَ بَيَان لغاته وَإِعْرَابه.
بَيَان معانية قَوْله: (قَامَ أَعْرَابِي) ، زَاد ابْن عُيَيْنَة عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَغَيره فِي أَوله:(أَنه، صلى ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً وَلَا ترحم مَعنا أحدا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي، عله الصَّلَاة وَالسَّلَام، لقد تحجرت وَاسِعًا، فَلم يلبث أَن بقال فِي الْمَسْجِد) . وَسَتَأْتِي هَذِه الزِّيَادَة عِنْد المُصَنّف فِي الْأَدَب من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَأخرج هَذَا الحَدِيث الْجَمَاعَة مَا خلا مُسلما، وَفِي لفظ ابْن مَاجَه:(احتصرت وَاسِعًا) . وَأخرج ابْن مَاجَه حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع أَيْضا، وَلَفظه:(لقد حصرت وَاسِعًا وَيلك أوويحك) . قَوْله: (لقد تحجرت) أَي: ضيقت مَا وَسعه الله، وخصصت بِهِ نَفسك دون غَيْرك، ويروى: احتجرت بِمَعْنَاهُ، ومادته حاء مُهْملَة ثمَّ جِيم ثمَّ رَاء. وَقَوله:(احتصرت) ، بالمهملتين من الْحصْر، وَهُوَ الْحَبْس وَالْمَنْع. قَوْله:(فَبَال فِي الْمَسْجِد) أَي: مَسْجِد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فتناوله النَّاس) أَي: تناولوه بألسنتهم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، تَأتي:(فثار إِلَيْهِ النَّاس) وَله فِي رِوَايَة عَن، أنس:(فَقَامُوا إِلَيْهِ)، وَفِي رِوَايَة أنس أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب:(فزجره النَّاس) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد ان شيخ البُخَارِيّ، وَفِيه:(فصاح النَّاس بِهِ) . وَكَذَا للنسائي من طَرِيق ابْن الْمُبَارك، وَلمُسلم من طَرِيق إِسْحَاق عَن أنس:(فَقَالَ الصَّحَابَة: مَه مَه)، قَوْله:(مَه) ، كلمة بنيت على السّكُون، وَهُوَ اسْم يُسمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهُ: أكفف، لِأَنَّهُ زجر. فَإِن وصلت نونته، فَقلت: مَه مَه. ومه الثَّانِي تَأْكِيد، كَمَا تَقول: صه صه، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ:(فَمر عَلَيْهِ النَّاس فأقاموه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم دَعوه، عَسى أَن يكون من أهل الْجنَّة، فصبوا على بَوْله المَاء) . قَوْله: (وهريقوا)، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب:(واهريقوا)، وَقد ذكرنَا أَن أصل: أهريقوا، أريقوا. قَوْله:(أَو ذنوبا من مَاء) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: من، زَائِدَة، وزيدت تَأْكِيدًا، وَكلمَة: أَو، يحْتَمل أَن تكون من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَتكون للتَّخْيِير، وَأَن تكون من الرواي فَتكون للترديد. قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَقد قُلْنَا الصَّوَاب فِيهِ عَن قريب. قَوْله:(ميسرين) حَال، فَإِن قلت: الْمَبْعُوث هُوَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَكيف هَذَا؟ قلت: لما كَانَ المخاطبون مقتدين بِهِ ومهتدين بهذاه صلى الله عليه وسلم كَانُوا مبعوثين أَيْضا، فَجمع اللَّفْظ بِاعْتِبَار ذَلِك، وَالْحَاصِل أَنه على طَريقَة الْمجَاز، لأَنهم لما كَانُوا فِي مقَام التَّبْلِيغ عَنهُ فِي حُضُوره وغيبته أطلق عَلَيْهِم ذَلِك، أَو لأَنهم لما كَانُوا مأمورين من قبله بالتبليغ فكأنهم مبعوثون من جِهَته. قَوْله:(وَلم تبعثوا معسرين)، مَا فَائِدَته وَقد حصل المُرَاد من قَوْله:(بعثتم) إِلَى آخِره؟ قلت: هَذَا تَأْكِيد بعد تَأْكِيد، دلَالَة على أَن الْأَمر مَبْنِيّ على الْيُسْر قطعا.
221 -
حدّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يحْيىَ بنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
(انْظُر الحَدِيث: 219 وطرفه) .
عَبْدَانِ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ لقب عبد الله الْعَتكِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الإِمَام، تقدما فِي كتاب الْوَحْي. وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ تقدم أَيْضا. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عَبْدَانِ هَذَا، وَلَفظه:(جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قضى حَاجته قَامَ إِلَى نَاحيَة الْمَسْجِد فَبَال، فصاح بِهِ النَّاس، فكفهم عَنهُ ثمَّ قَالَ: صبوا عَلَيْهِ دلواً من مَاء) .
وحدّثنا خالِدٌ وَحدثنَا سُلَيْمانُ عنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ قالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ جاءَ أعْرَابيٌّ فَبَالَ فِي طائِفَةِ الَمسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهاهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى