الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: (فَقيل لي) الْقَائِل لَهُ. جِبْرِيل، عليه السلام قَوْله:(كبر) أَي؛ قدم الْأَكْبَر فِي السن قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) أَي: البُخَارِيّ قَوْله: (اخْتَصَرَهُ نعيم) أَي: اختصر الْمَتْن نعيم، وَمعنى الِاخْتِصَار هَاهُنَا أَنه ذكر مُحَصل الحَدِيث وَحذف بعض مقدماته، وَرِوَايَة نعيم هَذِه وَصلهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن بكر بن سهل عَنهُ بِلَفْظ (أَمرنِي جِبْرِيل، عليه السلام، أَن أكبر) وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا حَدثنَا الْحسن بن عِيسَى حَدثنَا ابْن الْمُبَارك أَنبأَنَا أُسَامَة، وَحدثنَا الْحسن حَدثنَا حبَان أَنبأَنَا ابْن الْمُبَارك فَذكره وَفِيه قَالَ:(إِن جِبْرِيل، عليه السلام، أَمرنِي أَن أدفَع إِلَى أكبرهم) وَأخرجه أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يستن فَأعْطَاهُ أكبر الْقَوْم، ثمَّ قَالَ: إِن جِبْرِيل عليه السلام، أَمرنِي أَن أكبره) فَإِن قلت هَذَا: يَقْتَضِي أَن تكون الْقَضِيَّة وَقعت فِي الْيَقَظَة، وَتلك الرِّوَايَة صَرِيحَة أَنَّهَا كَانَت فِي الْمَنَام فَكيف التَّوْفِيق؟ قلت: التَّوْفِيق بَينهمَا أَن رِوَايَة الْيَقَظَة لما وَقعت أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَا رَآهُ فِي النمد فحفط بعض الروَاة مَا لم يحفظ آخَرُونَ، وَمِمَّا يشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَالَت:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يستن وَعِنْده رجلَانِ أَحدهمَا أكبر من الآخر فَأوحى إِلَيْهِ فِي فضل السِّوَاك أَن كبر، أعْط السِّوَاك أكبرهما) وَإِسْنَاده صَحِيح.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: تَقْدِيم حق الأكابر من جمَاعَة الْحُضُور وتبديته على من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ، وَهُوَ السّنة أَيْضا فِي السَّلَام والتحية وَالشرَاب وَالطّيب وَنَحْو ذَلِك من الْأُمُور، وَفِي هَذَا الْمَعْنى تَقْدِيم ذِي السن بالركوب وَشبهه من الأرقاق. وَفِيه: أَن اسْتِعْمَال سواك الْغَيْر مَكْرُوه إلَاّ أَن السّنة فِيهِ أَن يغسلهُ ثمَّ يَسْتَعْمِلهُ. وَفِيه: مَا يدل على فَضِيلَة السِّوَاك. وَقَالَ الْمُهلب: تَقْدِيم ذِي السن أولى فِي كل شَيْء مَا لم يَتَرَتَّب الْقَوْم فِي الْجُلُوس، فَإِذا ترتبوا فَالسنة تَقْدِيم ذِي الْأَيْمن فالأيمن.
75 -
(بابِ فَضْلِ مَنْ بَاتَ علَى الوُضوُءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من بَات على الْوضُوء وَبَات من البيتوتة يُقَال: بَات يبيت، وَبَات، بيات بيتوتة، وَبَات يفعل كَذَا إِذا فعله لَيْلًا كَمَا يُقَال: ظلّ يفعل كَذَا إِذا فعله بِالنَّهَارِ.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على بَيَان اكْتِسَاب فَضِيلَة وَأجر، وَأما إِدْخَاله هَذَا الْبَاب فِي الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة فَظَاهر، لِأَنَّهُ من تعلقات الْوضُوء قَوْله:(على الْوضُوء) بِالْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره (على وضوء) ، بِدُونِ الْألف وَاللَّام.
247 -
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عنْ مَنْصُورِ عنْ سَعْدٍ ابنِ عُبَيْدَةَ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ قَالَ لِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا أَتَيْتُ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقَكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلَجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَاّ إلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فإنْ مُتِّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ علَى الفِطْرَةِ وَاجْعَلْنِي آخِرَ مَا تَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فرددتها على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بلغت الْفَهم آمَنت بكتابك الَّذِي أنزلت قلت وَرَسُولك قَالَ لَا بنبيك الَّذِي أرْسلت..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة طَاهِرَة.
بَين رجالهوهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن مقَاتل، بِضَم الْمِيم، أَبُو الْحسن الْمروزِي، تقدم فِي بَاب مَا يذكر فِي المناولة. الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث: سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقيل: يحْتَمل سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَيْضا، لِأَن عبد الله يروي عَنْهُمَا، وهما يرويات عَن مَنْصُور، لَكِن الظَّاهِر أَنه الثَّوْريّ لأَنهم قَالُوا: أثبت النَّاس فِي مَنْصُور هُوَ سُفْيَان الثَّوْريّ. الرَّابِع: مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر. الْخَامِس: سعيد بن عُبَيْدَة، بِضَم الْعين، مصغر عَبدة بن حَمْزَة، بالزاي، الْكُوفِي كَانَ يرى رأى الْخَوَارِج ثمَّ تَركه وَهُوَ ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، مَاتَ فِي ولَايَة ابْن هُبَيْرَة على الْكُوفَة، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة، سعد بن عُبَيْدَة، سواهُ. السَّادِس: الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مر فِي بَاب الصَّلَاة من الْإِيمَان.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِخْبَار بِصُورَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وكوفي، وَخَالف إِبْرَاهِيم بن طهْمَان أَصْحَاب مَنْصُور، فَأدْخل بَين مَنْصُور وَسعد الحكم بن عتيبة وَانْفَرَدَ الْفرْيَابِيّ بِإِدْخَال الْأَعْمَش بَين الثَّوْريّ وَمَنْصُور.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَاهُنَا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَأخرجه فِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي الدُّعَاء عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَعَن ابْن الْمثنى وَعَن بنْدَار، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْملك. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن سُفْيَان بن وَكِيع وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع، وَعَن عَمْرو بن عَليّ، وَعَن قُتَيْبَة، وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني.
بَيَان لغاته قَوْله: (إِذا أثبت مضجعك) ، بِفَتْح الْجِيم من، ضجع من بَاب: منع يمْنَع ويروي: مضجعك أَصله مضتجعك، من بَاب الافتعال، لَكِن قتل التَّاء طاء وَالْمعْنَى: إِذا أردْت أَن يَأْتِي مضجعك فَتَوَضَّأ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} (سُورَة النَّحْل: 98 أَي إِذا أردْت الْقِرَاءَة قَوْله: (وجهت وَجْهي أليك) أَي: استسلمت، كَذَا فسره، وَلَيْسَ بِوَجْه. وَالْأَوْجه أَن يُفَسر: أسلمت ذاتي إِلَيْك منقادة لَك، طالعة لحكمك، لِأَن المُرَاد من الْوَجْه الذَّات. قَوْله:(وفوضت) من التَّفْوِيض وَهُوَ التَّسْلِيم: قَوْله: (والجأت ظَهْري إِلَيْك) أَي: أسندت. يُقَال: لجأت إِلَيْهِ لَجأ بِالتَّحْرِيكِ، وملجأ والتجأت إِلَيْهِ بِمَعْنى: والموضع أَيْضا، لَجأ وملجأ وألجأته إِلَى الشَّيْء اضطررته إِلَيْهِ، وَالْمعْنَى هُنَا، توكلت عَلَيْك واعتمدتك فِي أَمْرِي كَمَا يعْتَمد الْإِنْسَان بظهره إِلَى مَا يسْندهُ. قَوْله:(رَغْبَة) أَي: طَمَعا فِي ثوابك. قَوْله: (وَرَهْبَة) أَي: خوفًا من عقابك. قَوْله: (لَا ملْجأ) بِالْهَمْزَةِ وَيجوز التَّخْفِيف. قَوْله: (وَلَا منجأ) مَقْصُور من: نجى ينجو، والمنجأ مفعل مِنْهُ، وَيجوز همزَة للإزدواج قَوْله:(على الْفطْرَة) أَي: على دين الْإِسْلَام، وَقد تكون الْفطْرَة بِمَعْنى الْخلقَة، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} (سُورَة الرّوم: 30) وَبِمَعْنى السّنة كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: (خمس من الْفطْرَة) وقا الطيني: أَي: مت على الدّين القويم مِلَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام، فَإِن إِبْرَاهِيم عليه السلام أسلم واستسلم، وَقَالَ:{} أسلمت لرب الْعَالمين (سُورَة الْبَقَرَة: 131){وجار ربه بقلب سليم} (سُورَة الصافات: 84) .
ذكر مَعَانِيه قَوْله: (فَتَوَضَّأ) وَقد روى الشَّيْخَانِ هَذَا الحَدِيث من طرق عَن الْبَراء بن عَازِب، وَلَيْسَ لَهَا ذكر الْوضُوء، إلَاّ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ قَوْله:(أسلمت وَجْهي إِلَيْك) وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى: (أسلمت نَفسِي إِلَيْك) وَالْوَجْه وَالنَّفس هَاهُنَا بِمَعْنى الذَّات، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْوَجْه حَقِيقَة، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْقَصْد، فَكَأَنَّهُ يَقُول: قصدتك فِي طلب سلامتي، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قيل: معنى الْوَجْه الْقَصْد وَالْعَمَل الصَّالح، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَة:(اسلمت نَفسِي إِلَيْك ووجهت وَجْهي إِلَيْك) . فَجمع بَينهمَا، فَدلَّ على تغايرهما، وَمعنى: أسلمت: سلمت واستسلمت أَي: سلمتها لَك، إِذْ لَا قدرَة لي وَلَا تَدْبِير بجلب نفع وَلَا دفع ضرّ فَأمرهَا مفوض إِلَيْك تفعل بهَا مَا تُرِيدُ واستسلمت لما تفعل فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْك فِيهِ. قَوْله:(وفوضت أَمْرِي إِلَيْك) أَي: رددت أَمْرِي إِلَيْك، وبرئت من الْحول وَالْقُوَّة إلَاّ بك فَاكْفِنِي همه، وتولني سلاحه. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ رحمه الله فِي هَذَا النّظم غرائب وعجائب لَا يعرفهَا إلَاّ النقاد من أهل الْبَيَان: قَوْله: (أسلمت نَفسِي) إِشَارَة إِلَى أَن جوارحه منقادة لله تَعَالَى فِي أوامره ونواهيه. وَقَوله: (وجهت وَجْهي) أَي: إِن ذَاته وَحَقِيقَته لَهُ مخلصة بريئة من النِّفَاق وَقَوله: (وفوضت أَمْرِي إِلَيْك) إِشَارَة إِلَى أَن أُمُوره الْخَارِجَة والداخلة مفوضة إِلَيْهِ لَا مُدبر لَهَا غَيره، وَقَوله:(ألجأت أليك) بعد قَوْله: (وفوضت أَمْرِي) إِشَارَة إِلَى أَن تفويضة أُمُوره الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا وَبهَا معاشه وَعَلَيْهَا مدَار أمره يلتجأ إِلَيْهِ، مِمَّا يضرّهُ ويؤذيه من الْأَسْبَاب الدَّاخِلَة وَالْخَارِج، قَوْله:(آخر مَا تكلم) بِحَذْف إِحْدَى التائين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(من آخر مَا تكلم) قَوْله: (فَردَّتهَا) أَي: رددت هَذِه الْكَلِمَات لأحفظن قَوْله: (قَالَ: لَا) أَي: لَا تقبل: وَرَسُولك، بل قل: وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت، وَذكروا فِي هَذَا أوجها مِنْهَا: أَنه أمره أَن يجمع بَين صفتيه وهما: الرَّسُول وَالنَّبِيّ، صَرِيحًا وَإِن كَانَ وصف الرسَالَة يسْتَلْزم وصف النُّبُوَّة. وَمِنْهَا: أَن أَلْفَاظ الْأَذْكَار توقيفية فِي تعْيين اللَّفْظ وَتَقْدِير الثَّوَاب، فَرُبمَا كَانَ فِي اللَّفْظ زِيَادَة تَبْيِين لَيْسَ فِي
الآخر، أَن كَانَ يرادفه فِي الظَّاهِر. وَمِنْهَا: أَنه لَعَلَّه أوحى إِلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظ. فَرَأى أَن يقف عِنْده. وَمِنْهَا: أَن ذكره احْتِرَازًا عَمَّن أرسل من غَيره نبوة، كجبريل وَغَيره من الْمَلَائِكَة، عليهم السلام، لأَنهم رسل الْأَنْبِيَاء. وَمِنْهَا: أَنه يحْتَمل أَن يكون رده دفعا للتكرار، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الأول:(وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت)، وَمِنْهَا: أَن النَّبِي. فعيل، بِمَعْنى فَاعل من النبأ، وَهُوَ الْخَبَر لِأَنَّهُ أنبأ عَن الله تَعَالَى، أَي: أخبر. وَقيل: إِنَّه مُشْتَقّ من النُّبُوَّة. وَهُوَ الشَّيْء الْمُرْتَفع ورد النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْبَراء حِين قَالَ: (وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت) بِمَا رد عَلَيْهِ ليختلف اللفظان، وَيجمع البنائين معنى الِارْتفَاع والإرسال، وَيكون تعديداً للنعمة فِي الْحَالَتَيْنِ، وتعظيماً للمنة على الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ بَعضهم: وَلِأَن لفظ النَّبِي، أمدح من لفظ: الرَّسُول. قلت: هَذَا غير موجه. لِأَن لفظ النَّبِي، كَيفَ يكون أمدح وَهُوَ لَا يسْتَلْزم الرسَالَة بل لفظ الرَّسُول أمدح لِأَنَّهُ يسْتَلْزم النُّبُوَّة.
بَيَان إعرابه قَوْله: (فَتَوَضَّأ) الْفَاء فِيهِ جَوَاب قَوْله: (رَغْبَة وَرَهْبَة) منصوبان على الْمَفْعُول لَهُ على طَريقَة اللف والنشر، أَي فوضت أموري إِلَيْك رَغْبَة، وألجأت ظَهْري عَن المكاره والشدائد إِلَيْك رهبة مِنْك، لِأَنَّهُ لَا ملْجأ وَلَا منجأ مِنْك إِلَّا إِلَيْك وَيجوز أَن يكون انتصابهما على الْحَال بِمَعْنى: رَاغِبًا وراهباً. قلت: كَيفَ يتَصَوَّر أَن يكون رَاغِبًا وراهباً فِي حَالَة وَاحِدَة لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ متنافيان؟ قلت: فِيهِ حذل تَقْدِيره رَاغِبًا إِلَيْك، وراهباً مِنْك. فَإِن قلت: إِذا كَانَ التَّقْدِير: رَاهِبًا مِنْك، كَيفَ اسْتعْمل بِكَلِمَة إِلَى، والرهبة لَا تسْتَعْمل إلَاّ بِكَلِمَة. من؟ قلت: إِلَيْك مُتَعَلق برغبة، وَأعْطِي للرهبة حكمهَا، وَالْعرب تفعل ذَلِك كثيرا، كَقَوْل بَعضهم.
(وَرَأَيْت بعلك فِي الوغى
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحاً)
وَالرمْح لَا يتقلد، وكقول الآخر.
علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا
وَالْمَاء لَا يعلف. قَوْله: (لَا ملْجأ وَلَا منجأ) إعرابهما مثل إِعْرَاب عصى، وَفِي التَّرْكِيب خَمْسَة أوجه لِأَنَّهُ مثل: لَا حول وَلَا قُوَّة إلَاّ بِاللَّه، وَالْفرق بَين نَصبه وفتحه بِالتَّنْوِينِ، وَعند التَّنْوِين تسْقط الْألف، ثمَّ إنَّهُمَا كَانَا مصدري يتنازعان فِي مِنْك، وَإِن كَانَا مكانين فَلَا إِذْ اسْم الْمَكَان لَا يعْمل، وَتَقْدِيره، لَا ملْجأ مِنْك إِلَى أحد إلَاّ إِلَيْك، وَلَا منجأ إلَاّ إِلَيْك. قَوْله:(آمَنت بكتابك) أَي: صدقت أَنه كتابك. وَقَوله: (الَّذِي أنزلت) صفته، وَضمير الْمَفْعُول مَحْذُوف، وَالْمرَاد بِالْكتاب الْقُرْآن، وَإِنَّمَا خصص الْكتاب بِالصّفةِ لتنَاوله جَمِيع الْكتب المنزّلة فَإِن قيل أَيْن الْعُمُوم هَهُنَا حَتَّى يَجِيء التخصص قلت الْمُفْرد الْمُضَاف يقيدد الْعُمُوم لِأَن الْمعرفَة. بِالْإِضَافَة كالمعرف بِاللَّامِ يحْتَمل الْجِنْس والاستغراق والعهد، فَلفظ الْكتاب الْمُضَاف هَاهُنَا يحْتَمل لجَمِيع الْكتب ولجنس الْكتب ولبعضها كالقرآن، وَقَالُوا: جَمِيع المعارف كَذَلِك وَقد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم} (سُورَة الْبَقَرَة: 6) فِي أول الْبَقَرَة: يجوز أَن يكون للْعهد، وَأَن يُرَاد بهم نَاس بأعيانهم، كَأبي جهل وَأبي لَهب والوليد بن الْمُغيرَة وأضرابهم، وَأَن يكون للْجِنْس متناولاً مِنْهُم كل من صمم على كفره انْتهى. قلت: التَّحْقِيق أَن الْجمع الْمُعَرّف تَعْرِيف الْجِنْس مَعْنَاهُ جمَاعَة الأحاد، وَهِي أَعم من أَن يكون جَمِيع الْآحَاد أَو بَعْضهَا، فَهُوَ إِذا أطلق احْتمل الْعُمُوم والاستغراق، وَاحْتمل الْخُصُوص، وَالْحمل على وَاحِد مِنْهُمَا يتَوَقَّف على الْقَرِينَة كَمَا فِي الْمُشْتَرك، هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ، وَصَاحب (الْمِفْتَاح) وَمن تبعهما وَهُوَ خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّة الْأُصُول.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام. مِنْهَا مَا قَالَه الْخطابِيّ: فِيهِ: حجَّة لمن منع رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَغَيره، وَكَانَ يذهب هَذَا الْمَذْهَب: أَبُو الْعَبَّاس النَّحْوِيّ، وَيَقُول: مَا من لَفظه من الْأَلْفَاظ المتناظرة فِي كَلَامهم إلَاّ وَبَينهَا وَبَين صاحبتها فرق، وَإِن دق ولطف كَقَوْلِه: بلَى وَنعم قلت: هَذَا الْبَاب فِيهِ خلاف بَين الْمُحدثين، وَقد عرف فِي مَوْضِعه، وَلَكِن لَا حجَّة فِي هَذَا للمانعين لِأَنَّهُ يحْتَمل الْأَوْجه الَّتِي ذَكرنَاهَا بِخِلَاف غَيره. وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن بطال: فِيهِ أَن الْوضُوء عِنْد النّوم مَنْدُوب إِلَيْهِ مَرْغُوب فِيهِ، وَكَذَلِكَ الدُّعَاء، لِأَنَّهُ قد تقبض روحه فِي نَومه فَيكون قد ختم عمله بِالْوضُوءِ وَالدُّعَاء الَّذِي هُوَ أفضل الْأَعْمَال، ثمَّ إِن هَذَا الْوضُوء مُسْتَحبّ وَإِن كَانَ متوضئاً كَفاهُ ذَلِك الْوضُوء، لِأَن الْمَقْصُود النّوم على طَهَارَة مَخَافَة أَن يَمُوت فِي ليلته، وَيكون أصدق لرؤياه وَأبْعد من تلعب الشَّيْطَان بِهِ فِي مَنَامه.