الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذاء الصَّدْر وَعَن الْحسن بحذاء الْوسط مِنْهُمَا إِلَّا أَنه يكون فِي الْمَرْأَة إِلَى رَأسهَا أقرب وَعَن أبي يُوسُف أَنه يقف بحذاء الْوسط من الْمَرْأَة وحذاء الرَّأْس من الرجل ذكره فِي الْمُفِيد وَهُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة قَالَا يقوم مِنْهُمَا بحذاء صدرهما وَقَالَ مَالك يقوم من الرجل عِنْد وَسطه وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها إِذْ الْوُقُوف عِنْد أعالي الْمَرْأَة أمثل وَأسلم وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ من الشَّافِعِيَّة يقوم الإِمَام عِنْد صَدره وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَقطع بِهِ السَّرخسِيّ قَالَ الصيدلاني وَهُوَ اخْتِيَار أَئِمَّتنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ أَصْحَابنَا البصريون يقوم عِنْد صَدره وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَقَالَ البغداديون عِنْد رَأسه وَقَالُوا لَيْسَ فِي ذَلِك نَص وَمِمَّنْ قَالَه الْمحَامِلِي فِي الْمَجْمُوع والتجريد وَصَاحب الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ
30 -
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب إِن قرىء بِالتَّنْوِينِ، وإلَاّ فبالسكون، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلَاّ بعد العقد والتركيب، وَلما كَانَ حكم الحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب خلاف حكم حَدِيث الْبَاب الَّذِي قبله، فصل بَينهمَا بقوله: بَاب، وَلكنه مَا ترْجم لَهُ، وَهَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره لم يذكر لفظ بَاب، بل أَدخل حَدِيث مَيْمُونَة الْآتِي فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
وَوجه مُنَاسبَة ذكر حَدِيث مَيْمُونَة فِيهِ هُوَ التَّنْبِيه وَالْإِشَارَة إِلَى أَن عين الْحَائِض وَالنُّفَسَاء طَاهِرَة، لِأَن ثوب النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصِيب مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إِذا سجد وَهِي حَائِض، وَلَا يضرّهُ ذَلِك، فَلذَلِك لم يكن يمْتَنع مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
333 -
حدَّثنا الْحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ قالَ حدَّثنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ قالَ أخبرنَا أبُو عَوَانةَ اسْمُهُ الوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قالَ أخبَرنا سُلَيمانُ الشَّيْبَانِيُّ عنْ عَبْدِ الله بنِ شَدَّادٍ قالَ سَمِعْتُ خالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهَا كانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي وَهْيَ مُفْترِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رسولِ اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ..
لم يذكر تَرْجَمَة لهَذَا الحَدِيث، لِأَنَّهُ ذكر قَوْله: بَاب، كَذَا مُجَردا، لِأَنَّهُ بِمَعْنى فصل، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر شَيْء. وَأما على الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ بَاب فوجهه مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
ذكر رِجَاله وهم سنة: الأول: الْحسن بن مدرك، بِضَم الْمِيم من الْإِدْرَاك أَبُو عَليّ السدُوسِي الْحَافِظ الطَّحَّان الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ، ختن أبي عوَانَة، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين واسْمه الوضاح، وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع: سُلَيْمَان بن أبي سِنَان فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد، تقدم ذكره. السَّادِس: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهِي خَالَة عبد الله بن شَدَّاد، لِأَن أمه سلمى بنت عُمَيْس أُخْت لميمونة لأمها، أَي: أُخْت أَخِيهَا وَفِيه.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ قَوْله: أَبُو عوَانَة. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِيه السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني. وَفِيه: رِوَايَة البُخَارِيّ من صغَار شُيُوخه، وَهُوَ الْحسن الْمَذْكُور، وَالْبُخَارِيّ أقدم مِنْهُ سَمَاعا. وروى البُخَارِيّ عَن يحيى بن حَمَّاد أَيْضا شيخ الْحسن الْمَذْكُور، والنكتة فِيهِ أَن هَذَا الحَدِيث قد فَاتَ البُخَارِيّ عَن شَيْخه يحيى، فَرَوَاهُ عَن الْحسن لِأَنَّهُ عَارِف بِحَدِيث يحيى بن حَمَّاد، وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى أَن أَبَا عوَانَة حدث بِهَذَا الحَدِيث، من كِتَابه، تَقْوِيَة لما رُوِيَ عَنهُ، قَالَ أَحْمد: إِذا حدث أَبُو عوَانَة من كِتَابه فَهُوَ أثبت، وَإِذا حدث من غير كِتَابه رُبمَا وهم، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: أَبُو عوَانَة ثِقَة، إِذا حدث من الْكتاب، وَقَالَ ابْن مهْدي: كتاب أبي عوَانَة أثبت من هشيم.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد، وَعَن عَمْرو بن زُرَارَة، وَعَن أبي النُّعْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد بِهِ. وَأخرجه ابْن ماجة عَن ابْن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (أَنَّهَا)، أَي: أَن مَيْمُونَة. قَوْله: (كَانَت تكون) فِيهِ ثَلَاث أوجه: أَحدهَا: أَن يكون أحد لَفْظِي الْكَوْن زَائِدا كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
وجيران لنا كَانُوا كرام
فَلفظ: كَانُوا، زَائِد، و: كرام، بِالْجَرِّ صفة: لجيران.
الثَّانِي: أَن يكون فِي: كَانَت، ضمير الْقِصَّة وَهُوَ اسْمهَا، وخبرها. قَوْله:(تكون حَائِضًا) فِي مَحل النصب. الثَّالِث: أَن يكون لفظ: تكون، بِمَعْنى: تصير، فِي مَحل النصب على أَنَّهَا إسم: كَانَت، وَيكون الضَّمِير فِي كَانَت رَاجعا إِلَى مَيْمُونَة، وَهُوَ اسْمهَا. وَقَوله:(حَائِضًا) يكون خبر تكون الَّتِي بِمَعْنى: تصير. قَوْله: (لَا تصلي) جملَة مُؤَكدَة. (لقَوْله حَائِضًا) وأعرب الْكرْمَانِي: لَا تصلي صفة لحائضا فِي وَجه، وَفِي وَجه أعربه حَالا. وأعرب: لَا تصلي خَبرا لكَانَتْ، وَالتَّحْقِيق مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(وَهِي مفترشة) جملَة إسمية وَقعت حَالا، يُقَال: افترش الشَّيْء، انبسط، وافترش ذِرَاعَيْهِ، بسطهما على الأَرْض. قَوْله:(بحذاء)، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد بِمَعْنى: إزاء. قَوْله: (مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: مَوضِع سُجُوده فِي بَيته، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمَسْجِد الْمَعْرُوف الْمَعْهُود. قَوْله: (على خمرته)، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم: وَهِي سجادة صَغِيرَة تعْمل من سعف النّخل، تنسج بالخيوط، وَسميت بذلك لسترها الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من حر الأَرْض وبردها، وَإِذا كَانَت كَبِيرَة سميت حَصِيرا. قَوْله:(أصابني بعض ثَوْبه) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول. فَإِن قلت: مَا محلهَا من الْإِعْرَاب؟ قلت: النصب على الْحَال، وَقد علمت أَن الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة المثبتة إِذا وَقعت حَالا تكون بِلَا: وَاو، فَافْهَم.
ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على أَن الْحَائِض لَيست بنجسة لِأَنَّهَا لَو كَانَت نَجِسَة لما وَقع ثَوْبه صلى الله عليه وسلم على مَيْمُونَة وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاء. وَمِنْهَا: أَن الْحَائِض إِذا قربت من الْمُصَلِّي لَا يضر ذَلِك صلَاته. وَمِنْهَا: ترك الْحَائِض الصَّلَاة. وَمِنْهَا: جَوَاز الافتراش بحذاء الْمُصَلِّي. وَمِنْهَا: جَوَاز الصَّلَاة على الشَّيْء الْمُتَّخذ من سعف النّخل، سَوَاء كَانَ كَبِيرا أَو صَغِيرا، بل هَذَا أقرب إِلَى التَّوَاضُع والمسكنة، بِخِلَاف صَلَاة المتكبرين على سجاجيد مثمنة مُخْتَلفَة الألوان والقماش. وَمِنْهُم من ينسج لَهُ سجادة من حَرِير، فَالصَّلَاة عَلَيْهَا مَكْرُوهَة، وَإِن كَانَ دوس الْحَرِير جَائِزا، لِأَن فِيهِ زِيَادَة كبر وطغيان.
كمل بعون الله تَعَالَى واعانته الْجُزْء الثَّالِث من (عُمْدَة الْقَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ للامام الْعَيْنِيّ، ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الرَّابِع ومطلعه كتاب التَّيَمُّم وفقنا الله عز وجل لإكماله فَإِنَّهُ ولي التَّوْفِيق
بسم الله الرحمن الرحيم