الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوْل عَن جمَاعَة من التَّابِعين. وَقَالَ أَكثر أهل الْعلم: لَا يجب عَلَيْهِ الِاغْتِسَال حَتَّى يعلم أَنه بَلل المَاء الدافق.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِيهِ دَلِيل على أَن النِّسَاء لَيْسَ كُلهنَّ يحتلمن، وَلِهَذَا أنْكرت عَائِشَة على أم سَلمَة، وَقد يعْدم الِاحْتِلَام فِي بعض الرِّجَال فالنساء أَجْدَر أَن يعْدم ذَلِك فِيهِنَّ، وَقد قيل: أَن إِنْكَار عَائِشَة لذَلِك إِنَّمَا كَانَ لصِغَر سنّهَا وَكَونهَا مَعَ زَوجهَا لِأَنَّهَا لم تَحض إلَاّ عِنْده، وَلم تفقده فقداً طَويلا إلأ بِمَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام، فَلذَلِك لم تعرف فِي حَيَاته الِاحْتِلَام، لأنَّ الِاحْتِلَام لَا يعرفهُ النِّسَاء، وَلَا أَكثر الرِّجَال إلَاّ عِنْد عدم الرِّجَال بِعَدَمِ الْمعرفَة بِهِ، فَإِذا فقد النِّسَاء أَزوَاجهنَّ احتلمن. وَالْوَجْه الأول عِنْدِي أصح، وَأولى، لِأَن أم سَلمَة فقدت زَوجهَا وَكَانَت كَبِيرَة عَالِمَة بذلك، وَأنْكرت مِنْهُ مَا أنْكرت عَائِشَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن من النِّسَاء من لَا تنزل المَاء فِي غير الْجِمَاع الَّذِي يكون فِي اليقطة وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن أم سَلمَة أَيْضا تزوجت أَبَا سَلمَة شَابة وَلما توفّي عَنْهَا زَوجهَا تزَوجهَا سيد الْمُرْسلين، لَا سِيمَا مَعَ شغلها بِالْعبَادَة وَشبههَا الَّتِى هِيَ وَجَاء لغَيْرهَا أَو تكون قالته إنكاراً على أم سليم لكَونهَا واجهت بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوضحهُ، فَقَالَت أم سَلمَة وغطت وَجههَا.
وَقَالَ [قعابن بطال [/ قع فِيهِ دَلِيل على أَن كل النِّسَاء يحتملن. وَفِيه: دَلِيل على وجوب الْغسْل على الْمَرْأَة بالإنزال، وَنفى ابْن بطال الْخلاف فِيهِ، وَقد ذكرنَا فِي أول الْبَاب خلاف النَّخعِيّ. وَفِيه: رد على من زعم أَن مَاء الْمَرْأَة لَا يبرز، وَإِنَّمَا تعرف إنزالها بشهوتها وَحمل قَوْله: إِذا رَأَتْ المَاء أَي: إِذا علمت بِهِ لِأَن وجود الْعلم هُنَا مُتَعَذر، لِأَن الرجل لَو رأى أَنه جَامع وَعلم أَنه أنزل فِي النّوم ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَلم ير بللاً لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل فَكَذَلِك الْمَرْأَة، وَإِن أَرَادَ علمهَا بذلك بعد أَن استيقظت فَلَا يَصح، لِأَنَّهُ لَا يسْتَمر فِي الْيَقَظَة مَا كَانَ فِي النّوم إلَاّ إِن كَانَ مشاهداً، فَحمل الْكَلَام على ظَاهره هُوَ الصَّوَاب. فَإِن قلت: قد جَاءَ عَن أم سَلمَة، فَضَحكت، وَجَاء، فغطت وَجههَا، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا. قلت: معنى ضحِكت تبسمت تَعَجبا، وغطت وَجههَا، حَيَاء وَمعنى: تربت يَمِينك، فِي الأَصْل، لَا أَصَابَت خيرا، غير أَن فِي (لِسَان الْعَرَب) يُطلق ذَلِك وأمثالها، وَيُرَاد بِهِ الْمَدْح وَفِي كتاب (أدب الْخَواص) للوزير أبي الْقَاسِم المغربي، وَفِي كتاب (الأيك والغصون) لأبي الْعَلَاء المعري معنى قَوْله: ترَتّب يَمِينك أَي: افْتَقَرت من الْعلم مِمَّا سَأَلت عَنهُ أم سليم وَفِي (الْمُحكم) ترب الرجل صَار فِي يَده التُّرَاب، وترب ترباً لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر وترب ترباً ومتربة خسر وافتقر، وَحكى قطرب: ترب وأترب. قَوْله: (وألت) بعد قَوْله اتربت يَمِينك مَعْنَاهُ: صاحت لما أَصَابَهَا من شدَّة، هَذَا الْكَلَام، وَرُوِيَ ألت، بِضَم الْهمزَة مَعَ التَّشْدِيد أَي: طعنت بالآلة، وَهِي الحربة العريضة النصل.
23 -
(بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)
أَي هَذَا بَاب فِي عرق الْجنب، وَلم يبين مَا حكم عرق الْجنب، وَلَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا يُطَابق هَذِه التَّرْجَمَة وَقَالَ بَعضهم: كَأَن المُصَنّف يُشِير بذلك إِلَى الْخلاف فِي عرق الْكَافِر، وَقَالَ قوم: إِنَّه نجس بِنَاء على القَوْل بِنَجَاسَة عينة. قلت: مَا أبعد هَذَا الْكَلَام عَن الذَّوْق. فَكيف يتَوَجَّه مَا قَالَه: وَالْمُصَنّف قَالَ: بَاب عرق الْجنب؟ وَسكت عَلَيْهِ وَلم يشر إِلَى حكمه لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي ذكره فِي هَذَا الْبَاب؟ وَفَائِدَة ذكر الْبَاب الْمَعْقُود بالترجمة ذكر مَا عقدت لَهُ التَّرْجَمَة، وإلَاّ فَلَا فَائِدَة فِي ذكرهَا، وَيُمكن أَن يُقَال؛ إِنَّه ذكر ترجمتين، والترجمة الثَّانِيَة تدل على أَن الْمُسلم طَاهِر، وَمن لَوَازِم طَهَارَته طَهَارَة عرقه، وَلَكِن لَا يخْتَص بعرق الْمُسلم، وَالْحَال أَن عرق الْكَافِر أَيْضا طَاهِر. قَوْله:(وَإِن الْمُسلم لَا ينجس) عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: وَبَاب أَن الْمُسلم لَا ينجس.
وَذكر هَذَا الْبَاب بَين الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة والآتية لَا يَخْلُو عَن وَجه الْمُنَاسبَة، وَهُوَ ظَاهر.
283 -
حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لَا يَنْجُسُ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي هَذَا الْبَاب ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي. الرَّابِع: بكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه، نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عليه وسلم. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه أَيْضا كَذَلِك. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قد رَأينَا من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم رِوَايَتَيْنِ. قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) أَن مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله (فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي. طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: (لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق الْمَدِينَة) قَوْله: (فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة. الأولى: (فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة. وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان. الثَّانِيَة: فاختنست، مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ فِي الرِّوَايَة الأولى من بَاب الانفعال، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة من بَاب الافتعال. الثَّالِثَة: فانبجست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} (سُورَة الْأَعْرَاف: 16) أَي: جرت واندفعت، وَهِي رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت وَابْن عَسَاكِر أَيْضا. الرَّابِعَة: فانتجست، من النَّجَاسَة من بَاب الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. الْخَامِسَة: فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ الْإِسْرَاع. السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس، وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ رِوَايَة المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة. السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس، وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. الثَّامِنَة: (فانسللت) . التَّاسِعَة: (فانسل)، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: وَلم يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف، وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره بِهِ. قَوْله:(يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي الْأَب تَخْفِيفًا. قَوْله: (جنب) يُقَال: أجنب الرجل فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث، قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي (الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو وأجناب، وَفِي (الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم النُّون. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ. وَقَالَ المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ بالمشهور. وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو مَنْصُور: لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة وَقَالَ الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم، حَتَّى يغْتَسل. قَوْله:(سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك. وَقَالَ الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من السوء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك
وَنُصَلِّي لَك، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (أساس البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته وتسابيحه، وَفِي (المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ الله قَائِم مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت سُبْحَانَ الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله. أتَسرع إِلَيْهِ وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح. وَذكر النَّضر بن شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول: سُبْحَانَ الله. قَوْله: (لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده النَّجس وَالنَّجس وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل نجس، وَالْجمع أنجاس، وَقيل: النَّجس يكون اللواحد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل، رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس، فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس، وَفِي (الْجَامِع) أَحسب الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس نجسا، وَاسم النَّجَاسَة. وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف فِي بَاب: فعل وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا نَجَاسَة ضد طهر. وَفِي (الصِّحَاح) نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ ينجس نجسا فَهُوَ نجس ونجس وَفِي (كتاب ابْن عديس) نجس الرجل ونجس نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم وضمهاإذا تقذر.
ذكر إعرابه قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته. قَوْله: (فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل. قلت: على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ. وَأما جَوَاز لَفظه بالغيبة فَمن بَاب التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ. قَوْله:(كنت جنبا) أَي: ذَا جَنَابَة. قَوْله: (وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك. (وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عليه السلام، كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود. قَالَ:(لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ: إِن الْمُسلم لَا ينجس) . قَوْله: (سُبْحَانَ الله) ، سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل. وَقَالَ الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب، وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا الظَّاهِر عَلَيْك.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبَاب لَهُ، أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة وَذكر البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس تَعْلِيقا. [حم (الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم وَوَصله الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ: أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة. قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: [حم (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ، وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن عَائِشَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة، وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ: معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان، وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.
وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم خلاف قَوْلهمَا. وَقَالَ [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس عِنْد الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر: وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر عِنْدِي، وَقَالَ ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس لقَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} (سُورَة التَّوْبَة: 28) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبَاب، وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن لَا يسلم مِنْهُ من