الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
286 -
حدّثنا أَبُو نَعِيمٍ قالَ حدّثنا هِشَامٌ وَشيبانُ عَنْ يِحْيى اعَنْ أبي سَلَمَةَ قالَ سألتُ عائِشَةَ أكانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبُ قالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَأُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، قيل: أَشَارَ المُصَنّف بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا [حم (إِن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة وَلَا جنب) [/ حم. قلت: هَذَا بعيد، لِأَن المُرَاد من هَذَا الْجنب الَّذِي يتهاون بالاغتسال ويتخذه عَادَة حت تفوته صَلَاة أَو أَكثر، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ من يُؤَخِّرهُ ليفعله، أَو يكون المُرَاد مِنْهُ من لم يرفع حَدثهُ كُله أَو بعضه، لِأَنَّهُ إِذا تَوَضَّأ ارْتَفع بعض الْحَدث عَنهُ، والْحَدِيث الْمَذْكُور صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَالَّذِي ضعفه قَالَ: فِي إِسْنَاده نجي الْحَضْرَمِيّ، بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم، لم يرو عَنهُ غير ابْنه عبد الله، فَهُوَ مَجْهُول، لَكِن وَثَّقَهُ الْعجلِيّ.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وَهِشَام الدستوَائي، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ الْمُؤَدب صَاحب حُرُوف وقراآت، وَيحيى بن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، تقدمُوا بِهَذَا التَّرْتِيب فِي كتاب الْعلم إلَاّ هشاماً فَإِنَّهُ مر فِي بَاب زِيَادَة الْإِيمَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: رِوَايَة ابْن أبي شيبَة بتحديث أبي سَلمَة وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن ابْن عمر، رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
ذكر إعرابه قَوْله: (أَكَانَ) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَيتَوَضَّأ) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره، نعم يرقد وَيتَوَضَّأ. فَإِن قلت: هَل كَانَ يتَوَضَّأ بعد الرقاد؟ قلت: الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب، وَالْمعْنَى أَنه يجمع بَين الْوضُوء والرقاد، وَلمُسلم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة، كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، وَهَذَا وَاضح لما قَررنَا، فآل معنى رِوَايَة البُخَارِيّ نعم إِذا أَرَادَ النّوم يقوم وَيتَوَضَّأ ثمَّ يرقد، ويوضح هَذَا أَيْضا حَدِيث ابْن عمر الَّذِي ذكره البُخَارِيّ عقيب هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي عَن قريب.
وَالَّذِي يستنبط من هَذَا الحَدِيث أَن الْجنب إِذا أَرَادَ النّوم يتَوَضَّأ ثمَّ هَذَا الْوضُوء مُسْتَحبّ أَو وَاجِب؟ يَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
26 -
(بابُ نَوْم الجُنُبُ)
278 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ قالَ حدّثنا الَّليْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَابِ سَأَلَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَرْقُدُ أَحَدُنا وَهُوَ جُنُبٌ قالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَأَ أَحَدُكُمْ فَلُيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن رقاد الْجنب فِي الْبَيْت يَقْتَضِي جَوَاز كينونته فِيهِ، وَمعنى التَّرْجَمَة هَذَا. وَفِي بعض النّسخ، قبل هَذَا الحَدِيث، بَاب نوم الْجنب: حَدثنَا قُتَيْبَة إِلَى آخِره، وَهَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا لحُصُول الِاسْتِغْنَاء عَنهُ بِالْبَابِ الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون ترْجم على الْإِطْلَاق وعَلى التَّقْيِيد فَلَا تكون زَائِدَة. قلت: لَا يخرج عَن كَونه زَائِدا لِأَن الْمَعْنى الْحَاصِل فيهمَا وَاحِد وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة، فَلَا حَاجَة إِلَى ذكره وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الْإِسْنَاد بِهَذَا التَّرْتِيب تقدم فِي آخر كتاب الْعلم. قلت: نعم، كَذَا ذكره فِي بَاب ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد، حَيْثُ قَالَ: حدّثنا قُتَيْبَة بن سعيد حدّثنا اللَّيْث بن سعد، قَالَ: حَدثنَا نَافِع مولى عبد الله بن عمر بن الْخطاب بن عبد الله بن عمر أَن رجلا قَامَ فِي الْمَسْجِد الحَدِيث، فالإسنادان سَوَاء، غير أَن هُنَاكَ نسب الروَاة، وَهَهُنَا اكْتفى بأساميهم وَأَن الَّذِي هُنَاكَ يُوضح الَّذِي هَاهُنَا، وَمَعَ هَذَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا متن خلاف متن الآخر. فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يعد من مُسْند عمر بن الْخطاب أَو من مُسْند ابْنه عبد الله؟ قلت: ظَاهره أَن ابْن عمر حضر سُؤال أَبِيه عمر، فَيكون الحَدِيث من مُسْنده، وَهُوَ من رِوَايَة نَافِع وروى عَن ايوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر أَنه قَالَ يَا رَسُول الله اخرجه النَّسَائِيّ وعَلى هَذَا مَشْهُور من رِوَايَة مُسْند عمر، وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث. قَوْله:(أيرقد) ؟ الْهمزَة للاستفهام عَن حكم الرقاد لَا عَن تعْيين الْوُقُوع،
فَالْمَعْنى: أَيجوزُ الرقود لَا حدنا؟ قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة حَالية. قَوْله: (إِذا تَوَضَّأ) ظرف محص. لقَوْله: (فليرقد) وَالْمعْنَى: إِذا أَرَادَ أحدكُم الرقاد قليرقد بعد التوضأ وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيجوز أَن يكون ظرفا متضمناً للشّرط ثمَّ قَالَ: الشَّرْط سَبَب، فَمَا الْمُسَبّب الرقود أم الْأَمر بالرقود ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل الْأَمريْنِ مجَازًا لَا حَقِيقَة كَأَن التوضي مسبب لجَوَاز الرقود أَو لأمر الشَّارِع بِهِ. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: الرقود لَيْسَ وَاجِبا وَلَا مَنْدُوبًا، فَمَا معنى الْأَمر؟ قلت: الْإِبَاحَة بِقَرِينَة الْإِجْمَاع على عدم الْوُجُوب وَالنَّدْب. انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام مدمج وَفِيه تَفْصِيل وَخلاف، فَنَقُول: وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، ذهب الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَابْن الْمسيب وَأَبُو يُوسُف إِلَى أَنه لَا بَأْس للْجنب أَن ينَام من غير أَن يتَوَضَّأ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا هناد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت: (كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ينَام وَهُوَ جنب وَلَا يمس مَاء) وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت: (إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إِن كَانَت لَهُ إِلَى أَهله حَاجَة قَضَاهَا ثمَّ ينَام كَهَيئَةِ لَا يمس مَاء) وَأخرجه أَحْمد كَذَلِك، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من سَبْعَة طرق. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَن ابْن أبي دَاوُد عَن مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة. قَالَت: [حم (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إِذا رَجَعَ من الْمَسْجِد صلى مَا شَاءَ الله ثمَّ مَال إِلَى فرَاشه وَإِلَى أَهله فَإِن كَانَت لَهُ حَاجَة قَضَاهَا ثمَّ نَام كَهَيْئَته وَلَا يمس طيبا) [/ حم وأرادت بالطيب المَاء، كَمَا وَقع فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَلَا يمس مَاء، وَذَلِكَ أَن المَاء يُطلق عَلَيْهِ الطّيب كَمَا ورد فِي الحَدِيث فَإِن المَاء طيب لِأَنَّهُ يطيب ويطهر، وَأي طيب أقوى فعلا فِي التَّطْهِير من المَاء؟ وَذهب الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُبَارك وَآخَرُونَ إِلَى أَنه يَنْبَغِي للْجنب أَن يتَوَضَّأ للصَّلَاة قبل أَن ينَام، وَلَكنهُمْ اخْتلفُوا فِي صفة هَذَا الْوضُوء وَحكمه فَقَالَ أَحْمد: يسْتَحبّ للْجنب إِذا أَرَادَ أَن ينَام أَو يطَأ ثَانِيًا أَو يَأْكُل أَن يغسل فرجه وَيتَوَضَّأ روى ذَلِك عَن عَليّ وَعبد الله بن عمر، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل يغسل كفيه ويتمضمض وَحكى نَحوه عَن أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ مُجَاهِد: يغسل كفيه. وَقَالَ مَالك: يغسل يَدَيْهِ إِن كَانَ أصابهما أَذَى.
وَقَالَ [قعأبو عمر [/ قع فِي (التَّمْهِيد) وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي إِيجَاب الْوضُوء عِنْد النّوم على الْجنب، فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَن ذَلِك على النّدب والاستحباب لَا على الْوُجُوب. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن الْوضُوء الْمَأْمُور بِهِ الْجنب هُوَ غسل الْأَذَى مِنْهُ وَغسل ذكره وَيَديه، وَهُوَ التَّنْظِيف، وَذَلِكَ عِنْد الْعَرَب يُسمى، وضوأً. قَالُوا: وَقد كَانَ ابْن عمر لَا يتَوَضَّأ عِنْد النّوم الْوضُوء الْكَامِل، وَهُوَ روى الحَدِيث وَعلم مخرجه، وَقَالَ [قعمالك [/ قع: لَا ينَام الْجنب حَتَّى يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، قَالَ: وَله أَن يعاود أَهله وَيَأْكُل قبل أَن يتَوَضَّأ؛ إِلَّا أَن يكون فِي يَدَيْهِ قذر فيغسلهما، قَالَ: وَالْحَائِض تنام قبل أَن تتوضأ. وَقَالَ الشَّافِعِي، فِي هَذَا كُله نَحْو قَول مَالك، وَقَالَ [قعأبو حنيفَة وَالثَّوْري [/ قع: لَا بَأْس أَن ينَام الْجنب على غير وضوء، وَأحب إِلَيْنَا أَن يتَوَضَّأ، قَالُوا: فَإِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل تمضمض وَغسل يَدَيْهِ، وَهُوَ قَول الْحسن ابْن حَيّ. وَقَالَ الأزاعي: الْحَائِض وَالْجنب أَرَادَ أَن يطعما غسلا أَيْدِيهِمَا. وَقَالَ [قعالليث بن سعد [/ قع: لَا ينَام الْجنب حَتَّى يتَوَضَّأ رجلا كَانَ أَو امْرَأَة. انْتهى.
وَقَالَ [قعالقاضي عِيَاض [/ قع: ظَاهر مَذْهَب مَالك أَنه لَيْسَ بِوَاجِب، وَإِنَّمَا هُوَ مرغب فِيهِ، وَابْن حبيب يرى وُجُوبه، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد، وَقَالَ [قعابن حزم [/ قع فِي (الْمحلى) وَيسْتَحب الْوضُوء للْجنب إِذا أَرَادَ الْأكل أَو النّوم ولرد السَّلَام وَلذكر الله، وَلَيْسَ ذَلِك بِوَاجِب. قلت: قد خَالف ابْن حزم دَاوُد فِي هَذَا الحكم وَقَالَ [قعابن الْعَرَبِيّ [/ قع: قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للْجنب أَن ينَام قبل أَن يتَوَضَّأ. وَقَالَ بَعضهم: أنكر بعض الْمُتَأَخِّرين هَذَا النَّقْل، وَقَالَ: لم يقل الشَّافِعِي بِوُجُوبِهِ، وَلَا يعرف ذَلِك أَصْحَابه، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِن كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ مَحْمُول على أَنه أَرَادَ نفي الْإِبَاحَة المستوية الطَّرفَيْنِ، لَا إِثْبَات الْوُجُوب، أَو أَرَادَ بِأَنَّهُ وَاجِب وجوب سنة أَي: متأكد الِاسْتِحْبَاب، وَيدل عَلَيْهِ أَنه قابله بقول ابْن حبيب: هُوَ وَاجِب وجوب الْفَرَائِض. انْتهى. قلت: إِنْكَار الْمُتَأَخِّرين هَذَا الَّذِي نقل عَن الشَّافِعِي إِنْكَار مُجَرّد فَلَا يُقَاوم الْإِثْبَات، وَعدم معرفَة أَصْحَابه ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم قَول الشَّافِعِي بذلك، وَأبْعد من هَذَا قَول هَذَا الْقَائِل، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَكيف يَقُول بِهَذَا وَقد بَينا فَسَاده، وَأبْعد من هَذَا كُله حمل هَذَا الْقَائِل كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ على مَا ذكره، يعرف ذَلِك من يدقق نظره فِيهِ.
ثمَّ اعْلَم أَن الطَّحَاوِيّ أجَاب عَن حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور، فَقَالَ: وَقَالُوا هَذَا الحَدِيث غلط لِأَنَّهُ حَدِيث مُخْتَصر، اخْتَصَرَهُ
أَبُو إِسْحَاق من حَدِيث طَوِيل فاخطأ فِي اختصاره إِيَّاه، وَذَلِكَ أَن بَهْزًا حَدثنَا قَالَ: أخبرنَا أَبُو غَسَّان، قَالَ أخبرنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: أتيت الْأسود بن يزِيد، وَكَانَ لي أَخا وصديقاً فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عمر حَدثنِي مَا حدثتك عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (قَالَت عَائِشَة كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ينَام أول اللَّيْل ويحيي آخِره، ثمَّ إِن كَانَت لَهُ حَاجَة قضى حَاجته، ثمَّ ينَام قبل أَن يمس مَاء، فَإِذا كَانَ عِنْد النداء الأول وثب، وَمَا قَالَت: قَامَ، فَأَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء، وَمَا قَالَت: اغْتسل، وَأَنا أعلم مَا تُرِيدُ، وَإِن نَام جنبا تَوَضَّأ وضوء الرجل للصَّلَاة) فَهَذَا الْأسود بن زيد قد بَان فِي حَدِيثه لما ذكر بِطُولِهِ أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، وَأما قَوْلهَا: فَإِن كَانَت لَهُ حَاجَة قَضَاهَا ثمَّ نَام قبل أَن يمس مَاء، فَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مَحْمُولا على المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ، لَا على الْوضُوء، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ، سَمِعت يزِيد بن هَارُون يَقُول: هَذَا الحَدِيث وهم، يَعْنِي حَدِيث أبي إِسْحَاق. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: لَيْسَ بِصَحِيح، وَقَالَ المهني: سَأَلت أَبَا عبد الله عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح قلت: لم قَالَ: لِأَن شُعْبَة روى عَن الْحَاكِم عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة: [حم (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة) [/ حم قلت: من قبل من جَاءَ هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قَالَ: من قبل أبي إِسْحَاق، قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد بن صَالح عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَا يحل أَن يرْوى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عَليّ الطوسي، روى غير وَاحِد عَن الْأسود عَن عَائِشَة:(أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يتَوَضَّأ قبل أَن ينَام وَهُوَ جنب، يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة) وَهَذَا أصح من حَدِيث أبي إِسْحَاق قَالَ: وَكَانُوا يرَوْنَ أَن هَذَا غلط من أبي إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن مَاجَه، عقيب رِوَايَته هَذَا الحَدِيث قَالَ سُفْيَان: ذكرت الحَدِيث يَعْنِي هَذَا، يَوْمًا، فَقَالَ لي إِسْمَاعِيل: شدّ هَذَا الحَدِيث ياقتي بِشَيْء.
وتصدى جمَاعَة لتصحيح هَذَا الحَدِيث.
مِنْهُم الدراقطني: فَإِنَّهُ قَالَ: يشبه أَن يكون الخبران صَحِيحَيْنِ، لِأَن عَائِشَة قَالَت: رُبمَا قدم الْغسْل، وَرُبمَا أَخّرهُ، وكما حكى ذَلِك غُضَيْف وَعبد الله بن أبي قيس وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة، وَأَن الْأسود حفظ ذَلِك عَنْهَا. فحفظ أَبُو إِسْحَاق عَنهُ تَأْخِير الْوضُوء وَالْغسْل، وَحفظ إِبْرَاهِيم وَعبد الرَّحْمَن تَقْدِيم الْوضُوء على الْغسْل.
وَمِنْهُم الْبَيْهَقِيّ: وَمُلَخَّص كَلَامه أَن حَدِيث أبي إِسْحَاق صَحِيح من جِهَة الرِّوَايَة، وَذَلِكَ أَنه بَين فِيهِ سَمَاعه من الْأسود فِي رِوَايَة زُهَيْر عَنهُ، والمدلس إِذا بَين سَمَاعه مِمَّن روى عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة، فَلَا وَجه لرده، وَوجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ على وَجه يحْتَمل، وقدجمع بَينهمَا أَبُو الْعَبَّاس ابْن شُرَيْح فاحسن الْجمع، وَسُئِلَ عَنهُ وَعَن حَدِيث عمر: [حم (أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ) [/ حم وَقَالَ الحكم لَهما جَمِيعًا أما حَدِيث عَائِشَة فَإِنَّمَا أَرَادَت أَنه كَانَ لَا يمس مَاء للْغسْل. وَأما حَدِيث عمر: (أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليرقد) . فمفسره ذكر فِيهِ الْوضُوء وَبِه، نَأْخُذ.
وَمِنْهُم ابْن قُتَيْبَة. فَإِنَّهُ قَالَ: يُمكن أَن يكون الْأَمْرَانِ جميعاٌ وقعاد فالفعل لبَيَان الِاسْتِحْبَاب، وَالتّرْك لبَيَان الْجَوَاز، وَمَعَ هَذَا قَالُوا: إِنَّا وجدنَا لحَدِيث أبي إِسْحَاق شَوَاهِد ومتابعين، فَمِمَّنْ تَابعه عَطاء وَالقَاسِم وكريب والسوائي فِيمَا ذكره أَبُو إِسْحَاق الْجرْمِي فِي كتاب (الْعِلَل) قَالَ: وَأحسن الْوُجُوه فِي ذَلِك أَن صَحَّ حَدِيث أبي إِسْحَاق فِينَا رَوَاهُ وَوَافَقَهُ هَؤُلَاءِ أَن تكون عَائِشَة أخْبرت الْأسود أَنه كَانَ رُبمَا تَوَضَّأ، وَرُبمَا أخر الْوضُوء وَالْغسْل حَتَّى يصبح، فَأخْبر الْأسود إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يتَوَضَّأ وَأخْبر أَبَا إِسْحَاق أَنه كَانَ يُؤَخر الْغسْل، وَهَذَا أحسن وأوجه. فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن عَائِشَة مَا يضاد مَا رُوِيَ عَنْهَا أَولا، وَهُوَ أَن الطَّحَاوِيّ روى من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. قَالَت:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل وَهُوَ جنب غسل كفيه) وَرُوِيَ عَنْهَا: (أَنه كَانَ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة) . قلت: أجَاب الطَّحَاوِيّ عَن هَذَا بِأَنَّهَا لما أخْبرت بِغسْل الْكَفَّيْنِ، بعد أَن كَانَت علمت بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمر بِالْوضُوءِ التَّام، دلّ ذَلِك على ثُبُوت النّسخ عِنْدهَا، وَقَالَ بَعضهم: جنح الطَّحَاوِيّ إِلَى أَن المُرَاد بِالْوضُوءِ التَّنْظِيف، وَاحْتج بِأَن ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث وَهُوَ صَاحب الْقِصَّة. كَانَ يتَوَضَّأ وَهُوَ جنب لَا يغسل رجلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع وَأجِيب بِأَنَّهُ ثَبت تَقْيِيد الْوضُوء بِالصَّلَاةِ فِي رِوَايَة عَائِشَة فيعتمد عَلَيْهَا وَيحمل ترك ابْن عمر غسل رجلَيْهِ، على أَن ذَلِك كَانَ لعذر. قلت: هَذَا الْقَائِل مَا أدْرك كَلَام الطَّحَاوِيّ وَلَا ذاق مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَائِل بورود هَذِه الرِّوَايَة عَن عَائِشَة، وَلكنه حمله على النّسخ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر حمله على النّسخ لِأَن فعله هَذَا بعد علمه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر بِالْوضُوءِ التَّام للْجنب يدل على