الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَكَذَا رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو زيد، وَرَوَاهُ ابْن السكن عَن الْفربرِي فَقَالَ مَالك عَن نَافِع، وَقَالَ: الجياني فِي بعض النّسخ، جعل نَافِعًا بدل عبد الله بن دِينَار، وَكِلَاهُمَا صَوَاب، لِأَن مَالِكًا يروي هَذَا الحَدِيث عَنْهُمَا. لكنه بروايه عبد الله أشهر وَقَالَ ابْن عبد الْبر، الحَدِيث لمَالِك عَنْهُمَا جَمِيعًا، لَكِن الْمَحْفُوظ عَن عبد الله بن دِينَار، وَحَدِيث نَافِع غَرِيب. قلت: لَا غرابة، لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك عَن نَافِع خَمْسَة أَو سِتَّة، وَلكنه الأول أشهر. قَوْله:(ذكر عمر بن الْخطاب) يَقْتَضِي أَن يكون الحَدِيث من مُسْند ابْن عمر قَوْله: (أَنه تصيبه الْجَنَابَة من اللَّيْل) الضَّمِير فِي أَنه يرجع إِلَى عبد الله بن عمر لَا إِلَى عمر يدل عَلَيْهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عون عَن نَافِع قَالَ: [حم (أصَاب ابْن عمر جَنَابَة فَأتى عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَأتى عمر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فَقَالَ: ليتوضأ وليرقد) [/ حم وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي لَهُ، يرجع إِلَى عبد الله بن عمر لَا إِلَى عمر. فَإِن قلت: ظَاهر عبارَة البُخَارِيّ يدل على أَن الضَّمِير فِي أَنه وَله يرجع إِلَى عمر. قلت: الظَّاهِر كَذَا، وَلَكِن رِوَايَة النَّسَائِيّ بيّنت أَن الضَّمِير لعبد الله، فَكَأَنَّهُ حضر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد أَن ذكر عمر ذَلِك، فَلهَذَا خاطبه بقوله:(تَوَضَّأ واغسل ذكرك) وَإِن لم يكن حضر فالخطاب لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَنَّهُ جَوَاب استفتائه، وَلكنه يرجع إِلَى ابْنه عبد الله لِأَن الاستفتاء من عمر لأجل عبد الله كَمَا دلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ قَوْله:(فَقَالَ لَهُ) لَيست لَفْظَة لَهُ بموجودة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ قَوْله: (تَوَضَّأ واغسل ذكرك) مَعْنَاهُ إجمع بَينهمَا لِأَن الْوَاو وَلَا تدل على التَّرْتِيب لِأَنَّهُ من الْمَعْلُوم أَن يقدم غسل الذّكر على الْوضُوء وَفِي رِوَايَة أبي نوح عَن مَالك: اغسل ذكرك ثمَّ تَوَضَّأ ثمَّ نم وَهُوَ على الأَصْل.
وَفِيه: رد على من حمل الرِّوَايَة الأولى على ظَاهرهَا وَأَجَازَ تَقْدِيم الْوضُوء على غسل الذّكر لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوضُوء ينقصهُ الْحَدث وَإِنَّمَا هُوَ للتعبد.
28 -
(بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا إِذا التقى الختانان يَعْنِي: ختان الرجل وختان الْمَرْأَة وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَة ختان الرجل وخفاض الْمَرْأَة، وَإِنَّمَا ثنيا بِلَفْظ وَاحِد تَغْلِيبًا لَهُ قلت: ذكرُوا هَذَا وَلَكِن ذكر هَذَا بِنَاء على عَادَة الْعَرَب، فَإِنَّهُم يختنون النِّسَاء. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(الْخِتَان للرِّجَال سنة وللنساء مكرمَة) رَوَاهُ الْجَصَّاص فِي كتاب (أدب الْقَضَاء) عَن شَدَّاد بن أَوْس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ الْخِتَان قطع جليدة الكمرة، وَكَذَلِكَ الختن والخفاض قطع جلدَة من أَعلَى فرجهَا تشبه عرف الديك بَينهَا وَبَين مدْخل الذّكر جلدَة رقيقَة، وَكَذَلِكَ الْخَفْض.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ جهدها) لِأَنَّهُ رُوِيَ: (والزق الْخِتَان بالختان)، بدل قَوْله:(ثمَّ جهدها) على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة لِأَنَّهُ رَوَاهُ من طَرِيقين. الأول: عَن معَاذ بن فضَالة، بِضَم الْمِيم فِي، مَعْنَاهُ وَفتح الْفَاء فِي فضَالة الْبَصْرِيّ عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة بن دعامة الْمُفَسّر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي رَافع نفيع الصَّائِغ، وَالطَّرِيق. الثَّانِي: عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن هِشَام الخ وَعلم على الطَّرِيقَيْنِ بِصُورَة (ح) بَين الإسنادين من التَّحْوِيل.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: وَفِيه: العنعنة فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي خثيمَةَ زُهَيْر بن حَرْب، وَأبي غَسَّان المسمعي وَابْن الْمثنى، وَابْن بشار، أربعتهم عَن معَاذ بن هِشَام عَن أَبِيه عَن الْحسن بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن ابْن أبي عدي عَن ابْن الْمثنى عَن وهب بن جرير، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَشعْبَة، كِلَاهُمَا عَن قَتَادَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن
ذكر لغاته قَوْله: (بَين شعبها) بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة جمع شُعْبَة، ويروي: أشعبها، جمع شعب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الشعبة الطَّائِفَة من كل شَيْء، والقطعة مِنْهُ والشعب، النواحي، وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالشعبِ الْأَرْبَع، فَقيل: هِيَ اليدان وَالرجلَانِ، وَقيل: الفخذان وَالرجلَانِ، وَقيل: الرّجلَانِ والشفران، وَاخْتَارَ القَاضِي عِيَاض، أَن المُرَاد من الشّعب الْأَرْبَع واحيها الْأَرْبَع، وَالْأَقْرَب أَن يكون المُرَاد الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَو الرجلَيْن والفخذين وَيكون الْجِمَاع مكنياً عَنهُ بذلك، يَكْتَفِي بِمَا ذكر عَن التَّصْرِيح، وَإِنَّمَا رجح هَذَا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْحَقِيقَة فِي الْجُلُوس بَينهمَا، وَالضَّمِير فِي جلس، يرجع إِلَى الرجل، وَكَذَلِكَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: جهدها، وَأما الضَّمِير الَّذِي فِي شعبها، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: جهدهاد، فيرجعان إِلَى الْمَرْأَة، وَإِن لم يمض ذكرهَا الدّلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} (سُورَة ص: 32) قَوْله: (ثمَّ جهدها) بِفَتْح الْجِيم وَالْهَاء أَي: بلغ جهده فِيهَا وَقيل: بلغ مشقتها يُقَال: جهدته وأجهدته إِذا بلغت مشقته، وَقيل: مَعْنَاهُ كدها بحركته وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق شُعْبَة وَهِشَام عَن قَتَادَة ثمَّ اجْتهد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق شُعْبَة وَهِشَام مَعًا عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِذا قعد بَين شعبها الْأَرْبَع، وألزق الْخِتَان بالختان فقد وَجب الْغسْل) أَي: مَوضِع الْخِتَان بِموضع الْخِتَان، لِأَن الْخِتَان اسْم للْفِعْل، وَهَذَا يدل على أَن الْجهد هَاهُنَا كِنَايَة عَن معالجة الْإِيلَاج، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة (إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل) وَرُوِيَ أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَائِشَة، أخرجه الشَّافِعِي من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَنْهَا، وَلَكِن فِي طَريقَة عَليّ بن زيد، وَهُوَ ضَعِيف وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَنْهَا بِرِجَال ثِقَات، رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْهَا، وَلَفظه:(وسم الْخِتَان الْخِتَان) وَالْمرَاد بالمس، الالتقاء عَلَيْهِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ:(إِذا جَاوز) وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة الْمس، حَتَّى لَو حصل الْمس بِدُونِ التقاء الختانين لَا يجب الْغسْل بِلَا خلاف، وَالْحَاصِل أَن إِيجَاب الْغسْل لَا يتَوَقَّف على نزُول الْمَنِيّ، بل مَتى غَابَتْ الْحَشَفَة فِي الْفرج وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا، وَإِن لم ينزل يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم من طَرِيق مطر الْوراق عَن الْحسن فِي آخر هَذَا الحَدِيث:(وَإِن لم ينزل) وَوَقع ذَلِك فِي رِوَايَة قَتَادَة أَيْضا، رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي (تَارِيخه) عَن عَفَّان قَالَ: حَدثنَا همام وَأَبَان قَالَا أخبرنَا قَتَادَة بِهِ وَزَاد فِي آخِره: (أنزل أَو لم ينزل) ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ من طَرِيق عَليّ بن سهل عَن عَفَّان، وَكَذَا ذكرهَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة، وَقيل: الْجهد من أَسمَاء النِّكَاح، فَمَعْنَى جهدها جَامعهَا، وَإِنَّمَا عدل إِلَى الْكِنَايَة للاجتناب عَن التفوه بِمَا يفحش ذكره صَرِيحًا.
ذكر استنباط الحكم مِنْهُ يستنبط من الحَدِيث الْمَذْكُور: أَن إِيجَاب الْغسْل لَا يتَوَقَّف على نزُول الْمَنِيّ، بل مَتى غَابَتْ الْحَشَفَة يجب الْغسْل عَلَيْهِمَا وَإِن لم ينزلا، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ الْيَوْم، وَقد كَانَ الْخلاف فِيهِ فِي الصَّدْر الأول فَإِن جمَاعَة ذَهَبُوا إِلَى أَن من وطىء فِي الْفرج وَلم ينزل فَلَيْسَ عَلَيْهِ غسل، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك أَحَادِيث نذكرها الْآن وَفِي (الْمحلى) وَمِمَّنْ رأى أَن لَا غسل من الْإِيلَاج فِي الْفرج إِن لم يكن إِنْزَال عُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَطَلْحَة بن عبيد الله وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَرَافِع بن خديج وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي بن كَعْب وأبوا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَابْن عَبَّاس والنعمان بن بشير وَزيد بن ثَابت وجمهرة الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَهِشَام بن عُرْوَة وَالْأَعْمَش، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة.
وَمن الْآثَار الَّتِي احْتَجُّوا بهَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث زيد بن خَالِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَا يَجِيء فِي الْبَاب الْآتِي واخرجه مُسلم أَيْضا والطَّحَاوِي واخرجه الْبَزَّار أَيْضا وَلَفظه عَن يزِيد الْجُهَنِيّ: (أَنه سَأَلَ عُثْمَان عَن الرجل يُجَامع وَلَا ينزل، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْوضُوء،) وَقَالَ عُثْمَان أشهد أَنِّي سَمِعت ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بن كَعْب، رَوَاهُ مُسلم حَدثنَا أَبُو الرّبيع الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حَمَّاد عَن هِشَام بن عُرْوَة وَحدثنَا أَبُو كريب وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب قَالَ: [حم (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الرجل يُصِيب من الْمَرْأَة ثمَّ يكسل، فَقَالَ: يغسل مَا أَصَابَهُ من الْمَرْأَة ثمَّ يتَوَضَّأ) [/ حم وَأخرجه أَيْضا ابْن أبي شيبَة وَأحمد والطَّحَاوِي.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَنهُ، (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الْأَنْصَار فَأرْسل إِلَيْهِ فَخرج وَرَأسه يقطر، فَقَالَ: لَعَلَّنَا أعجلناك؟ فَقَالَ: نعم يَا رَسُول الله، قَالَ: إِذا
أعجلت أَو قحطت فَلَا غسل عَلَيْك، وَعَلَيْك الْوضُوء أخرجه الطَّحَاوِيّ وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قلت لإخواني من الْأَنْصَار اتْرُكُوا الْأَمر كَمَا يَقُولُونَ المَاء من المَاء، أَرَأَيْتُم أَن اغْتسل؟ فَقَالُوا: لَا وَالله حَتَّى لَا يكون فِي نَفسك حرج مِمَّا قضى الله وَرَسُوله، وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس السراج أَيْضا فِي (مُسْنده) حَدثنَا روح بن عبَادَة عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن دِينَار أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ أَن أَبَا سعيدالخدري كَانَ ينزل فِي دَاره، وَأَن أَبَا سعيد أخبرهُ أَنه كَانَ يَقُول لأَصْحَابه: أَرَأَيْتُم إِذا اغْتَسَلت وَأَنا أعرف أَنه كَمَا تَقولُونَ؟ إِلَّا حَتَّى لَا يكون فِي نَفسك حرج مِمَّا قضى الله وَرَسُوله فِي الرجل يَأْتِي امْرَأَته وَلَا ينزل وَأخرج مُسلم أَيْضا عَن سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أَيُّوب أخرجه ابْن مَاجَه والطَّحَاوِي عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ قَالَ: (بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى رجل من الْأَنْصَار، فَأَبْطَأَ، فَقَالَ: مَا حَبسك؟ قَالَ: كَانَت أصبت من أَهلِي فَلَمَّا جَاءَنِي رَسُولك اغْتَسَلت من غير أَن أحدث شَيْئا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (المَاء من المَاء، وَالْغسْل على من أنزل.) . [/ حم
وَمِنْهَا: حَدِيث عتْبَان الْأنْصَارِيّ، رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ، أَن عتْبَان الْأنْصَارِيّ، قَالَ: قلت: يَا نَبِي الله {إِنِّي كنت مَعَ أَهلِي، فَلَمَّا سَمِعت صوزتك أقلعت فاغتسلت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث رَافع ابْن خديج، أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأحمد عَنهُ. [حم (ناداني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا على بطن امْرَأَتي فَقُمْت وَلم أنزل فاغتسلت، فَأَخْبَرته أَنَّك دعوتني وَأَنا على بطن امْرَأَتي فَقُمْت ولمأمن، فاغتسلت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا عَلَيْهِ المَاء من المَاء) [/ حم.
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أخرجه أَبُو يعلى عَنهُ قَالَ: [حم (انْطلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي طلب رجل من الْأَنْصَار فَدَعَاهُ، فَخرج الْأنْصَارِيّ وَرَأسه يقطر مَاء، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لرأسك؟ فَقَالَ دعوتني وَأَنا مَعَ أَهلِي فَخفت أَن أحتبس عَلَيْك فعجلت فَقُمْت وصببت على المَاء ثمَّ خرجت فَقَالَ: هَل كنت أنزلت؟ قَالَ: لَا قَالَ: إِذا فعلت ذَلِك فَلَا تغتسلن اغسل مَا مس الْمَرْأَة مِنْك وَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة، فَإِن المَاء من المَاء [/ حم، وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا.
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس أخرجه الْبَزَّار عَنهُ قَالَ: [حم (أرسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى رجل من الْأَنْصَار فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا حَبسك؟ قَالَ: كنت حِين أَتَانِي رَسُولك على امْرَأَتي، فَقُمْت فاغتسلت فَقَالَ: وَكَانَ عَلَيْك أَن لَا تَغْتَسِل مَا لم تنزل، قَالَ: فَكَانَ الْأَنْصَار يَفْعَلُونَ ذَلِك) . [/ حم
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن عبد الله بن عقيل، أخرجه معمر بن رَاشد فِي (جَامعه) عَنهُ، قَالَ: [حم (سلم النَّبِي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عباد فَلم يَأْذَن لَهُ، كَانَ على حَاجته فَرجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ سعد سَرِيعا فاغتسل ثمَّ تبعه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنِّي كنت على حَاجَة فَقُمْت فاغتسلت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (المَاء من المَاء) [/ حم.
وَحجَّة الْجُمْهُور حَدِيث الْبَاب، وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: [حم (أَنَّهَا سُئِلت عَن الرجل يُجَامع فَلَا ينزل، فَقَالَت: فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا مِنْهُ جَمِيعًا) [/ حم أخرجه الطَّحَاوِيّ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَلَفظه:(إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا) وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا وروى مَالك عَن يحيى بن سعد عَن سعيد بن الْمسيب: (أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَتَى عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقَالَ: لقد شقّ عَليّ اخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَمر إِنِّي لأعظم أَن استقبلك بِهِ؟ فَقَالَت: مَا هُوَ؟ مَا كنت سَائِلًا عَنهُ أمك فاسألني عَنهُ} فَقَالَ لَهَا الرجل يُصِيب أَهله فيكسل وَلَا ينزل قَالَت إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أسأَل أحدا عَن هَذَا بعْدك أبدا) وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مَالك وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح إلَاّ أَنه مَوْقُوف على عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف فِي (الْمُوَطَّأ) عِنْد جمَاعَة من رُوَاته، وروى مُوسَى بن طَارق، وَأَبُو قُرَّة عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي مُوسَى عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذا التقى الخاتنان وَجب الْغسْل) وَلم يُتَابع على رَفعه عَن مَالك مَرْفُوعا عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَخْبَرتنِي أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة رضي الله عنها: (أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الرجل يُجَامع أَهله ثمَّ بكسل، هَل عَلَيْهِ من غسل؟ وَعَائِشَة جالسة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لأَفْعَل ذَلِك أَنا وَهَذِه ثمَّ نغتسل) قَالُوا: فَهَذِهِ الْآثَار تخبر عَن فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يغسل إِذا جَامع وَإِن لم ينزل.
وَقَالَت الطَّائِفَة الأولى: هَذِه الْآثَار تخبر عَن فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقد يجوز أَن يفعل مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، يَعْنِي كَانَ يَفْعَله بطرِيق الِاسْتِحْبَاب لَا بطرِيق الْوُجُوب، فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بهَا، والْآثَار
الأول تخبر عَمَّا يجب وَمَا لَا يجب فَهِيَ أولى.
وَأجَاب الْجُمْهُور عَن هَذِه أَن هَذِه الْآثَار على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: المَاء من المَاء، لَا غَيره فَهَذَا ابْن عَبَّاس قد روى عَنهُ أَنه قَالَ: مُرَاد رَسُول الله عليه الصلاة والسلام أَن يكون هَذَا فِي الِاحْتِلَام، وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن حجر عَن شريك عَن أبي الْحجاب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّمَا المَاء من المَاء فِي الِاحْتِلَام، يَعْنِي إِذا رأى أَنه يُجَامع ثمَّ ينزل فَلَا غسل عَلَيْهِ، وَالنَّوْع الآخر: الَّذِي فِيهِ الْأَمر، وَأخْبر فِيهِ الْقِصَّة، وَأَنه: لَا غل فِي ذَلِك حَتَّى يكون المَاء، قد جَاءَ خلاف ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَهَذَا نَاسخ لتِلْك الْآثَار. فَإِن قتل: لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على النّسخ لعدم التَّعَرُّض إِلَى شَيْء من التَّارِيخ. قلت: قد جَاءَ مَا يدل على النّسخ صَرِيحًا وَهُوَ مَا روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو يَعْنِي بن الحاري عَن ابْن شهَاب، قَالَ: حَدثنِي بعض من أرضي: أَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أخبرهُ أَن أبي بن كَعْب أخبرهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جعل ذَلِك رخصَة للنَّاس فِي أول الْإِسْلَام لقلَّة الثَّبَات ثمَّ أمرنَا بِالْغسْلِ، وَنهى عَن ذَلِك) قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي المَاء من المَاء، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَأخرج أَبُو دَاوُد أَيْضا حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْرَان الرَّازِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُبشر الْحلَبِي عَن مُحَمَّد بن غَسَّان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد. قَالَ: حَدثنِي أبي بن كَعْب أَن الْفتيا الَّتِي كَانُوا يفتون إِن المَاء من المَاء، كَانَت رخصَة رخصها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَدْء الْإِسْلَام ثمَّ أمرنَا بالاغتسال بعد، وَأخرجه ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، فَإِن قلت: فِي الحَدِيث الأول مَجْهُول وَهُوَ قَوْله: حَدثنِي بعض من أرضي. قلت: الظَّاهِر أَنه أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج لِأَن الْبَيْهَقِيّ روى هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: روينَاهُ بِإِسْنَاد آخر مَوْصُول عَن أبي حَازِم عَن سهل ابْن سعد، والْحَدِيث مَحْفُوظ عَن سهل عَن أبي بن كَعْب كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (الأستذكار) إِنَّمَا رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن أبي حَازِم، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح ثَابت بِنَقْل الْعُدُول لَهُ وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن زيد بن أبي حبيب عَن معمر بن أبي حَيَّة، مولى ابْنة صَفْوَان، عَن عبيد بن رِفَاعَة بن رَافع عَن أَبِيه رِفَاعَة بن رَافع، قَالَ:(بَينا أَنا عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذْ دخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَذَا زيد بن ثَابت يُفْتِي النَّاس فِي الْمَسْجِد بِرَأْيهِ فِي الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ عمر: عَليّ بِهِ، فجَاء زيد، فَلَمَّا رَآهُ عمر، قَالَ: أَي عَدو نَفسه، قد بلغت أَنَّك تُفْتِي النَّاس بِرَأْيِك! فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، بِاللَّه مَا فعلت، لكني سَمِعت من أعمامي حَدِيثا فَحدثت بِهِ، من أبي أَيُّوب، وَمن أبي بن كَعْب، وَمن رِفَاعَة بن رَافع، فاقبل عمر على رِفَاعَة بن رَافع فَقَالَ: وَقد كُنْتُم تَفْعَلُونَ ذَلِك؟ إِذا أصَاب أحدكُم من الْمَرْأَة فأكسل لم يغْتَسل؟ فَقَالَ: قد كُنَّا نَفْعل ذَلِك على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يأتنا فِيهِ تَحْرِيم، وَلم يكن من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ نهي، قَالَ: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذَلِك؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فَأمر عمر بِجمع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَجمعُوا لَهُ فشاورهم، فَأَشَارَ النَّاس أَن لَا غسل فِي ذَلِك إلَاّ مَا كَانَ من معَاذ وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: الثَّالِث: إِذا لَا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا وَأَنْتُم أَصْحَاب بدر، وَقد اختلفتم فَمن بعدكم أَشد اخْتِلَافا قَالَ: فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لَيْسَ أحد أعلم بِهَذَا مِمَّن سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَزوَاجه، فَأرْسل إِلَى حَفْصَة فَقَالَت: لَا علم لي بِهَذَا، فَأرْسل إِلَى عَائِشَة فَقَالَت: إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا أسمع بِرَجُل فعل ذَلِك، إِلَّا أوجعته ضربا) وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا فِيهِ: لَا أعلم أحدا فعله ثمَّ لم يغْتَسل إِلَّا جعلته نكالاً وَلم يتقن الْكَلَام أحد فِي هَذَا الْبَاب مثل الإِمَام الْحَافِظ أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، فَإِن أَرَادَ أحد أَن يتقنه فَعَلَيهِ بكتابه (مَعَاني الْآثَار) وشرحنا الَّذِي عَمِلْنَاهُ عَلَيْهِ الْمُسَمّى (بمباني الْأَخْبَار) .
فَإِن قلت: ادّعى بَعضهم أَن أحد أَن التَّنْصِيص على الشَّيْء باسمه الْعلم يُوجب نفي لحكم عَمَّا عداهُ، لِأَن الْأَنْصَار فَهموا عدم وجوب الِاغْتِسَال بالأكسال من قَوْله صلى الله عليه وسلم:(المَاء من المَاء) أَي: الِاغْتِسَال وَاجِب بالمني، فالماء الأول هُوَ المطهر. وَالثَّانِي هُوَ الْمَنِيّ، وَمن، للسبيبة، وَالْأَنْصَار كَانُوا من أهل اللِّسَان وفصحاء الْعَرَب وَقد فَهموا والتخصيص مِنْهُ حَتَّى استدلوا بِهِ على نفي وجوب الِاغْتِسَال بالإكسال لعد المَاء، وَلَو لم يكن التَّنْصِيص باسم المَاء مُوجبا للنَّفْي لما صَحَّ استدلالهم على ذَلِك. قلت: الَّذِي يَقُول بِهَذَا أَبُو بكر الدقاق وَبَعض الْحَنَابِلَة، وَالْجَوَاب أَن ذَلِك لَيْسَ من دلَالَة التَّنْصِيص على التَّخْصِيص، بل إنماهو من اللَّام الْمعرفَة الْمُوجبَة للاستغراق عِنْد عدم الْمَعْهُود، وَنحن نقُول:
هَذَا الْكَلَام للاستغراق والانحصار، كَمَا فهمت الْأَنْصَار، لَكِن لما دلّ الدَّلِيل وهوالإجماع على وجوب الِاغْتِسَال من الْحيض وَالنّفاس أَيْضا نفي الانحصار فِيمَا وَرَاء ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق بالمني، وَصَارَ الْمَعْنى جَمِيع الاغتسالات الْمُتَعَلّقَة بالمني منحصر فِيهِ لَا يثبت لغيره. فَإِن قلت: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يجب الْغسْل بالإكسال لعد المَاء. قلت: المَاء فِيهِ ثَابت تَقْديرا لِأَنَّهُ تَارَة يثبت عيَانًا كَمَا فِي حَقِيقَة الْإِنْزَال وَمرَّة دلَالَة كَمَا فِي التقاء الختانين فَإِنَّهُ سَبَب لنزول المَاء فأقيم مقَامه لكَونه أمرا خفِيا كالنوم، فاقيم مقَام الْحَدث لتعذر الْوُقُوف عَلَيْهِ. فَإِن قلت: الْمَنْسُوخ يَنْبَغِي أَن يكون حكما شَرْعِيًّا، وَعدم وجوب الْغسْل عِنْد عدم الْإِنْزَال ثَابت بِالْأَصْلِ. قلت: عَدمه ثَابت بِالشَّرْعِ، إِذْ مَفْهُوم الْحصْر فِي، إِنَّمَا يدل عَلَيْهِ لِأَن معنى الْحصْر إِثْبَات الْمَذْكُور، وَنفي غير الْمَذْكُور، فيفي، أَنه لَا مَاء من غير المَاء وَقَالَ الْكرْمَانِي: ثمَّ الرَّاجِح من الْحَدِيثين يَعْنِي حَدِيث: (المَاء من المَاء) حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب حَدِيث التقاء الختانين، لِأَنَّهُ بالمنطوق يدل على وجوب الْغسْل، وَحَدِيث (المَاء من المَاء) بِالْمَفْهُومِ يدل على عَدمه، وَحجَّة الْمَفْهُوم مُخْتَلف فِيهَا وعَلى تَقْدِير ثُبُوتهَا الْمَنْطُوق أقوى من الْمَفْهُوم، وعَلى هَذَا التَّقْرِير لَا يحْتَاج إِلَى القَوْل بالنسخ. قلت: عدم دَعْوَى الِاحْتِيَاج إِلَى القَوْل بالنسخ غير صَحِيح، لِأَن المستنبطين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ مَا وفقوا بَين أَحَادِيث هَذَا الْبَاب المتضادة إلَاّ بِإِثْبَات النّسخ على مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن قلت: حَدِيث الالتقاء مُطلق، وَحَدِيث:(المَاء من المَاء) مُقَيّد فَيجب حمل الْمُطلق على الْمُقَيد. قلت: هَذَا سُؤال الْكرْمَانِي على مذْهبه، ثمَّ أجَاب: لَيْسَ ذَلِك مُطلقًا بل عَاما لِأَن الالتقاء وصف يَتَرَتَّب الحكم عَلَيْهِ، وَكلما وجد الْوَصْف وجد الحكم، وَهَذَا لَيْسَ مُقَيّدا بل خَاصّا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: بالالتقاء يجب الْغسْل. ثمَّ قَالَ: بالالتقاء مَعَ الْإِنْزَال يجب الْغسْل، فَيصير من بَاب قَوْله صلى الله عليه وسلم:(أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر) ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (ودباغها طهرهَا) وإفراد فَرد من الْعَام بِحكم الْعَام لَيْسَ من المخصصات.
تابَعَهُ عَمْرُو بنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ
عَمْرو: بِالْوَاو وَهُوَ عَمْرو بن مَرْزُوق الْبَصْرِيّ، أَبُو عُثْمَان الْبَاهِلِيّ: يُقَال: مَوْلَاهُم وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، روى عَن شُعْبَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَعمْرَان الْقطَّان والحمادين وَآخَرين، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي أول الدِّيات، وَفِي مَنَاقِب عَائِشَة، وَقَالَ: مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَذكره صَاحب (اسماء الرِّجَال) للْبُخَارِيّ، وَمُسلم فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة يَعْنِي، من تَرْجَمَة عمر بِالْوَاو، فَدلَّ على أَن مُسلما لم يرو عَنهُ وَلَا روى لَهُ شَيْئا، وَإِنَّمَا ذكر مِنْهُ هَذَا، لِأَن صَاحب (التَّلْوِيح) ذكر فِي شَرحه أَن رِوَايَة عمر بن مَرْزُوق هَذِه عِنْد مُسلم: عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن جبلة عَن وهب بن جرير وَابْن أبي عدي كِلَاهُمَا عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة، وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) وَهُوَ من الْغَلَط الصَّرِيح، وَذكره فِي إِسْنَاد مُسلم حَشْو زَائِد بِلَا فَائِدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي هَذَا اللَّفْظ، يَعْنِي. قَوْله:(تَابعه عَمْرو عَن شُعْبَة) يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة أَو عَن شُعْبَة عَن الْحسن، فيختلف الضَّمِير فِي تَابعه بِحَسب الْمرجع قلت: لَا اخْتِلَاف للضمير فِيهِ، بل هُوَ رَاجع إِلَى هِشَام على كل حَال، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك، فَقَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر الضَّبِّيّ حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره، نَحْو سِيَاق حَدِيث الْبَاب لَكِن فِي رِوَايَته: ثمَّ أجهدها، من بَاب الإجهاد قَوْله:(مثله) أَي: مثل حَدِيث الْبَاب.
وقالَ مُوسَى حدّثنا أبَانُ قَالَ حدّثنا قَتادَةُ أخبرنَا الْحَسَنُ مِثْلَهُ
مُوسَى: هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَأَبَان هُوَ ابْن يزِيد الْعَطَّار، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ.
وفيهذا الْإِسْنَاد التحديث فِي موضِعين أَحدهمَا: مُوسَى عَن أبان، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: هُوَ الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع. وَالْآخر: أبان عَن قَتَادَة. وَفِيه: الْإِخْبَار فِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ قَتَادَة عَن الْحسن.
وَمن فَوَائِد هَذَا أَن فِيهِ التَّصْرِيح بتحديث الْحسن لِقَتَادَة، لِأَن فِي رِوَايَة حَدِيث الْبَاب قَتَادَة عَن الْحسن، وَقَتَادَة ثِقَة ثَبت لكنه مُدَلّس، وَإِذا صرح بِالتَّحْدِيثِ لَا يبْقى كَلَام. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) رِوَايَة مُوسَى هَذِه عِنْد الْبَيْهَقِيّ أخرجهَا من طَرِيق عُثْمَان وَهِشَام، كِلَاهُمَا عَن مُوسَى عَن أبان وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) كِلَاهُمَا غَلطا وَلم يخرج الْبَيْهَقِيّ إلَاّ من طَرِيق عُثْمَان عَن همام وَأَبَان جَمِيعًا عَن قَتَادَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لم قَالَ: تَابعه عَمْرو، وَقَالَ