المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب التيمن في الوضوء والغسل) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً)

- ‌(بَاب الوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ ثَلاثاً ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ الاسْتجْمَارِ وِتْراً)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الَاعْقَابِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْليْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ولَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ)

- ‌(بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)

- ‌(بابُ الْتِمَاسِ الوَضُوءِ إِذا حانَتِ الصَّلاةُ)

- ‌(بابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الاِنْسانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إلَاّ مِنَ المَخْرجَيْنِ القُبُلِ والدُّبُرِ)

- ‌(بابُ الرَّجُلِ يُوَضِّىءُ صَاحبَهُ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكعْبَيْنِ)

- ‌(بابُ اسْتِعْمالِ فَضْل وَضُوءِ الناسِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدةٍ)

- ‌(بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً)

- ‌(بابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ إمْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ صَبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءَهُ علَى المُغْمَى عَلَيهِ)

- ‌(بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)

- ‌(بابُ الوُضُوء مِنَ التَّوْرِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ بالمُدِّ)

- ‌(بابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْن)

- ‌(بابٌ إِذا أدْخَلَ رِجْلَيْهِ وهُمَا طَاهِرَتانِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ والسَّوِيقِ)

- ‌(بابُ مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ ولَمْ يَتَوَضَّأْ)

- ‌(بَاب هَل يمضم من اللَّبن)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنَ النوْمِ)

- ‌(بابُ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ)

- ‌ بَاب:

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالناس الَاعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بَوْلِ الصِّبْيَانِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ قائِماً وقاعِداً)

- ‌(بابُ البَوْلِ عنْدَ صاحبِهِ والتَّسَتُّرِ بالحَائِطِ)

- ‌(بابُ البَوْلِ عِنْدَ سُباطَةِ قوْمٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِهِ وغَسْل مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ)

- ‌(بابُ إِذا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَها فَلمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ)

- ‌(بابُ أَبْوَالِ الابِلِ والدَّوابِّ والغَنَمِ ومَرَابِضهَا)

- ‌(بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسات فِي السِّمْنِ والمَاءِ)

- ‌(بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

- ‌(بابٌ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)

- ‌(بابٌ لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بالنَّبِيذِ ولاٍ بالمُسْكِرِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَرّأةِ أَبَاهَا الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ)

- ‌(بابُ السِّواكِ)

- ‌(بابُ دَفْعُ السَّوَاكِ إِلَى الأكْبَرَ)

- ‌(بابِ فَضْلِ مَنْ بَاتَ علَى الوُضوُءِ)

- ‌(كتاب الغسْلِ)

- ‌(بابُ الوُضوءِ قَبْلَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرأَتِهِ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)

- ‌(بابُ الغُسْل مَرَّةً وَاحِدَةً)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ بالحِلابِ أَوْ الطِيّبِ عِنْدَ الغُسْلِ)

- ‌(بابُ المَضْمَضَةِ والإِسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى)

- ‌(بابُ هَلْ يُدْهِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرُ غَيْرُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ والوُضُوءِ)

- ‌(بابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابٌ إذَا جامَعَ ثُمَّ عادَ وَمَنْ دَارَ علَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ غَسْلِ المَذْىٍ وَالوُضُوءِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)

- ‌(بابُ تَخْلِيلِ الشِّعَرِ حَتَّى إذَا أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ

- ‌(بابُ مَنْ تَوَضَّلَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى

- ‌(بابُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

- ‌(بابُ نَفْضِ اليدَيْنِ مِنْ الغُسْلِ عَنُ الجَنَابَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَدَأَ رَأْسِهِ الأيْمَنِ فِي الغُسْلِ)

- ‌(بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)

- ‌(بابُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)

- ‌(بابٌ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)

- ‌(بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)

- ‌(بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

- ‌(بابُ نَوْم الجُنُبُ)

- ‌(بابُ الجنُبِ يَتَوَضَأُ ثُمَّ يَنَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ مَا يُصيبُ منْ رُطُوبَةِ فَرْجِ المَرْأَةِ)

- ‌(كتاب الحيضِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ كانَ بَدْءَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِها وَتَرْجِيلِهِ)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ)

- ‌(بابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضاً)

- ‌(بابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ)

- ‌(بابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ)

- ‌(بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)

- ‌(بابُ الاسْتِحَاضَةِ)

- ‌(بابُ غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ الاعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحاضَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ فِيهِ

- ‌(بابُ الَطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ)

- ‌(بابُ دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَها أذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ امْتِشاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ المَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسَلِ المَحِيضِ)

- ‌(بابٌ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ}

- ‌(بابُ كَيفَ تُهِلُّ الحائِضُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ)

- ‌(بابُ إقْبالِ المَحِيضِ وإدْبارِهِ)

- ‌(بابٌ لَا تَقْضِي الحائِضُ الصَّلاةَ)

- ‌(بابُ النَّوْمَ مَعَ الحَائِضِ وهْيَ فِي ثِيَابِهَا)

- ‌(بابُ مَنْ اتخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ)

- ‌(بابُ شُهُودِ الحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى)

- ‌(بابٌ إذَا حاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّساءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيما يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ الله تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أرْحَامِهِنَّ)

- ‌(بابُ الصُّفْرَةِ والْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أيَّامِ الْحَيْضِ)

- ‌(بابُ عِرْق الإسْتِحَاضَة)

- ‌(بابُ الْمَرأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَة)

- ‌(بابٌ إذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا)

- ‌(بابٌ)

الفصل: ‌(باب التيمن في الوضوء والغسل)

ثمَّ أَتَى براحلته فركبها، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ الْبَيْدَاء أهلَّ، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى هَذَا فاستحبوا الْإِحْرَام من اليبداء لإحرام النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، مِنْهَا. وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَقَتَادَة، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، وَأَرَادَ بهم الْأَئِمَّة الاربعة وَأكْثر أَصْحَابهم، فَإِنَّهُم قَالُوا: سنة الْإِحْرَام أَن يكون من ذِي الحليفة. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) : اسْتحبَّ مَالك وَأكْثر الْفُقَهَاء أَن يهل الرَّاكِب إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة، وَاسْتحبَّ أَبُو حنيفَة أَن يكون إهلاله عقب الصَّلَاة إِذا سلم مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يهل إِذا أخذت نَاقَته فِي الْمَشْي، وَحين كَانَ يركب رَاحِلَته قَائِمَة كَمَا يَفْعَله كثير من الْحجَّاج الْيَوْم، وَقَالَ عِيَاض: جَاءَ فِي رِوَايَة: (اهل رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، إِذا اسْتَوَت النَّاقة) . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (حَتَّى اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته)، وَفِي أُخْرَى:(حَتَّى تنبعث بِهِ نَاقَته)، وكل ذَلِك مُتَّفق عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: أجَاب هَؤُلَاءِ عَمَّا قَالَه أهل الْمقَالة الاولى من اسْتِحْبَاب الْإِحْرَام من الْبَيْدَاء وَحَاصِله: لَا نسلم أَن إِحْرَامه، عليه الصلاة والسلام، من الْبَيْدَاء يدل على اسْتِحْبَاب ذَلِك، وَأَنه فَضِيلَة اخْتَارَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون ذَلِك، لَا الْقَصْد أَن للاحرام مِنْهَا فَضِيلَة على الْإِحْرَام من غَيرهَا، وَقد فعل، عليه الصلاة والسلام، فِي حجَّته فِي مَوَاضِع لَا لفضل قَصده، وَمن ذَلِك نُزُوله بالمحصب. وروى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَيْسَ المحصب بِشَيْء، إِنَّمَا هُوَ منزل نزله رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا حصب رَسُول الله، عليه السلام، وَلم يكن ذَلِك لِأَنَّهُ سنة، فَكَذَلِك يجوز أَن يكون إِحْرَامه من الْبَيْدَاء كَذَلِك. قَالَ: وَأنكر قوم أَن يكون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من الْبَيْدَاء، وَقَالُوا: مَا أحرم إلَاّ من الْمَسْجِد، وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الزُّهْرِيّ وَعبد الْملك بن جريج وَعبد الله بن وهب، وَرووا فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه قَالَ:(بيداؤكم هَذِه الَّتِي تكذبون على رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، أَنه أهل مِنْهَا، مَا أهل رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، إلَاّ من عِنْد الْمَسْجِد)، يَعْنِي: مَسْجِد ذِي الحليفة، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَن يزِيد بن سِنَان عَن عبد الله بن مُسلم عَن مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن أَبِيه، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا. فان قلت: كَيفَ يجوز لِابْنِ عمر أَن يُطلق الْكَذِب على الصَّحَابَة؟ قلت: الْكَذِب يَجِيء بِمَعْنى الْخَطَأ، لِأَنَّهُ يُشبههُ فِي كَونه ضد الصَّوَاب، كَمَا أَن ضد الْكَذِب الصدْق، وافترقا من حَيْثُ النِّيَّة وَالْقَصْد، لِأَن الْكَاذِب يعلم أَن الَّذِي يَقُوله كذب، والمخطىء لَا يعلم وَلَا يظنّ بِهِ أَنه كَانَ ينْسب الصَّحَابَة إِلَى الْكَذِب. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الِاخْتِلَاف بيَّن ابْن عَبَّاس الْوَجْه الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الِاخْتِلَاف كَمَا ذكرنَا آنِفا.

31 -

(بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)

أَي: هَذَا بَاب فِي باين التَّيَمُّن فِي الْوضُوء وَالْغسْل، والتيمن هُوَ الْأَخْذ بِالْيَمِينِ.

والمناسبة بَين الْأَبْوَاب ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة فِي أَحْكَام الْوضُوء، والتيمن أَيْضا من أَحْكَامه، وَلَا سِيمَا بَينه وَبَين الْبَاب الَّذِي قبله، لِأَنَّهُ فِي غسل الرجلَيْن وَفِيه التَّيَمُّن أَيْضا سنة أَو مُسْتَحبّ.

167 -

حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا إسْماعِيلُ قَالَ حدّثنا خالِدٌ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِين عنْ أُمِّ عطِيَّةَ قالتْ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ فِي غسْلِ ابْنَتِهِ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا..

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بميامنها) ، لِأَن الامر بالتيمن فِي التغسيل والتوضئة كليهمَا مُسْتَفَاد من عُمُوم اللَّفْظ.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد، وَقد ذكر. الثَّانِي: اسماعيل: هُوَ ابْن علية، وَقد مر. الثَّالِث: خَالِد الْحذاء، وَقد مضى. الرَّابِع: حَفْصَة بنت سِيرِين الْأَنْصَارِيَّة، أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة بنت كَعْب، وَيُقَال: بنت الْحَارِث الْأَنْصَارِيَّة، وَاسْمهَا نسيبة، بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره هَاء، وَحكي فتح النُّون مَعَ كسر السِّين: يَعْنِي يحيى بن معِين، وَلها صُحْبَة وَرِوَايَة، تعد فِي أهل الْبَصْرَة، وَكَانَت تغسل الْمَوْتَى وتمرض المرضى وتداوي الْجَرْحى وتغزو مَعَ رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، غزت مَعَه سبع غزوات، وَشهِدت خَيْبَر

ص: 28

وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقيل عِنْدهَا، وَكَانَت تنتف إبطه بورسة. لَهَا أَرْبَعُونَ حَدِيثا اتفقَا على سَبْعَة أَو سِتَّة، وللبخاري حَدِيث، وَلمُسلم آخر، روى لَهَا الْجَمَاعَة.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التابعية عَن الصحابية.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَعَن حَامِد بن عمر عَن حَمَّاد بن زيد، كِلَاهُمَا عَن أَيُّوب بِهِ، وَحَدِيث الثَّقَفِيّ أتم. وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن الثَّقَفِيّ بِهِ.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: (لَهُنَّ) أَي: لأم عَطِيَّة وَلمن مَعهَا. قَوْله: (فِي غسل ابْنَته) أَي: صفة غسل ابْنَته. قيل: اسْمهَا أم كُلْثُوم زوج عُثْمَان بن عَفَّان، غسلتها أَسمَاء بنت عُمَيْس وَصفِيَّة بنت عبد الْمطلب، وَشهِدت أم عَطِيَّة غسلهَا، وَذكرت قَوْله، عليه السلام، فِي كَيْفيَّة غسلهَا، وَفِي (صَحِيح مُسلم) أَنَّهَا زَيْنَب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَمَاتَتْ فِي السّنة الثَّانِيَة، وَلما نقل القَاضِي عِيَاض عَن بعض أهل السّير أَنَّهَا أم كُلْثُوم قَالَ: الصَّوَاب زَيْنَب، كَمَا صرح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته، وَقد يجمع بَينهمَا بِأَنَّهَا: غسلت زَيْنَب وَحَضَرت غسل أم كُلْثُوم، وَذكر الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه: أَن أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ببدر غَائِب، وَغلط فِي ذَلِك، فَتلك رقية، وَلما دفن أم كُلْثُوم قَالَ، عليه الصلاة والسلام:(دفن الْبَنَات من المكرمات)، وَالْعجب من الْكرْمَانِي أَنه يَقُول: قَالَ النَّوَوِيّ فِي (تَهْذِيب الْأَسْمَاء) : إِن المغسولة اسْمهَا زَيْنَب، وَهَذَا مُسلم قد صرح بِهِ، فَكَأَنَّهُ مَا كَانَ ينظر فِيهِ حَتَّى نسب ذَاك إِلَى النَّوَوِيّ.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: اسْتِحْبَاب الْوضُوء فِي أَو غسل الْمَيِّت، عملا بقوله:(ومواضع الْوضُوء مِنْهَا)، وَنقل النَّوَوِيّ عَن ابي حنيفَة عدم إستحبابه. قلت: هَذَا غير صَحِيح، فَفِي كتبنَا مثل (الْقَدُورِيّ) و (الْهِدَايَة) يذكر ذَلِك، قَالَ فِي (الْهِدَايَة) : لِأَن ذَلِك من سنة الْغسْل، غير أَنه لَا يمضمض وَلَا يستنشق، لِأَن إِخْرَاج المَاء من فَمه مُتَعَذر، وَهل يتَوَضَّأ فِي الغسلة الأولى أَو الثَّانِيَة أَو فيهمَا؟ فِيهِ خلاف للمالكية حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ.

الثَّانِي: اسْتِحْبَاب تَقْدِيم الميامن فِي غسل الْمَيِّت، وَيلْحق بِهِ الطهارات، وَبِه تشعر تَرْجَمَة البُخَارِيّ، وَكَذَا أَنْوَاع الْفَضَائِل، وَالْأَحَادِيث فِيهِ كَثِيرَة، وبالاستحباب قَالَ أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ ابْن حزم: وَلَا بُد من البدء بالميامن. وَقَالَ ابْن سِيرِين: يبْدَأ بمواضع الْوضُوء ثمَّ بالميامن. وَقَالَ أَبُو قلَابَة: يبْدَأ بِالرَّأْسِ ثمَّ باللحية ثمَّ بالميامن.

الثَّالِث: فِيهِ فضل الْيَمين على الشمَال، أَلا ترى قَوْله، عليه الصلاة والسلام، حاكيا عَن ربه:(وكلتا يَدَيْهِ يَمِين) ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {فاما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ} (سُورَة الحاقة: الْآيَة 19، وَسورَة الانشقاق؛ الْآيَة 7) . وهم أهل الْجنَّة.

168 -

حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي أشْعَثُ بنُ سُليْمٍ قالَ سَمِعْتُ أبي عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ قَالتْ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ..

فِيهِ الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، لِأَن فِيهِ إعجابه، عليه الصلاة والسلام، فِي شَأْنه كُله، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل اسْتِحْبَاب التَّيَامُن فِي كل شَيْء: فِي الْوضُوء وَالْغسْل والتغسيل وَغير ذَلِك.

أما الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين فظاهرة.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: حَفْص ابْن عمر الحوضي الْبَصْرِيّ الثبت الْحجَّة، قَالَ احْمَد: لَا يُؤْخَذ عَلَيْهِ حرف، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ حَفْص بن عمر غَيره، وَفِي السّنَن مفرقاً جماعات. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد مر ذكره. الثَّالِث: أَشْعَث، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: ابْن سليم، بِالتَّصْغِيرِ، من ثِقَات شُيُوخ الْكُوفِيّين وَهُوَ الرَّابِع: من الروَاة، وَهُوَ سليم بن الْأسود الْمحَاربي، بِضَم الْمِيم، الْكُوفِي أَبُو الشعْثَاء، وشهرته بكنيته أَكثر من اسْمه. الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع الْكُوفِي، أَبُو عَائِشَة، أسلم قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأدْركَ الصَّدْر الأول من الصَّحَابَة، وَكَانَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قد تبنت مسروقاً فَسمى ابْنَته عَائِشَة، فكني بِأبي عَائِشَة، وَقد مر فِي بَاب عَلَامَات الْمُنَافِق. السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رضي الله عنها.

ص: 29

بَيَان لطائف إِسْنَاده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ كبيرين قرينين من اتِّبَاع التَّابِعين وهما: أَشْعَث وَشعْبَة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ كبيرين قرينين من كبار التَّابِعين وهما: سليم ومسروق.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن سُلَيْمَان ابْن حَرْب، وَفِي اللبَاس عَن أبي الْوَلِيد وحجاج بن الْمنْهَال، وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك، خمستهم عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث بن أبي الشعْثَاء عَن أَبِيه بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه شُعْبَة بِهِ، وَعَن يحيى بن يحيى عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَشْعَث بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن حَفْص بن عمر وَسَلَمَة بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي آخر الصَّلَاة عَن هناد بن السّري عَن أبي الْأَحْوَص بِهِ: وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَفِي الشَّمَائِل عَن أبي مُوسَى عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة، وَفِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث، وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن هناد بِهِ، وَعَن سُفْيَان بن وَكِيع عَن عمر بن عبيد عَن أَشْعَث بِهِ.

بَيَان اللُّغَات قَوْله: (يُعجبهُ) من: الْإِعْجَاب، يُقَال: أعجبني هَذَا الشَّيْء لحسنه. والعجيب: الْأَمر الَّذِي يُتعجب مِنْهُ وَكَذَلِكَ العجاب بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف وبالتشديد أَكثر مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الأعجوبة، وَعَجِبت من كَذَا وتعجبت مِنْهُ واستعجبت بِمَعْنى، والمصدر: الْعجب، بِفتْحَتَيْنِ. وَأما الْعجب، بِضَم الْعين وَسُكُون الْجِيم. فَهُوَ اسْم من أعجب فلَان بِنَفسِهِ فَهُوَ معجب بِفَتْح الْجِيم بِرَأْيهِ وبنفسه، وَأما الْعجب، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْجِيم: فَهُوَ أصل الذَّنب. قَوْله: (التَّيَمُّن) هُوَ الْأَخْذ بِالْيَمِينِ فِي الْأَشْيَاء. قَوْله: (تنعله) أَي فِي لبسه النَّعْل وَهِي الَّتِي تلبس فِي الْمَشْي، تسمى الْآن تأسومه، قَالَه ابْن الاثير، وَهِي مُؤَنّثَة، يُقَال: نعلت وأنتعلت إِذا لبست النَّعْل، وانعلب الْخَيل، بِالْهَمْزَةِ وَمِنْه الحَدِيث:(إِن غَسَّان تنعل خيلها)، وَفِي رِوَايَات البُخَارِيّ كلهَا:(فِي تنعله) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح النُّون وَتَشْديد الْعين، وَهَكَذَا ذكره الْحميدِي والحافظ عبد الْحق فِي كِتَابَيْهِمَا (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) وَفِي رِوَايَة مُسلم:(فِي نَعله) على إِفْرَاد النَّعْل، وَفِي بعض الرِّوَايَات:(نَعْلَيْه) بالتثنية، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وهما صَحِيحَانِ وَلم ير فِي شَيْء من نسخ بِلَادنَا غير هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. قلت: الرِّوَايَات كلهَا صَحِيحَة. قَوْله: (وَترَجله) أَي: فِي تمشيطه الشّعْر وَهُوَ تسريحه، وَهُوَ أَعم من أَن يكون فِي الرَّأْس وَفِي اللِّحْيَة، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ تسريحه ودهنه. قلت: اللَّفْظ لَا يدل على الدّهن، فَهَذَا التَّفْسِير من عِنْده وَلم يفسره أهل اللُّغَة كَذَلِك، وَفِي (الْمغرب) للمطرزي: رجل شعره أَي: أرْسلهُ بالمرجل، وَهُوَ الْمشْط. وترجل فعل ذَلِك بِنَفسِهِ، وَيُقَال: شعر رجل وَرجل، وَهُوَ: السبوطة والجعودة، وَقد رجل رجلا وَرجله هُوَ، وَرجل رجل الشّعْر وَرجل، وَجَمعهَا أرجال وَرِجَال، ذكره ابْن سَيّده فِي (الْمُحكم) ، فَانْظُر هَل ترى شَيْئا فِيهِ هَذِه الْموَاد يدل على الدّهن؟ والمرجل، بِكَسْر الْمِيم: الْمشْط، وَكَذَلِكَ المسرح، بِالْكَسْرِ، ذكره فِي (الغريبين) . قَوْله:(وَطهُوره) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ بصم الطَّاء وَلَا يجوز فتحهَا هُنَا. قلت: لَا نسلم هَذَا على الْإِطْلَاق، لِأَن الْخَلِيل والأصمعي وابا حَاتِم السجسْتانِي والأزهري وَآخَرين ذَهَبُوا إِلَى أَن الطّهُور، بِالْفَتْح فِي الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْمصدر وَالْمَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : وَحكي الضَّم فيهمَا، وَالْفرق الْمَذْكُور نَقله ابْن الْأَنْبَارِي عَن جمَاعَة من أهل اللُّغَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَقَوْل الْكرْمَانِي: وَلَا يجوز فتحهَا، غير صَحِيح على الْإِطْلَاق. قَوْله:(فِي شَأْنه) الشَّأْن هُوَ الْحَال والخطب، وَأَصله الشَّأْن، بِالْهَمْزَةِ الساكنة فِي وَسطه، وَلكنهَا سهلت بقلبها ألفا لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله، والشأن أَيْضا وَاحِد الشؤون وَهِي، مواصل قبائل الرَّأْس وملتقاها، وَمِنْهَا تَجِيء الدُّمُوع.

بَيَان الْإِعْرَاب قَوْله: (يُعجبهُ) فعل ومفعول، و: التَّيَمُّن، فَاعله، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: كَانَ، قَوْله:(فِي تنعله) فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي يُعجبهُ، وَالتَّقْدِير كَانَ يُعجبهُ التَّيَمُّن حَال كَونه لابساً النَّعْل. وَيجوز أَن يكون من التَّيَمُّن أَي: يُعجبهُ التَّيَمُّن حَال كَون التَّيَمُّن فِي تنعله. قَوْله: (وَترَجله) عطف على: تنعله، و: ظُهُوره، عطف على: ترجله. قَوْله: (فِي شَأْنه) بدل من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة قبله بدل الاشتمال، وَالشّرط فِي بدل الاشتمال أَن يكون الْمُبدل مِنْهُ مُشْتَمِلًا على الثَّانِي، أَي: متقاضياً لَهُ بِوَجْه مَا، وَهَهُنَا كَذَلِك على مَا لَا يخفي، وَإِذا لم يكن الْمُبدل مِنْهُ مُشْتَمِلًا على الثَّانِي يكون بدل الْغَلَط، وَإِنَّمَا قيل لهَذَا بدل الاشتمال من حَيْثُ اشْتِمَال الْمَتْبُوع، على التَّابِع، لَا كاشتمال الظّرْف

ص: 30

على المظروف، بل من حَيْثُ كَونه دَالا عَلَيْهِ إِجْمَالا ومتقاضياً لَهُ بِوَجْه مَا، وَالْعجب من الْكرْمَانِي حَيْثُ نفى كَونه بدل الاشتمال لكَون الشَّرْط أَن يكون بَينهمَا مُلَابسَة بِغَيْر الْجُزْئِيَّة والكلية. وَهَهُنَا الشَّرْط مُنْتَفٍ. ثمَّ يَقُول: مَا قَوْلك فِيهِ؟ ثمَّ يُجيب بِأَنَّهُ بدل الاشتمال، وَهَهُنَا الملابسة مَوْجُودَة، وَمَعَ هَذَا قَوْله: لكَون الشَّرْط. إِلَى آخِره، لَيْسَ على الْإِطْلَاق لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ بعض الْغَلَط، نَحْو: جَاءَنِي زيد غُلَامه أَو حِمَاره، وَلَقِيت زيدا أَخَاهُ. وَلَا شكّ فِي كَونهَا بدل الْغَلَط. وَمن العجيب أَيْضا أَنه قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون بدل الْغَلَط لِأَنَّهُ لَا يَقع فِي فصيح الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: أَو هُوَ بدل الْغَلَط وَقد يَقع فِي الْكَلَام الفصيح قَلِيلا، وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَلَط والبلاغة. قلت: لَا يَقع بدل الْغَلَط الصّرْف وَلَا بدل النسْيَان فِي كَلَام الفصحاء، وَإِنَّمَا يَقع بدل البداء فِي كَلَام الشُّعَرَاء للْمُبَالَغَة والتفنن، وَبدل البداء أَن يذكر الْمُبدل مِنْهُ عَن قصد وتعمد ثمَّ يتدارك بِالثَّانِي، وَيدل الصّرْف وَهُوَ يدل على غلط صَرِيح فِيمَا إِذا أردْت أَن تَقول: جَاءَنِي حمَار فيسبقك لسَانك إِلَى رجل ثمَّ تداركت الْغَلَط فَقلت: حمَار، وَبدل النسْيَان أَن تتعمد ذكر مَا هُوَ غلط، وَلَا يسبقك لسَانك إِلَى ذكره، لَكِن تنسى الْمَقْصُود ثمَّ بعد ذَلِك تتداركه بِذكر الْمَقْصُود، فَمن هَذَا عرفت أَن أَنْوَاع بدل الْغَلَط ثَلَاثَة. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة ابي الْوَقْت: (وَفِي شَأْنه) ، بِإِثْبَات الْوَاو، قلت: على هَذَا يكون عطف الْعَام على الْخَاص، وَهُوَ ظَاهر. فان قلت: هَل يجوز أَن تقدر: الْوَاو، وَفِي الرِّوَايَة الخالية عَن: الْوَاو؟ قلت: جوزه بعض النُّحَاة إِذا قَامَت قرينَة عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم نَاقِلا عَن الْكرْمَانِي من غير تَصْرِيح بِهِ، قَوْله:(فِي شَأْنه كُله) بِدُونِ: الْوَاو، مُتَعَلق: بيعجبه، لَا: بالتيمن، أَي يُعجبهُ فِي شَأْنه كُله التَّيَمُّن فِي تنعله

إِلَى آخِره أَي: لَا يتْرك ذَلِك سفرا وَلَا حضرا، وَلَا فِي فراغة وَلَا شغله وَنَحْو ذَلِك. قلت: كَلَام النَّاقِل وَالْمَنْقُول مِنْهُ سَاقِط، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون إعجابه التَّيَمُّن فِي هَذِه الثَّلَاثَة مَخْصُوصَة فِي حالاته كلهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كَانَ يُعجبهُ التَّيَمُّن فِي كل الْأَشْيَاء فِي جَمِيع الْحَالَات. أَلا ترى أَنه أكد الشَّأْن بمؤكد؟ والشأن بِمَعْنى الْحَال، وَالْمعْنَى فِي جَمِيع حالاته؟ ثمَّ قَالَ هَذَا النَّاقِل: وَقَالَ الطَّيِّبِيّ، فِي قَوْله:(فِي شَأْنه) بدل من قَوْله: (فِي تنعله) ، بِإِعَادَة الْعَامِل، وَكَأَنَّهُ ذكر التنعل لتَعَلُّقه بِالرجلِ، والترجل لتَعَلُّقه بِالرَّأْسِ، وَالطهُور لكَونه مِفْتَاح أَبْوَاب الْعِبَادَة، فَكَأَنَّهُ نبه على جَمِيع الْأَعْضَاء، فَيكون كبدل الْكل من الْكل. قلت: هَذَا لم يتَأَمَّل كَلَام الطَّيِّبِيّ، لِأَن كَلَامه لَيْسَ على رِوَايَة البُخَارِيّ وَإِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة مُسلم، وَهِي:(كَانَ رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كُله: فِي تنعله وَترَجله) . لِأَن صَاحب الْمشكاة نقل عبارَة مُسلم، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي شَرحه: بِهَذِهِ الْعبارَة أَقُول. قَوْله: (فِي طهوره وَترَجله وتنعله) بدل من قَوْله: (فِي شَأْنه) ، بِإِعَادَة الْعَامِل وَلَعَلَّه إِنَّمَا بَدَأَ فِيهَا بِذكر الطّهُور لِأَنَّهُ فتح لأبواب الطَّاعَات كلهَا، وثنى بِذكر التَّرَجُّل وَهُوَ يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ، وَثلث بالتنعل وَهُوَ مُخْتَصّ بِالرجلِ ليشْمل جَمِيع الْأَعْضَاء، فَيكون كبدل الْكل من الْكل، وَالْعجب من هَذَا النَّاقِل أَنه لما نقل كَلَام الطَّيِّبِيّ على رِوَايَة مُسلم، ثمَّ قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِتَقْدِيم قَوْله: (فِي شَأْنه كُله) على قَوْله فِي: تنعله. إِلَى آخِره، قَالَ: فَيكون بدل الْبَعْض من الْكل، فَكَأَنَّهُ ظن أَن كَلَام الطَّيِّبِيّ من الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ذكر الشان مُتَأَخِّرًا كَمَا هِيَ رِوَايَة البُخَارِيّ هُنَا، ثمَّ قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِتَقْدِيم قَوْله: (فِي شَأْنه) ، وَهَذَا كَمَا ترى فِيهِ خبط ظَاهر.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: (التَّيَمُّن) لفظ مُشْتَرك ترك بَين الِابْتِدَاء بِالْيَمِينِ، وَبَين تعَاطِي الشَّيْء بِالْيَمِينِ، وَبَين التَّبَرُّك وَبَين قصد الْيمن، وَلَكِن الْقَرِينَة دلّت على أَن المُرَاد الْمَعْنى الأول. قَوْله:(فِي تنعله) إِلَى آخِره زَاد أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة: (وسواكه)، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد:(كَانَ يحب التَّيَامُن مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنه)، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ أَيْضا عَن شُعْبَة:(مَا اسْتَطَاعَ) ، فنبه على الْمُحَافظَة على ذَلِك مَا لم يمْنَع مَانع، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان:(كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى فِي التَّرَجُّل والانتعال) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه: (كَانَ يحب التَّيَامُن فِي الْوضُوء والانتعال) . قَوْله: (كُله) تَأْكِيد لقَوْله: (فِي شَأْنه)، فَإِن قلت: مَا وَجه التَّأْكِيد وَقد اسْتحبَّ التياسر فِي بعض الْأَفْعَال كدخول الْخَلَاء وَنَحْوه؟ قلت: هَذَا عَام مَخْصُوص بالأدلة الخارجية. قَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا من عَام إِلَّا وَقد خص: إلَاّ {وَالله بِكُل شَيْء عليم} (الْبَقَرَة: 282، النِّسَاء: 2176، النُّور: 35 و 64 الحجرات: 16، التغابن: 11) . قلت: إِن أَرَادَ بِهِ أَنه يقبل التَّخْصِيص أَو يحْتَملهُ فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ فَفِيهِ نظر. وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين: هَذِه قَاعِدَة مستمرة فِي الشَّرْع، وَهِي أَن مَا كَانَ من بَاب التكريم والتشريف: كلبس الثَّوْب والسراويل والخف وَدخُول الْمَسْجِد والسواك والاكتحال وتقليم الأظافر وقص الشَّارِب وترجيل الشّعْر ونتف

ص: 31