المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ - فتاوى السبكي - جـ ١

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ]

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ]

- ‌[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْت]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ فِي إعْرَابِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا]

- ‌[الْفَهْمُ السَّدِيدُ مِنْ إنْزَالِ الْحَدِيدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[محدث غمس يَده فِي مَاء كَثِير غمسة وَاحِدَة هَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّثْلِيث]

- ‌[مسح الصِّمَاخَيْنِ بِمَاء جَدِيد]

- ‌[الهرة إذَا أَكَلت فارا وولغت فِي مَاء قليل]

- ‌[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ هَلْ تُقْضَى]

- ‌[اشتبه مَاء طَاهِر بِمَاء نجس]

- ‌[الفرق بَيْن مطلق الْمَاء وَالْمَاء المطلق]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]

- ‌[الْكَافِر إِن جن قَبْل الْبُلُوغ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[إشْرَاقُ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهِلَالَ إذَا غَابَ بَعْدَ الْعِشَاءِ]

- ‌[حِفْظُ الصِّيَامِ مِنْ فَوْتِ التَّمَامِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ]

- ‌[تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَيْع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون]

- ‌[بَيْع الرَّهْن وتلف الثَّمَن]

- ‌[فَصْلٌ مُنَبِّهُ الْبَاحِثِ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ]

- ‌[بَيْع التَّرِكَة قَبْل وفاء الدِّين]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[رَجُلٌ هَدَمَ جِدَارَ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ الْهَدْمِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ إذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّك مَا أَقَرَّك اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مُصَنَّفَاتٌ فِي مِيَاهِ دِمَشْقَ وَإِجْرَائِهَا وَحُكْمِ أَنْهَارِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

الفصل: الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ

الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى

[بَابُ الصُّلْحِ]

(بَابُ الصُّلْحِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ " مَسْأَلَةُ ضَعْ، وَتَعَجَّلْ "، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَيَقُولُ الْمَدْيُونُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: ضَعْ بَعْضَ دَيْنِك، وَتَعَجَّلْ الْبَاقِيَ، أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ: عَجِّلْ لِي بَعْضَهُ، وَأَضَعُ عَنْك بَاقِيَهُ، وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَإِمَّا فِي مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَدْيُونِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا سِوَى دَيْنِ الْكِتَابَةِ مِنْ الدُّيُونِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: هُوَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا سَوَاءً جَرَى بِشَرْطٍ أَمْ بِغَيْرِ شَرْطٍ لِلتُّهْمَةِ، وَذَلِكَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ جَرَى شَرْطٌ بَطَلَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَلْ عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَأَبْرَأَ الْآخَرَ، وَطَابَتْ بِذَلِكَ نَفْسُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَالشَّرْطُ الْمُبْطِلُ هُوَ الْمُقَارَنُ فَلَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يَبْطُلْ صَرَّحَ بِهِ الْجُورِيُّ هُنَا، وَهُوَ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ وَقَدْ رُوِيت آثَارٌ فِي الْإِبَاحَةِ، وَالتَّحْرِيمِ يُمْكِنُ تَنْزِيلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ، فَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَرُوِيَ عَنْ «الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ أَسْلَفْت رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ خَرَجَ سَهْمِي فِي بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت لَهُ: عَجِّلْ لِي تِسْعِينَ دِينَارًا، وَأَحُطُّ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ: نَعَمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَكَلْت رِبَا مِقْدَادٍ، وَأَطْعَمْته» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَيُعَجِّلُ الْآخَرُ فَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَنَهَى عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قُلْت لِرَجُلٍ عَلَى دَيْنٍ فَقَالَ لِي عَجِّلْ، وَأَضَعُ عَنْك فَنَهَانِي عَنْهُ، وَقَالَ: نَهَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُمَرَ أَنْ نَبِيعَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ، وَصَحَّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ، وَاسْمُهُ عُبَيْدٌ قَالَ: بِعْت بُرًّا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ، وَيَنْقُدُونِي فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَ هَذَا، وَلَا تُوَكِّلْهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ.

، أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ تَقُولَ: أُعَجِّلُ لَك، وَتَضَعُ عَنِّي، وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْمَدِينَةِ جَاءَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَمَرْت بِإِخْرَاجِهِمْ، وَلَهُمْ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَمْ تَحِلَّ فَقَالَ النَّبِيُّ: ضَعُوا، أَوْ تَعَجَّلُوا» ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَأَصْحَابُنَا يَحْمِلُونَ اخْتِلَافَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ عَلَى

ص: 340

مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيُّ: بَابُ مَنْ عَجَّلَ لَهُ أَدْنَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَوَضَعَ عَنْهُ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمَا.

وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ إذَا جَرَى بِالشَّرْطِ بِأَنَّهُ يُضَارِعُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ. رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ قَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي، فَإِنْ قَضَاهُ أَخَذَهُ، وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ، وَهَذَا الرِّبَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبُطْلَانِهِ حَتَّى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ الَّذِي خَالَفَ فِي رِبَا الْفَضْلِ يُحَرِّمُ هَذَا، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَقَاسَ الْأَصْحَابُ النَّقْصَ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ الَّذِي دَعَانَا إلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ بِالشَّرْطِ، وَلَا أَنْفِي الْخِلَافَ فَإِنِّي كَلَّمْت الْحَنَفِيَّةَ فَرَأَيْتهمْ مُضْطَرِبِينَ فِي تَحْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ، وَضَبْطِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ مِمَّا لَا يَمْتَنِعُ، وَلَمْ أَرَ تَحْرِيرَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

أَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بِجِوَازِ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَعِنْدَنَا هُوَ كَغَيْرِهِ إنْ جَرَى ذَلِكَ فِيهِ بِالشُّرُوطِ فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا فَسَدَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْجِيلُ، وَلَا الْإِبْرَاءُ، وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ، فَإِنْ قُلْت: لَنَا خِلَافٌ فِي الْقَدِيمِ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ هُنَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَغَيْرِهِ. قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَعْلِيقٍ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَنَجْزِمُ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَعْنَى الرِّبَا الْجَاهِلِيِّ، فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ فَسَدَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْمُكَاتَبِ عِتْقٌ. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ عِتْقًا إذَا أُبْرِئَ مَجَّانًا، وَهُنَا أُبْرِئَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضِ التَّعْجِيلِ.

فَإِنْ قُلْت: وَلَوْ جَعَلَ بَدَلَ الْإِبْرَاءِ الْعِتْقَ. قُلْت: تَفْسُدُ الْمُعَاوَضَةُ، وَيُعْتَقُ بِالتَّعْجِيلِ الْفَاسِدِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ قِيمَتِهِ؛ أَمَّا فَسَادُ الْمُعَاوَضَةِ فَلِأَنَّهُ أَنْشَأَ عَقْدَ عَتَاقَةٍ بِمَالٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَعِتْقُهُ بِالتَّعْجِيلِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ مَجَّانًا، وَهَذَا مَنْقُولٌ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ وُقُوعَ الْعِتْقِ، وَقَالَ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَجَوَابُهُ إنَّ الَّذِي لَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهُ، وَهُوَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَالٍ آخَرَ أَمَّا مُطْلَقُ عِتْقِهِ فَيَصِحُّ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ، وَالْمَالُ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى تَعْجِيلِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَتَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ فَيَبْطُلُ، أَوْ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ سَنَحْكِي مِنْ كَلَامِ الْجَوْزِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَيَكُونُ عِوَضًا فَاسِدًا، وَاَلَّذِي دَعَانَا إلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

ص: 341

النَّظَرُ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فَلْنَذْكُرْ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهَا أَبْسَطَ مِنْهُ قَالَ الْجَوْزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُعَجِّلَ لَهُ الْعِتْقَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ حَالَّةٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَهَا حَالًّا عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي دَيْنٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى حُرٍّ، فَإِنْ فَعَلَ هَذَا عَلَى أَنْ يُحْدِثَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقًا فَأَحْدَثَهُ عَتَقَ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ.

فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ هَذَا لَهُمَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ، وَيَرْضَى السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَيُنَفَّذُ الْعِتْقُ، وَالْعِوَضُ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَفْظُهُمْ الَّذِي نَقَلُوهُ: لَوْ عَجَّلَ لَهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ، وَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ أُبْرِئ مِمَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ، وَيَرْضَى السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ فَيَجُوزُ، وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبُطْلَانِهِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَزِيدُونَ فِي الْحَقِّ لِيَزِيدَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي الْأَجَلِ، وَهَذَا يُنْقِصُ عَنْ الْحَقِّ لِيُنْقِصَ مِنْ الْأَجَلِ فَهُوَ يُشْبِهُهُ فِي مَعْنَاهُ.

وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ فِيمَا إذَا عَجَّلَ بَعْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِيُبَرِّئَهُ عَنْ الْبَاقِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَغَيْرُهُمَا هُنَاكَ، وَفِي الْكِتَابَةِ كَمَا ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي الْبَابَيْنِ عَلَّلُوا بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ شَرْطَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّعْجِيلُ مَشْرُوطًا بِالْإِبْرَاءِ، وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ الْإِبْرَاءُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ لِمَا شَرَطَهُ الدَّافِعُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ فَيَكُونُ هَذَا عَقْدًا فَاسِدًا لِشَبَهِهِ بِرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي النُّكَتِ الْمَسْأَلَةَ بِتَرْجَمَةٍ تُنْبِئُ عَنْ هَذَا الْغَرَضِ فَقَالَ: إذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَمْ يَصِحَّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ لَنَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فَلَمْ يَجُزْ كَالثَّمَنِ، وَالْأُجْرَةِ، وَالصَّدَاقِ، وَلِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ بِالزِّيَادَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إذَا قَالَ: عَجِّلْ لِي حَتَّى أُبْرِئَك، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَالْإِبْرَاءُ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ بَقِيَّةِ الْأَصْحَابِ يُرْشِدُ إلَى تَصْوِيرِهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَنْقُلُونَ الْخِلَافَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَأَنَّهُمَا قَالَا بِالْجَوَازِ؛ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ عَلَى الْمَنْعِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ الْآثَارِ.

وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ

ص: 342

الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَلَى امْتِنَاعِهَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ بِالشَّرْطِ.

وَقَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا وَضَعَ وَتَعَجَّلَ لَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ انْتَهَى. وَاسْتَشْكَلَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْمُزَنِيِّ.

وَقَالَ الْجَوْزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِشَرْطٍ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يَجُوزُ أَرَادَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيْ، وَتَفَضَّلَ السَّيِّدُ بِالْإِبْرَاءِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْ الْمُزَنِيِّ قَالُوا: لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَا أَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا أَدَّى مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ سَأَلَ السَّيِّدُ أَنْ يُبْرِئَهُ، وَأَبْرَأَهُ، وَنَقَلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ، وَقَالَ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا.

وَقَالَ الْإِمَامُ: نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي هَذَا تَرْدِيدَ نَصٍّ، وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَغَلَّطَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى حَمْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَأَبْرَأهُ السَّيِّدُ تَفَضُّلًا، أَمَّا إذَا جَرَى الشَّرْطُ فَلَيْسَ إلَّا الْفَسَادَ، فَإِنْ عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ فَسَدَ، وَإِنْ عَجَّلَ، وَشَرَطَ الْإِبْرَاءَ فَسَدَ الْأَدَاءُ، وَلَسْت أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَنْقُلَ جُمْلَةَ مَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنِّي لَسْت أَرَى فِيهِ مَزِيدَ فِقْهٍ. قُلْت: وَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْأَكْثَرِينَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ إثْبَاتَ خِلَافٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ غَلَّطُوهُ فِي النَّقْلِ، وَالْأَكْثَرِينَ سَلَّمُوا النَّقْلَ لَهُ، وَقَالُوا: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهَؤُلَاءِ مُغَلَّطُونَ أَيْضًا فِي التَّحْرِيمِ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَوْرَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي الشَّرْطِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَكَيْف يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمُّوا مُحَقِّقِينَ فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا مَحَلَّ النَّقْلِ، وَحَقَّقُوهُ، وَغَلَّطُوا التَّرْجِيحَ مِنْهُ.

أَمَّا تَغْلِيطُ الْمُزَنِيِّ بِغَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ فِيمَا يَنْقُلُ، وَكَيْف مَا قُدِّرَ فَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى التَّغْلِيطِ، وَعَدَمِ إثْبَاتِ قَوْلَيْنِ لَا فِي حَالَةِ الِاشْتِرَاطِ، وَلَا فِي عَدَمِ حَالَةِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ جَازِمُونَ بِالْحُكْمَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ، وَمُرَادُ الْإِمَامِ بِحَمْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ بِالْجَوَازِ لَا الْكَلَامَ الَّذِي اعْتَرَضَهُ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ مَعَهُ بِالْجَوَازِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُزَنِيَّ إنَّمَا نَقَلَ مِنْ دَيْنِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَمَقْصُودُهُ قِيَاسُ دَيْنِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ دَيْنُ الْمُكَاتَبِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ فَلْيَتَأَوَّلْ كَلَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ

ص: 343

حَمْلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْقُولِ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِمَّنْ حَكَيْنَا حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ، وَلَا قَوْلَيْنِ، وَلَا وَجْهَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ صُورَتَيْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بَلْ إنْ جَرَى الشَّرْطُ فَسَدَ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَيَصِحُّ فِيهِمَا، وَالطَّرِيقَانِ الْمَحْكِيَّانِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَحْثِ مَعَ الْمُزَنِيِّ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ نَقْلُ الْمُزَنِيّ تَرَدُّدٌ، أَوْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَغْلِيطِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْعَبْدُ إنْ قَدَّمَ الْأَدَاءَ، وَشَرَطَ الْإِبْرَاءَ بِالْأَدَاءِ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ مَوْضِعَ التَّرَدُّدِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَبْدُ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ بَاطِلٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ لَوْ أَبْرَأَ السَّيِّدُ فَيَرْضَى الْعَبْدُ بِدَوَامِ يَدِ السَّيِّدِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ، وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ رِضًا آخَرَ أَمْ يُقَالُ كَانَ بِرِضًا يَقْتَضِيه عِنْدَ الْإِبْرَاءِ، وَالْآنَ قَدْ تَحَقَّقَ الرِّضَا، قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّحِيحَ أَنَّ دَوَامَ الْقَبْضِ كَابْتِدَائِهِ، وَأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الرِّضَا كَافٍ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ. قُلْت: وَتَنْزِيلُ الْغَزَالِيِّ مَنْقُولَ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا خُرُوجٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي دَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ فَجَرَى إبْرَاءٌ صَحِيحٌ، وَالْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ هَلْ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْأَدَاءُ صَحِيحًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِفَسَادِهِ مِنْ غَيْرِ رِضًا جَدِيدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رِضًا جَدِيدٍ فَيَصِيرُ بِهِ اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ كَابْتِدَائِهِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْوَسِيطِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا، وَتَنْزِيلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ بَعِيدٌ لِمَا بَيَّنَّا ذِكْرَهُ، أَمَّا الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَازِعَ فِي ذَلِكَ إذَا جَرَى إبْرَاءٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لَهُ فَيُقَالُ: إنْ جَرَى الْإِبْرَاءُ كَمَا صَوَّرْنَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، وَجَرَى إبْرَاءٌ مُبْتَدَأٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ اعْتَقَدَ السَّيِّدُ فَسَادَ الشَّرْطِ فَهُوَ صَحِيحٌ قَطْعًا، وَإِنْ ظَنَّ صِحَّتَهُ، وَأَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ رَهَنَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ صَحِيحٌ إمَّا قَطْعًا، أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَأْتِي مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ رِضَاءً جَدِيدًا كَفَتْ الِاسْتِدَامَةُ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ رِضًا فَهَلْ نَكْتَفِي بِالرِّضَا السَّابِقِ، أَوْ لَا؟ احْتِمَالَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ الِاكْتِفَاءُ، وَيَنْزِلُ مَنْقُولُ الْمُزَنِيِّ عَلَيْهِ، وَيَنْزِلُ النَّصُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ، وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ يَنْبُو عَنْ هَذَا التَّنْزِيلِ.

فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بَلْ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ إبْرَاءٌ صَحِيحٌ أَمَّا كَوْنُهُ الْوَاقِعَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، أَوْ مُبْتَدَأٍ فَلَمْ يُثْبِتْهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ

ص: 344

هُنَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجِزْ إبْرَاءً لَا يَكْفِي اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَالشَّافِعِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ: إنَّهُ إذَا أَنْشَأَ رِضًا جَدِيدًا فَقَبَضَهُ عَمَّا عَلَيْهِ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَقْبِضَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ جِهَةِ الشِّرَاءِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ فِي قَبْضِهِ عَنْ الرَّهْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُكْمِ صَحِيحٌ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الشِّرَاءِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّتِمَّةِ.

وَلْنَرْجِعْ إلَى غَرَضِنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله: لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْ الْبَاقِي فَأَخَذَهُ، وَأَبْرَأَهُ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، وَلَا الْإِبْرَاءُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: أَبْرَأْتُك عَنْ كَذَا بِشَرْطِ أَنْ تُعَجِّلَ الْبَاقِيَ، أَوْ إذَا عَجَّلْت كَذَا فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ الْبَاقِي فَعَجَّلَ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، وَلَا الْإِبْرَاءُ أَيْضًا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّا لَمْ يَحْصُلْ الْعِتْقُ، وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّ الْمَأْخُوذِ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَأَشَارَ الْمُزَنِيّ إلَى تَرَدُّدِ قَوْلٍ فِي صِحَّةِ الْقَبْضِ، وَالْإِبْرَاءِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ اخْتِلَافَ الْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَحَمَلُوا التَّجْوِيزَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجُزْ شَرْطٌ، وَابْتَدَأَ بِهِ، وَرَدَّ صَاحِبُ الْكِتَابِ تَرَدُّدَ الْقَوْلِ إلَى أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ فِي السَّيِّدِ هَلْ يَنْقَلِبُ الْقَبْضُ صَحِيحًا انْتَهَى.

وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ رحمه الله إشْكَالٌ إلَّا إطْلَاقُهُ الْإِبْرَاءَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ صَدَرَ جَوَابًا فَإِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ أَوْهَمَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ التَّعْجِيلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْإِبْرَاءُ، أَوْ وَقَعَ مُسْتَقِلًّا لَا يَصِحُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَافَقَ الرَّافِعِيَّ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ، وَمَنْقُولَ الْمُزَنِيِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا عَجَّلَ لِيُبْرِئَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا إذَا عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِالتَّعْجِيلِ، أَوْ شَرَطَهُ فِيهَا.

وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَمَعُوا بَيْنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا وَاحِدٌ، فَإِذَا نُقِلَ النَّصُّ، وَالْمَنْقُولُ فِي وَاحِدٍ فَلْيَثْبُتْ حُكْمُهُمَا فِي الْأُخْرَى فَهَذَا تَصَرُّفٌ، وَالْمَنْقُولُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهِيَ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي كَلَامِهِ.

وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ، وَلَا قَوْلَيْنِ، وَلَا وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّهُمْ جَازِمُونَ بِأَنَّهُ مَعَ الشَّرْطِ يَبْطُلُ جَزْمًا، وَفِي ذَلِكَ اتِّفَاقٌ عَلَى رَدِّ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي الصُّورَةِ إذَا أَخَذَ عَلَى ظَاهِرِهِ، إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلَيْسَ فِيهِ إثْبَاتُ خِلَافٍ أَيْضًا فِي الْإِبْرَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ " هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ " بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ مُرَادُهُ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَالَفَ الْمُزَنِيّ فِيهِ تَخْرِيجًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا مَرْدُودًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسَلِّمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ

ص: 345

وَيَقُولُ: الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الثَّانِي مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ صِحَّةِ الْقَبْضِ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ الصَّحِيحِ، لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةَ الصَّحِيحَةَ لِمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ لَمْ يَحْكِ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ، وَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا الصُّدَاعِ، فَإِنْ قُلْت: قَالَ الْبَغَوِيّ، وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي لَا يَصِحُّ أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قُلْتُمُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ إبْرَاءً مُسْتَقِلًّا ظَانًّا صِحَّةَ الشَّرْطِ يَصِحُّ.

قُلْت: الْمُخْتَارُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الصِّحَّةُ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، وَشَيْخُهُ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُجِيبًا لَا مُسْتَقِلًّا كَمَا صَوَّرْنَاهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ «نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا وَرَدَ الْعَقْدَانِ فِي صُورَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا وَرَدَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ فَلَا لَكِنْ سَأُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ هَذَا الْحَمْلَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا، وَالْأَصْحَابُ مُفَسِّرِينَ لِلْحَدِيثِ بِتَفْسِيرَيْنِ، هَذَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك دَارِي هَذِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ إذَا وَجَبَتْ لَك دَارِي، وَجَبَ لِي عَبْدُك فَهَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ حُكْمًا، وَتَصْوِيرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّصْوِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ. وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ التَّفْسِيرُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ، وَرَفَقَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ثَمَنًا، فَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ بَطَلَ، أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ.

وَالْإِمَامُ قَالَ فِي بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَوْلُهُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ قَالَ الْإِمَامُ يَعْنِي الْبَيْعَ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْبَيْعُ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّرَائِطِ الْفَاسِدَةِ، أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي إنْ اتَّفَقَ جَرَيَانُهُ خَلِيًّا عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ صَحِيحٌ، فَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْنِي الْبَيْعَ الْأَوَّلَ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ، وَبِذَلِكَ يُسَمَّى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

أَمَّا إذَا وَجَدْنَا الْبَيْعَ الثَّانِيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُسَمَّى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَيَكُونُ فَسَادُ الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا بِدُخُولِهِ تَحْتَ مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي الْمُنْقَطِعُ عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ الْأَوَّلِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ مَوْرِدِ النَّصِّ لَفَسَدَ الثَّانِي، وَلَوْ عَلِمْنَا فَسَادَ الْأَوَّلِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ نَعَمْ إذَا أَتَى بِهِ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، وَاحِدٍ فَسَدَا جَمِيعًا سَوَاءً عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ، أَوْ جَهِلَا فَافْهَمْ

ص: 346

هَذَا فَإِنَّهُ كَلَامٌ نَفِيسٌ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْكَلَامِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَبَيْنَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَبِذَلِكَ تَفْهَمُ مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ، وَكَلَامِ الْإِمَامِ.

وَبِهِ يَتَبَيَّنُ لَك إشْكَالُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ الْبَيْعَانِ عَلَى صُورَةِ بَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَا قَطْعًا عَلِمَا، أَوْ جَهِلَا، وَهُوَ قَدْ قَطَعَ بِالصِّحَّةِ إذَا عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ إذَا صَدَرَ مُبْتَدَأً، وَلَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَصَحُّ مِنْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ: إنْ اتَّفَقَ جَرَيَانُهُ خَلِيًّا عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ صَحِيحٌ مَجِيدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا صَدَرَ مُسْتَقِلًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَلِهَذَا أَعَادَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّهْنِ، وَحَكَمَ بِالصِّحَّةِ فِيهَا تَبَعًا لِشَيْخِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ صُدُورَ الْبَيْعِ الثَّانِي عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ بَلْ أَفَادَ الْإِمَامُ مَسْأَلَةً أُخْرَى لَيْسَتْ فِي كَلَامِهِمْ نَعَمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ صَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ رَهْنًا، وَكَانَ الشَّرْطُ فَاسِدًا، وَأَتَى بِالرَّهْنِ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِ الْوَفَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ كَمَنْ أَدَّى إلَى إنْسَانٍ أَلْفًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْأَدَاءُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَالْمُؤَدِّي مُسْتَرِدٌّ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْحَقُّ مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، وَكَيْف يَصِحُّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَمِيعُ الْعُقُودِ، وَالتَّصَرُّفَاتِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى مَدْلُولِهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّ الْعَاقِدِ، وَإِذَا كُنَّا نُصَحِّحُ بَيْعَ مَالٍ نَظُنُّهُ لِغَيْرِهِ فَتَبَيَّنَ لِنَفْسِهِ مَعَ ظَنِّ الْفَسَادِ فَلَأَنْ نُصَحِّحَ هَذَا مَعَ اعْتِقَادِ الصِّحَّةِ أَوْلَى.

وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ ظَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَنْ أَدَّى إلَى شَخْصٍ دَرَاهِمَ يَظُنُّ أَنَّهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ خِلَافَهُ يَسْتَرِدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّفْعِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَنْ دَيْنٍ، وَهُنَا لَفْظَةُ الْمِلْكِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ظَانًّا وُجُوبَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَنَحْوِهَا، أَوْ طَلَّقَ ظَانًّا وُجُوبَهُ عَنْ أَمْرٍ لِسَبَبِ إيلَاءٍ، وَنَحْوِهِ، أَوْ وَهَبَ ظَانًّا وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُقَالَ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، وَالتَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي عَبْدًا، وَاعْتِقُوهُ، فَامْتَثَلَ الْوَارِثُ ثُمَّ بَانَ دَيْنًا، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ دَفَعَ عَنْهُ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ.

فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ صَحَّحَ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي حَاوِيهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالْكِتَابَةِ. قُلْت: لَمَّا رَأَى الرَّافِعِيُّ نَقَلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَغَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَفِي الْكِتَابَةِ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْإِبْرَاءِ أَنَّ الْمَذْهَبَ بُطْلَانُهُ، وَلَمْ يُحَقِّقْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الرَّهْنِ أَطْلَقَ، وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ

ص: 347