المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة في التيامن والتياسر في القبلة] - فتاوى السبكي - جـ ١

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ]

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ]

- ‌[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْت]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ فِي إعْرَابِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا]

- ‌[الْفَهْمُ السَّدِيدُ مِنْ إنْزَالِ الْحَدِيدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[محدث غمس يَده فِي مَاء كَثِير غمسة وَاحِدَة هَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّثْلِيث]

- ‌[مسح الصِّمَاخَيْنِ بِمَاء جَدِيد]

- ‌[الهرة إذَا أَكَلت فارا وولغت فِي مَاء قليل]

- ‌[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ هَلْ تُقْضَى]

- ‌[اشتبه مَاء طَاهِر بِمَاء نجس]

- ‌[الفرق بَيْن مطلق الْمَاء وَالْمَاء المطلق]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]

- ‌[الْكَافِر إِن جن قَبْل الْبُلُوغ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[إشْرَاقُ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهِلَالَ إذَا غَابَ بَعْدَ الْعِشَاءِ]

- ‌[حِفْظُ الصِّيَامِ مِنْ فَوْتِ التَّمَامِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ]

- ‌[تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَيْع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون]

- ‌[بَيْع الرَّهْن وتلف الثَّمَن]

- ‌[فَصْلٌ مُنَبِّهُ الْبَاحِثِ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ]

- ‌[بَيْع التَّرِكَة قَبْل وفاء الدِّين]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[رَجُلٌ هَدَمَ جِدَارَ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ الْهَدْمِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ إذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّك مَا أَقَرَّك اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مُصَنَّفَاتٌ فِي مِيَاهِ دِمَشْقَ وَإِجْرَائِهَا وَحُكْمِ أَنْهَارِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

الفصل: ‌[مسألة في التيامن والتياسر في القبلة]

كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُرْتَدَّ تُقْضَى الصَّلَوَاتُ لَهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ وُلِدَ كَافِرًا وَلَا أَقُولُ كَافِرًا بَلْ بَيْنَ كَافِرِينَ بِحَيْثُ حُكِمَ لَهُ بِالْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَجُنَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ شَيْخًا وَمَاتَ عَلَى حَالِهِ دَخَلَ النَّارَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبْته لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ثَالِثَ عَشْرَيْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْعَادِلِيَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ) الْمُصَلِّي إذَا أَخْبَرَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ بِأَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَوْ الْحَاكِمُ إذَا أَخْبَرُوهُ عَنْ حُكْمِهِ أَوْ الشَّاهِدُ إذَا أَخْبَرُوهُ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُهُمْ لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَشْهَدُ عَنْ حِسِّهِ وَأَمَّا الْحَاكِمُ وَالْمُصَلِّي فَفِيهِمَا نَظَرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ التَّذَكُّرِ وَالْعِلْمِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ التَّوَاتُرِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِلَا وَاسِطَةٍ فَهُوَ كَالشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ وَالثَّانِي بِوَاسِطَةِ الْخَبَرِ فَالْمَعْلُومُ غَيْبٌ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ» مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ كِلَاهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) فِي عَوْرَةِ الْمُبَعَّضَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمُبَعَّضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَحُكْمُ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ حُكْمُ الْأَمَةِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالثَّانِي كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ إلَّا رَأْسَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَالثَّالِثُ مَا يَنْكَشِفُ فِي حَالِ خِدْمَتِهَا وَتَصَرُّفِهَا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَمَا عَدَاهُ عَوْرَةٌ وَسَبَقَهُمَا إلَى ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقِ نِصْفُهَا كَحُكْمِ الْأَمَةِ فِي الْعَوْرَةِ وَكَذَا الْمُتَوَلِّي قَالَ: مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ فِي السُّتْرَةِ حُكْمُ الْأَرِقَّاءِ لِأَنَّ وُجُوبَ سِتْرِ الرَّأْسِ مِنْ أَمَارَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَعَلَامَاتِ الْكَمَالِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فِي أَحْكَامِ الْكَمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ الْوِلَايَاتُ وَالشَّهَادَاتُ وَالْمَوَارِيثُ وَغَيْرُهَا وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ نِصْفُهَا رَقِيقٌ وَنِصْفُهَا حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ: وَمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَحْكَامِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: وَمَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَوْ دَخَلَ بَلْدَةً مَطْرُوقَةً أَوْ قَرْيَةً مَطْرُوقَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِيهَا مِحْرَابٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ مَطْعَنٌ فَلَا اجْتِهَادَ لَهُ مَعَ وِجْدَانِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْيَقِينِ وَلَوْ ازْدَادَ بَصِيرَةً إنْ تَيَامَنَ بِالِاجْتِهَادِ

ص: 149

قَلِيلًا أَوْ تَيَاسَرَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسَوِّغُ ذَلِكَ.

وَسَمِعْت شَيْخِي حَكَى فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَنْ قَالَ يَتَيَامَنُ أَوْ يَتَيَاسَرُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ حَقٌّ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ إلَى بَصِيرَةٍ إذَا دَخَلَ إلَى بَلْدَةٍ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي صَوَابِ الْقِبْلَةِ فَقَدْ يَلُوحُ لَهُ أَنَّ التَّيَامُنَ وَجْهُ الصَّوَابِ وَهَذَا إنْ ارْتَكَبَهُ مُرْتَكِبٌ فَفِيهِ تَعَدٍّ ظَاهِرٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ مَعَ اعْتِقَادِ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يَتَبَيَّنُ بِأَمْرٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

قُلْت: اسْتِبْعَادُ الْإِمَامِ فِيهِ نَظَرٌ قَدْ يُقَالُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَاعْتِمَادُ الْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْبِلَادِ تَقْلِيدٌ فَلَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يُقَالُ بِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ التَّقْلِيدِ هُنَا وَالتَّقْلِيدِ فِي غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا التَّقْلِيدِ وَلَا يُكَلَّفُ الِاجْتِهَادَ وَهَذَا مَا لَمْ يَجْتَهِدْ أَمَّا بَعْدَ اجْتِهَادِهِ وَظُهُورِ الْحَقِّ لَهُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا فَلَا يُسَوَّغُ التَّقْلِيدُ أَصْلًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ مِحْرَابٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ مَطْعَنٌ مَا أَحْسَنَهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَشْتَهِرَ فِيهِ مَطْعَنٌ فَإِذَا جِئْنَا إلَى بَلَدٍ فِيهِ مِحْرَابٌ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ أَوْ اُشْتُهِرَ فِيهِ مَطْعَنٌ وَجَبَ عَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذِكْرِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ: وَقَدْ أَلَّفَ ذَوُو الْبَصَائِرِ فِيهِ كُتُبًا فَلْتُطْلَبْ أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ مِنْ كُتُبِهَا.

قُلْت: فَهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلُّهُ مِنْ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ قَدْ عُلِمَ يُحِيلُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَلَى كُتُبِ أَهْلِهَا فَلَا يَسْتَحْيِ مَنْ يُنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا بِجَهْلِهِ وَعَدَمِ اشْتِغَالِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنَّ الْفِقْهَ يُخَالِفُهَا وَمَا يَسْتَحْيِ عَامِّيٌّ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الْعَالِمِينَ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنْ ظَنُّهُ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ دُونَهُمْ وَإِمَّا يَسْتَحْيِ الْفَرِيقَانِ مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَمَنْ نِسْبَتُهُمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَدْخُلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَضْلًا عَنْ مَسْجِدِهَا وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَى الْجَابِيَةِ.

وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا كَأَبِي عُبَيْدَةَ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُمْ فَكَانُوا قَبْلَ فَتْحِهَا فِي مَرَاكِزِهِمْ خَارِجَهَا يُصَلُّونَ هُنَاكَ وَبَعْدَ فَتْحِهَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَيْنَ كَانُوا وَهَلْ اتَّفَقَ لَهُمْ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِهَا أَوْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَضَارِبِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صَلَّوْا إلَى الْجِدَارِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ أَوْ تَيَاسَرُوا قَلِيلًا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَلَّى بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْوَةِ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ فَلَا عَلَيْهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْجِدَارِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْوَاجِبَ الْعَيْنَ وَلَا يَدْرِي مَا كَانَ يَصْنَعُ هَلْ مَالَ قَلِيلًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ نَقْلُهُ حَتَّى يَسْتَدِلَّ بِعَدَمِ نَقْلِهِ عَلَى عَدَمِهِ فَمَنْ يَتْرُكُ الْأَدِلَّةَ الْمُحَقَّقَةَ وَكَلَامَ الْعُلَمَاءِ

ص: 150

فِي ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأُمُورِ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يَعْبَأَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَطْلُوبَ الْمُجْتَهِدِ جِهَةُ الْكَعْبَةِ أَوْ عَيْنُهَا وَقَالَ: لَعَلَّ الْغَرَضَ مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ فِي تَصَوُّرِ دَرْكِ الْعَيْنِ الْخَطَأِ وَفِي الْجِهَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُتَصَوَّرُ كَالْجِهَتَيْنِ وَالثَّانِي لَا فَإِنْ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجِهَةِ ثُمَّ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ جِهَاتِ الْكَعْبَةِ أَوْ جِهَاتِ شَخْصِ الْمُصَلِّي فِي مَوْقِفِهِ أَرْبَعٌ فَقَدْ بَعُدَ عَنْ التَّحْصِيلِ وَكُلُّ مَيْلٍ بِفَرْضٍ فِي مَوْقِفِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ مَنْ اقْتَرَبَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَصِيرُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا بِأَدْنَى مَيْلٍ وَفِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ يَخْتَلِفُ اسْمُ الِاسْتِقْبَالِ.

فَالصَّوَابُ فِي الْبُعْدِ الَّذِي لَا يَقْطَعُ الْمَاهِرُ بِالْخُرُوجِ بِهِ عَنْ اسْمِ الِاسْتِقْبَالِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْجِهَةِ وَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ هُوَ جِهَةٌ أُخْرَى غَيْرُ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبَيْنَ جُزْأَيْ الْخُرُوجِ بَعْضُ الْوَقَفَاتِ أَقْرَبُ إلَى السَّدَادِ مِنْ بَعْضٍ فَهَلْ يَجِبُ طَلَبُ الْأَسَدِّ؟

عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَالْوَاقِفِ فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ؛ وَالثَّانِي نَعَمْ لِأَنَّ الَّذِي فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ قَاطِعٌ بِاسْمِ الِاسْتِقْبَالِ. انْتَهَى مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ رحمه الله.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْوَاقِفِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: لَوْ اسْتَطَالَ الصَّفُّ وَلَمْ يَسْتَدِيرُوا فَصَلَاةُ الْخَارِجِينَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْقِبْلَةِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ تَرَاخَى الصَّفُّ الطَّوِيلُ وَوَقَفُوا فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الْمُتَّبِعَ اسْمُ الِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَرَامَ الصَّغِيرَ كُلَّمَا ازْدَادَ الْقَوْمُ عَنْهُ بُعْدًا ازْدَادُوا لَهُ مُحَاذَاةً كَغَرَضِ الرُّمَاةِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَاقِفُ فِي الْمَدِينَةِ يَنْزِلُ مِحْرَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بِالِاجْتِهَادِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ الْمَحَارِيبُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ حَاذِيهِمْ يَتَعَيَّنُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهَا وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ إذَا نَشَأَ فِيهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْجِهَةِ فَهَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ؟ أَمَّا فِي مِحْرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَصَحُّهُمَا - وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ سِوَاهُ - يَجُوزُ وَيُقَالُ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ تَيَاسَرُوا يَا أَهْلَ مَرْوَ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ قِبْلَةَ الْكُوفَةِ يَقِينًا وَلَمْ يَجْعَلْ قِبْلَةَ الْبَصْرَةِ يَقِينًا، وَقَضَيْت جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْبَصْرَةِ دُونَ الْكُوفَةِ، وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ الْقَزْوِينِيِّ مِثْلُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى فِي الْكُوفَةِ مَعَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَا اجْتِهَادَ مَعَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقِبْلَةُ الْبَصْرَةِ نَصَبَهَا عُتْبَةُ بْنُ

ص: 151

غَزْوَانَ وَالصَّوَابُ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ أَقْرَبُ وَقَالَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا إنْ عَنَى بِهِ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ فَبَعِيدٌ بَلْ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مَنَعَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَفِي الْمَحَارِيبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا وَإِنْ عَنَى فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَمَا فَعَلَهُ الرُّويَانِيُّ فَبَعِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَدْ دَخَلَهَا الصَّحَابَةُ وَسَكَنُوهَا وَصَلَّوْا إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْيَقِينُ فَكَذَلِكَ.

قُلْت: هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رحمه الله وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَدِمَشْقُ مِثْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بَلْ الْكُوفَةُ أَعْلَى مِنْهَا لِأَنَّ عَلِيًّا دَخَلَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ دِمَشْقَ مِثْلُ عَلِيٍّ فَلَوْ سَلِمَتْ قِبْلَةُ دِمَشْقَ عَنْ الْكَلَامِ لَكَانَ الْأَصَحُّ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِيهَا بِالتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَكَيْفَ وَلَمْ تَسْلَمْ لِأَنَّ الْفُضَلَاءَ مَا بَرِحُوا يَقُولُونَ فِيهَا:

إنَّهَا مُنْحَرِفَةٌ إلَى الْغَرْبِ فَيَجِبُ التَّيَاسُرُ فِيهَا وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمَحَارِيبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا احْتِرَازٌ كَالِاحْتِرَازِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ مِحْرَابِ دِمَشْقَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَيْهِ. سَمِعْت قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرَ بْنَ جَمَاعَةَ وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِهَذَا الْعِلْمِ يَقُولُ: الدَّاخِلُ مِنْ بَابِ الْغَطَفَانِيِّينَ يَقِفُ عَلَى الْبَابِ وَيَسْتَقْبِلُ مِحْرَابَ الصَّحَابَةِ يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.

وَقَدْ انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ حَيْثُ تَكُونُ الْمَحَارِيبُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا غَيْرَ مَطْعُونٍ فِيهَا أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ قَطْعًا بَلْ يَجِبُ لِأَنَّ الطَّعْنَ وَعَدَمَ الِاتِّفَاقِ أَسْقَطَ التَّعَبُّدَ بِاعْتِمَادِهَا فِيمَا عَدَا الْجِهَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَيْنِ أَمَّا الْمُكْتَفَوْنَ بِالْجِهَةِ فَقَدْ يُقَالُ عِنْدَهُمْ لَا حَاجَةَ إلَى الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجِبُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ طَلَبًا لِلْأَسَدِّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَاهُ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَعُمْدَةَ الْمَذْهَبِ فَمَنْ الَّذِي يَقُولُ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: وَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْقِبْلَةَ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ شِمَالِهَا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ أَنَّ الْخَطَأَ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ قَطْعًا.

قُلْت: وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْلَاهُ لَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ اعْتِرَاضٌ فَإِنَّهُ مَتَى تَيَقَّنَ الْخَطَأَ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا فِي الْأَصَحِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجِهَةِ أَوْ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ

ص: 152

مَعَ الْبُعْدِ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِ أَمَّا فِي الْجِهَةِ فَيُمْكِنُ فَكَانَ الْيَقِينُ وَعَدَمُهُ هُوَ مَنْشَأُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى شَارِعٍ يَكْثُرُ بِهِ الْمَارَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِي الدَّلَالَةِ وَيَعْمَلُ عَلَى مُوجِبِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ: الْغَائِبُ عَنْ الْبَيْتِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ طَلَبُ الْجِهَةِ.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْجُرْجَانِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْضُهُ الْعَيْنُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلْنَكْتَفِ بِمَا حَكَيْنَاهُ.

وَالْغَرَضُ أَنَّ مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ إذَا كَانَتْ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَلَمْ يُطْعَنْ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا إنَّمَا نُصِبَتْ بِمُسْتَنَدٍ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَسْكُتُونَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إلَّا لِصِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ فَيَجُوزُ اعْتِمَادُهَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَسْمِيَةُ هَذَا الِاتِّبَاعِ تَقْلِيدًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِهِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، وَقَبُولُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ بِغَيْرِ دَلِيلِ التَّقْلِيدِ حِينَئِذٍ صَادِقٌ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ يُسَمَّى تَقْلِيدًا بِمَعْنَى أَنَّ وَاضِعَ ذَلِكَ الْمِحْرَابِ مُجْتَهِدٌ وَنَحْنُ فِي صَلَاتِنَا إلَى ذَلِكَ الْمِحْرَابِ نَجْتَهِدُ وَنَقُولُ وَنَحْنُ فِي صَلَاتِنَا إلَى ذَلِكَ الْمِحْرَابِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا دَلِيلٍ عِنْدَنَا مُقَلِّدُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ:

إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَنَا شَخْصٌ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ بِأَنَّهُ شَاهَدَ الْكَعْبَةَ فَنَأْخُذُ بِقَوْلِهِ وَلَا نُسَمِّيهِ تَقْلِيدًا بَلْ قَبُولُ خَبَرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ.

فَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ فِي الْمَحَارِيبِ وَلَمْ أَرَهُمَا مَنْقُولَيْنِ لَكِنْ قُلْتُهُمَا تَفَقُّهًا يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي الْعَارِفِ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا أَوْ لَا؟

إنْ قُلْنَا: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَإِنْ قُلْنَا بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيدِ جَازَ الِاجْتِهَادُ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَالْأَظْهَرُ التَّوَسُّطُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْجِهَةِ، وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاضِعِينَ لَمْ يُشَاهِدُوا الْكَعْبَةَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَنْعَ مِنْ الِاجْتِهَادِ مُعَلَّلًا بِتَنْزِيلِ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ قَدْ يَسْتَنِدُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِذَا تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَحُرِّمَتْ مُخَالَفَتُهُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي بَلَدٍ تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى طُولِ زَمَانٍ وَتَكَرُّرِ عُلَمَاءَ إلَيْهِ.

هَذَا فِي الْجِهَةِ أَمَّا التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ فَأَمْرُهُمَا خَفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ مَعْنَى الْخَبَرِ وَلَا مَعْنَى الْإِجْمَاعِ فَلِذَلِكَ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْعَارِفِ بِالْأَدِلَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ بِدُونِ الْوُجُوبِ لِأَنَّا نَعْلَمُ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ.

ص: 153

إذَا عَرَفْت هَذَا فَإِنَّا نَجِدُ الْبِلَادَ فِيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مَحَارِيبُ مُخْتَلِفَةٌ فَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قِبْلَةَ جَامِعِ الْحَاكِمِ وَجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَجَامِعِ الصَّالِحِ وَغَيْرِهَا صِحَاحًا وَشَاهَدْنَا قِبْلَةَ جَامِعِ طُولُونَ وَغَيْرَهَا مُنْحَرِفَةً إلَى الْغَرْبِ وَالصَّوَابُ التَّيَاسُرُ فِيهَا وَكَذَلِكَ شَاهَدْنَا فِي الشَّامِ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُوَ أَقْدَمُهَا وَأَشْهَرُهَا فِيهِ انْحِرَافٌ إلَى جِهَةِ الْغَرْبِ وَجَامِعُ تَنْكُزَ فِيهِ انْحِرَافٌ أَكْثَرُ مِنْهُ وَجَامِعُ جَرَّاحٍ أَكْثَرُهَا انْحِرَافًا وَهُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي إلَى كِتَابَتِي هَذِهِ الْأَوْرَاقَ لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ كَثْرَةُ انْحِرَافِ قِبْلَتِهِ تَطَوَّعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِمَا يَعْمُرُ بِهِ وَتُجْعَلُ قِبْلَتُهُ صَحِيحَةً فَأَرَدْت أَنْ أَجْعَلَهَا عَلَى الْوَضْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَبَعْضِ الْعَوَامّ إنْكَارُ ذَلِكَ وَطَلَبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِبْلَةِ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ قِبْلَةَ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ هِيَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَنَّهَا عَلَى مَا زَعَمَ صَلَّى إلَيْهَا الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) : مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا جَامِعَ بَنِي أُمَيَّةَ فِي ذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُمْ يَشْمَلُهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه عَنْهُ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ بِالتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ.

(الثَّانِي) : مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ أَنَّ قِبْلَتَهُ مُنْحَرِفَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْخِلَافُ بَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ قَطْعًا وَإِذَا جَازَ هَلْ يَجِبُ أَوْ لَا وَجْهَانِ.

(الثَّالِثُ) : إنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقِبْلَةِ إنْ كَانَ الْجِهَةُ وَالتَّيَاسُرُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْجِهَةِ وَالتَّيَاسُرِ جَائِزٌ هَهُنَا فَيَكُونُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ جَائِزًا لَا وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْعَيْنَ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ الْأَصْلِ أَوْ التَّيَاسُرُ فَمَنْ يَقُولُ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ يُجَوِّزُ التَّيَاسُرَ قَطْعًا وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْعَيْنُ وَيُسَلِّمُ أَدِلَّةَ هَذَا الْعِلْمِ يُوَافِقُهُ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى الْجَوَازِ وَمُخْتَلِفَانِ فِي الْمِحْرَابِ الْأَصْلِيِّ فَكَانَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْعَيْنُ وَيَقُولُ: إنَّ هَذَا الْعِلْمَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ.

(الرَّابِعُ) : إنَّ جَامِعَ جَرَّاحٍ لَيْسَ مُسْتَهْدَمًا وَإِنَّمَا يُقْصَدُ هَدْمُهُ لِإِقَامَةِ الْقِبْلَةِ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا هُدِمَ وَجُعِلَ عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي يَدُلُّ الْعِلْمُ عَلَيْهَا كَانَ عَلَى الْأَحَقِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إلَّا مَنْ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوَاجِبَ الْعَيْنُ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ وَإِذَا جَعَلَ عَلَى قِبْلَةِ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَوَضْعُ مِحْرَابٍ نَعْتَقِدُ نَحْنُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ.

(الْخَامِسُ) : إنَّ جَامِعَ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يُبْنَ جَامِعًا وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الْكَعْبَةِ وَلَمَّا فَتَحَ

ص: 154