الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَفْظًا إلَّا الرَّقَبَةَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي اسْتِتْبَاعَ الْمَنْفَعَةِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إثْبَاتَ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا كَانَتْ تَحْدُثُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَيُجْعَلُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ الْبَائِعِ.
قُلْت: إنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، وَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ مَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَدْ قَالَ هُنَاكَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَأْخُذْ عَنْهَا عِوَضًا. وَجَوَابُهُ، أَنَّ رِضَاهُ بِالشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ كَالْعِوَضِ وَأَيْضًا فَهُوَ إنَّمَا جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْبُطْلَانِ مَأْخُوذًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْهُ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْهُ هَهُنَا، أَوْ يُنَاقِضُهُ وَتَجْوِيزُ الشَّيْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَجْوِيزِ نَقِيضِهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ قَدْ رَدَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذٌ آخَرُ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَأْخَذًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَجْزَاءَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ لِأَجْلِ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ تَعَقَّبَ الْإِجَارَةَ، فَإِذَا انْفَسَخَتْ رَجَعْنَا إلَى مُقْتَضَى الِاسْتِتْبَاعِ، وَإِذَا كَانَتْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسَْتَأْجِرِ فَيُنَزَّلُ الْمُشْتَرِي مُنْزَلَهُ.
وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لِاسْتِحْقَاقِهِ وَتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُشْتَرِي اسْتَمَرَّ أَمْ فَسَخَ، أَوْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَلَا يُنَزَّلُ الْمُشْتَرِي مَنْزِلَتَهُ بَلْ يَكُونُ كَاسْتِثْنَائِهَا حُدُوثُهَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ زَوَالِ الْعَيْنِ كَمَا يُقَابِلُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَيْنِ.
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ قَرِيبَةَ الشَّبَهِ مِنْ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَمِنْهَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِالتَّفْوِيضِ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ جَرَى الْفَرْضُ، أَوْ الدُّخُولُ، وَالْمَفْرُوضُ، أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي فِيهِ طَرِيقَانِ، وَمِنْهَا إذَا أَدَّى عَنْ ابْنِهِ صَدَاقًا تَطَوُّعًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَرْجِعُ النِّصْفُ إلَى الْأَبِ، أَوْ إلَى الِابْنِ الْمُطَلِّقِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا إلَى الِابْنِ الْمُطَلِّقِ، وَفِي الْأَجِيرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ إلَى الْأَجِيرِ.
وَالْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ مُخْتَلِفٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى التَّطْوِيلِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) فِي نَاسِخٍ اسْتَأْجَرَهُ إنْسَانٌ لِيَنْسَخَ لَهُ خِتْمَةً بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَتَأَخَّرَ النَّاسِخُ عَنْ كِتَابَتِهَا مُدَّةَ سَنَةٍ وَفِي تِلْكَ الْمُدَّةِ جَادَ خَطُّهُ وَحَسُنَ وَارْتَفَعَ سِعْرُهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ زِيَادَةً عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ، أَوْ يَخْتَارَ الْفَسْخَ؟ (أَجَابَ) لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بَلْ عَلَيْهِ كِتَابَتُهَا بِتِلْكَ الْأُجْرَةِ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]
(مَسْأَلَةٌ) هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ، أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ مُعَيَّنَةٌ وَفِي الذِّمَّةِ فَالْمُعَيَّنَةُ أَنْ تَكُونَ
عَلَى مُدَّةٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَتَقُولُ: أَجَّرْتُك دَارِي هَذِهِ شَهْرًا، أَوْ عَبْدَهُ، أَوْ فَرَسَهُ شَهْرًا فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ لِتَبْنِيَ لِي حَائِطًا صِفَتُهُ كَذَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ خَيْرَانَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا الْخِيَارَانِ.
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْ وَمِثْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْت مِنْك ظَهْرَ الْجَمَلِ عَلَيْهِ كَذَا، وَكَذَا وَاسْتَأْجَرْتُك لِتَحْمِلَ لِي بِقَصْدِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَهَلْ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ وَجْهَانِ هَذَا إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَقِيلَ يَثْبُتُ الْخِيَارَانِ وَقِيلَ لَا يَثْبُتَانِ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ خَيْرَانَ، وَقِيلَ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْمُسَاقَاةُ، وَالْإِجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّمَانِ فَلَا يَدْخُلُهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ فِيهِمَا فَأَمَّا الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ خَيْرَانَ: لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ.
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالْإِجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ كَالصُّلْحِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْإِجَارَةِ.
وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ الْإِجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ خِيَارُ الثَّلَاثِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الثَّلَاثِ وَلَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَذَلِكَ وَزَادَ تَمْثِيلَ إجَارَةِ الْعَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَبْنِيَ لِي هَذِهِ الدَّارَ وَتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَتَمْثِيلُ إجَارَةِ الذِّمَّةِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ دَارًا مَوْصُوفَةً، أَوْ يَحْمِلَ لَهُ حُمُولَةً وَصَفَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّمْثِيلِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَمْثِيلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ أَوْلَى.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْإِجَارَةُ، وَالْمُسَاقَاةُ، وَالْحَوَالَةُ إنْ شَرَطَ فِيهَا خِيَارَ الثَّلَاثِ بَطَلَتْ وَهَلْ تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى وَجْهَيْنِ هَذِهِ عِبَارَتُهُ.
وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهَلْ يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَفِي الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَثْبُتُ، وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ، وَالثَّالِثُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ: مَا عُقِدَ عَلَى مُدَّةٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ
عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا يَثْبُتُ لِلْغَرَرِ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعَيَّنَةَ كَالْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ الْعَيْنُ الْمُعَيَّنَةُ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارَانِ فَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ، وَالثَّالِثُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مُنْتَظَرٍ فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ كَالسَّلَمِ.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ لِلْغَرَرِ، وَالثَّانِي يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ فَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَقِسْمٌ فِي الْخِيَارَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَقِسْمٌ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَفِي الشَّرْطِ وَجْهَانِ وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ مَعْلُومٌ. وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ ثُبُوتُهُ.
وَقَالَ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي لَا يَدْخُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْإِجَارَةِ وَسَكَتَ عَنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ شَرْحِ تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْإِجَارَةُ، وَالْمُسَاقَاةُ لَا يَدْخُلُهُمَا خِيَارُ الثُّلُثِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِعِيِّ كَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ يَثْبُتُ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ لَازِمَةٍ يُقْصَدُ بِهَا الْمَالُ كَالْإِجَارَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُسَاقَاةِ وَقِيلَ: الْمُسَاقَاةُ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ هَكَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ: إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالزَّمَانِ لَمْ يَدْخُلْهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ مَعًا، وَالثَّانِي يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ مَعًا كَالْبَيْعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهَا إيصَالُ الْمَنْفَعَةِ بِالْعَقْدِ وَقِيلَ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ.
وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي الْمَقْصُودِ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْإِجَارَةِ وَهَلْ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ وَفِي الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ خَيْرَانَ لَا.
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يَدْخُلُهَا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَقَالَ الْجَوْزِيُّ: لَوْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا جَازَ كَجَوَازِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ.
وَالثَّانِي: فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَجَازَ أَنْ يُؤَاجِرَهُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ فِي الثَّلَاثِ لَيْسَ بِرِضَاهُ وَلَا اخْتِيَارَ الْإِمْضَاءِ لِلْإِجَارَةِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فِي الثَّلَاثِ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ وَكَانَ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلْإِجَارَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: الْمُسَاقَاةُ، وَالْإِجَارَةُ الْمَعْقُودَةُ عَلَى زَمَانٍ لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَالْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيُحَصِّلَ لَهُ بِنَاءَ حَائِطٍ، أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ اسْتِئْجَارُ الْأَعْيَانِ
هَلْ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارَانِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ لَا يَثْبُتَانِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَثْبُتَانِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْآجِرِ، فَإِنْ فُسِخَتَا فَالْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ انْفَسَخَ هُنَا فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَجَازَ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى حَسْبُ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَارِدَةً عَلَى الذِّمَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَجَّرْتُك عَلَى أَنْ تُحَصِّلَ لِي خِيَاطَةَ هَذَا الثَّوْبِ، فَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالسَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ دُونَ الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ نُلْحِقْهَا بِالسَّلَمِ فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فَعَلَى هَذَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْمَنْفَعَةِ. هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَحَكَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ ثُبُوتَهُمَا عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ، وَهُنَا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْفُورَانِيُّ فِي الْعَمْدِ وَفِي الْإِجَارَةِ أَقْوَالًا: أَحَدُهَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ دُونَ الشَّرْطِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ فِيهِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّلَمِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ إنْ أُلْحِقَتْ بِالسَّلَمِ فَفِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ تُلْحَقْ بِالسَّلَمِ فَفِيهَا الْخِيَارَانِ وَفِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ طَرِيقَانِ أَرْضَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ فِي الْخِيَارِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ الْمَنَافِعِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ هَلْ يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهُمَا لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْ الْخِيَارَيْنِ لِلْغَرَرِ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَثْبُتَانِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ لَا الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ: الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَمَّا الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ يَجِبُ فِيهَا تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي السَّلَمِ.
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا شَهْرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ مَا حَكَى فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْحِيحٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، أَوْ بِنَاءَ دَارٍ، فَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّلَمِ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَبِيعِ. وَلِأَصْحَابِنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَصْلًا فِي الْإِجَارَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ لِلْغَرَرِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ
إنْ قُلْنَا: الْإِجَارَةُ بَيْعٌ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: الْإِجَارَةُ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ، فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَمَّا الْإِجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارَانِ إذْ لَا يَحْذَرُ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ.
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ مِنْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ وَصَرْفٍ وَإِجَارَةٍ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الْإِجَارَةُ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَثْبُتُ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقُ وَابْنُ خَيْرَانَ لَا يَثْبُتُ لِلْغَرَرِ، وَبِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
أَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخُهُ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ، وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الثَّانِي، وَعَنْ الْقَفَّالِ فِي طَائِفَةٍ أَنَّ الْخِلَافَ إجَارَةُ الْعَيْنِ أَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَا مَحَالَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالسَّلَمِ حَتَّى يَجِبَ فِيهَا قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ: الْإِجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْعَيْنِ تَارَةً تَكُونُ مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ وَتَارَةً بِالزَّمَانِ، وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُقَدَّرِ بِالْعَمَلِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِ وَالْمُخْتَارُ فِي الْمُرْسَلِ مِنْهَا الثَّالِثُ أَمَّا الْمُقَدَّرَةُ بِالزَّمَانِ فَالْمَذْكُورَةُ فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بَعْضُ الْمُدَّةِ، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ الْخِلَافَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَيْضًا وَبِهِ تَنْظِيمُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ أَيْضًا.
وَقَالَ الْمَرْعَشِيُّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي سَائِرِ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَفِي الْإِجَارَةِ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ وَخِيَارُ الثَّلَاثِ فِي سَائِرِ الْمُبَايَعَاتِ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: الْإِجَارَةِ، وَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ وَجْهُ الثُّبُوتِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَازِمَةٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ لِلْغَرَرِ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ وَجَزَمَ بِثُبُوتِهِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالسَّلَمِ.
وَإِذَا أَثْبَتْنَا فِي إجَارَةٍ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ، أَوْ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقَالَ الْقَمُولِيُّ لَمَّا حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ ثَالِثُهَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَمَّا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ انْصِرَافُهُ عَنْ قُرْبٍ، أَمَّا فِي إجَارَةِ الذِّمَمِ فَلْتُنَزِّلْهَا مَنْزِلَةَ السَّلَمِ، قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي نَوْعَيْ الْإِجَارَةِ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ تَعْجِيلٍ قَطْعًا، قَالَ: وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْإِجَارَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْمُدَّةِ وَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ عَدَمَ ثُبُوتِهِ مُطْلَقًا قَالَ فَتَنَاقَضَا.
وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهُمَا عَلَى مُدَّةٍ كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ، وَالْعَبْدَ شَهْرًا، فَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ جِدًّا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ. وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا يَثْبُتُ، وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَالْكَرْخِيِّ الثُّبُوتُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) : عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَبْنِيَ لِي هَذَا الْحَائِطَ فَفِي الْخِيَارَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ كَمَا سَبَقَ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ الثُّبُوتُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) : عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ مُطْلَقًا ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَأَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ امْتِنَاعُ خِيَارِ الشَّرْطِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ وَالْعَبْدَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الْمُعَيَّنَةُ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ وَاَلَّتِي فِي الذِّمَّةِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَسُلَيْمٍ الدُّخُولُ، وَقَدْ تَجَوَّزُوا فِي قَوْلِهِمْ: الذِّمَّةُ وَأَرَادُوا بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِمْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ احْتَجَّ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ لَمْ يَسْلَمْ ذَلِكَ بَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى النَّظَرِ إلَى اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مُرَادِهِمْ مَا عَبَّرَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَالْمُهَذَّبُ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ مَا عُقِدَ عَلَى مُدَّةٍ حَتَّى أَنِّي أَقُولُ إذَا عَقَدَ إجَارَةَ الذِّمَّةِ عَلَى مُدَّةٍ كَانَتْ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي عُقِدَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ هُوَ مُرَادًا وَقِيلَ بِإِجَارَةِ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ بِإِجَارَةِ ذِمَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إجَارَةُ عَيْنٍ، وَقَدْ تَكُونُ إجَارَةَ ذِمَّةٍ أَيْضًا وَلِهَذَا أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَكَذَا فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ حَكَى الثَّلَاثَةَ الْأَوْجُهَ بِعَيْنِهَا فِي إجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَكَى عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ، وَلَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْأَوَّلُونَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقُولَ ابْنُ خَيْرَانَ: لَا يَدْخُلُ الْخِيَارَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ.
وَقَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُبُوتُهُمَا وَلَا يُنَاقِضُ مَا قَالُوهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْهُ شَيْئًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِثُبُوتِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَحَكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَفِي الشَّرْطِ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَالْأَوَّلُونَ حَكَوْا عَنْهُ فِي الَّتِي فِي الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارَانِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ
أَنْوَاعِهَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخِهِ الْكَرْخِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَيَدْخُلُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ مَنْ اسْتَأْجَرَ بِئْرًا لِيَسْقِيَ مَاءَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ اكْتَرَى دَارًا لِيَسْكُنَهَا وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ جَازَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهَا تَبَعًا لَا بُدَّ أَنْ يُقَدِّرَ الْمُدَّةَ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِتَخِيطَ، أَوْ الْعَمَلَ كَاسْتَأْجَرْتُكَ بِهَذَا الثَّوْبِ فَلَوْ قَدَّرَهُمَا لَمْ يَصِحَّ لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدَيْنِ آخَرَيْنِ كُلَّ عَبْدٍ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا الرَّاكِبُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْحِمَارَ لِأَرْكَبَ أَنَا، أَوْ يَرْكَبَ زَيْدٌ. فَأَمَّا الصِّفَةُ فَلَا يَقْصِدُ بِهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْعَبِيدِ وَكَالرَّجُلِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فَالْإِجَارَةُ تَجُوزُ مُعَيَّنًا وَفِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَجَّرَهُ مُعَيَّنًا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ بِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ، أَوْ الْمُدَّةِ وَيَتَنَاوَلُ الْعَقَارَ فَإِنَّهُ لَا عَمَلَ فِيهِ فَلَا يَتَقَدَّرُ إلَّا بِالْمُدَّةِ. وَالثِّيَابُ، وَالْأَبْنِيَةُ كَالْعَقَارِ فِي أَنَّ مَنَافِعَهَا لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ كَالْبَهَائِمِ ثُمَّ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مُعَيَّنًا وَفِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ قَدَّرَ الْمَنْفَعَةَ بِالْعَمَلِ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِنَقْلِ كَذَا صَحَّ الْعَقْدُ وَاقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُلُولَ، وَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ غَيْرَ حَالِ الْعَقْدِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ، وَإِنْ أُطْلِقَ اقْتَضَى التَّعْجِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى شَيْءٌ مِنْ الزَّمَانِ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا تَفُوتُ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِتُحَصِّلَ لِي خِيَاطَةَ هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ، أَوْ تُحَصِّلَ لِي بِنَاءَ حَائِطٍ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَشْبَارٍ صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ صَحَّ مُعَجَّلًا، وَلَوْ شَرَطَ فِيهِ التَّأْجِيلَ جَازَ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَسْلَمَ فِي مَنْفَعَةٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ الْإِجَارَةُ لِلرَّضَاعِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً بِالْمُدَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ تَتَقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ، أَوْ بِالْعَمَلِ مِنْ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ: لِتَخِيطَ لِي ثَوْبًا وَشَهْرًا قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الثَّوْبِ، وَالْخِيَاطَةِ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِنَوْعٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ لَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى أَمْضَتْ مُدَّةً يُمْكِنُ فِيهَا الْمُضِيُّ إلَيْهَا فَوَجْهَانِ
مُخْتَارُ الْإِمَامِ الِانْفِسَاخُ وَأَظْهَرُهُمَا وَبِهِ أَجَابَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَنْفَسِخُ وَعَلَى هَذَا فَفِي الْوَسِيطِ لَهُ الْخِيَارُ وَرِوَايَةُ الْأَصْحَابِ تُخَالِفُ مَا رَوَاهُ الْإِجَارَةُ تَارَةً تَقَعُ عَلَى الذِّمَّةِ فَتُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ وَتَارَةً تَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ فَتُقَدَّرُ
بِالْمُدَّةِ فَإِجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمُدَّةِ كَأَجَّرْتُكَ دَارِي، أَوْ عَبْدِي شَهْرًا، أَوْ اسْتَأْجَرْت عَيْنَك لِتَبْنِيَ لِي شَهْرًا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْغَرَرِ وَلِتَعْطِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَذْهَبُ دُخُولُهُ وَوَافَقَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ فَرَجَّحُوا ثُبُوتَهُ وَفِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَإِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْعَمَلِ كَأَجَّرْتُكَ دَابَّتِي لِتَرْكَبَهَا إلَى مَكَانِ كَذَا وَاسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ لِي كَذَا، فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ثَالِثُهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ ثَبَتَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّنْبِيهِ تَرْجِيحُ ثُبُوتِهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ التَّسْلِيمَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ الْعَمَلِ لَمْ يَنْفَسِخْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَمُخْتَارُ الْإِمَامِ يَنْفَسِخُ وَفِي الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ قَطْعًا وَإِجَارَةُ الذِّمَّةِ كَاسْتَأْجَرْتُ مِنْك ظَهْرًا صِفَتُهُ كَذَا إنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّلَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دُونَ الشَّرْطِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ، وَالْأَفْضَلُ لَا يَثْبُتَانِ لِلْغَرَرِ وَقِيلَ يَثْبُتَانِ لِعَدَمِ تَعْطِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِجَارَةِ سَوَاءً كَانَتْ عَلَى الْعَيْنِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ. وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يُوَافِقُهُ وَالْمُتَخَيَّلُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْحِيحُ ثُبُوتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ.
(مَسْأَلَةٌ مِنْ دِمْيَاطَ) أَرْضٌ مَشْغُولَةٌ بِأَشْجَارِ مَوْزٍ بَيْنَ الْأَشْجَارِ أَرْضٌ مَكْشُوفَةٌ اسْتَأْجَرَهَا رَجُلٌ لِلزِّرَاعَةِ وَسَاقَى عَلَى الْأَشْجَارِ عَلَى الْعَادَةِ، وَالْأَرْضُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ ظِلَّ الشَّجَرِ يَمْنَعُ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؟
(أَجَابَ) لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ زَائِدَةً عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَى دُخُولِهِ لِتَعَهُّدِ الْأَشْجَارِ فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِ الزَّائِدِ فَقَطْ إذَا وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلزِّرَاعَةِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ فَظَاهِرٌ، أَمَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بَعْدَ تَفْوِيتٍ مِنْهُ لِدُخُولِ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ الَّتِي أُعَوِّلُ إنْ صَحَّحْنَا الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْعَيْنِ فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْيَدَ فَدُخُولُهُ الْأَرْضَ مُسْتَحَقٌّ بِحُكْمِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَلَا نُجْرِيهِ أُجْرَةً، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ الْمُسَاقَاةَ وَعَلَى الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَهُوَ قَبْضُهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَضْمَنْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسَائِلُ أُخْرَى جَرَتْ فِي الْمِيعَادِ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا
فَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» أَقُولُ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ اللَّهِ خَصْمَهُمْ أَنَّهُمْ جَنَوْا عَلَى حَقِّهِ سبحانه وتعالى فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَى بِهِ ثُمَّ غَدَرَ جَنَى عَلَى عَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجِنَايَةِ، وَالنَّقْضِ وَعَدَمِ الْوَفَاءِ، وَمِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّيَ بِعَهْدِهِ، وَاَلَّذِي بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ جَنَى عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْحُرِّ إقَامَتُهُ لِعِبَادَتِهِ الَّتِي خَلَقَ الْجِنَّ، وَالْإِنْسَ لَهَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فَمَنْ اسْتَرَقَّ حُرًّا فَقَدْ عَطَّلَ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةَ بِالْأَحْرَارِ كَالْجُمُعَةِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَكَثِيرًا مِنْ النَّوَافِلِ الْمُعَارِضَةِ لِخِدْمَةِ السَّيِّدِ فَقَدْ نَاقَضَ حِكْمَةَ اللَّهِ فِي الْوُجُودِ وَمَقْصُودَهُ مِنْ عِبَاده فَلِذَلِكَ عَظُمَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ.
وَمِنْ هُنَا تَنْبِيهٌ لِفَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فِي الْمِيعَادِ، وَهِيَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْرَارِ يَخْتَارُونَ بَيْعَ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لِمَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ، أَوْ ذِي جَاهٍ لِيَحْصُلَ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ الرُّتْبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ، وَالْمَالِ مَا لَا يَحْصُلُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ يَعْظُمُ الْإِثْمُ عَلَى مِنْ ذَلِكَ وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْجَوَارِي، وَالْعَبِيدِ لَا يَخْتَارُونَ الْعِتْقَ وَيَضُرُّهُمْ الْعِتْقُ فِي تَحْصِيلِ الْمَعِيشَةِ فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ، وَالْعَبْدُ مَكْفِيَّةَ الْمَئُونَةِ فِي عَيْشٍ رَغَدٍ عِنْدَ سَيِّدِهَا فَيُعْتِقُهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى النَّاسِ هَكَذَا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ الْمُعْتِقِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ فِي عِتْقِ هَذِهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا وَرَدَ فِي أَجْرِ الْعِتْقِ، وَالْجَوَابُ أَنَّك أَيُّهَا السَّائِلُ نَاظِرٌ إلَى الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ إلَى الْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَكَمْ بَيْنَهُمَا، وَالْحُرُّ يَتَفَرَّغُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ جُعِلَ الْعِتْقُ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ لِيُوجِدَ نَفْسًا مِثْلَ الَّتِي أَعْدَمَهَا تَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى فَاَلَّذِي يَرْغَبُ فِي الرِّقِّ لِتَحْصِيلِ الرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَاهِ، وَالْمَالِ رَغِبَ فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْعِبَادَةَ، وَالِارْتِدَادَ مِنْهَا الَّتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا، وَمَا عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ الْجَارِيَةُ، وَالْعَبْدُ الْكَارِهُ لِلْعِتْقِ إنَّمَا كَرِهَهُ لِجَهْلِهِ فَإِنَّ الرِّقَّ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ الْكَثِيرَةَ الْبَاقِيَةَ فَكَيْفَ يَرْغَبُ فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ قَلِيلَةٍ فَانِيَةٍ.
وَالْعِتْقُ تَحْصُلُ لَهُ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ وَيَتَوَكَّلُ فِي الرِّزْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ رَزَقَهُ رِزْقًا رَغَدًا حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ إلَّا حَصَلَتْ لَهُ الْآخِرَةُ فَهُوَ عَلَى كُلِّ رَاعٍ إذَا نَظَرَ إلَى الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ وَلَكِنَّ غَالِبَ الْجَهَلَةِ يَنْظُرُونَ إلَى الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِذَلِكَ عَظُمَ وَقْعُ هَذَا السُّؤَالِ عِنْدَهُمْ، وَالْمُتَّقُونَ لَا يَنْظُرُونَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَالرَّجُلُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مُسْتَوْفٍ عَمَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَعْبَدَ الْحُرَّ وَعَطَّلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ فَيُشَابِهُ الَّذِي بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ فَلِذَلِكَ عَظُمَ ذَنْبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مُطَلَّقَتَهُ لِإِرْضَاعِ ابْنَتِهِ مِنْهَا فِي بَلَدٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ سَافَرَتْ الْمُطَلَّقَةُ
الْمَذْكُورَةُ بِالْبِنْتِ مِنْ الْبَلَدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ هَلْ تَبْطُلُ أُجْرَةُ إرْضَاعِهَا مُدَّةَ سَفَرِهَا؟
(أَجَابَ) لَا تَبْطُلُ لَكِنْ لَهُ طَلَبُهَا وَرَدُّهَا إلَى بَلَدٍ، فَإِنْ عَيَّنَ عَلَيْهِ ثَبَتَ اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَهِيَ تُرْضِعُهَا فِي الْغَيْبَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ. قُلْتُهُ تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) لِابْنِ الدِّمْيَاطِيِّ أَجَّرَ إقْطَاعَهُ لِرَجُلَيْنِ لِيَنْتَفِعَا بِهِ كَيْفَ شَاءَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَأَرَادَا زَرْعَهُ نِيلَةً، أَوْ سِمْسِمًا، وَذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُ الْأَرْضَ وَيُفْسِدُهَا فَهَلْ لَهُمَا ذَلِكَ؟
(أَجَابَ) هَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَيْسَ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا إلَّا مَا يَرْضَاهُ صَاحِبُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُسْتَنِدِي فِي بُطْلَانِهَا قَوْلُهُ كَيْفَ شَاءَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ انْتِفَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَنُوطٌ بِمَشِيئَتِهِ وَمَشِيئَةِ الْآخَرِ وَهُمَا عَقْدَانِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ فَتَبْطُلُ وَهَذَا الْبَحْثُ يُسْتَمَدُّ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) اسْتَأْجَرَ شَيْئًا مُدَّةَ سَنَةٍ مِنْ تَارِيخِ الْعَقْدِ، وَهُوَ اسْتِقْبَالُ السَّادِسَةِ، وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ بِأُجْرَةٍ مُقَسَّطَةٍ كُلُّ شَهْرٍ مِنْهَا بِكَذَا وَجَاءَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَانْتَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنْ تَارِيخِ الْإِجَارَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ الثَّانِي فَمَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ.
(الْجَوَابُ) يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ عُشْرِ الشَّهْرِ الْعَدَدِيِّ وَثُلُثُ عُشْرِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ مُضِيِّ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَهُوَ تَمَامُ سَنَةٍ مِنْ تَارِيخِ الْإِجَارَةِ. هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَإِنَّهُ تُحْسَبُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا هِلَالِيَّةً وَيُكْمِلُ شَهْرًا بِالْعَدَدِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ آخِرِ الْمُدَّةِ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْمُطَالَبَةُ بِقِسْطِ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّتْ الْإِجَارَةُ أَمْ انْفَسَخَتْ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخُهَا رُجُوعَ بَقِيَّةِ الْمَنَافِعِ إلَى الْمُؤَجِّرِ وَرُجُوعَ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، أَمَّا أُجْرَةُ مَا اسْتَوْفَى فَقَدْ اسْتَقَرَّتْ عَلَى حُكْمِهَا، وَهُوَ التَّأْجِيلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ تَمَامِ شَهْرِهَا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى آخِرِهِ فَاسْتَوْفَى فِي نِصْفِهِ وَتَقَايَلَا فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ قَبْضَ الْخَمْسَةِ الْمُقَابِلَةِ لِمَا اسْتَوْفَاهُ إلَّا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُلُولِ الْمُؤَجَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَلَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لَهَا، وَهِيَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا مَا فِي أَذْهَانِ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عِنْدَ تَمَامِ السَّادِسِ، وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ
الدَّاخِلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ يَقْتَضِي حُلُولَهَا فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَاعْتِقَادُ كَوْنِ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ مَنْسُوبَةً مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَحَدٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ أَيْضًا لِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُ الشَّهْرِ كُلُّهَا سَوَاءً، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ بَعْضٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى ذَلِكَ فِي التَّقْسِيطِ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَيَّامَ قِسْطُهَا يَزِيدُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، أَوْ يَنْقُصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَجُلٍ صَانِعٍ لِلْبُسُطِ دَفَعَ إلَيْهِ زَيْدٌ دَرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبُسُطُ وَقَرَّرَ مَعَهُ أُجْرَتَهُ، وَالشَّخْصُ الصَّانِعُ عَمِلَ الْبُسُطَ وَجَاءَ بِبَعْضِهَا وَادَّعَى تَلَفَ الْبَعْضِ بِالسَّرِقَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ غَرَامَةُ مَا ادَّعَى تَلَفَهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
(أَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الْفُتْيَا حَضَرَتْ إلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الْجَامِعِ الطِّيلُونِيِّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ بِلَفْظٍ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ هُنَا بَلْ هُوَ عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ فِي رَجُلٍ يَصْنَعُ الْبُسُطَ دَفَعَ إلَيْهِ زَيْدٌ دَرَاهِمَ لِيَعْمَلَ لَهُ بُسُطًا فَجَاءَ بِبَعْضِ الْبُسُطِ وَادَّعَى تَلَفَ الْبَعْضِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا تَلِفَ، أَوْ لَا هَكَذَا لَفْظُ تِلْكَ الْفَتْوَى، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَكَتَبْتُ عَلَيْهَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِصْنَاعَ فَاسِدٌ وَأَنَّ الدَّرَاهِمَ مَضْمُونَةٌ لِلدَّافِعِ عَلَى الْأَخْذِ، وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْبُسُطِ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الصَّانِعِ، وَمِنْ ضَمَانِهِ، وَمَا أَحْضَرَهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ عَلَيْهِ حَاسَبَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَرُدُّهَا، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَلَمَّا كَانَ بُكْرَةُ يَوْمِ السَّبْتِ وَأَنَا دَاخِلٌ دَرْسَ الْمَنْصُورِيَّةِ حَضَرَتْ إلَيَّ فُتْيَا صُورَةِ السُّؤَالِ كَصُورَتِهِ الَّتِي كَتَبْت عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا خَطُّ شَخْصٍ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَدَفَعْتهَا إلَى مَحْضَرِهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لَأَنْ أَرَاهَا فَلَمَّا حَضَرْت الدَّرْسَ طَلَبَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِرَاءَتَهَا فِي الدَّرْسِ فَامْتَنَعْت مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّنِي لَا أَشْتَهِي عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَذْكُرُهُ بِسُوءٍ لَكِنْ بَحْثُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ أَفْتَى فِيهَا وَذَكَرْت لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي تَجْلِيدِ الْكُتُبِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْخِفَافِ، وَالْقُمَاشِ، وَالشَّرَامِيزِ وَغَيْرِهَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَسَادُ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ صِحَّتُهُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَمَلِ النَّاسِ، وَالْحَاجَةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا سَلَمٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بَيْعَ عَيْنٍ وَلَا إجَارَةً عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَقْبُوضَةَ عَنْ ذَلِكَ أَمَانَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الدَّافِعِ وَلَا يَلْزَمُ الْقَابِضَ غُرْمُهَا قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ بَلْ هُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ عِنْدَنَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَصَحِيحُهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ ضَمَانَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَى قَاعِدَةِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ فَهُوَ كَالثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ عَنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ، أَوْ كَالْأُجْرَةِ الْمَقْبُوضَةِ عَنْ إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ.
وَالْحُكْمُ فِيهِمَا أَنَّهُمَا مَضْمُونَانِ ضَمَانَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ فِي إخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْ أَحْكَامِ الضَّمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَحْزَابِ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَقُولُهُ مَنْ شَدَا طَرْفًا مِنْ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى هَذَا وَأَمْثَالِهِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْبَلَادَةُ وَبُعْدُ الذِّهْنِ وَعَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِالشَّرِيعَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَدَارِكِهَا وَمَأْخَذِهَا، وَالثَّانِي: الِاشْتِغَالُ بِالْكُتُبِ الْمُخْتَصَرَةِ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّهُ يُكِلُّ ذِهْنَهُ وَشَعْبَهُ فِي حَلِّ أَلْفَاظِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِوَاءٍ عَلَى حَقِيقَةِ الْفِقْهِ، وَيَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ بِفِقْهٍ فَيَقَعُ فِي أَمْثَالِ هَذَا وَكِتَابُ الْحَاوِي الْمَذْكُورُ وَأَمْثَالُهُ كُتُبٌ حَسَنَةٌ مَلِيحَةٌ جَيِّدَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي اسْتِحْضَارِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَالْإِشَارَةِ إلَى أَحْكَامِهَا مِنْ مَعْرِفَةٍ مِنْ خَارِجٍ فَيَكُونُ عِمَادًا عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنَّ الْفِقْهَ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ فَلَا وَغَايَةُ مَنْ يَحْفَظُهُ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي نَفْسِهِ لِأَفْقَهَ، وَالْفَضِيلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفُرُوعِيَّةِ وَتَنَاوُلَهَا مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ وَمَعْرِفَةُ مَأْخَذِهَا، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ وَأَصْحَابُهُ هُمْ الْمُسَمَّوْنَ بِالْعُلَمَاءِ.
وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مُطْلَقًا كَالتَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ وَأُصُولِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ تَنْزِيلٍ إلَى الْمَدَارِكِ الْفِقْهِيَّةِ وَأَصْحَابُهُ يُسَمَّوْنَ عُلَمَاءَ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ فَضَائِلُ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِسْمَيْنِ، وَهِيَ فِي الْعُلُومِ قَرِيبَةٌ مِنْ الصَّنَائِعِ فَهَذِهِ أَصْحَابُهَا، وَإِنْ سَمَّيْنَاهُمْ فُضَلَاءَ لَا نُسَمِّيهِمْ فُقَهَاءَ وَلَا عُلَمَاءَ، وَإِنَّمَا يَغْلَطُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِيهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ فُقَهَاءُ، أَوْ عُلَمَاءُ لِكَوْنِهِمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفُضَلَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْمُشْتَغِلُونَ بِالْحَاوِي خَاصَّةً مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. ثُمَّ بَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ غُيِّرَتْ إلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَاسْتَفْتَى عَلَيْهَا لَعَلَّ أَحَدًا يُوَافِقُ عَلَيْهَا فَلَا أَدْرِي هَلْ وَافَقَهُ وَاحِدٌ عَلَيْهَا، أَوْ لَا وَلَكِنْ نُقِلَ نَقْلٌ وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا إنْ كَانَ وَقَعَ جَهْلٌ عَظِيمٌ وَبُعْدٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْفِقْهِ بَلْ عَنْ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ. ثُمَّ حَضَرَتْ إلَيَّ هَذِهِ الْوَرَقَةُ وَمَعَهَا وَرَقَةٌ مِثْلُهَا فِي السُّؤَالِ وَعَلَيْهَا جَوَابٌ بِخَطِّ الشَّخْصِ الَّذِي كَتَبَ أَوَّلًا بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَسَأَلَنِي مُحْضِرُهَا هَلْ هَذِهِ تِلْكَ، أَوْ غَيْرُهَا؟
فَقُلْت: بَلْ غَيْرُهَا فَإِنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ السُّؤَالِ، وَالْوَرَقَ غَيْرُ الْوَرَقِ وَلَا يُشْبِهُهُ وَتَعَجَّبْت مِنْ شَخْصٍ يَصْدُرُ مِنْهُ هَذَا فَإِنَّ دَأْبَ أَهْلِ الْعِلْمِ