الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْخِلَافِ فِي إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ فَيَعُودُ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَنْ يُجَوِّزُ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الْحَاجَةِ وَإِذْنُ السُّلْطَانِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(التَّاسِعَةُ) : جُمُعَتَانِ فِي قَرْيَةٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَذِنَ السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَوَجَدْنَا فِي الشَّاغُورِ خُطْبَتَيْنِ فِي جَامِعِ جَرَّاحٍ وَجَامِعِ خَيْلَخَانَ حَدَثَ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ إحْدَاثُهُ وَلَوْ رَسْمٌ بِإِبْطَالِ الْخُطْبَةِ كَانَ قَرْيَةً.
(الْعَاشِرَةُ) : ثَلَاثُ جُمَعٍ كَهَذِهِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي حَدَثَتْ الْآنَ فِي الشَّاغُورِ بِإِذْنِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَمِيعِهِمْ فَلِأَنَّهَا قَرْيَةٌ وَالْجُمُعَةُ لَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى وَاحِدَةً فَكَيْفَ بِثَلَاثٍ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ تَبْطُلُ لِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِالْحَاجَةِ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْهُمْ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ - مَعَ مَا يُقَالُ أَنَّ مَذْهَبَ الظَّاهِرِيَّةِ الْجَوَازُ بِلَا حَاجَةٍ - لَمْ يَجْسُرْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَإِلْحَاقِهَا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ بَلْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُجَمْجَمٍ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَلِاعْتِبَارِهِ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ وَالشَّاغُورُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ أَقَلُّ مِنْ مِيلٍ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ نَقْطَعُ بِهِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ وَمَجْمُوعِهِمَا لَا يَكْفِي وَأَرَدْنَا أَنْ نُفَرِّعَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمَسْجِدَ أَصَحُّهَا فِي إثْبَاتِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ فِي الْقُرَى وَفِي إذْنِ السُّلْطَانِ وَمَذْهَبُهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ خِلَافٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطٌ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي وَأَنَّ إقَامَتَهَا فِي الْقُرَى جَائِزَةٌ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ يَحْصُلُ خِلَافٌ وَلَكِنْ أَيْنَ الْمَذْهَبُ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَشْتَرِطُ الْمَسْجِدَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَجَمَاعَةٍ أَمَّا جَمِيعُ النَّاسِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا اشْتَرَطَ ذَلِكَ وَقَدْ بَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشْرَةٍ وَهَذِهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ لَا تَسَعُ إلَّا مِائَةَ رَجُلٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْعَوَالِي فَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَلَا يَثْبُتُ خِلَافٌ أَصْلًا فِي اشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ. ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ عَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْعُدُولِ إلَى الظُّهْرِ عَلَى أَنَّا لَا نَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَنَقْطَعُ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ.
[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]
(فَصْلٌ) مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى مِنْهَا مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْجَامِعِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ وَقَصَدَ إحْدَاثَ جُمُعَةٍ ثَانِيَةٍ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بَعْدَ الْجَامِعِ وَنَصْبَ مِنْبَرٍ فِيهِ وَأَنْ يَحْفِرَ لِقَوَائِمِهِ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ حَتَّى لَوْ قَصَدَ نَقْلَ
الْخُطْبَةِ مِنْ الْجَامِعِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ؟ .
(الْجَوَابُ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَفْرُ أَرْضِ الْمَسْجِدِ وَالثَّانِي أَنَّ وَاقِفَهُ لَمَّا وَقَفَهُ وَهُنَاكَ مَسْجِدٌ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ يَكْفِي أَهْلَهُ لَمْ يَقْصِدْ الْجُمُعَةَ بَلْ غَيْرَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَبِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَارَقَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ نَصْبَ الْمِنْبَرِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَنَاهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَسْجِدٌ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ غَيْرُهُ فَكَانَ مَوْقُوفًا لِلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ تَصَرُّفٌ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ بِحَفْرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّرْ وَلَكِنْ قَصَدَ إثْبَاتَهُ وَدَوَامَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ وَقَفَهُ وَاقِفُ الْمَسْجِدِ مِنْ اسْتِحْقَاقٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ التَّنَقُّلِ فِيهِ وَالِاعْتِكَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ، وَنَظِيرُ مَا قُلْتُهُ مِنْ بُطْلَانِ وَقْفِ الْمِنْبَرِ الْمَذْكُورِ مَا قَالَ لِي شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ رحمه الله: إنَّهُ أَفْتَى بِبُطْلَانِ وَقْفِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفٌ لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ مِنْ مَدْرَسَةِ الصَّاحِبِ بِمِصْرَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَمُقْتَضَى الْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ لَوْ فَرَضَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ اقْتَضَتْ نَقْلَ الْخُطْبَةِ مِنْ جَامِعِ جَرَّاحٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْعَتِيقَةِ الَّتِي وُقِفَتْ حِينَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جُمُعَةٌ فَهَهُنَا يُشْبِهُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يُحْمَلُ وَقْفُهُ عَلَى كُلِّ مَا يُبْنَى لَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ جَوَازُ نَصْبِ مِنْبَرٍ فِيهِ أُرِيدَ مِنْهُ لِإِسْمَاعِ النَّاسِ، أَوْ وُجُوبُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ الْإِسْمَاعُ بِهِ فَيَجُوزُ بِلَا حَفْرٍ وَلَا تَسْمِيرٍ قَطْعًا كَمَا فِي مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا التَّسْمِيرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَحَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ أَوْ جِدَارِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ تَدْعُو حَاجَةُ الْمُصَلِّينَ إلَى نَقْلِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَإِعَادَتِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ لِلْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْحَفْرُ فَمُنْكَرٌ جِدًّا فَيَجِبُ إزَالَتُهُ وَإِعَادَةُ التُّرَابِ إلَى مَكَانِهِ.
(فَصْلٌ) يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ مَصْلَحَةَ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَمَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالْمَصَالِحَ الْأُخْرَوِيَّةَ، وَيُقَدِّمَهَا عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمَصَالِحَ الدُّنْيَوِيَّةَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَمَا تَدْعُو إلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَالْأَصْلَحِ لِلنَّاسِ فِي دِينِهِمْ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ حُصُولُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا تَحَقَّقَ عِنْدَهُ مَصْلَحَةٌ خَالِصَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ نَهَى عَنْهَا وَمَتَى اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْإِقْدَامُ بَلْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَمَتَى كَانَ شَيْءٌ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا مِنْ تَغْيِيرِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهٌ يُسَوِّغُ التَّغْيِيرَ وَمَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَرَصَ عَلَى تَكْمِيلِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهِ وَعَدَمِ إحْدَاثِ بِدْعَةٍ فِيهِ وَحَفِظَ انْضِمَامَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.
وَمَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ اجْتَهَدَ فِي
إزَالَتِهِ جُهْدَهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهَاتُ وَمَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَهُوَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ تَمْكِينِ كُلِّ حَدٍّ مِنْهُ وَعَدَمِ مَنْعِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِمُسْتَنَدٍ وَيَرْجِعُ إلَى عَقْلِهِ وَدِينِهِ وَمَا يَفْهَمُهُ مِنْ الشَّرْعِ وَمِمَّنْ يَثِقُ فِي دِينِهِ؛ وَلَا يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ مَنْ يَخْشَى جَهْلَهُ أَوْ تَهَوُّرَهُ أَوْ هَوَاهُ أَوْ دَسَائِسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ أَوْ بِدْعَةً تَخْرُجُ فِي صُورَةِ السُّنَّةِ يَلْبِسُ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُبْتَدِعِينَ وَذَلِكَ أَضَرُّ شَيْءٍ فِي الدِّينِ وَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى النَّاظِرِ فِي ذَلِكَ التَّثْبِيتُ وَعَدَمُ التَّسَرُّعِ حَتَّى يَتَّضِحَ بِنُورِ الْيَقِينِ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ وَيَبِينُ أَمْرُهُ وَلَيْسَ مَا فُوِّضَ إلَى الْأَئِمَّةِ لِيَأْمُرُوا فِيهِ بِشَهْوَتِهِمْ أَوْ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَوْ بِتَقْلِيدِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِمْ وَالسَّمَاعِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَيْهِمْ لِيَجْتَهِدُوا وَيَفْعَلُوا مَا فِيهِ صَلَاحُ الرَّعِيَّةِ بِصَوَابِ الْفِعْلِ الصَّالِحِ وَإِخْلَاصِ النَّاسِ وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَى الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهَيْهَاتَ يَنْجُو رَأْسٌ بِرَأْسٍ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ مَأْسُورٌ بِأَسْرِهِ وَاَللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ انْتَهَى.
قَالَ سَيِّدُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْخَطِيبُ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَدُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ رضي الله عنه وَلِلشَّيْخِ الْإِمَامِ مُصَنَّفَاتٌ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ مُسْتَقِلَّةً (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَة جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ) وَهُوَ هَذَا، وَكِتَابُ (ذَمُّ السَّمَعَةِ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ مَبْسُوطٌ.
وَكِتَابُ (تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ وَهَلْ فِيهِ مُتَّسَعٌ) وَهُوَ أَيْضًا مَبْسُوطٌ، وَكِتَابُ (الْقَوْلُ الْمُتَّبَعُ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمَعِ) وَهُوَ أَخْصَرُهَا وَكِتَابٌ خَامِسٌ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا. اتَّفَقَتْ كُتُبُهُ كُلُّهَا وَكُلُّهَا مُصَنَّفٌ فِي شُهُورِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ عَلَى مَنْعِ التَّعَدُّدِ وَدَعْوَى أَنَّهُ حَيْثُ لَا حَاجَةَ مَعْلُومِ التَّحْرِيمِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَحَيْثُ حَاجَةُ مَمْنُوعٍ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ عِنْدَهُ، وَيُومِئُ إلَى إجْمَاعٍ سَابِقٍ فِيهِ تَعَذَّرَ الْمُخَالِفُ فِيهِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ إيَّاهُ.
هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ. وَقَدْ اقْتَصَرْنَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى ذِكْرِ هَذَا الْمُصَنَّفِ الْمُتَوَسِّطِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى خُلَاصَةِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَبَحَثْت مَعَ كَثِيرٍ مِنْ حَنَفِيَّةِ هَذَا الْعَصْرِ فَوَجَدْت فِي أَذْهَانِ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَقَدْ فَحَصْت وَنَقَّبْت الْكَثِيرَ فِي كُتُبِهِمْ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ بَلْ بَعْضُهُمْ أَطْلَقَ عَنْهُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ بِالْحَاجَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِمْ مِنْهَا الْمُحِيطُ وَمِنْهَا شَرْحُ الْمُخْتَارِ لِمُصَنِّفِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ مُتَأَخِّرِيهِمْ فِي النَّقْلِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كَالظُّهْرِ، وَتَشْبِيهُهُ إيَّاهَا بِالظُّهْرِ مُشْكِلٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ بَحَثْت مَعَهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ كَالظُّهْرِ فَقُلْت لَهُ: يَلْزَمُك جَوَازُ جُمُعَتَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ