الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- رضي الله عنه بَغْدَادَ وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جَارٍ لِلْمَشَقَّةِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا، وَمِنْهُمْ ابْنُ كَجٍّ وَالْحَنَّاطِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا غَيْرَ مُسَلَّمٍ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَصْلًا وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ: لَا يُصَلَّى فِي مِصْرٍ وَإِنْ عَظُمَ وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَعَلُوا هَذَا مَذْهَبَهُ لَيْسَ إلَّا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَبَقَتُهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَنَحْنُ لَا نَدْرِي مَا كَانَ يَصْنَعُ الشَّافِعِيُّ هَلْ يُعِيدُهَا ظُهْرًا أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْجُمُعَةَ الَّتِي صَلَّاهَا هِيَ السَّابِقَةُ فَتَصِحُّ وَحْدَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ جَاءَ أَحْمَدُ رضي الله عنه فَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَصْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَالتَّجْوِيزُ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثُمَّ حَدَّثَتْ فُقَهَاءُ آخَرُونَ فَقَالُوا: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَرُبَّمَا رَجَّحُوهَا وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
وَأَمَّا تَخَيُّلُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي كُلِّ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرِ بِالضَّرُورَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِصْرِ أَمَّا الْقُرَى فَعِنْدَهُمْ لَا جُمُعَةَ فِيهَا أَصْلًا وَقَالُوا: إنَّ فِنَاءَ الْمِصْرِ فِيمَا وَرَاءَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَهُوَ بِشَرْطِ الْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَشْتَرِطُ الْمِصْرَ وَيُجَوِّزُهَا فِي جَمِيعِ الْقُرَى قَرُبَتْ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ بَعُدَتْ إذَا كَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ.
[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]
(فَصْلٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ السُّلْطَانِ أَوْ إذْنِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ قَوْلٌ مِثْلُهُ وَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَلَا إذْنُهُ وَمُسْتَنَدُ الْقَائِلِينَ بِالِاشْتِرَاطِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِهِ لَأَدَّى إلَى أَنْ تُفَوِّتَ كُلُّ شِرْذِمَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَرْضَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ بَعْضِ التَّابِعِينَ مَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْإِذْنِ. وَهَذَا فِي الْجُمُعَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا التَّعَدُّدُ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاشْتِرَاطِ لَا مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الصِّحَّةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ السُّلْطَانَ يَقُولُ السَّابِقَةُ صَحِيحَةٌ، وَمَنْ يَشْتَرِطُهُ يَقُولُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي هُوَ مَعَهَا وَأَمَّا الْجَوَازُ فَإِذَا قَصَدَ التَّعَدُّدَ حَيْثُ الْحَاجَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاجَ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ حَيْثُ قُلْنَاهَا السُّلْطَانُ.
فَالْمُرَادُ بِهِ السُّلْطَانُ أَوْ الْأَمِيرُ الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا كَانَ قَاضِيًا عَامًّا يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقُومُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا خَشْيَةُ فِتْنَةٍ وَنِيَابَةُ السَّلْطَنَةِ هِيَ الْمُسْتَقِلَّةُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ وَفَصْلِ الْمُحَاكَمَاتِ وَكَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ جَعَلُوا الْقَاضِيَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ مِثْلَ السُّلْطَانِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ فِيهِ إلَى فِتْنَةٍ، وَتَسْكِينُ الْفِتَنِ إلَى السُّلْطَانِ لَا إلَى الْقَاضِي.
وَهَذَا فِي قَاضٍ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عُرْفًا وَلَا لَفْظًا عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا إذَا نَصَّ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ شَيْءٌ اسْتِفَادَةً بِالْوِلَايَةِ مِثْلَ شَيْءٍ يَشْتَرِطُ نَظِيرَهُ لِلْقَاضِي وَنَحْوِهِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى ذَلِكَ جَائِزًا فِي مَذْهَبِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَرَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى عُمُومِهِمْ وَمَتَى لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ لَا يَأْذَنْ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقُضَاةِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ أُمُورٌ بَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَبَيْنَ عِبَادِهِ وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَحْكُومٍ لَهُ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَإِلْزَامٍ وَفَصْلٍ وَذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ لَا يُتَصَوَّرُ نَعَمْ قَدْ يُعَلِّقُ الشَّخْصُ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا عَلَى صِحَّةِ عِبَادَةٍ أَوْ فَسَادِهَا فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِوُقُوعِ ذَلِكَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِنَاءً عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُهُ وَاسْتُجْمِعَتْ شُرُوطُ الْحُكْمِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَحْكُمُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ.
(فَصْلٌ) خَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) : مِصْرٌ أَذِنَ السُّلْطَانُ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَأُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ تَتَعَدَّدْ فِيهِ وَلَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ الَّتِي إذَا فَارَقَهَا الْمُسَافِرُ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَهَذِهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِحَمْدِ اللَّهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الْمُعَظَّمَةُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُدُنِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : مِصْرٌ أُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الشُّرُوطِ وَلَكِنْ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : قَرْيَةٌ أُقِيمَتْ فِيهَا الْجُمُعَةُ كَذَلِكَ
بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلْتَجْعَلْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَرْيَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمِصْرِ وَعَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَى انْفِصَالًا ظَاهِرًا بِحَيْثُ تُعَدُّ مُسْتَقِلَّةً وَحْدَهَا غَيْرَ تَابِعَةٍ كَأَكْثَرِ الْقُرَى الَّتِي فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) : الْأَبْنِيَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمِصْرِ تَابِعَةٌ لَهُ وَلَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً وَلَا تُعَدُّ قَرْيَةً وَيُعَبِّرُ عَنْهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِفِنَاءِ الْمِصْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمِصْرِ سُوَرٌ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ بِلَا شَكٍّ؛ وَإِنْ كَانَ لِلْمِصْرِ سُوَرٌ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ فَلَا تَفْرُدُ بِحُكْمٍ فَعَلَى هَذَا هِيَ وَالْمِصْرُ بَلَدٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أُقِيمَتْ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ إمَّا دَاخِلَ السُّورِ وَإِمَّا خَارِجَهُ جَازَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ تُقَامَ دَاخِلَ السُّورِ وَلَا يَكْفِي إقَامَتُهَا خَارِجَ السُّورِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ فَلَا يَكُونُ مَتْبُوعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(الْخَامِسَةُ) : قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ السُّورِ أَوْ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ سُورٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِاسْمٍ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لِقُرْبِهَا كَالْأَبْنِيَةِ الَّتِي تُعَدُّ فِنَاءً لِلْمِصْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَفْرُدُ بِحُكْمٍ بَلْ لِقُرْبِهَا تَابِعَةٌ فَتُعْطَى حُكْمُ الْفِنَاءِ فَتَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِمَا.
(السَّادِسَةُ) : حُكْمُ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْأَمَاكِنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ فِي الْمِصْرِ مَعْلُومٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ وَفِي الْقَرْيَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ الْجُمُعَةَ كَذَلِكَ وَفِي الْمِصْرِ مَعَ الْفِنَاءِ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَفِي الْمِصْرِ مَعَ الْقَرْيَةِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا وَاحِدًا فَالتَّعَدُّدُ كَالتَّعَدُّدِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا اثْنَيْنِ جَازَ التَّعَدُّدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يُجَوِّزُ التَّعَدُّدَ وَتَكُونُ السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَالْمَسْبُوقَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمِصْرِ وَخَارِجَهُ.
(السَّابِعَةُ) : حَيْثُ حَصَلَ التَّعَدُّدُ لِحَاجَةٍ فَقَدْ عُرِفَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَحَيْثُ حَصَلَ لَا لِحَاجَةٍ إمَّا ابْتِدَاءً وَإِمَّا بِزِيَادَةِ مَالِيَّةٍ لَا لِحَاجَةٍ إلَيْهَا تَقْضِي التَّطَرُّقَ إلَى فَسَادِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ وَلَا تَقْتَضِي الْفَسَادَ عَلَيْهَا لَوْ كَانَ الْمَكَانَانِ مَكَانًا وَاحِدًا.
(الثَّامِنَةُ) : الْمَكَانُ، الْأَبْنِيَةُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ الَّتِي حَدَثَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي الشَّاغُورِ إنْ عُدَّ مُسْتَقِلًّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ وَإِنْ عُدَّ مَعَ الْمِصْرِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَانَ إحْدَاثُ هَذِهِ فِيهِ كَإِحْدَاثِهَا فِي دَاخِلِ سُورِ دِمَشْقَ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ بِإِحْدَاثِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ الْجُمُعَةِ فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ إذَا كَانَتْ مَسْبُوقَةً وَفِي ظَاهِرِ دِمَشْقَ النَّيْرَبِ وَالْمِزَّةِ وَكَفْرِ سُوسِيَّا وَالشَّاغُورِ كَانَ فِيهِ جَامِعُ جَرَّاحٍ وَحْدَهُ وَبَيْتُ لَهْيَا وَبَيْتُ الْآبَارِ وَالْعُقَيْبَةُ كَانَ فِيهَا جَامِعُ الْأَشْرَفِ وَحْدَهُ الَّذِي هُوَ الْيَوْمَ جَامِعُ الْعُقَيْبَةِ.
لِأَنَّ الْعُقَيْبَةَ بَلَدٌ وَهِيَ الْأَوْزَاعُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَوْزَاعِيُّ وَالْقُرَى الْبَعِيدَةُ عَنْ الْمِصْرِ إذَا أُقِيمَتْ فِيهَا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِنَاءُ الْمِصْرِ وَهِيَ الْبِنَاءُ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَلَيْسَ مُنْفَصِلًا بِحَيْثُ يُعَدُّ قَرْيَةٌ مِثْلَ حَكْرِ السِّمَاقِ الَّذِي فِيهِ جَامِعُ تَنْكُزَ وَالْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ جَامِعُ يَلْبُغَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى الْقَصْرِ فَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِمُجَاوَزَةِ السُّورِ وَاشْتَرَطْنَا مُجَاوَزَةَ الْبُنْيَانِ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَاكِنُ فِي حُكْمِ الْمَدِينَةِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةُ فِيهَا مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْمَدِينَةِ كَإِقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ.
فَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ تَجُوزُ وَعِنْدَنَا الصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَامِعُ بَنِي أُمَيَّةَ وَهَذِهِ الْجَوَامِعُ، وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ فَهَلْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ.
يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ انْفَرَدَ كُلُّ بِنَاءٍ وَوُجِدَ فِيهِ أَرْبَعُونَ تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا كَقَرْيَتَيْنِ وَجَامِعُ تَنْكُزَ وَجَامِعُ يَلْبُغَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْآخَرِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ التَّعَدُّدُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَصُلِّيَتْ جُمُعَةٌ دَاخِلَ السُّورِ وَأُخْرَى خَارِجَهُ فِي الْعِمَارَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا هِيَ الصَّحِيحَةُ وَفِي ذَلِكَ بَيَّنَ الدَّاخِلَةَ وَالْخَارِجَةَ إلَّا إذَا قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ الَّتِي دَاخِلَ السُّورِ وَاَلَّتِي خَارِجَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَالِبًا لَا يُعْلَمُ هَلْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَرْبَعًا ظُهْرًا.
فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ صَلَّى فِي هَذِهِ الْجَوَامِعِ أَوْ فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا إلَّا عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ عِنْدَ الْجَمِيعِ إعَادَتُهَا ظُهْرًا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَفِي جَوَازِهَا مَعَ الشَّكِّ وَالْعِلْمِ بِأَنَّ هُنَاكَ جُمُعَةً أُخْرَى يَظْهَرُ لِأَنَّهُ دُخُولٌ فِي صَلَاةٍ يَجِبُ إعَادَتُهَا فَيُحْكَمُ بِفَسَادِهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ كَثِيرَةٌ وَالْمُقْتَضِي لَهَا حُدُوثُ جَوَامِعَ وَهَذَا إنَّمَا حَصَلَ فِي الشَّامِ وَمِصْرَ مِنْ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَلَا يُغْتَرَّ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَاهِرَةِ إلَّا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى حَصَلَتْ الثَّانِيَةُ فِي زَمَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ مَعَ امْتِنَاعِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ مِنْ إحْدَاثِهَا وَالْجَوَامِعُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا أَكْثَرُهَا حَادِثَةٌ أَوْ فِي أَمَاكِنَ مُنْفَصِلَةٍ وَأَكْثَرُ مَا فِي الشَّامِ مِنْ التَّعَدُّدِ حَادِثٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ الْعِيدُ وَإِنْ كَانَ صَحْرَاءَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَيَقْصُرُ فِيهِ الْمُسَافِرُ خِلَافًا لَنَا وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا أُقِيمَتْ هُنَاكَ وَلَمْ تَقُمْ فِي الْمَدِينَةِ.
أَمَّا إذَا أُقِيمَتْ فِيهِمَا فَتَتَخَرَّجُ