الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تُوَرَّثُ الْحُقُوقُ التَّابِعَةُ لِلْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ، وَاَلَّتِي يَحْصُلُ بِهَا سَعْيٌ، أَوْ دَفْعُ عَارٍ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَهَذَا الْحَقُّ نِيَابَةٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِسْمَةِ، وَالتَّفْرِقَةِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ وَتَمِيلُ النَّفْسُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَارِثِ.
(الْفَرْعُ الثَّانِي) ، وَقَدْ فَكَّرَتْ فِيهِ الْآنَ لِقَصْدِ الْأُضْحِيَّةِ عَنْ وَالِدِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبَرْدِ مَضْجَعِهِمَا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فَيُضَحِّي الْوَارِثُ عَنْ مُوَرِّثِهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُضَحِّيَ أَوْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ إنْ قُلْنَا: هَذَا الْحَقُّ يُوَرَّثُ فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ مَا لِلْمُوَرِّثِ مِنْ الْأَكْلِ، وَالتَّفْرِقَةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَالْفُقَرَاءِ، فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إلَى الْأَكْلِ كَنِسْبَةِ سَائِرِ النَّاسِ، وَوِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ مَقْرُونَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُضَحِّي عَنْ الْمَيِّتِ أَمْ كَانَ الْمَيِّتُ، وَمَنْ ضَحَّى ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]
(بَابُ الْأَطْعِمَةِ)(مَسْأَلَةٌ) الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ حَرَامٌ قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَإِفْسَادٌ لِلْأَبْدَانِ، وَكُنْت أَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ فِي سِوَى مَا يُعْتَادُ مِنْ الزِّيَادَةِ كَنَقْلٍ، أَوْ حَلْوَى، أَوْ نَحْوِهَا حَتَّى رَأَيْت فِي فَتَاوَى قَاضِيَ خَانْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُجَلَّدِ الْأَخِيرِ مِنْهُ مَا نَصُّهُ: امْرَأَةٌ تَأْكُلُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السِّمَنِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ رحمه الله: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ الشِّبَعِ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا أَكَلَ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ لِمَصْلَحَةِ بَدَنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَأْكُلْ فَوْقَ الشِّبَعِ يُمْكِنُ إذَا كَانَ غِذَاءً أَنْ يَجْعَلَ مَعَ الْغِذَاءِ حَتَّى لَا يَزِيدَ فِي الْمِقْدَارِ عَلَى الشِّبَعِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَصْلَحَةِ الْبَدَنِ بَلْ مُجَرَّدٌ مِنْ نَقْلٍ، أَوْ حَلْوَى، أَوْ سُكَّرٍ وَلَيْمُونٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَضَاءُ شَهْوَةٍ، فَأَوْلَى بِأَنْ يَتَقَيَّدَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الشِّبَعِ، فَمَتَى زَادَ يَكُونُ حَرَامًا.
وَقَلَّ مِنْ الْمُسْرِفِينَ مَنْ يَحْتَرِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لِهَذَا، وَهَذَا السُّكَّرُ، وَاللَّيْمُونُ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ الْمُسْرِفِينَ بِهِ بَعْدَ الْأَكْلِ يَنْبَغِي إنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ الشِّبَعُ التَّامُّ أَنْ يَحْرُمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ مَنْعِ إدْخَالِ طَعَامٍ عَلَى طَعَامٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَوْقَ الشِّبَعِ غَيْرُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَمَا سِوَاهُ يَضُرُّ حَتَّى يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ الْأَوَّلُ، فَاسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الزَّائِدَةِ إنْ اقْتَضَتْهَا ضَرُورَةٌ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الشَّهَوَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ لَا تُبِيحُهَا بَلْ تَكُونُ حَرَامًا مَعَ كَوْنِهَا مُضِرَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْبَيْعِ]
(كِتَابُ الْبَيْعِ)(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَبَعْدُ فَإِنَّهُ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فِي الْمُحَاكَمَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهِيَ أَنَّ قَرْيَةً بِالْقُرْبِ مِنْ دِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا عُنَابَا وَرُبَّمَا يُقَالُ لَهَا مُعْبَابَا كَانَ لِبَهَادِرْآصْ رحمه الله فِيهَا عَلَى مَا قِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ سَهْمٍ مِلْكًا طَلْقًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، وَهِيَ جُمْلَةُ مَبْلَغِ سِهَامِ الضَّيْعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبَاقِيهَا، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْأَمِينِيَّةِ بِدِمَشْقَ فَأَذِنَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ لِصَفِيِّ الدِّينِ الْعَتَّالِ الْحَنَفِيِّ أَنْ يُقَسِّمَهَا فَقَسَّمَهَا وَأَفْرَدَ حِصَّةَ بَهَادِرْآصْ نَاحِيَةً وَتَرَكَ الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَفْرُوزَةَ وَخَلَّفَ زَوْجَتَيْنِ وَخَمْسَةَ بَنِينَ وَحِصَّةَ الْأَمِينِيَّةِ نَاحِيَةً.
وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ صَفِيُّ الدِّينِ الْمَذْكُورُ وَبَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ بَهَادِرْآصْ الْمَذْكُورُ، وَتَرَكَ الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَفْرُوزَةَ وَخَلَّفَ زَوْجَتَيْنِ وَخَمْسَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَخَلَّفَتْ ابْنَهَا عَلِيًّا أَحَدَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ خَاصَّةً فَبَاعَ عَلِيٌّ الْمَذْكُورُ حِصَّتَهُ لِلصَّلَاحِ الَّذِي كَانَ أُسْتَاذَ دَارِهِمْ ثُمَّ صَارَ أُسْتَاذَ دَارِ تنكز ثُمَّ وَقَفَهَا عَلَى مَا قِيلَ، ثُمَّ حَصَلَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْأَمِيرِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ بَهَادِرْآصْ، وَالصَّلَاحِ الْمَذْكُورِ وَطَالَتْ وَتَنَوَّعَتْ.
ثُمَّ حَضَرَ عِنْدِي صَلَاحُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ فَسَأَلَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ لِأَيْتَامِ زَوْجَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَقَصَدَ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ، أَوْ الْحَنَفِيِّ وَيُبْطِلُ الْبَيْعَ فَاسْتَفْهَمْت عَنْ سَبَبِ الْإِبْطَالِ؛ إنْ كَانَ صَحِيحًا أَذِنْت فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ آذَنْ فِيهِ وَطَلَبْت كِتَابَ الْمُبَايَعَةِ فَأَحْضَرُوهُ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ شِرَاءَ الصَّلَاحِ مِنْ أَمِيرِ عَلِيِّ بْنِ بَهَادِرْآصْ جَمِيعَ الْحِصَّةِ الَّتِي فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ، وَهِيَ جَمِيعُ مِلْكِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِعُبَايَا، وَذَكَرَ حُدُودَ الضَّيْعَةِ فَقَالَ الَّذِي يَقْصِدُ الْإِبْطَالَ: إنَّ هَذَا بَاعَ مَا يَمْلِكُ، وَمَا لَا يَمْلِكُ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بَاعَ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: جَمِيعُ الْحِصَّةِ الَّتِي بِيَدِهِ وَمِلْكِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَارِفٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حِصَّةَ أَبِيهِ وَأَنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ سَهْمٍ، وَيَعْرِفُ أَنَّ أَبَاهُ خَلَّفَ زَوْجَتَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّمُنِ، وَهَذَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ لَا يَخْفَى عَنْ أَحَدٍ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمَعْرِفَةُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْحِسَابِ بَلْ تَكْفِي تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يَفْهَمُهَا الْعَوَامُّ، فَإِنَّ بِهَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ سَوَاءٌ عَرَفَ عِبَارَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا أَمْ لَا، ثُمَّ إنَّا نَظَرْنَا فِي قَوْلِهِ:" وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ " فَوَجَدْنَاهَا صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ ثُمُنَ
الثَّمَانِيَةِ عُشْرٌ وَثُلُثُ سَهْمَيْنِ وَسُدُسُ سَهْمٍ وَثُمُنُ سَهْمٍ، وَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّمُنِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ ثُمُنِ سَهْمٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَرُبْعُ سَهْمٍ فَنَصِيبُهُ وَنَصِيبُ أُمِّهِ هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي بَاعَهُ لَا يَزِيدُ ذَرَّةً وَلَا يَنْقُصُ ذَرَّةً.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِهِ شَائِعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ بِاعْتِبَارٍ: أَمَّا صِحَّتُهُ فَلِأَنَّهُ مُشَاعٌ فِي الْحِصَّةِ الْمَوْرُوثَةِ عَنْ وَالِدِهِ الْمَفْرُوزَةِ بِالْقِسْمَةِ، أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مُشَاعًا فِي الضَّيْعَةِ كُلِّهَا، وَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْبَائِعِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ الضَّيْعَةِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ " مِنْ " وَ " فِي " فَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنَّهَا شَائِعَةٌ فِي جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهَا أَيْ شَائِعَةٌ، وَإِنَّهَا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّيُوعَ فِي الضَّيْعَةِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّيُوعَ فِي حِصَّةِ أُمِّهِ، وَحِصَّةُ أُمِّهِ مِنْ الضَّيْعَةِ فَالشَّائِعُ فِيهَا هُوَ مِنْ الضَّيْعَةِ بِلَا شَكٍّ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ عَادَةَ الشَّامِ تَقْسِمَةُ الْأَرَاضِي، وَتَبْقَى تِلْكَ النِّسْبَةُ مَحْفُوظَةً، فَهَذِهِ الْحِصَّةُ الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثٌ بَعْدَ الْأُولَى يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مَا هِيَ الْآنَ حِصَّةً وَلَا مُشَاعَةً وَلَا هِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثٌ بَلْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ كَامِلَةٌ فِي نَفْسِهَا وَلَكِنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِنِسْبَتِهَا الْأُولَى، فَكَذَلِكَ يُعَبِّرُونَ عَنْ بَعْضِهَا بِنِسْبَةِ الْأُولَى مِنْ الضَّيْعَةِ، وَبِذَلِكَ وَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْ حِصَّةِ الْبَائِعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَنِصْفِ سَهْمٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَتْ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَشَيْئًا إذَا أُخِذَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ حِصَّةِ مُوَرِّثِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ صِحَّةُ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَبِعْ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ بَلْ مِلْكَهُ فَقَطْ، فَلَا يَجِيءُ فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَا الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ بَلْ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ قَطْعًا، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجَوُّزٌ لَطِيفٌ فِي قَوْلِهِ: مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَاحْتِمَالُهُ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، وَالتَّمَحُّلِ لَهُ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ هَذَا الْبَيْعِ، وَمُوجَبُهُ مَا قُلْنَاهُ، وَصِيَانَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ عَنْ النَّقْضِ وَاجِبَةٌ مَا أَمْكَنَ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) : عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْمَجَازُ وَلَا التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ شَائِعًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ فَنَقُولُ: الصِّحَّةُ بِقَوْلِهِ: حِصَّتُهُ وَأَنَّهُ بَاعَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا وَأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مِنْ الْوَرَّاقِ لَا تَضُرُّهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ مِنْ الْبَائِعِ لَا تَضُرُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِيغَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْبَيْعِ بِعْتُك حِصَّتِي، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الزَّائِدَةُ تَعْرِيفٌ لِتِلْكَ الْحِصَّةِ وَقَعَ الْغَلَطُ فِيهَا، وَالْغَلَطُ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي هُوَ خَبَرٌ مَحْضٌ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ بِشَرْطِ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ قُلْنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنَّهُ إخْبَارٌ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ شَرَطَ، فَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةٌ فَخَرَجَ تِسْعَةً
أَوْ أَحَدَ عَشَرَ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَالْخِيَارُ لِلصَّلَاحِ الْمُشْتَرِي فِي نَقْصِ الْأَحْوَالِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ.
وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْوَجْهِ سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : لَوْ سَلَّمَ أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ مِلْكِهِ وَغَيْرِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي مِلْكِهِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَيَكُونُ هُنَا الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ بَلْ لِلصَّلَاحِ الْمُشْتَرِي فِي نَقْصِ الْأَحْوَالِ، وَهِيَ فِي جَانِبِ النَّقْصِ لَا فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ.
وَلَا فَرْقَ فِي الْمَضْمُومِ إلَى مِلْكِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِلْكَ الْغَيْرِ، أَوْ وَقْفًا. فَقَدْ بَانَ بِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَبِأَنَّ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ حَتَّى يُبْطِلُوهُ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ حُكْمَ بُرْهَانِ الدِّينِ الزَّرْعِيِّ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ إذَا كَانَ مِلْكَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُوجِبُهُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ انْدَفَعَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ نَقْضُهُ بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) : أَنَّ الْعِبَارَةَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يُقَالَ: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثِ سَهْمٍ مَنْسُوبَةً مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا هِيَ جَمِيعُ الضَّيْعَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حَذْفٌ لِبَعْضِ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) : أَنَّ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثَ سَهْمٍ الْمَنْسُوبَةَ يَصِحُّ عَلَيْهَا أَنَّهَا شَائِعَةٌ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَلِهَذَا نَقُولُ فِيهَا: إنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ كَامِلٌ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا فِي أَنْفُسِهَا فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ إلَّا بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهَا الَّتِي كَانَتْ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآنَ مَقْسُومَةً غَيْرَ شَائِعَةٍ، فَكَذَلِكَ تَصِحُّ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ وَنِصْفِ ثُمُنِ سَهْمٍ أَنَّهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا ذَلِكَ: فَإِنَّ الضَّيْعَةَ بِكَمَالِهَا إذَا جُزِّئَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ كَانَتْ هَذِهِ الْحِصَّةُ مِنْهَا هَكَذَا، وَشِيَاعُهَا مِنْ الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ.
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) : أَنَّ الْأَرْبَعَةَ وَنِصْفَ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ لَيْسَتْ جَامِعَةً لِمِلْكِهِ وَلِمِلْكِ غَيْرِهِ قَطْعًا بَلْ غَايَتُهَا عَلَى مَا يَتَوَهَّمُ الْخَصْمُ أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِبَعْضِ مِلْكِهِ وَبَعْضِ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَدْ قَالَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ: إنَّهَا جَامِعَةٌ مِلْكَهُ فَاسْتَحَالَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْحَمْلِ الْمَعْنِيِّ الَّذِي يُقْطَعُ بِتَنَاقُضِهِ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) : أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْخَصْمُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ لَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِطَرِيقِ
الْمَجَازِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا.
(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) : أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ اتَّصَلَتْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَتُصَانُ عَنْ النَّقْضِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ الْإِجْمَاعِ، أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَلَا يُوجَدُ، وَهَذِهِ مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِذَلِكَ يَكْمُلُ بِهَا الْغَرَضُ فِي الْمَقْصُودِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : فِي بَيَانِ أَنَّ حِصَّةَ أَمِيرِ عَلِيٍّ هِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ حِصَّةَ مُوَرِّثِهِ الْمَقْسُومَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ سَهْمٍ لِلزَّوْجَتَيْنِ ثُمُنُهَا، وَهُوَ سَهْمَانِ وَسُدُسُ سَهْمٍ وَثُمُنُ سَهْمٍ لِكُلِّ زَوْجَةٍ نِصْفُهُ، وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَثُمُنُ سَهْمٍ وَسُدُسُ ثُمُنِ سَهْمٍ، وَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّمُنِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ ثُمُنِ سَهْمٍ مَقْسُومَةً عَلَى أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُمْ خَمْسَةُ بَنِينَ وَبِنْتٌ؛ فَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَثُلُثُ سَهْمٍ وَثُمُنُ سَهْمٍ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَرُبْعُ سَهْمٍ، فَاجْتَمَعَ لِعَلِيٍّ مِنْ أَبِيهِ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَرُبْعُ سَهْمٍ، وَمِنْ أُمِّهِ سَهْمٌ وَثُمُنُ سَهْمٍ وَسُدُسُ ثُمُنِ سَهْمٍ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الضَّيْعَةِ بِكَمَالِهَا الْأَرْبَعَةِ، وَالْعِشْرِينَ.
وَلَوْ أَخَذْتهَا مِنْ نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ خَاصَّةً وَقَسَمْت نَصِيبَ مُوَرِّثِهِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لَكَانَتْ تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : فِي بَيَانِ نَصِيبِ عَلِيٍّ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَالِدَتِهِ بِطَرِيقَةِ الْفَرْضِيِّينَ: مَاتَ بَهَادِرْآصْ وَخَلَفَ زَوْجَتَيْنِ وَخَمْسَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ 8 وَيَصِحُّ 176 لِلزَّوْجَتَيْنِ 22 لِكُلِّ وَاحِدَةٍ 11 وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِكُلِّ ابْنٍ 28، وَمَاتَتْ أُمُّ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِهَا فَقَطْ فَيَجْتَمِعُ لِعَلِيٍّ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ 39.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَوْ سَلَّمَ إلْغَاءَ قَوْلِهِ: حِصَّتِي وَتَجْرِيدَ النَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ مِلْكُهُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَنِصْفِ ثُمُنِ سَهْمٍ مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ شَائِعًا فَيَصِحُّ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي مُشَاعًا بَعْضُهُ مِنْ حِصَّةِ إخْوَتِهِ وَبَعْضُهُ مِنْ حِصَّةِ الْوَقْفِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعَشْرَ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْبَيْعِ عَيْبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ خِلَافًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ قَطَعُوا بِهَا.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَخَرَجَتْ ثَيِّبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ صِحَّةُ الْبَيْعِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَتَنْزِيلًا لِلْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ، وَالْمِقْدَارِ مَنْزِلَةَ خُلْفِهِ فِي الصِّفَاتِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَأَنْ يُسَلِّمَهُ بِالثَّمَنِ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلِهِ كَمَا أَجْبَرْنَا الْبَائِعَ إذَا كَانَ دُونَ الْعَشَرَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَلَا إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرِّضَا بِمَا دُونَ الثَّوْبِ، وَالْمِسَاحَةِ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالشَّرِكَةِ، وَالتَّبْعِيضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدَ، وَإِنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ فَوَجَدَهَا دُونَ الْمِائَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا شَرَطَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْزَاءِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقِيمَةِ، وَيُخَالِفُ الثَّوْبُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَائِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ كَمْ قِيمَةُ الثَّمَنِ مُرَاعٍ النَّاقِصَةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ وَجَدْنَا الصُّبْرَةَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ قَفِيزٍ أَخَذَ الْمِائَةَ بِالثَّمَنِ وَتَرَكَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُ مَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْأَضْرَارِ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، أَمَّا الْمَرَاوِزَةُ فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَأَجْرَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَتَيْ النُّقْصَانِ، وَالزِّيَادَةِ، هَذَا إذَا قَالَ عَلِيٌّ: إنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ: وَهِيَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إذَا خَرَجَ تِسْعَةً ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يُمْسِكَ الْكُلَّ، أَوْ يَرُدَّ، وَلَوْ خَرَجَ أَحَدَ عَشَرَ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ هُنَا قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ، وَهَذَا النَّقْلُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِلتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ، أَوْ لَا يَنْفَعُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْمُبَايَعَةِ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ شَرْطٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ سَهْمٍ، فَلَا يَكُونُ فِي الصِّحَّةِ خِلَافٌ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِي خَرَجَ وَجْهًا فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ إنْ كَانَتْ شَرْطًا وَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَجْرِي فِي الْحَالَتَيْنِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ هُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ، وَالْقَائِلُ بِالْبُطْلَانِ هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مُسَاعِدًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ كَذَا لَيْسَ شَرْطًا، وَلَئِنْ قِيلَ عَلَى سَبِيلِ الْجَدَلِ فُرِّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ كَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: بِعْتُك حِصَّتِي، وَهِيَ كَذَا أَنَّ الثَّوْبَ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: بِعْتُكَهُ صَحَّ فَأَمْكَنَ جَعْلُ قَوْلِهِ: وَهُوَ كَذَا خَبَرًا لَغْوًا، وَأَمَّا الْحِصَّةُ الَّتِي لَهُ فَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَلَا تُسَلَّمُ إحَاطَةُ عِلْمِهِ بِهَا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِعْتُكهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَنْظُرُ إلَى اللَّفْظِ، وَاللَّفْظُ لَا يَتَضَمَّنُ بَيَانَهَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ، فَإِذَا قَالَ: وَهِيَ كَذَا كَانَ هُوَ الْمُبَيِّنَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ، وَيَجِبُ اعْتِمَادُهُ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ.
قُلْنَا: جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَوْ
ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْبَائِعِ يَمِينٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا، وَقَدْ مَاتَ وَفِي انْتِقَالِ هَذِهِ الْيَمِينِ إلَى قَرِينَةٍ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي نَظَرٌ.
الثَّانِي: أَنَّ فِي الْمَكْتُوبِ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حِصَّتَهُ هِيَ هَذِهِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَالتَّجَوُّزِ قَلِيلًا فِي الْعِبَارَةِ فَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْعُمْدَةُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : حَيْثُ صَحَّحْنَا وَأَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَهَاهُنَا قَدْ وَقَفَ الْمُشْتَرِي وَبِالْوَقْفِ يَمْتَنِعُ الْخِيَارُ وَيَنْتَقِلُ حَقٌّ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ إبْطَالُ الْبَيْعِ فِي حِصَّةِ الْبَائِعِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) : أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْبَائِعَ عَالِمٌ بِحِصَّةِ، وَالِدِهِ بِلَا شَكٍّ، وَأَنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثٌ، وَأَنَّهَا أُفْرِدَتْ ثُمَّ وُرِثَتْ عَنْ، وَالِدِهِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِوَرَثَةِ وَالِدِهِ عَالِمٌ بِمَقَادِيرِ أَنْصِبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَنْ الْعَوَامّ وَبَيْنَ تَارِيخِ، وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ وَتَارِيخِ بَيْعِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ حِصَّتُهُ فِي يَدِهِ فَكَيْف يَكُونُ جَاهِلًا بِهَا بَلْ هُوَ عَالِمٌ بِهَا وَنَصِيبِ إخْوَتِهِ مِنْ الْحِصَّةِ الْمَفْرُوزَةِ، وَالْمَوْرُوثَةِ عَنْ وَالِدِهِ الْمَنْسُوبَةِ مِنْ الضَّيْعَةِ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ حَالِهِ لَا يُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) : أَنَّ الْحِصَّةَ الْمَفْرُوزَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهَا: إنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثُ سَهْمٍ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا الْآنَ إذَا نُسِبَتْ مِنْ الضَّيْعَةِ كَانَتْ نِسْبَتُهَا ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تَكْفِي فِي مَعْنَى الْإِشَاعَةِ فَيَصِحُّ عَلَيْهَا أَنَّهَا الْآنَ مَقْسُومَةُ مَالٍ كَامِلٍ وَيَصِحُّ عَلَيْهَا أَنَّهَا سِهَامٌ مُشَاعَةٌ مِنْ الْقَرْيَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ كَمَا أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا سِهَامًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَ سَهْمٍ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَحِصَّةُ الْبَائِعِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَثُلُثُ سَهْمٍ مِنْ تِلْكَ السِّهَامِ يَصِحُّ عَلَيْهَا أَيْضًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَنَّهَا الْآنَ مُشَاعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ جَمِيعِ الضَّيْعَةِ، وَهِيَ مُشَاعَةٌ مِنْ أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ نَصِيبِ وَالِدِهِ الْمَفْرُوزِ بِالْقِسْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ مَاتَ وَخَلَفَ بِنْتًا صَغِيرَةً وَأَخًا غَائِبًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ الْحَاكِمُ التَّرِكَةَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَوَفَّى بِهِ الدَّيْنَ، ثُمَّ حَضَرَ الْأَخُ الْغَائِبُ وَأَثْبَتَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ.
(الْجَوَابُ) يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَوْفِيَتُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ نَصِيبِ الْيَتِيمَةِ، وَالْأَخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) فِيمَنْ بَاعَ بَغْلِطَاقًا بِطُرُزٍ مُزَرْكَشَةٍ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ رَدَّهُ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فِي الْبَغْلِطَاقِ فَقَالَ الْبَائِعُ: هَذَا الطِّرَازُ الَّذِي هُوَ الْآنَ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي بِعْتُكَهُ بِهِ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، أَوْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إنَّ هَذَا الطِّرَازَ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ
وَلَمْ أَرَ غَيْرَهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ.
(الْجَوَابُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الطِّرَازِ هَلْ هُوَ الَّذِي تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَلَا يُسْمَعُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: أَنَّهُ هَذَا الْمَوْجُودُ فِي الْبَغْلِطَاقِ الْآنَ، وَإِذَا ثَبَتَ بِحَيْثُ لَا بَغْلِطَاقَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الطِّرَازِ.
أَمَّا رَدُّ الْقَبَاءِ بِدُونِهِ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَيَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قِيمَةِ الطِّرَازِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْقَبَاءِ فَيُقَسِّطُ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ، وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ مَا يَخُصُّ الْقَبَاءَ بِدُونِ الطِّرَازِ وَيُسَلِّمُ لَهُ الْقَبَاءَ مُجَرَّدًا وَبَقِيَّةَ الثَّمَنِ وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الطِّرَازَ، وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ رضي الله عنه: هَذَا هُوَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ مُطْلَقًا فِي الطِّرَازِ، وَالْقَبَاءِ جَمِيعًا وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ الَّذِي ثَبَتَ، وَأَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فَبَاطِلٌ.
(مَسْأَلَةٌ) الَّذِي يَظْهَرُ بِدَلَالَةِ حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْعُ الْخِيَارِ» ، وَتَأَمُّلُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى خِيَارِ الثَّلَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) اشْتَرَى مِلْكًا وَأَقَامَ فِي يَدِهِ مُدَّةً فَظَهَرَ مَكْتُوبٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّ بَعْضَهُ وَقْفٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَخْبَرَهُ بَعْضُ عَدُوٍّ لَهُ وَأَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِالْوَقْفِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخِيَارِ وَإِلَّا فَإِنْ عَلِمَ الْآنَ وُجُودَ الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مُزَوَّرًا ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَلَهَا ابْنَةٌ صَغِيرَةٌ سِنُّهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَاسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ، فَهَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، أَوْ بَيْعُ ابْنَتِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ بِرِضَاءِ، وَالِدَتِهَا أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجُوزُ بَيْعُ ابْنَتِهَا الْمَذْكُورَةِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي جَوَازَهُ فِي هَذَا السِّنِّ فِي الْقِنَّةِ فَفِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوْلَى وَلَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى لِبَقَاءِ الْحَجْرِ فَنَقُولُ فِيهَا بِالْمَنْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) فِي الْوَشْمِ النَّجِسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ مِنْ الْيَدِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا وَهَلْ يَكُونُ كَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِصِبْغٍ نَجِسٍ فَيَكُونُ بَيْعُهُ صَحِيحًا عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ دُونَ غَيْرِهِ أَمْ يُقْطَعُ فِي هَذَا بِالصِّحَّةِ لِقِلَّتِهِ؟
(الْجَوَابُ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الَّذِي أَرَاهُ الْقَطْعَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا سَأَلْت عَنْهُ، وَإِنَّ الْوَشْمَ النَّجِسَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْوَشْمِ النَّجَسِ لَيْسَتْ مَبِيعَةً وَلَا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصْفٌ لِذَلِكَ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ لَا يُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْيَدَيْنِ وَصْفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَحَدُ الْعَبْدَيْنِ