الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ، وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ تَقْدِيمُ " هُمْ " مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ هَذَا تَقْدِيمٌ؟ فَإِنَّك إذَا قُلْت: هُوَ يَفْعَلُ؛ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ فِعْلٌ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يَفْعَلُ هُوَ، ثُمَّ قَدَّمْتَ وَأَخَّرْتَ وَالزَّمَخْشَرِيُّ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّقْدِيمِ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَاءُ يُوقِنُونَ عَلَى " هُمْ " وَلَكِنْ مَشَيْنَا مَعَ هَذَا الْفَاضِلِ عَلَى كَلَامِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَوْجَبَهُ الْوَهْمُ وَالْتِبَاسُ الِاخْتِصَاصِ بِالْحَصْرِ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]
(آيَةٌ أُخْرَى)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِنْ قُلْت هَلَّا قِيلَ تَعْبُدُونَ لِأَجْلِ اُعْبُدُوا أَوْ اتَّقُوا لِمَكَانِ تَتَّقُونَ وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّقْوَى قُصَارَى أَمْرِ الْعَابِدِ وَلَيْسَتْ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَتَرَكَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجْهًا آخَرَ مُحْتَمَلًا فَإِنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ " لَعَلَّكُمْ " مُتَعَلِّقٌ " بِخَلَقَكُمْ " وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنْصَرِفُ عَنْ حَقِيقَةِ التَّرَجِّي إلَى مَجَازِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْعَلَ " لَعَلَّكُمْ " مُتَعَلِّقًا بِاعْبُدُوا أَوْ يَكُونُ التَّرَجِّي إمَّا مِنْ الْأَمْرِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ أَيْضًا وَتَكُونُ التَّقْوَى تَقْوَى النَّارِ الْمُسَبَّبَةِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَإِمَّا مِنْ الْمَأْمُورِ فَتَكُونُ التَّقْوَى عَلَى بَابِهَا أَيْضًا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا؛ وَالتَّرَجِّي عَلَى حَقِيقَتِهِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صِفَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَإِذَا فُرِضَ الْأَمْرُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ التَّرَجِّيَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَأْمُورُ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ، كَمَا لَوْ قُلْتَ لِزَيْدٍ: اضْرِبْ عَمْرًا لَعَلَّهُ يَتَأَدَّبُ، وَأَنْتَ تَتَرَجَّى ذَلِكَ مِنْهُ؛ وَالْمَأْمُورُ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَدَّبُ بِذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ الضَّرْبُ لِأَنَّ الضَّرْبَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْمُتَرَجَّى مَعَهُ، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ، وَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ تَرَجِّيَ الْأَمْرِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِ التَّرَجِّي لِلْمَأْمُورِ لَا لِلْآمِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]
(آيَةٌ أُخْرَى)
قَالَ رضي الله عنه قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ " مِنْ مِثْلِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِسُورَةٍ صِفَةٌ لَهَا أَيْ بِسُورَةٍ كَائِنَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعَلُّقَ الصِّنَاعِيَّ، لِأَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِهِ، أَوْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (فَأْتُوا) ثُمَّ قَالَ: وَالضَّمِيرُ لِمَا نَزَّلْنَا أَوْ لِعَبْدِنَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَبْدِنَا، وَإِنْ عُلِّقَ بِمَا نَزَّلْنَا فَيَكُنْ بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِيَّتِهِ فَيَشْمَلُ صِفَةَ الْمُنَزَّلِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُنَزَّلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَحَدَّى بِالْقُرْآنِ فِي أَرْبَعِ سُوَرٍ، فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا
بِصِفَتِهِ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ تَعَالَى {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] وَقَالَ تَعَالَى {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] وَالسِّيَاقُ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَفْظَةَ " مِنْ " الْمُحْتَمِلَةَ لِلتَّبْعِيضِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَتَرْكُهَا يُعَيِّنُ الضَّمِيرَ لِلْقُرْآنِ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمَّا قَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] قَالَ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] فَتَكُونُ " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي مِثْلِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُ قَدْ تَحَدَّاهُمْ فِيهَا بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ التَّحَدِّي غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِعْجَازَ مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ وَبُلُوغِهِ مَبْلَغًا تَقْصُرُ قُوَى الْخَلْقِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَحَدِّي بِهِ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ إتْيَانُهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْمُتَحَدَّى بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَا تُمْتَنَعُ إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى " مَا نَزَّلْنَا " الْمَجْمُوعَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فَصَحِيحٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ رَدَّدَ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ، وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَقْرَبِ أَوْجَبُ، وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَدْ تُحَدُّوا قَبْلَ ذَلِكَ وَظَهَرَ عَجْزُهُمْ عَنْ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ سُورَةَ يُونُسَ مَكِّيَّةٌ، فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مِمَّنْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ أَشَدُّ عَجْزًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ الضَّمِيرُ لِقَوْلِهِ " عَبْدِنَا " فَقَطْ وَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ التَّحَدِّي يَشْتَمِلَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، لِأَنَّ التَّحَدِّيَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِبَعْضِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ وَإِلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالتَّحَدِّي بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْبَةِ إلَى مِثْلِ الْمُنَزِّلِ، وَإِلَى أَيِّ سُورَةٍ كَانَتْ فَإِنَّ مَنْ يَكْتُبُ لَا يَأْتِي بِهَا فَصَارَ الْإِتْيَانُ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُمْتَنِعٌ كَانَتْ مِنْ كَاتِبٍ قَارِئٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ.
فَظَهَرَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ؛ ثُمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ " فَأْتُوا " وَالضَّمِيرُ لِلْعَبْدِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: هَذَا صَحِيحٌ وَتَكُونُ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ احْتِمَالَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَا نَزَّلْنَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السُّورَةَ الْمُتَحَدَّى بِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخَصَّصَ بِمِثْلِ الْمُنَزَّلِ كَمَا فِي سُورَتَيْ هُودٍ وَيُونُسَ فَإِذَا عَلَّقْنَا الضَّمِيرَ هُنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ (فَأْتُوا) وَعَلَّقْنَا الضَّمِيرَ بِالْمُنَزَّلِ كَانُوا قَدْ تَحَدُّوا بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مُطْلَقَةٍ لَيْسَتْ مَوْصُوفَةً وَلَا مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ؛