المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مختصر فصل المقال في هدايا العمال] - فتاوى السبكي - جـ ١

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ]

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ]

- ‌[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْت]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ فِي إعْرَابِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا]

- ‌[الْفَهْمُ السَّدِيدُ مِنْ إنْزَالِ الْحَدِيدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[محدث غمس يَده فِي مَاء كَثِير غمسة وَاحِدَة هَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّثْلِيث]

- ‌[مسح الصِّمَاخَيْنِ بِمَاء جَدِيد]

- ‌[الهرة إذَا أَكَلت فارا وولغت فِي مَاء قليل]

- ‌[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ هَلْ تُقْضَى]

- ‌[اشتبه مَاء طَاهِر بِمَاء نجس]

- ‌[الفرق بَيْن مطلق الْمَاء وَالْمَاء المطلق]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]

- ‌[الْكَافِر إِن جن قَبْل الْبُلُوغ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[إشْرَاقُ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهِلَالَ إذَا غَابَ بَعْدَ الْعِشَاءِ]

- ‌[حِفْظُ الصِّيَامِ مِنْ فَوْتِ التَّمَامِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ]

- ‌[تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَيْع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون]

- ‌[بَيْع الرَّهْن وتلف الثَّمَن]

- ‌[فَصْلٌ مُنَبِّهُ الْبَاحِثِ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ]

- ‌[بَيْع التَّرِكَة قَبْل وفاء الدِّين]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[رَجُلٌ هَدَمَ جِدَارَ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ الْهَدْمِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ إذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّك مَا أَقَرَّك اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مُصَنَّفَاتٌ فِي مِيَاهِ دِمَشْقَ وَإِجْرَائِهَا وَحُكْمِ أَنْهَارِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

الفصل: ‌[مختصر فصل المقال في هدايا العمال]

دِمَشْقَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

(مَسْأَلَةٌ) لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مُصَنَّفٌ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ سَمَّاهُ فَصْلَ الْمَقَالِ كَبِيرٌ لَخَصَّهُ فِي مُصَنَّفٍ آخَرَ صَغِيرٍ وَهُوَ هَذَا.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الْكَافِيَةِ وَمِنَنِهِ الْوَافِيَةِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَدَّخِرُهَا جُنَّةً مِنْ النَّارِ وَاقِيَةً وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إلَى كُلِّ أُمَّةٍ قَاصِيَةٍ وَدَانِيَةٍ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً عَلَى مَمَرِّ الْأَيَّامِ بَاقِيَةً، وَبَعْدُ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِي فَصْلُ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ مُرَتَّبٌ عَلَى فَصْلَيْنِ:

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحَادِيثِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» .

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي النَّارِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ. وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَلْيَنْظُرْ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْتَى بِشَيْءٍ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَثْغُو ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَأَيْنَا عُفْرَةَ إبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْت» . رَوَاهُ ح م. وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» . إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد.

وَعَنْ أَبِي حَمِيدَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَدَلَ وَالٍ تَجَرَ فِي رَعِيَّتِهِ» . رَوَاهُ النَّقَّاشُ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَرَأَى عُمَرُ عِنْدَهُ غِلْمَانًا قَالَ مَا: هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: أَصَبْتُهُمْ فِي وَجْهِي هَذَا قَالَ عُمَرُ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ؟ قَالَ: أَهْدَوْا إلَيَّ وَأُكْرِمْت

ص: 203

بِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ: أَذَكَرْتَهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا ذِكْرِي لِأَبِي بَكْرٍ وَنَامَ مُعَاذٌ فَرَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحُجْزَتِهِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَقَعَ فِي النَّارِ فَفَزِعَ مُعَاذٌ فَذَكَرَهُ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَسَوَّغَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا حِينَ حَلَّ وَطَابَ.

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ) قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً وَالْيَوْمَ رِشْوَةً. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: إذَا قَبِلَ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ أَكَلَ السُّحْتَ، وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ.

وَقَالَ كَعْبٌ: الرِّشْوَةُ تُسَفِّهُ الْحَلِيمَ وَتُعْمِي عَيْنَ الْحَكِيمِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَأْكُلُهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ مِنْهُ قَبُولُهَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ بِهَا دُونَ رَعِيَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُهْدِيَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَمِيرُ رَعِيَّتِهِ، وَلَيْسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفْرِ يَكُونُ لَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ حُكْمِهِ لَا يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا فَيْءٌ.

وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» انْتَهَى الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهَا كَمَا سَنَحْكِيهِ. وَمُلَخَّصُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُعْطِي الْحُكَّامُ الْأَئِمَّةَ وَالْأُمَرَاءَ وَالْقُضَاةَ وَالْوُلَاةَ وَسَائِرَ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إمَّا رِشْوَةً وَإِمَّا هَدِيَّةً أَمَّا الرِّشْوَةُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهَا وَعَلَى مَنْ يُعْطِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَخْذُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلًا وَكَذَا الْمُعْطِي سَوَاءٌ أَكَانَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلًا، وَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَّا إذَا جَهِلَ مَالِكُهَا فَتَكُونُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ، وَفِي احْتِمَالٍ لِبَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ وَالْمُرَادُ بِالرِّشْوَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يُعْطَى لِدَفْعِ حَقٍّ أَوْ لِتَحْصِيلِ بَاطِلٍ وَإِنْ أُعْطِيت لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْحُكْمِ بِحَقٍّ فَالتَّحْرِيمُ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْطِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِذَلِكَ جَازَ وَإِنْ قَدَرَ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِدُونِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَهَكَذَا حُكْمُ مَا يُعْطَى عَلَى الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ مُطْلَقًا وَيَفْصِلُ فِي الدَّافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ: يَجُوزُ الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ بِشُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْزُقَهُ وَأَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الْأَخْذِ وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ

ص: 204

يَقْطَعُهُ عَنْ كَسْبِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ بِهِ الْخَصْمَانِ قَبْلَ التَّحَاكُمِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَأَنْ لَا يُوجَدَ مُتَطَوِّعٌ وَيَعْجَزُ الْإِمَامُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَا يَأْخُذُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْخُصُومِ وَلَا زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَيَكُونُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ يَتَسَاوَى فِيهِ الْخُصُومُ مِنْ غَيْرِ تَفَاضُلٍ فَإِنْ فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ الْجَوَازُ إذَا اجْتَمَعَتْ قَوْلٌ شَاذٌّ لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فَرَضَهُ إنَّمَا قَالَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْمَخْمَصَةِ وَفِيهِ مَعَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّوَدُّدُ وَاسْتِمَالَةُ الْقُلُوبِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تُقَدَّمْ لَهُ عَادَةً قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَحَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةً قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَإِنْ زَادَ فَكَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ يَزِدْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ جَازَ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْبَلَ؛ وَالتَّشْدِيدُ عَلَى الْقَاضِي فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ فَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسِيرَ بِسِيرَتِهِ.

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الْمَالِكِيُّ: لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَدِيَّةً مِنْ أَحَدٍ لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ صَدِيقٍ وَإِنْ كَافَأَهُ بِأَضْعَافِهَا إلَّا مِنْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَخَاصَّةِ الْقَرَابَةِ الَّتِي تَجْمَعُ مِنْ حُرْمَةِ الْحَاجَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ حُرْمَةِ الْهَدِيَّةِ.

قَالَ سَحْنُونٌ: مِثْلُ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إلَى السُّلْطَانِ الْأَكْبَرِ وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ» وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ.

وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ: وَقَدْ رَدَّ عَلِيٌّ خَرُوفًا أُهْدِيَ إلَيْهِ وَقَالَ رَبِيعَةُ: الْهَدِيَّةُ ذَرِيعَةُ الرِّشْوَةِ وَعُلْمَةُ الظَّلَمَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُهْدَى إلَيْهِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا أُهْدِيَ إلَى الْوَالِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إلَّا السُّلْطَانُ، وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ مَلِكَ الْعَدُوِّ إذَا بَعَثَ إلَى أَمِيرِ الْجُنْدِ هَدِيَّةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيَصِيرَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَا أُهْدِيَ إلَيْهِ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَنَعَتِهِ وَمَنَعَتُهُ بِالْمُسْلِمِينَ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمُصَابِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْهَدِيَّةِ فَإِنَّ قُوَّتَهُ وَمَنَعَتَهُ لَمْ تَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فَلِهَذَا كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لَهُ خَاصَّةً وَسُنَّةً أَيْضًا بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ إلَى الْحُكَّامِ فَإِنَّ ذَلِكَ رِشْوَةٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَ الْمُهْدِي عَلَى التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وِلَايَتُهُ الثَّابِتَةُ بِتَقْلِيدِ الْإِمَامِ إيَّاهُ وَالْإِمَامُ فِي ذَلِكَ نَائِبٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» يَعْنِي إذَا حَبَسُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَدِيَّةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ.

وَقَالَ

ص: 205

أَحْمَدُ: إذَا أَهْدَى الْبِطْرِيقُ إلَى صَاحِبِ الْجَيْشِ عَيْنًا أَوْ فِضَّةً لَمْ تَكُنْ لَهُ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ فِيهِ سَوَاءً.

فَهَذِهِ نُقُولُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: كَلَامُ الشَّافِعِيَّةِ رحمهم الله لَخَّصْنَاهُ أَوَّلًا وَكَلَامُ الثَّلَاثَةِ ذَكَرْنَاهُ بَعْدَهُ. وَمِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى دَفْعِ بَاطِلٍ أَوْ إيصَالٍ إلَى حَقٍّ فَهُوَ رِشْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ يُعْرَفُ أَكْثَرَ مِنْ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَثَابَهُ بِمِثْلِهِ كَانَ لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ عِنْدِي إلَّا وَضْعُهُ فِي الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْعِمَالَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي عَامِلِ الصَّدَقَةِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَوْلٌ ثَانٍ قَبُولُهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَهِمَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَوْلٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا وَالِاخْتِصَاصُ بِهَا؛ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله جَوَازُ الْقَبُولِ إذَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا بَلْ وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا يَمْلِكُهَا الْحَاكِمُ بِاتِّفَاقِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ كُلِّهِمْ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ أَخْذِهَا فَحَيْثُ أَوْجَبَتْ رِيبَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا؛ وَالتَّحْرِيمُ فِي الْقَاضِي آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الصِّيَانَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ.

فَلْيَنْظُرْ الْقَاضِي الْمِسْكِينُ الْمُشْفِقُ عَلَى دِينِهِ إلَى سِيرَتِهِ وَإِلَى سِيرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ فِي أَحْكَامِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ فَإِنْ وَجَدَ سِيرَتَهُ قَرِيبَةً مِنْ ذَلِكَ فَأَحْرَى أَنْ يَنْجُوَ أَوْ لِيَسْأَلَ اللَّهَ فِي تَقْصِيرِهِ وَإِنْ وَجَدَ سِيرَتَهُ مُخَالِفَةً لِسِيرَتِهِمْ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ يَعْدِلُ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ وَلْيَقْنَعْ بِأَنْ يَكُونَ فِي عِدَادِ الْمُسْلِمِينَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَلَا نَتَعَرَّضُ إلَى هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ وَنَتَحَمَّلُ أَعْبَاءَ هَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ، وَلِهَذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ خَطَرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِيهِ بِحَقٍّ وَعَدْلٍ فِيهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ دَرَجَةُ الْمُجَاهِدِينَ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَكُلُّ قَضِيَّةٍ يَحْكُمُ فِيهَا بِالْحَقِّ فَيَدْفَعُ ظَالِمًا وَيَصِلُ حَقًّا هِيَ جِهَادٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ الْعَدْلُ مِنْ صَاحِبِهَا إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَالْأَوْلَى لِلْمُحْتَاطِ لِدِينِهِ الِانْكِفَافُ عَنْهَا وَلْيَعْلَمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ جِهَةَ مَكْسَبٍ بَلْ جِهَةُ عِبَادَةٍ وَفِيهَا خَطَرٌ إنْ زَلَّ هَوَى فِي جَهَنَّمَ فَالسَّلَامَةُ فِي تَرْكِهَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.

وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الْفَقِيهِ عِنْدِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا مَنْصِبًا وَيَجْعَلُ كَسْبَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِهَاتِ الْحِلِّ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُ الْإِمَامُ أَوْ يَفْعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ أُجْرَةً مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ مَكْتُوبًا فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِيهِ إذَا لَمْ تَكُنْ كِتَابَةُ ذَلِكَ وَاجِبَةً

ص: 206