الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: 52] قِيلَ السُّؤَالُ " بِمَنْ " عَنْ التَّصَوُّرِ وَالْجَوَابُ بِالتَّصْدِيقِ قُلْت " مَنْ " وَإِنْ كَانَ سُؤَالًا عَنْ التَّصَوُّرِ فَالسَّائِلُ بِهَا تَارَةً يَجْزِمُ بِحُصُولٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ تَعَيُّنِهِ فَقَوْلُهُ {مَنْ أَنْصَارِي} [آل عمران: 52] مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ عِيسَى عليه السلام رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إقَامَةَ نَاصِرٍ لَهُ سَائِلًا عَنْ عَيْنِهِ فَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّصَوُّرِ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّصَوُّرِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَأَدَبًا مَعَ اللَّهِ وَمَعَ السَّامِعِينَ؛ فَكَانَ الْأَكْمَلُ فِي حَقِّهِ السُّؤَالَ عَنْ التَّصَوُّرِ وَجَعْلَ السُّؤَالِ عَنْ التَّصْدِيقِ مَطْلُوبًا فِيهِ؛ وَالْحَوَارِيُّونَ تَفَطَّنُوا لِذَلِكَ فَأَجَابُوا بِالتَّصْدِيقِ لِيُحَصِّلُوا الْمَقْصُودَيْنِ مَعًا فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا هُنَا: مَنْ يَنْصُرُك هُمْ نَحْنُ. وَقَالُوا أَنْصَارُ اللَّهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ نُصْرَةُ اللَّهِ بِمَعْنَى نُصْرَةِ دِينِهِ. وَلِيُبَيِّنُوا أَنَّ نُصْرَتَهُمْ لِلَّهِ لَا يَشُوبُهَا غَيْرُهَا مِنْ حُظُوظِ الْبَشَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا فَسَرُّوا الْإِحْسَاسَ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُعْلَمُ وَلَا يُحَسُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَقْوَالٍ تُسْمَعُ وَأَعْمَالٍ تُبْصَرُ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكُفْرِ أَوْ دَلِيلًا عَلَيْهِ؛ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْإِحْسَاسِ عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْآيَةِ الْأَوَّلُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِبْصَارُ حَقِيقَةً. وَلِهَذَا قَالَ {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] انْتَهَى.
[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]
قَالَ رضي الله عنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَظَّمَ نَبِيَّهُ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ، وَهَدَانَا إلَى كُلِّ خَيْرٍ، إذْ وَصَّلَ سَبَبَنَا بِسَبَبِهِ. وَبَعْدُ فَقَدْ حَصَلَ الْبَحْثُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] وَقَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ هُنَا أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ أَنَّهُ إنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ فِي زَمَانِهِ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ وَيُوصِي أُمَّتَهُ بِذَلِكَ؛ وَفِي ذَلِكَ مِنْ التَّنْوِيهِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ الْعَلِيِّ مَا لَا يَخْفَى، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَجِيئِهِ فِي زَمَانِهِمْ يَكُونُ مُرْسَلًا إلَيْهِمْ فَتَكُونُ نُبُوَّتُهُ وَرِسَالَتُهُ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ زَمَنِ آدَمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ الْأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ كُلُّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ:«بُعِثْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً» لَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّاسُ مِنْ زَمَانِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَلْ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَبْلَهُمْ أَيْضًا، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» وَإِنَّ مَنْ فَسَّرَهُ بِعِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ سَيَصِيرُ نَبِيًّا لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَوَصْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنُّبُوَّةِ
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا «رَأَى اسْمَهُ آدَم مَكْتُوبًا عَلَى الْعَرْشِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنًى ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِمَا سَيَصِيرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ يَعْلَمُ اللَّهُ نُبُوَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَبْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِهَا أَخْبَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ إعْلَامًا لِأُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوا قَدْرَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ الْخَيْرُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتَ: أُرِيدُ أَنْ أَفْهَمَ ذَلِكَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ وَصْفٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُلُوغِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَيْضًا. فَكَيْفَ يُوصَفُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَقَبْلَ إرْسَالِهِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَغَيْرُهُ كَذَلِكَ.
قُلْتُ قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ فَقَدْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: كُنْتُ نَبِيًّا إلَى رُوحِهِ الشَّرِيفَةِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَالْحَقَائِقُ تَقْصُرُ عُقُولُنَا عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا خَالِقُهَا. وَمَنْ أَمَدَّهُ بِنُورٍ إلَهِيّ ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ يُؤْتِي اللَّهُ كُلَّ حَقِيقَةٍ مِنْهَا مَا يَشَاءُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشَاءُ، فَحَقِيقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ آتَاهَا اللَّهُ ذَلِكَ الْوَصْفَ بِأَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا مُتَهَيِّئَةً لِذَلِكَ وَأَفَاضَهُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَصَارَ نَبِيًّا وَكَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْعَرْشِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِالرِّسَالَةِ لِيَعْلَمَ مَلَائِكَتُهُ وَغَيْرُهُمْ كَرَامَتَهُ عِنْدَهُ فَحَقِيقَتُهُ مَوْجُودَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ جَسَدُهُ الشَّرِيفُ الْمُتَّصِفُ بِهَا وَاتِّصَافُ حَقِيقَتِهِ بِالْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ الْمُفَاضَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ حَاصِلٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ الْبَعْثُ وَالتَّبْلِيغُ لِتَكَامُلِ جَسَدِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّبْلِيغُ، وَكُلُّ مَالَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ جِهَةِ تَأَهُّلِ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ وَحَقِيقَتِهِ مُعَجَّلٌ لَا تَأَخُّرَ فِيهِ وَكَذَلِكَ اسْتِنْبَاؤُهُ وَإِيتَاؤُهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ تَكَوُّنُهُ
وَتَنَقُّلُهُ إلَى أَنْ ظَهَرَ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُهُ، مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ.
وَلَا نُمَثِّلُ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ بِغَيْرِهِمْ قَدْ يَكُونُ إفَاضَةُ اللَّهِ تِلْكَ الْكَرَامَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِهِ بِمُدَّةٍ كَمَا يَشَاءُ سبحانه وتعالى، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ فَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِهِ مِنْ الْأَزَلِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ عِلْمَهُ بِذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَيَعْلَمُ النَّاسُ مِنْهَا مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ عِنْدَ ظُهُورِهِ لِعِلْمِهِمْ نُبُوَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي أَوَّلِ مَا جَاءَهُ بِهِ جِبْرِيلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ سبحانه وتعالى مِنْ جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ يَتَّصِفُ بِهَا.
فَهَاتَانِ مَرْتَبَتَانِ الْأُولَى مَعْلُومَةٌ بِالْبُرْهَانِ وَالثَّانِيَةُ ظَاهِرَةٌ لِلْعِيَانِ، وَبَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ وَسَائِطُ مِنْ أَفْعَالِهِ سبحانه وتعالى تَحْدُثُ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ سبحانه وتعالى مِنْهَا مَا يَظْهَرُ لِبَعْضِ خَلْقِهِ حِينَ حُدُوثِهِ، وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالٌ لِذَلِكَ الْمَحِلِّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى كَمَالٍ يُقَارِنُ ذَلِكَ الْمَحِلَّ مِنْ حِينِ خَلْقِهِ وَإِلَى كَمَالٍ يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَصِلُ عِلْمُ ذَلِكَ إلَيْنَا إلَّا بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ الْخَلْقِ فَلَا كَمَالَ لِمَخْلُوقٍ أَعْظَمَ مِنْ كَمَالِهِ وَلَا مَحَلَّ أَشْرَفَ مِنْ مَحِلِّهِ يُعَرِّفُنَا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ حُصُولَ ذَلِكَ الْكَمَالِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبِّهِ سبحانه وتعالى، وَأَنَّهُ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَخَذَ لَهُ الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى أُمَمِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ نَبِيُّهُمْ وَرَسُولُهُمْ وَفِي أَخْذِ الْمَوَاثِيقِ وَهِيَ مَعْنًى فِي الِاسْتِخْلَافِ.
وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ لَامُ الْقَسَمِ فِي {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] .
(لَطِيفَةٌ أُخْرَى) : وَهِيَ كَأَنَّهَا أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلْخُلَفَاءِ وَلَعَلَّ أَيْمَانَ الْخُلَفَاءِ أُخِذَتْ مِنْ هُنَا فَانْظُرْ هَذَا التَّعْظِيمَ الْعَظِيمَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبِّهِ سبحانه وتعالى فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ لِوَائِهِ وَهُوَ فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَّى بِهِمْ؛ وَلَوْ اتَّفَقَ مَجِيئُهُ فِي زَمَنِ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أُمَمِهِمْ الْإِيمَانُ بِهِ وَنُصْرَتُهُ. وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فَنُبُوَّتُهُ عَلَيْهِمْ وَرِسَالَتُهُ إلَيْهِمْ مَعْنًى حَاصِلٌ لَهُ، وَإِنَّمَا أَثَرُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمْ مَعَهُ فَتَأَخُّرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ رَاجِعٌ إلَى وُجُودِهِمْ لَا إلَى عَدَمِ اتِّصَافِهِ مِمَّا تَقْتَضِيهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ تَوَقُّفِ الْفِعْلِ عَلَى قَبُولِ الْمَحِلِّ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْفَاعِلِ فَهُنَا لَا تَوَقُّفَ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ ذَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الشَّرِيفَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ الْعَصْرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ وُجِدَ فِي عَصْرِهِمْ لَزِمَهُمْ إتْبَاعُهُ بِلَا شَكٍّ، وَلِهَذَا يَأْتِي عِيسَى فِي آخَرِ الزَّمَانِ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَهُوَ نَبِيٌّ كَرِيمٌ