الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَجْرِ عَلَى الْبَوَاقِي، وَمَنْ كَانَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالْبَوَاقِي لَهُ أَجْرٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَرَنَ مَعَهُ إعْدَادَ الْمَغْفِرَةِ مَعَهُ، وَإِعْدَادُ الْمَغْفِرَةِ زَائِدٌ عَلَى الْأَجْرِ. فَلِخُصُوصِ هَذِهِ الْمَادَّةِ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ، يَعْنِي وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَاحْتَمَلَ تَقْدِيرَ مَوْصُوفٍ مَعَ كُلِّ صِفَةٍ وَعَدَمُهُ حُمِلَ عَلَى التَّقْدِيرِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعَطْفِ التَّغَايُرُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ فَإِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ.
وَمِثَالُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] وَلَوْ كَانَ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ جَمْعِ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: وَقَفْت عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالنُّحَاةِ اسْتَحَقَّهُ الْفَقِيهُ الَّذِي لَيْسَ بِنَحْوِيٍّ، وَالنَّحْوِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ النَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]
(آيَةٌ أُخْرَى) قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] مَعْطُوفٌ عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّبَدُّلَ وَهِيَ حَالَةُ الْإِعْجَابِ قَوْلُهُ مَا مَلَكَتْ مَوْصُولَةٌ بَدَلٌ مِنْ النِّسَاءِ. قَوْلُهُ {أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقْتَ أَنْ يُؤْذَنَ وَرُدَّ بِأَنَّ " أَنْ " الْمَصْدَرِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَصْدَرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ قَوْلُهُ {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَالٌ مِنْ (لَا تَدْخُلُوا) فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ " إلَّا " فِي الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ صِفَةٌ مُسْتَثْنَى مِنْهَا.
وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قُلْت هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِحَسَبِ مَا صَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَلَامَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الصَّرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ: مَا أَنْتَ إلَّا مَاجِدًا صَغِيرَ السِّنِّ. أَيْ مَا أَنْتَ صَغِيرُ السِّنِّ إلَّا مَاجِدًا. هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْكِسَائِيّ وَغَيْرِهِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ عَقِبَ كَلَامِهِ: وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَقْتِ وَالْحَالِ مَعًا فَعُلِمَ مُرَادُهُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ حَالًا لِأَنَّ " تَدْخُلُوا " مُفَرَّغٌ كَمَا تُسَمِّي مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ فَاعِلًا وَمَا ضَرَبْت إلَّا زَيْدًا مَفْعُولًا كَذَلِكَ مَا قُمْت إلَّا رَاكِبًا حَالٌ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ نَعَمْ هُنَا نَظَرٌ آخَرُ.
وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ شَيْئَيْنِ مِنْ شَيْئَيْنِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَحَالُ غَيْرِ النَّاظِرِينَ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لَكِنَّ مَنْقُولَ النُّحَاةِ يَأْبَاهُ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هُنَا: إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ غَيْرَ نَاظِرِينَ - أَوْ فَادْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ. فَهَذَا إعْرَابُ الْآيَةِ.
وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى مَا فَهْمِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ
الزَّمَخْشَرِيِّ لَكَانَ الْمَعْنَى لَا تَدْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَفِيهِ فَسَادٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إفْهَامُهُ جَوَازَ الدُّخُولِ نَاظِرِينَ.
وَالثَّانِي إفْهَامُهُ إذَا أَذِنَ لَهُمْ جَازَ الدُّخُولُ مُطْلَقًا نَاظِرِينَ وَغَيْرَ نَاظِرِينَ. قَوْلُهُ {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] تَقُولُ اسْتَحْيَيْت مِنْ فُلَانٍ مِنْ كَذَا فَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ دَلَّ عَلَيْهِ الثَّانِي وَمِنْ الثَّانِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَوَّلِ الْحَقَّ صِيَانَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اسْتِحْيَائِهِ مِنْ الْحَقِّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الثَّانِي أَدَبًا فِي الْخِطَابِ. قَوْلُهُ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] وَقَوْلُهُ {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} [الأحزاب: 54] يَدْخُلُ فِيهِ مَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ مِنْ تَزَوُّجِ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِيذَاؤُهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ إسْرَارُهُ وَإِعْلَانُهُ سَوَاءٌ فِي الْوَعِيدِ وَالْعُقُوبَةِ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْآيَةُ مُحْكَمَةً فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَا مِثْلُ قَوْلِهِ {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29] فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْعِلْمُ وَهُوَ شَامِلٌ وَلَيْسَ فِيهَا وَعِيدٌ.
وَآيَةُ الْأَحْزَابِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْعِلْمَ فَفِيهَا وَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] هِيَ تَحِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ تَحِيَّةٌ لِآدَمَ عليه السلام، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَدْخُل مَعَهُمْ فِيهَا وَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ، وَهِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ.
قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] الظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَى أَنْ يُعْرَفْنَ، لِأَنَّ أَدْنَى بِمَعْنَى أَقْرَبُ، وَأَقْرَبُ تَتَعَدَّى بِإِلَى وَبِاللَّامِ، وَأَدْنَى الَّتِي مِنْ الدُّنُوِّ تُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْكَثْرَةِ وَهُوَ حَقِيقَتُهَا، وَتَارَةً فِي الْقِلَّةِ كِنَايَةً، لِأَنَّ الْقَلِيلَ أَقْرَبُ وَأَمَّا أَدْنَى الَّتِي فِي قَوْلِ الْمُتَنَبِّي
لَوْلَا الْعُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ
فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ أَقَلَّ ضَيْغَمٍ.
وَأَمَّا أَدْنَا مِنْ الدَّنَاءَةِ إنْ كَانَ يُقَالُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ بِإِبْدَالِ هَمْزَتِهِ أَلِفًا وَأَمَّا الدُّونُ بِمَعْنَى الْحَقِيرِ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ دُونٌ، وَدُونَ الظَّرْفُ مَعْرُوفٌ وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] مَعْنَاهُ أَنَّ سُؤَالَهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَطْهُرُ مِنْ سُؤَالِهِنَّ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الطَّهَارَةِ اللَّائِقَةِ بِالصَّحَابَةِ، ثُمَّ قَالَ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] فَإِنْ جَعَلَ الْكَلَامَ فِي الْقَسَمِ الْمَفْصُولِ وَهُوَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مِنْ الْإِيذَاءِ كَانَ فِيهِ بَعْضُ مُتَمَسَّكٍ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي قَتْلِ السَّابِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْأَذَى. قَوْلُهُ {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 60] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِالْفَاءِ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ " بِثُمَّ " لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ وَأَنَا أَقُولُ لَوْ جَاءَ بِالْفَاءِ لَكَانَ مُسَبَّبًا عَنْ إغْرَائِهِ بِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَلِيمٌ عَظِيمُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ
يَجْعَلْ إجْلَاءَهُمْ مُسَبَّبًا عَنْهُ وَرُبَّمَا سَأَلَ لَهُمْ، فَجَعَلَ عَدَمَ إيتَائِهِمْ سَبَبًا فِي إغْرَائِهِ بِهِمْ وَفِي إجْلَائِهِمْ عَنْهُ بَعْدَ قَلِيلٍ، حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقُّ الْجِوَارِ وَيَسْتَمِرُّ أَثَرُ الْإِغْرَاءِ بِهِمْ فِي قِتَالِهِمْ حَيْثُ كَانُوا. قَوْلُهُ (مَلْعُونِينَ) جَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ حَالًا فِي جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْفِرَارِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ (إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْطُوقِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلَا تَكْفِي الْمُسَاوَاةُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَشَبَهِ الْمُشْتَرَكِ وَجَمْعِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلْيُنْظَرْ هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هَذَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَلْفُوظُ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ. فَإِنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ، وَإِذَا كَانَ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَهِيَ التَّعْظِيمُ إذَا أُرِيدَ الْفِرَارُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَأَنْ يُقَالَ إنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَيَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، لِأَنَّهَا تَحِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَالتَّطْبِيقُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْأَذَى بِمَا يَكْرَهُ «فَذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَهُوَ غِيبَةٌ» سَوَاءٌ أَكَانَ اكْتَسَبَهُ كَالْمَعَاصِي وَالْأَفْعَالِ الرَّذِيلَةِ وَنَحْوِهَا أَمْ كَانَ لَمْ يَكْتَسِبْهُ مِنْ صِفَاتِ بَدَنِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُكْرَهُ؟
وَكُلُّهُ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّ ذِكْرَهُ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ وَلَيْسَ بِمُكْتَسِبٍ لَهُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ غِيبَةٌ، وَعُمُومُ الْآيَةِ مُقْتَضٍ أَنَّهُ بَهْتٌ وَلَا يَبْعُدُ تَخْصِيصُ الْآيَةِ بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْجَرَيَانِ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَهُوَ بَهْتٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُكْتَسَبُ مِنْ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ أَمْ لَا مِنْ الْخَلْقِ وَالصِّفَاتِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكْتَسَبِ يَشْمَلُ مَا يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ، وَقُوَّةُ الْآيَةِ تَقْتَضِي الْبَهْتَ كَبِيرَةً وَيُوَافِقُهُ الْحَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَرَجَ إلَّا مَنْ اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ أَخِيهِ شَيْئًا فَذَلِكَ الَّذِي حَرَجَ وَأَثِمَ» لَكِنَّ الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِالْقَرْضِ، وَظَاهِرُهُ