الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ فَلَيْسَا مِنْ الْقَبَالَاتِ وَلَا يَدْخُلَانِ فِيهَا، وَقَدْ رُخِّصَ فِي هَذَيْنِ وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الْقَبَالَاتِ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَسَأَلَهُ ابْنُ حُنَيْفٍ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَسَمِعْته يَقُولُ لَهُ: وَاَللَّهِ لَأَنْ وَضَعْتَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ مِنْ الْأَرْضِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجْهِدُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ يَأْتِنَا فِي هَذَا حَدِيثٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ. قُلْت: صَحَّ وَضْعُ عُمَرَ رضي الله عنه الدَّرَاهِمَ، وَالْقَفِيزَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ وَصَحَّ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ لَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الْقَبَالَاتِ وَصَحَّ تَفْسِيرُهُ الْقَبَالَاتِ الْمَكْرُوهَةَ وَتَفْسِيرُهَا بِشَيْءٍ مُسَمًّى، وَالتَّرْخِيصُ فِي سُنَنِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ وَأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْقَبَالَاتِ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ الْمُعَامَلَةَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ فِي الشَّجَرِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي الزَّرْعِ، وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ، أَمَّا قَوْلُهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ: ` وَأُلْغِيَ النَّخْلُ، وَالشَّجَرُ فَكَيْفَ تُلْغَى وَفِيهَا حَقُّ خَلَائِقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لِأَجْلِ مَا حَصَلَ مِنْهَا مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَأَنَّ الثَّمَرَةَ كَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فِي الشَّجَرِ فَيُحْتَجُّ بِهِ لِمَنْ يُجَوِّزُ الْمُسَاقَاةَ عَلَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ الدِّرْهَمُ، وَالْقَفِيزُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ، وَالشَّجَرِ جَمِيعًا لِيُنْتَفَعَ بِزَرْعِ الْأَرْضِ وَثَمَرِ الشَّجَرِ وَلَا غَرَرَ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ وَحْدَهَا لِثَمَرِهَا فَقَدْ يَمْنَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْأَرْضُ أَيْضًا قَدْ يَمْنَعُ اللَّهُ تَعَالَى زَرْعَهَا فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الْإِجَارَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِيهَا كَمَا يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا تُسْتَأْجَرُ الشَّجَرُ لِثَمَرِهَا لَا أَجِدُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَلَا دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِهِمَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ وَلَا لِجَوَازِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ) كُلُّ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا بِبَذْرِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَلَّاحًا يَزْرَعُ بِالْمُقَاسَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَعَادَةِ الشَّامِ فَإِنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّامِ وَأَنَا أَرَاهُ وَأَرَى وَجْهَهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفَلَّاحَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْبَذْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَفَ هَذَا وَتَعَدَّى شَخْصٌ عَلَى أَرْضٍ وَغَصَبَهَا، وَهِيَ فِي يَدِ الْفَلَّاحِ فَزَرَعَهَا عَلَى عَادَةٍ لَا نَقُولُ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ بَلْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى حُكْمِ الْمُقَاسَمَةِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ تَنْفَعُ فِي الْأَحْكَامِ.
[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
ِ (مَسْأَلَةٌ) وَفِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ بَلَدًا مِنْ مُقْطِعِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَصُورَةُ مَا كُتِبَ فِي نُسْخَةِ الْإِجَارَةِ لِيَنْتَفِعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ مَقِيلًا وَمُرَاحًا
وَلِلزِّرَاعَةِ إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْأَرْضِ شَرِقَتْ لَمْ يَنَلْهَا الرَّيُّ وَلَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَلَدِ كَامِلَةً.
أَجَابَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَرَتْ عَادَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْوَرَّاقِينَ يَكْتُبُونَهَا حِيلَةً لِتَصْحِيحِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الرَّيِّ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ تَاجَ الدِّينِ بْنَ بِنْتِ الْأَعَزِّ عَلَّمَهَا لَهُمْ، وَقَدْ فَكَّرْت فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ تَاجَ الدِّينِ مُتَضَلِّعٌ بِفِقْهٍ وَعُلُومٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَجْمُوعَةٍ إلَى دِينٍ مَتِينٍ وَصَلَابَةٍ فِي الدِّينِ، وَهُوَ وَوَلَدَاهُ شَامَةُ الْقُضَاةِ الَّذِينَ وُلُّوا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ رحمهم الله وَجَزَاهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَدِينِهِمْ
وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِيجَارُ لِثَلَاثِ مَنَافِعَ مَشْكُوكٍ فِي الثَّالِثَةِ مِنْهَا إنْ خَصَّصْت الشَّرْطَ بِهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، أَوْ فِي جَمِيعِهَا إنْ أَعَدْته إلَى الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إمْكَانِ الزَّرْعِ لَا يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَعْلُومًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ الْوَرَّاقُونَ، وَالشُّهُودُ، وَالْقُضَاةُ، وَالنَّاسُ لِذَلِكَ.
وَطَرِيقُ تَصْحِيحِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ يُقَالَ لِيَنْتَفِعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ فِيمَا شَاءَ مَقِيلًا وَمُرَاحًا وَلِلزِّرَاعَةِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِذَا قَالَ كَمَا قُلْنَاهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ إنْ أَمْكَنَ وَحَذْفُهُ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَالْعِبَارَةِ الْأُولَى إلَّا فِي هَذِهِ عُمُومًا وَهُوَ يَكْفِي كَمَا لَوْ قَالَ لِجَمِيعِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِتَنْتَفِعَ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ جَمِيعُ الْمَنَافِعِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْضِ إنْ عَمَّمَ، وَهُوَ أَوْلَى فَيَقُولُ فِيمَا شَاءَ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ، وَإِنْ عَمَّمَ فِي الْمَنَافِعِ الثَّلَاثِ كَانَ مَنْعًا لِغَيْرِهَا وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَهُ جَمِيعُهَا، وَإِذَا تَعَطَّلَ بَعْضُهَا فَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ، أَمَّا الْعِبَارَةُ الْأُولَى فَلَا عُمُومَ فِيهَا بَلْ هِيَ نَاصَّةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَنَافِعَ إحْدَاهَا، وَهِيَ الزِّرَاعَةُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا قَبْلَ الْوُثُوقِ بِالرَّيِّ، وَمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى الْإِمْكَانِ فَسَدَ لِذَلِكَ، وَإِنْ عَلَّقَهُ فَسَدَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَهَالَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَفْرَدَ وَعَلَّقَ عَلَى الْإِمْكَانِ فَسَدَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْإِجَارَةِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ الرَّيِّ، وَالثَّانِي: تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ بِالْعَقْدِ لَا بُدَّ بِأَنْ تَكُونَ مُخَيَّرَةً مُمْكِنَةً عَقِبَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) فِي جَامِعِ الصَّالِحِ بِبَابِهِ الشَّرْقِيِّ صَدْرُ زُقَاقٍ وَفِي ذَلِكَ الزُّقَاقِ بَابَانِ مُتَقَابِلَانِ فِي الْحَدَّيْنِ الْقِبْلِيِّ، وَالْبَحْرِيِّ فَأَرَادَ النَّاظِرُ عَلَى الْجِدَارِ الْبَحْرِيِّ أَنْ يَدْعَمَهُ بِأَعْمِدَةٍ يَضَعُ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا فِيهِ وَبَعْضَهُ فِي الزُّقَاقِ.
(أَجَابَ) لَا يَجُوزُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ ضَيَّقَ، أَوْ لَمْ يُضَيِّقْ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزُّقَاقَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَانَ مَمَرًّا لِأَصْحَابِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ مَمْلُوكًا لَهُمْ فَلَمَّا وَقَفَ صَاحِبُ
الْجَامِعِ مَكَانَهُ جَامِعًا حَصَلَ الْوَقْفُ فِي الْمَمَرِّ تَبَعًا فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَا يَسْتَحِقُّونَ فِيهِ إلَّا الْمُرُورَ وَلَيْسَ لَهُمْ إيجَارُهُ كَمَا أَنَّ لَهُمْ الْعِبَادَةَ فِي الْجَامِعِ وَلَيْسَ لَهُمْ إيجَارُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا حَقٌّ فِي ذَلِكَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ إذَا لَمْ يُضَيِّقْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيمَا لَمْ يُضَيِّقْ بِهِ لِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ حَالُ الشَّارِعِ الَّذِي كَانَ مِلْكًا لِشَخْصٍ خَاصٍّ وَقَفَهُ شَارِعًا لِلْمُرُورِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّارِعِ الَّذِي هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ نَصْبِ الشَّرِكَةِ فِيهِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَكَوْنُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَوَّلًا، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، يَصْلُحُ أَنْ نَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَفِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
(مَسْأَلَةٌ) مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ فِي شَخْصٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى، أَوْلَادِهِ وَشَرَطَ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَعْقِدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى بَعْضِهِ عَقْدًا إجَارَةً ثَانِيَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَيَعُودَ إلَى يَدِ النَّاظِرِ وَلَا يَتَحَيَّلُ عَلَى ذَلِكَ فَقِيهٌ بِحِيلَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ يَوْمئِذٍ عِشْرِينَ سَنَةً هِلَالِيَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فِي عِشْرِينَ عَقْدًا كُلُّ عَقْدٍ مِنْهَا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا ثُمَّ أَقَرَّ النَّاظِرُ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ إقْرَارًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي مَنَافِعِ الْمَأْجُورِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ فِيهِ مَنْعَ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى فِيهِ حَقًّا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا أُجْرَةً وَلَا إجَارَةً وَلَا اسْتِحْقَاقَ مَنْفَعَةٍ وَلَا دَعْوَى وَلَا طَلَبَ بِوَجْهٍ وَلَا سَبَبٍ وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَأْجُورِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْتَأْجِرُ اسْتِحْقَاقًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا بِطَرِيقَةٍ صَحِيحَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهَلْ يَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَمْ لَا نَحْكُمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَدْثُرْ الْوَقْفُ وَلَمْ يَنْهَدِمْ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَهَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ الْمُعَيَّنِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُقِرُّ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِيمَا زَادَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
(أَجَابَ) رضي الله عنه هَذِهِ الْأُمُورُ مُلْتَبِسَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ أُمُورٍ بَاطِلَةٍ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ وَجْهًا مِنْ الصِّحَّةِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ، وَإِنَّ الْمُقِرَّ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْطَى لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ مَعَهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
(مَسْأَلَةٌ) وَقَعَتْ فِي الْمُحَاكَمَاتِ رَجُلٌ أَجَّرَ دَارًا ثُمَّ بَاعَهَا لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَالْبَائِعُ الْإِجَارَةَ هَلْ يَرْجِعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَالَ
الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ إنْ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ عَقْدٌ فَالْمَنَافِعُ تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا فَسْخٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَعُودُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ دَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ بِلَا خِلَافٍ.
قُلْت وَقَوْلُهُ بِلَا خِلَافٍ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْخِلَافِ فِي الْإِقَالَةِ فَفِي وَجْهٍ هِيَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي وَجْهٍ هِيَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَشْهُورَانِ فِي الْإِقَالَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِيهَا الرَّافِعِيُّ وَلَكِنَّ الرَّفْعَ مِنْ حِينِهِ فِيهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَصَحَّ فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ خَرَجَ لَنَا وَجْهٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي أَنَّ بَقِيَّةَ الْمَنَافِعِ يَرْجِعُ بِالْإِقَالَةِ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ كَمَا هُوَ جَارٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيهِمَا ضَعِيفًا، أَوْ قَوِيًّا فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ فَلَا يَتَأَتَّى، وَأَمَّا عَوْدُهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فَلَا شَكَّ فِيهِ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا تَصْحِيحُ الْمُتَوَلِّي عَلَى قَوْلِنَا بِالْفَسْخِ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَبِحَسَبِ مَا بَنَاهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ هَلْ يَسْلَمُ لَهُ هَذَا التَّصْحِيحُ، أَوْ لَا انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّ الْفَسْخَ كَأَنْ يُرَدَّ بِعَيْبٍ ظَهَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْأَصْلُ، وَالْقَوْلُ رُجُوعُ الْمَنَافِعِ فِيهَا إلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا أَظُنُّ وَخَالَفَهُ أَبُو زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ يَقْتَضِيهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَاسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِثْلُهَا.
وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ تُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَإِنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ صَحِيحٌ فَلَا، لِأَجْلِ ذَلِكَ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي التَّصْحِيحِ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ صِحَّتُهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ الْمَرَاوِزَةَ فِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا فِي تَصْحِيحِهِ أَكْثَرَ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ، وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ طَلَاقِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ حَيْثُ تَعُودُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَى الْمُشْتَرِي بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ لِلزَّوْجِ بِالتَّزْوِيجِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَإِذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّزْوِيجِ انْتَقَلَ بِالْبَيْعِ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ مِلْكُهُ لِلْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ مَعَ مِلْكِهِ كَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهِ فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي.
فَإِذَا زَالَ حَقُّ زَوْجِ الْأَمَةِ زَالَتْ الْمَنَافِعُ فَعُمِلَ بِالْمُقْتَضَى وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَرَّةِ
كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْبَيْعُ اعْتَمَدَ رَقَبَةً مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ يُمْلَكُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ طَلَاقِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَرْقًا، وَالْعَوْدُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي طَلَاقِ الْأَمَةِ، أَوْضَحُ وَلَا رِيبَةَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ، أَمَّا الْإِجَارَةُ فَهِيَ فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ وَلَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ فِيهَا إلَى تَصْحِيحِ الرُّجُوعِ إلَى الْبَائِعِ تَصْحِيحًا ظَاهِرًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ الْإِلْحَاقُ بِوَجْهٍ آخَرَ خَفِيٍّ، وَإِنْ قَصُرَتْ رُتْبَتُهُ عَنْهُ فَقَدْ يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ أَظْهَرَ وَأَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ بِكَثِيرٍ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ أَقُولُ: إنَّ الْإِجَارَةَ إذَا انْفَسَخَتْ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ بِإِقَالَةٍ وَقُلْنَا: إنَّهَا فَسْخٌ، أَوْ غَيْرُهُمَا ارْتَفَعَ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْفَسْخِ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهُ رَفْعًا مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ وَمُقْتَضَى ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ ارْتِفَاعُ أَحْكَامِهِ فَلَوْ أَعَدْنَا الْمَنَافِعَ إلَى الْبَائِعِ لَصَارَ مَالِكًا لَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَيْسَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تُمْلَكُ بِطَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ إجَارَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ الْعَقْدُ مُسْتَمِرُّ الْحُكْمِ، وَالْغَرَضِ هُنَا أَنَّهُ ارْتَفَعَ حُكْمُهُ فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا الْبَائِعُ، نَعَمْ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرَاوِزَةُ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ مِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ حِينَئِذٍ بِعَقْدِهِ الْأَوَّلِ السَّابِقِ عَلَى بَيْعِهِ إنَّمَا نَقَلَ بَعْضَ حُكْمِهِ لَا جَمِيعَهُ فَلَا جَرَمَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَبِي زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ مَرْوَزِيٌّ، وَمِنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِطَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ، وَمِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ إذَا تَبِعَهُمْ، عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ وَلَمْ يَرْتَضِ إلْحَاقَ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِاسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَمَالَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ.
وَقَالَ: إنَّ الْحُكْمَ بِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُنَافِي إجْرَاءَ الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِنَّ الْقِيَاسَ فَسَادُ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْلَا وُرُودُ خَبَرٍ فِيهِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَاسْتِثْنَاءِ ظَهْرِ جَمَلِهِ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَهَذَا الْخَبَرُ قَدْ أَجَابَ النَّاسُ عَنْهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّقَ بِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ قَوْلِنَا بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَصِحُّ فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ.
وَاَلَّذِي يَلُوحُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ بِإِطْلَاقِهِ يَعْتَمِدُ الرَّقَبَةَ، وَالْمَنْفَعَةُ تَابِعَةٌ لَهُمَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَالْإِجَارَةُ مَانِعَةٌ، فَإِذَا انْفَسَخَتْ زَالَ الْمَانِعُ فَعُمِلَ بِالْمُقْتَضَى كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا تَقُولُ: مَنْ بَاعَ عَيْنًا فَقَدْ بَاعَهَا وَمَنَافِعَهَا بَلْ إنَّمَا يَرِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ يَحْدُثُ فِيهَا مَنَافِعُ، فَإِنْ وَجَدَتْ مُسْتَحِقًّا بِعَقْدٍ تُعَارِضُ كَوْنَهَا لِصَاحِبِ الْعَيْنِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا بِيعَتْ
الْعَيْنُ فَيَمْلِكُهَا صَاحِبُ الْعَيْنِ فَلَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا وَلَا بَاعَ عَيْنًا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ بَلْ بَيْعُهُ مُطْلَقٌ مُقْتَضٍ لِمِلْكِ كُلِّ مَا هُوَ تَابِعٌ لِلْعَيْنِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ مُعَارِضٌ وَبِالْفَسْخِ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بَلْ أَقُولُ: إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَشَرَطَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَأْجُورَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي بَقَاءَهَا لَهُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ.
وَهَذَا فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا سَاقَ إلَيْهِ الْبَحْثَ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ تَحْقِيقِهِ فِي كَوْنِ الرَّفْعِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِهِ ارْتِفَاعُ جُمْلَةِ الْآثَارِ وَارْتِفَاعُ الْآثَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالِارْتِفَاعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِالِارْتِفَاعِ مِنْ حِينِهِ، وَالْمُرْتَفِعُ هُوَ الْجُمْلَةُ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ الْجُمْلَةُ الْمَاضِيَةُ، وَالْمُسْتَقْبِلَةُ وَفِي الثَّانِي الْجُمْلَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ كُلُّهَا حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْآنَ.
وَالرَّفْعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا هُوَ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الْفَسْخِ، وَالْأَثَرُ لَا يَسْبِقُ الْمُؤَثِّرَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ بِالْفَسْخِ عَلَى الْقَوْلِ بِالِارْتِفَاعِ مِنْ أَصْلِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَحْسُوسِ، وَالْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ رُجُوعِ الْحَالِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبَقَاءُ الْمَنَافِعِ عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَانْدِرَاجُهَا تَحْتَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَلَا شَكَّ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ آثَارِ بَيْعِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقِ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً قَبْلَ وُجُودِهَا وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَلَامًا كَثِيرًا لَا حَاجَةَ بِنَا هُنَا إلَى تَحْقِيقِهِ بَلْ مَا ذَكَرْنَا يَكْفِي عَلَى كُلِّ تَقْدِيرِ فَرْضٍ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهَا تَهَيُّؤُ الْعَيْنِ لِذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي قُصِدَ مِنْهَا فَالدَّارُ مُتَهَيِّئَةٌ لِلسُّكْنَى، وَالتَّهَيُّؤُ مَوْجُودٌ الْآنَ وَتَتَوَالَى أَمْثَالُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَيُسَلِّمُهَا الْمُسْتَأْجِرُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ لِسُكْنَاهُ أَمْرٌ ثَالِثٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ التَّهَيُّؤِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الدَّارِ وَبَيْنَ سُكْنَاهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الثَّالِثُ هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهِيَ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ جَمِيعِهَا بَلْ جُزْءٌ مِنْهَا، وَهَلْ يَقُولُ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ أَوْلَى قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهَا لَا يُقَالُ إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ كَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِد الْإسْفَرايِينِيّ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْمِلْكِ إلَّا جَوَازَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا فَكَانَتْ مَمْلُوكَةً وَلَك أَنْ تَقُولَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ وَتَقْدِيرُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَنْوِيعٌ عَنْهَا وَتَنْزِيلُهَا مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكِ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَغَرَضُنَا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ حَاصِلٌ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْمُتَوَلِّي رحمه الله بَنَى الْوَجْهَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ إنْ قُلْنَا مِنْ أَصْلِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَكُنْ فَاسْتَحَقَّهَا الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ السَّابِقِ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ حِينِهِ فَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَالَةَ الرَّدِّ مَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَقُولُ: إنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ عَيْنًا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ لَكَانَتْ الْمَنَافِعُ تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْإِجَارَةَ ارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ نَقْلَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَلَمَّا قَالَ الْمُتَوَلِّي بِرُجُوعِهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْلُوبَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ أَقُولُ: إذَا قُلْنَا الرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَالَةَ الرَّدِّ مَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا بِسَبَبٍ يُوجَدُ حَالَةَ الرَّدِّ وَرَدَ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ رُفِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِسَبَبِ حَالَةِ الرَّدِّ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَى الْمُشْتَرِي فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْبَيْعُ الْمُتَقَدِّمُ سَبَبٌ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْإِجَارَةَ مَنَعَتْ مِنْهُ، فَإِذَا زَالَتْ عَمِلَ الْمُوجِبُ عَمَلَهُ فَيَقُولُ الْمُتَوَلِّي حَالَةَ الرَّدِّ مُسْتَدْرِكٌ، وَإِذَا أَسْقَطَهُ لَمْ يَنْهَضْ دَلِيلُهُ ثُمَّ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ لِإِنْسَانٍ وَبِالرَّقَبَةِ لِآخَرَ ثُمَّ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَالْمَنَافِعُ تَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ، أَوْ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ: إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ لِإِخْرَاجِهَا بِالتَّبَعِيَّةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ثُمَّ هَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَسَكَتَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا لَهُ، أَوْ لِلْوَرَثَةِ تَكُونُ الْمَنَافِعُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لَهُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِنْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَعْطَى الرَّقَبَةَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ دُونَ مَنْفَعَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ لَفْظِ الْمُوصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالرُّجُوعُ هُنَا لِلْوَرَثَةِ أَوْضَحُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَصْلًا نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ: إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِرَقَبَةٍ بِلَا مَنْفَعَةٍ وَلِآخَرَ بِالْمَنْفَعَةِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْقَطْعُ بِرُجُوعِهَا لِلْوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِوَاحِدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ فَيَكُونُ مُحَلَّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ أَبْطَلَ أَثَرَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ فَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى إطْلَاقِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ
الرُّجُوعَ خِلَافَ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ ثُمَّ، أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ فَهَلْ نَقُولُ: إنَّهُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى، أَوْ هُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَبِالْجُمْلَةِ خَرَجَتْ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ عَنْ نَظَرِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَنْ نَحْنُ فِيهِ، وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ بِعَيْبٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ قُلْنَا: الْعَبْدُ يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِالْأُجْرَةِ فَهَلْ تَرْجِعُ الْمَنَافِعُ إلَيْهِ، أَوْ إلَى السَّيِّدِ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قُلْت: وَقَدْ بَانَ مِمَّا قُلْنَاهُ حُكْمُهُ، وَإِنَّ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ تَرْجِعُ الْمَنَافِعُ إلَى الْعَتِيقِ لَا إلَى السَّيِّدِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي الرَّوْضَةِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ حَكَى ذَلِكَ، وَالْوَجْهَ الْمُقَابِلَ لَهُ، وَقَالَ: إنَّهُمَا عَلَى الْجَدِيدِ، وَإِنَّ عَلَى الْقَدِيمِ تَكُونُ لِلْعَتِيقِ ثُمَّ قَالَ: كَانَ مُمْكِنٌ أَنْ يُقَالَ: تَكُونُ لَهُ إنْ كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ دُونَهَا إذَا أَوْجَبْنَاهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا إلَّا بِقَدْرِ الْمَنْفَعَةِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ: وَإِذَا حَصَلَ الِانْفِسَاخُ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِأُجْرَةِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلْيَكُنْ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ نَاقِصَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ بَدَلُهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي ظَنِّي، وَالْأَصْلُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافُ يَأْبَاهُ.
قُلْت: إذَا أَعَدْنَا الْمَنْفَعَةَ لِلْبَائِعِ فَلَا شَكَّ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَدْنَاهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَتْبِعَةِ لِلْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ إمَّا بِالْعَيْبِ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِمَّا بِالْإِقَالَةِ الَّتِي رَضِيَ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
أَمَّا كَوْنُ الْبِنَاءِ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ: فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ عَلَى مِلْكِ الْآجِرِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ فَتَعُودُ بَعْدَ الْفَسْخِ إلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْآجِرِ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَتَعُودُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِنْدَ دَوَامِ الْإِجَارَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِهَا، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ، وَهُوَ تَعَلُّقُهُ تَبِعَتْ الْمِلْكَ.
قُلْتُ: لَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنِّي قَدْ قَرَّرْتُ أَنْ أَقُولَ الْبُطْلَانُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخَرَّجًا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْآجِرِ وَهَذَا يُنَاقِضُهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ مِثْلَ الْخِلَافِ مَذْكُورٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ يُقَالَ عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ: إنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ