المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن] - فتاوى السبكي - جـ ١

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ]

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ]

- ‌[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْت]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ فِي إعْرَابِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا]

- ‌[الْفَهْمُ السَّدِيدُ مِنْ إنْزَالِ الْحَدِيدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[محدث غمس يَده فِي مَاء كَثِير غمسة وَاحِدَة هَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّثْلِيث]

- ‌[مسح الصِّمَاخَيْنِ بِمَاء جَدِيد]

- ‌[الهرة إذَا أَكَلت فارا وولغت فِي مَاء قليل]

- ‌[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ هَلْ تُقْضَى]

- ‌[اشتبه مَاء طَاهِر بِمَاء نجس]

- ‌[الفرق بَيْن مطلق الْمَاء وَالْمَاء المطلق]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]

- ‌[الْكَافِر إِن جن قَبْل الْبُلُوغ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[إشْرَاقُ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهِلَالَ إذَا غَابَ بَعْدَ الْعِشَاءِ]

- ‌[حِفْظُ الصِّيَامِ مِنْ فَوْتِ التَّمَامِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ]

- ‌[تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَيْع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون]

- ‌[بَيْع الرَّهْن وتلف الثَّمَن]

- ‌[فَصْلٌ مُنَبِّهُ الْبَاحِثِ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ]

- ‌[بَيْع التَّرِكَة قَبْل وفاء الدِّين]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[رَجُلٌ هَدَمَ جِدَارَ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ الْهَدْمِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ إذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّك مَا أَقَرَّك اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مُصَنَّفَاتٌ فِي مِيَاهِ دِمَشْقَ وَإِجْرَائِهَا وَحُكْمِ أَنْهَارِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

الفصل: ‌[قوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن]

بَعْضُ النُّحَاةِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَيْ انْتِفَاءُ وَإِمَّا أَنْ يُؤْخَذَ الْفِعْلُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُنْتَفِيًا وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ يَأْتِي مِثْلُهُمَا فِي قَوْلِك لَا يَقُومُ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدٌ أَحَدُهُمَا الْمَعْنَى أَنَّ قِيَامَ الْقَوْمِ غَيْرُ زَيْدٍ مُنْتَفٍ إمَّا بِقِيَامِهِمْ جَمِيعِهِمْ وَإِمَّا بِقِيَامِهِ وَالثَّانِي قِيَامُهُ وَعَدَمُ قِيَامِهِمْ. وَلَمْ يَأْتِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ فِي سَائِرِ تَعَلُّقَاتِ الْفِعْلِ مِنْ الظُّرُوفِ وَالْحَالِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُمَا فِي الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الصِّفَةِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُفْرَدِ لَا بِالنِّسْبَةِ وَلَا بِالشَّرْطِ؛ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالنِّسْبَةِ لِأَنَّ لَهُ صَدْرَ الْكَلَامِ انْتَهَى. وَمِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا رحمه الله قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قَالَ: كُنْت أَظُنُّ أَنَّهُ قَرِينَةٌ فِي إفَادَةِ الْوَطْءِ، كَقَوْلِهِمْ: نَكَحَ زَوْجَتَهُ إذَا وَطِئَهَا. وَنَكَحَ امْرَأَةً إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا. ثُمَّ رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ صَحِيحَةً، لَكِنَّ ذَلِكَ إذَا قَالَ زَوْجَتُهُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ.

أَمَّا نَكَحَ زَوْجَتَهُ فَلَا، بَلْ يَصِحُّ بِمَعْنَى نَكَحَ امْرَأَةً كَقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» فَإِنْ قُلْت: قَدْ يُقَالُ: اشْتَرَيْت عَبْدِي هَذَا، وَالْمُرَادُ الْعَقْدُ فَلِمَ لَا يُقَالُ: نَكَحْت زَوْجَتِي هَذِهِ وَالْمُرَادُ الْعَقْدُ؟ قُلْت: إذَا أُرِيدَ الْإِخْبَارُ بِأَصْلِ الشِّرَاءِ أَوْ أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: عَبْدِي وَلَا زَوْجَتِي لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَإِنَّمَا يُقَالُ: اشْتَرَيْت هَذَا وَتَزَوَّجْت هَذِهِ أَوْ نَكَحْتهَا، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا أُرِيدَ الْإِخْبَارُ بِأَمْرٍ زَائِدٍ، كَقَوْلِك: اشْتَرَيْت عَبْدِي هَذَا فَأَنْفَقْت مِنْهُ كَذَا أَوْ نَكَحْت زَوْجَتِي هَذِهِ فَحَمِدْت عِشْرَتَهَا، فَمَحَطُّ الْفَائِدَةِ هُوَ الثَّانِي انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِهَا مَبَاحِثُ كَثِيرَةٌ جَرَى الْبَحْثُ فِي بَعْضِهَا الْآنَ فِي بَعْضِ الدُّرُوسِ فَنَذْكُرُهُ. الْأَوَّلُ (الْجُنَاحُ) لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ هُنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ الْإِثْمُ، فَإِنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ لَا إثْمَ فِيهِ مُطْلَقًا؛ وَطَلَاقَ الْمَمْسُوسَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِدَّةِ. فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ أَثِمَ. وَتَفْسِيرُ الْجُنَاحِ بِالْإِثْمِ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ. فَإِنَّ الْجَوْهَرِيَّ وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْجُنَاحُ الْإِثْمُ وَأَصْلُ الْجُنَاحِ الْمَيْلُ، وَسُمِّيَ الْإِثْمُ جُنَاحًا لِأَنَّ فِيهِ مَيْلًا عَنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ. إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَيْلَ أَعَمُّ مِنْ الْإِثْمِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يُشْبِهُهُ، لِأَنَّ الْمَيْلَ الْمَحْسُوسَ أَوْ الْمَعْقُولَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَكُونَ

ص: 24

هُوَ الْحَقِيقَةُ، لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْمَيْلُ إلَى الْإِثْمِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ فَتَسْمِيَتُهُ بِهِ لِأَجْلِ الْمُشَابَهَةِ، الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمُفَسِّرِينَ أَنَّ (الْجُنَاحَ) هُنَا التَّبَعَةُ؛ أَيْ لَا تَبَعَةَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِمَهْرٍ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ. وَإِطْلَاقُ الْجُنَاحِ عَلَى التَّبَعَةِ يُظْهِرُ أَنَّهُ لِمَا فِي التَّبَعَةِ مِنْ الْمَيْلِ أَيْضًا، لِأَنَّ التَّابِعَ يَمِيلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: التَّبَعَةُ أَعَمُّ فَيَقْتَضِي نَفْيُهَا نَفْيَ الْإِثْمِ وَالْمُطَالَبَةَ جَمِيعًا.

الْمَبْحَثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 236] جُمْلَةٌ تَامَّةٌ قَدْ وَلِيَهَا شَرْطٌ وَالْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَزَاءً لَهُ بَلْ دَلِيلَ الْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَهُ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى تَصْنِيفِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ أَبِي الْيَمِينِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكِنْدِيِّ قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ:

(مَسْأَلَةٌ) عُرِضَتْ عَلَيَّ بِدِمَشْقَ مَنْسُوبَةً إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ طَلَّقْتُك وَقَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي شُرُوحِهِ. وَلَمْ يَرَهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ وَلَا فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ بَعْدَهُ، وَلَا وَجَدْنَاهَا أَيْضًا فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَمَّا عَدِمْنَا ذَلِكَ اسْتَضَأْنَا بِآرَاءِ الْفُقَهَاءِ فَرَأَيْنَاهَا مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يَقْدِرُوا فِيهَا عَلَى نَصٍّ مَرْفُوعٍ إلَى إمَامٍ، فَضَعُفَ التَّعْوِيلُ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ الْفُتْيَا. وَأَنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَذْكُرُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرَبِيَّةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ اتِّبَاعُهُ أَمَّا الْحُكْمُ فِي طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِتَقْدِيمِ الْفِعْلِ الْمَاضِي عَلَى الشَّرْطِ فَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الشَّرْطِ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ إذَا وَقَعَ قَبْلَ حَرْفِ الشَّرْطِ كَانَ ثَابِتًا؛ وَمَا ثَبَتَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ جَوَابَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُقُوعِهِ مَعْدُومًا وَوُقُوعُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.

وَالْمَاضِي قَبْلَهُ قَدْ وَقَعَ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يُوثَقُ بِعِلْمِهِ أَنْ يَقُولَ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ؛ وَلَكِنْ أَقُومُ إنْ قُمْتَ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مَحْمُولًا عَلَى الْفِعْلِ الْمُقَدَّمِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] فِي قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ " إنْ " قِيلَ: الْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ قَالَ فِي التَّذْكِرَةِ مَنْ كَسَرَ إنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْصِبَ امْرَأَةً بِأَحْلَلْنَا وَلَكِنْ بِ " نَحَلَ " امْرَأَةً كَقَوْلِهِ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ} [هود: 34] وَقَالَ فِي الْبَصْرِيَّاتِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ فِي قَوْله تَعَالَى

ص: 25

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّهُ قَالَ: فَالْوَصِيَّةُ.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَأَنَّهُ قَالَ فَلْيَقُلْ هَذَا وَلَمْ يَجْعَلْ " كُتِبَ " مُقَدَّمًا مُغْنِيًا عَنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّ " كُتِبَ " وَاجِبٌ فَقَدْ ثَبَتَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ فِي جَوَابِ الْجَزَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا مَا يَقَعُ بِوُقُوعِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْبُحُ ضَرَبْتُك إنْ جِئْتنِي، وَلَا يَقْبُحُ أَضْرِبُك إنْ جِئْتنِي، فَلَمَّا كَانَ " كُتِبَ " وَاجِبًا اُسْتُقْبِحَ أَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ: إنْ تَرَكَ خَيْرًا كَتَبَهُ وَالْكِتَابُ قَدْ وَقَعَ، فَجَعَلْت الْجُمْلَةَ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ الْجَوَابَ، وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالْخَبَرِ تَفْسِيرًا لِكُتِبَ كَمَا أَنَّ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [المائدة: 9] تَفْسِيرٌ لِلْوَعْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [المائدة: 9] وَنَصَّ الْمَازِنِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ، وَلَكِنْ أَقُومُ إنْ قُمْتَ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يُقَدَّرُ الْمَاضِي تَقْدِيرَ الْآتِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ:

يَا حَكَمَ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ

أُوذِيت إنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ أَلْمَعِيَّتِك

فَالْمَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْآتِي بِدَلِيلِ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْتَ إنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالشَّاهِدِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا قَرُبَ قُرْبًا شَدِيدًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُهْلَةٌ وَلَا تَرَاخٍ كَقَوْلِهِمْ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " فَإِنْ دَخَلَهُ التَّرَاخِي لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا قَوْلُ رُؤْبَةَ أُوذِيت إنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ أَلْمَعِيَّتِك كَأَنَّهُ مِنْ مُقَارَنَتِهِ فِي الْخَيَالِ فِي حَالِ مَنْ قَدْ غَشِيَهُ ذَلِكَ. وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَمْعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَمَّا الْفَرْقُ فَطَلَّقْتُك حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُؤَاخَذُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ شَرْعًا. وَقُمْت إنْ قُمْت لَا مُبَالَاةَ بِاطِّرَاحِهِ. وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُمَا عَلَى صُورَةِ الثُّبُوتِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُحْمَلَا عَلَى مَا بَعْدَ الشَّرْطِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: أَنَّ قَائِلَهُمَا لَيْسَ فِي حَالِ مَنْ قَدْ غَشِيَهُ الْأَمْرُ مِنْ شِدَّةِ مُقَارَنَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ مُخْبِرًا أَوْ مُنْشِئًا فِي لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الثُّبُوتِ وَالْوُقُوعِ؛ إلَّا أَنَّ الْخَبَرَ يَخْتَصُّ بِمَا انْقَضَى بِانْقِضَاءِ الزَّمَانِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِهِ، وَالْإِنْشَاءُ يَخْتَصُّ بِالْإِيجَادِ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِدَلِيلِ الْحَالِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ وَالدُّعَاءَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الِاسْتِعْلَاءُ وَالْخُضُوعُ انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْكِنْدِيِّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك، فَالْحُكْمُ فِيهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الدُّخُولِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا وَعْدٌ.

فَالْجَوَابُ: إنَّهُ وَإِنْ أَشْبَهَ الْوَعْدَ فَإِنَّهُ مُضَادٌّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ صُورَةَ الْوَعْدِ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ تَفْتَقِرُ إلَى إيجَادٍ مِنْ الْوَاعِدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، مِثْلَ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ. " وَطَلَّقْتُك " حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الزَّوْجَةِ وَتَتَّصِفُ

ص: 26

بِهِ عِنْدَ دُخُولِهَا الدَّارَ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إيقَاعٍ مُحَدَّدٍ. انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْكِنْدِيِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَمْ يُصِبْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَالْحَقُّ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِيهِمَا.

وَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأُولَى يَقَعُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ وَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ. وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ أَصْلًا إلَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَحِينَئِذٍ يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَلَا يُسَاعِدُ الْكِنْدِيَّ عَلَى مَا قَالَهُ نَحْوٌ وَلَا فِقْهٌ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عليه السلام وَقَوْمِهِ {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: 89] وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] وَبِئْسَ فِعْلٌ مَاضٍ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَالَ تَعَالَى {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ مُرْتَبِطٌ فِي الْمَعْنَى بِمَا قَبْلَهُ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «خِبْتُ وَخَسِرْتُ إنْ لَمْ أَعْدِلْ» وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه:

عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا

تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءٌ

وَقَالَ " ثَكِلَتْهُ إنْ لَمْ يَسُدَّ إلَّا قَوْمَهُ " وَقَالَ الْمَلَاعِنُ: " كَذَبْتُ عَلَيْهَا أَنْ أَمْسَكْتُهَا: وَقَالَ طُلِّقْتِ إنْ لَمْ تَعْلَمِي أَيُّ فَارِسٍ حَلِيلُكِ.

وَقَالَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكِ إنْ شِئْتِ أَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْكِنْدِيِّ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا. وَهَذِهِ الشَّوَاهِدُ كُلُّهَا تَرُدُّ مَا قَالَهُ. وَالنَّظَرُ أَيْضًا يَرُدُّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ تَعْلِيقُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي أَوْ بِالْمُضَارِعِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِالْمَاضِي ذَلِكَ صَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَيْت شِعْرِي كَيْفَ سَاغَ لِلْكِنْدِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْآنَ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُؤَاخَذُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ شَرْعًا، إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَقَدْ نَفْرِضُهُ فِيمَنْ

ص: 27

يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ وَقَالَ ذَلِكَ عَقِبَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْهُ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ أَعْنِي تَعْلِيقَهُ فَيَبْقَى إنْشَاءً بِلَا تَعْلِيقٍ فَيَقَعُ الْآنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْكِنْدِيِّ، لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُهُ بِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَاضٍ وَجَبَ وَثَبَتَ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ.

فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى لَا إلَى الصِّنَاعَةِ، وَكَيْفَ يُوقَعُ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخِطَابِ بِحَسَبِ صِنَاعَةِ النَّحْوِ وَلَا يُنْجَزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْآنَ بَلْ يُوقِعُهُ إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ اعْتِبَارًا بِقَصْدِهِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ فَهَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ خَطَأً مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ بَلْ صَوَابًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الِالْتِبَاسُ عَلَى الْكِنْدِيِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ تَارَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِنْشَاءُ بِوَجْهٍ بَلْ يَكُونُ خَبَرًا مُعَيَّنًا فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، كَقَوْلِهِ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ إذَا قَصَدَ بِالْأَوَّلِ الْإِخْبَارَ بِالْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَارَةً يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِنْشَاءُ كَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْخَبَرِ.

فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءُ بَلْ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي صَرَائِحِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ إنْ طَلَّقْتُك صَرِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ وَيَكُونُ قَدْ نَقَلَ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَعْلِيقِهِ، بَلْ أَقُولُ: إنْ قُمْت وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الْخَبَرُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ الْمَاضِيَ الثَّابِتَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} [الأعراف: 89] لِأَنَّ الِافْتِرَاءَ مُنْتَفٍ قَطْعًا غَيْرَ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ وَجَعْلُ الْعَوْدِ كَالْمُسْتَحِيلِ لِاسْتِلْزَامِهِ هَذَا الْمَحْذُورَ، وَهُوَ الِافْتِرَاءُ الَّذِي يَشُكُّ فِي عَدَمِهِ، فَصَارَ الْفِعْلُ الْمَاضِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ يُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ الْمَاضِي الْمُحَقَّقُ، فَلَا تَعْلِيقَ فِيهِ أَصْلًا وَلَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا وَقَعَ لَا يُعَلَّقُ؛ وَقِسْمٌ يَظْهَرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ كَطَلَّقْت فَهَذَا الْأَظْهَرُ فِيهِ جَانِبُ قَبُولِ التَّعْلِيقِ حَتَّى يَصْرِفَهُ صَارِفٌ. وَقِسْمٌ عَكْسُهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ بِعَكْسِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَوْلُ الْفَارِسِيِّ وَالْمَازِنِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ النُّحَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ إذَا أُرِيدَ أَصْلُ وَضْعِهِ

ص: 28

وَهُوَ الْحَالَةُ الْغَالِبَةُ عَلَيْهِ فَحَكَمُوا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ. فَتَسْوِيَةُ الْكِنْدِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ ثُمَّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ، وَمَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لَا يُعَلَّقُ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: أَنَا قَائِمٌ فِي الْحَالِ إنْ قُمْت، إلَّا أَنْ تَقُولَ إنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ صَالِحٌ لِلِاسْتِقْبَالِ، فَالتَّعْلِيقُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُك كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاضِيَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ.

عَلَى أَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَاضِيَ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ بَلْ أُرِيدَ بِهِ الْإِنْشَاءُ النَّاجِزُ الْوَاقِعُ فِي الْحَالِ، وَالْمُعَلَّقُ هُوَ أَثَرُهُ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنْشَأِ بِحَسَبِ مَا أَنْشَأَهُ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَقَعُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ، فَالْمَاضِي هُوَ التَّطْلِيقُ وَالْإِيقَاعُ وَالْمُعَلَّقُ هُوَ الطَّلَاقُ وَالْوُقُوعُ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي طَلَّقْتُك أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفُ النَّاجِزُ مِنْ الزَّوْجِ، وَالثَّانِي أَثَرُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالْأَوَّلُ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ لَا يُمْكِنُ تَأَخُّرُهُ، وَالثَّانِي طَلَاقٌ وَوُقُوعٌ هُوَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ وَيَتَعَلَّقُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِك: اضْرِبْ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَفِي اضْرِبْ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا إنْشَاءٌ، لِأَنَّهُ فِعْلُ أَمْرٍ، وَفِعْلُ الْأَمْرِ إنْشَاءٌ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا يَتَأَخَّرُ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ.

وَلَيْسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ظَرْفًا لَهُ، إذْ لَوْ كَانَ ظَرْفًا لَهُ لَزِمَ تَأَخُّرُهُ، وَالثَّانِي الْمَصْدَرُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعَلَّقُ الْمَظْرُوفُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَوْلُ النُّحَاةِ: أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعْمُولٌ لَا ضَرْب: فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ وَمُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْصِحْ عِبَارَتُهُمْ بِهِ، وَبِهَذَا يَنْحَلُّ لَك وَيَظْهَرُ أَنَّ (أَحْلَلْنَا) عَامِلٌ فِي " امْرَأَةً مُؤْمِنَةً " عَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ فِي " إنْ وَهَبَتْ " فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. فَإِنَّ " أَحْلَلْنَا " فِيهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِحْلَالُ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَا يَقْبَلُ التَّعَلُّقَ مِنْ هَذَا الظَّرْفِ، وَالثَّانِي الْحِلُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ وَهُوَ مِنْ هَذَا الظَّرْفِ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَهُوَ الْمَشْرُوطُ بِالْهِبَةِ فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ عَلَى الْكِنْدِيِّ وَلَا غَرْوَ أَنْ يَخْفَى عَلَى الْفَارِسِيِّ.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 180] فَإِنْ جَوَّزْنَا حَذْفَ الْفَاءِ مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ اسْمًا وَهُوَ أَضْعَفُ الْوَجْهَيْنِ فَصَحِيحٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْكِنْدِيِّ وَالْفَارِسِيِّ، وَلَا عَلَيْهِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ هُوَ الْمَكْتُوبُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ هِيَ التَّكْلِيفُ وَالتَّكْلِيفُ مُتَقَدِّمٌ فِي الْأَزَلِ وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمُعَلَّقُ؛ أَوْ تَعَلُّقُ التَّكَالِيفِ هُوَ الْمُعَلَّقُ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَوَّزْنَا حَذْفَ الْفَاءِ مِنْ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَيُحْتَمَلُ فِي

ص: 29

الْآيَةِ وَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ الْوَصِيَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] شَرْطَانِ مُتَوَسِّطَانِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ؛ وَيَكُونُ الْجَوَابُ " كُتِبَ " مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِكُتِبَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُحْتَمَلُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ " إذَا " ظَرْفٌ مَحْضٌ، أَيْ كُتِبَ وَقْتَ الْحُضُورِ، وَقَوْلُهُ " إنْ تَرَكَ " شَرْطٌ إمَّا تُقَدَّرُ الْفَاءُ فِي الْوَصِيَّةِ جَوَابًا لَهُ، وَإِمَّا مَحْذُوفُ الْجَوَابِ وَالْوَصِيَّةُ مَفْعُولٌ كَمَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ الْكِتَابَةُ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ؛ وَعَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ تَكُونُ الْكِتَابَةُ مُتَقَدِّمَةً، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأُصُولِ؛ فَقَوْلُ الْأَخْفَشِ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ أَزَلِيٌّ، وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ أَوْ تَعَلُّقُهُ حَادِثٌ، وَيَكُونُ الْحَادِثُ عِنْدَ الشَّرْطِ التَّعَلُّقَ. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ عُدْنَا إلَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] فَنَقُولُ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 236] جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ إنْ قَدَّرْنَا الْخَبَرَ " كَائِنٌ " أَوْ " يَكُونُ " فَهِيَ فِي الثُّبُوتِ كَقَوْلِك أَنَا قَائِمٌ بَلْ أَوْلَى. لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُهُ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُصَرَّحُ بِهِ مِنْ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ هَاهُنَا يَضْعُفُ لِأَنَّا إنَّمَا قَدَّرْنَاهُ لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْكِنْدِيَّ أَيْضًا وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَأَشْبَاهُهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَكَرْنَا كَلَامَ الْكِنْدِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلِنُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى وَقَوْلُ الْكِنْدِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ. إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا. وَهَذَا وَعْدٌ مُجَرَّدٌ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك. إنَّ الْإِكْرَامَ فِعْلٌ مُنْشَأٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إنْشَاؤُهُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَجِيءِ فَيَلْزَمُ التَّرْتِيبُ ضَرُورَةً، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى زَمَانٍ مَحْسُوسٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْمَشْرُوطِ وَنَقَلْنَا مِنْهُ غَرَضَنَا هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِكْرَامِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُهُ نَحْنُ فِي طَلَّقْتُك، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُنْشَأٌ. وَخَفِيَ عَنْ الْكِنْدِيِّ هَذَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ قُلْتُمْ فِيمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ. بِالْوُقُوعِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي يُقَدَّرُ مِنْ جِنْسِ الْمُتَقَدِّمِ - وَهُوَ طَلَّقْتُك - فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا عَلَى عَكْسِ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْكِنْدِيُّ؟ قُلْت: إذَا تَقَدَّمَ طَلَّقْتُك عَلَى الشَّرْطِ كَانَ الْمُعَلَّقُ أَحَدَ جُزْأَيْ مَدْلُولِهِ وَهُوَ الْوُقُوعُ دُونَ الْإِيقَاعِ وَإِذَا تَأَخَّرَ كَانَ الْمُعَلَّقُ جَمِيعَهُ، فَلِذَلِكَ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا. وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَكَّلْتُك لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك الْآنَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ عَلَى

ص: 30

مَعْنَى أَنْ يَتَصَرَّفَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ صَحَّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ جِهَةً يَصِحُّ تَعْلِيقُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك؛ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ حِينَئِذٍ إذَا أَرَادَ وَإِنَّمَا عِنْدَ الطَّلَاقِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ.

(تَنْبِيهٌ) نَقَلَ النُّحَاةُ فِي أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الشَّرْطِ مِمَّا هُوَ جَوَابٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا فِي الصِّنَاعَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ وَقِيلَ جَوَابٌ وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْفَارِقِينَ الْمَازِنِيُّ فَلَعَلَّ الْكِنْدِيَّ وَهَمَ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْمَازِنِيِّ وَيَكُونُ مُرَادُ الْمَازِنِيِّ أَنَّهُ إذَا جَاءَ هَكَذَا يَكُونُ دَلِيلًا لَا جَوَابًا مَعَ تَقَيُّدِهِ بِزَمَنٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.

وَأَمَّا عَدَمُ تَقَيُّدِهِ بِهِ كَمَا فَهِمَ الْكِنْدِيُّ فَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ. الْبَحْثُ الرَّابِعُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قَوْله تَعَالَى {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] قَالَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ صَاحِبِ النَّظْمِ إنَّ " مَا " بِمَعْنَى اللَّاتِي أَيْ اللَّاتِي لَمْ تَمَسُّوهُنَّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مُدَّةَ عَدَمِ مَسِّكُمْ إيَّاهُنَّ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لَطَلَّقْتُمْ، أَيْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِخَبَرِ (لَا جُنَاحَ) فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ تَقْيِيدٌ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَا جُنَاحَ فِيهِ.

وَعَلَى الثَّانِي هُوَ تَخْصِيصٌ لِلْحُكْمِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا جُنَاحَ فِيهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأَوَّلِ تَقْيِيدٌ وَفِي الثَّانِي تَخْصِيصٌ لِأَنَّ (طَلَّقْتُمْ) مُطَلَّقٌ لَا عُمُومَ فِيهِ فَيَتَقَيَّدُ وَالثَّانِي عَامٌ لِأَجْلِ النَّفْيِ فَيُتَخَصَّصُ، وَأَيُّ الطَّرِيقِينَ أَرْجَحُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ مَعْمُولًا لَطَلَّقْتُمْ أَوْلَى لِلْقُرْبِ وَعَدَمِ الْفَصْلِ وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَحَلِّ الْحُكْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْلَى؛ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ مَعْمُولًا لِخَبَرِ (لَا جُنَاحَ) أَوْلَى لِتَشَاكُلِهِ كُلِّهِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّ " مَا " عَامَّةٌ وَ " طَلَّقْتُمْ " مُطَلَّقٌ فَيَبْعُدُ مَجِيئُهَا مَعَهُ.

وَالْأَنْسَبُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: وَقْتُ عَدَمِ مَسِّهِنَّ إنْ لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا عُمُومَ فِيهِ صَرِيحًا، نَعَمْ فِي الشَّرْطِ شَبَهُ الْعُمُومِ فَيَحْسُنُ مَجِيئُهَا مَعَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَك: أَكْرَمْتُك مَا دَامَ كَذَا مُسْتَنْكَرٌ، وَلَأُكْرِمَنَّكَ مَا دَامَ كَذَا غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لِحُسْنِ الْعُمُومِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَفْسِيرُنَا {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] بِوَقْتِ عَدَمِ الْمَسِّ نَظَرَ إلَى أَصْلِ مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ.

فَإِنَّ وَقْتَ عَدَمِ الْمَسِّ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ؛ وَوَقْتُ لَمْ يَمَسَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ تَمَسَّ مِنْ الْمُضِيِّ؛ وَهَذَا الْمَوْضِعُ قَدْ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ وَلَكِنْ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى يَظْهَرُ أَثَرُهُ. كَقَوْلِك: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أَضْرِبْك فَإِنَّهُ مَتَى ضَرَبَهَا عَلَى الْفَوْرِ

ص: 31

ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ ضَرْبِهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَقْتَ عَدَمِ ضَرْبِي لَك يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي وَقْتِ عَدَمِ الضَّرْبِ، وَإِنْ حَصَلَ ضَرْبٌ قَبْلَهُ. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ عِنْدِي فِيهِمَا. وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ إلَى فَهْمِي مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ قَوْلَهُ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] مَعْمُولٌ لِخَبَرِ {لا جُنَاحَ} [البقرة: 236] مُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِطَلَّقْتُمْ وَحْدَهُ.

الْبَحْثُ الْخَامِسُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] . وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْمَبَاحِثِ الَّتِي جَرَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَنَقَلَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ " أَوْ " عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَرَضْتُمْ أَوْ لَمْ تَفْرِضُوا.

وَهَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ فَسَّرَ الْجُنَاحَ بِالْإِثْمِ، فَإِنَّ الْإِثْمَ مُرْتَفِعٌ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فُرِضَ أَمْ لَمْ يُفْرَضْ، وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْمُطَالَبَةُ بِكَمَالِ الْمَهْرِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَرْتَفِعُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ: كُلُّهُ قَبْلَ الْفَرْضِ، وَشَطْرُهُ بَعْدَ الْفَرْضِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَهَذَا إنْ أُخِذَ عَلَى ظَاهِرِهِ اقْتَضَى أَنَّ التَّقْدِيرَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَتَفْرِضُوا، فَيَقْتَضِي انْتِفَاءُ الْجُنَاحِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْأَمْرَانِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُنَاحَ مَوْجُودٌ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمَسِيسُ بِالْإِجْمَاعِ. لَكِنَّ الْوَاحِدِيَّ قَدَّرَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَمَسُّوا أَوْ تَفْرِضُوا؛ فَأَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْجُنَاحُ مُرْتَفِعًا عِنْدَ عَدَمِ هَذَا وَعَدَمِ هَذَا، أَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَفِي عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِهِمَا وَوُجُودِ الْآخَرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصِّيَغَ ثَلَاثٌ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَيَّدَ الظَّرْفُ فَيَقُولُ لَا جُنَاحَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَسِيسِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْفَرْضِ، فَيَقْتَضِي ارْتِفَاعُ الْجُنَاحِ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْآخَرُ أَمْ لَا. الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يُقَيَّدَ الظَّرْفُ وَيُقَيَّدُ حَرْفُ النَّفْيِ، فَنَقُولُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَسِيسِ وَعَدَمِ الْفَرْضِ فَيَقْتَضِي ارْتِفَاعَ الْجُنَاحِ عِنْدَ عَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِثْبَاتَهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ يُضَافُ إلَى الْعَدِمِينَ، بِخِلَافِ الصِّيغَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَقْتَضِي وَقْتَيْنِ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يُقَيَّدَ الظَّرْفُ وَلَا حَرْفُ النَّفْيِ فَنَقُولُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ فَهُوَ ظَرْفٌ وَاحِدٌ وَعَدَمٌ وَاحِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَيَقْتَضِي ارْتِفَاعَ الْجُنَاحِ عِنْدَ عَدَمِ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ. وَنَعْنِي بِعَدَمِهِمَا هُنَا عَدَمَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقْرَبُ مَعْنَاهُ مِنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تُفِيدُ عَدَمَ كُلِّ وَاحِدٍ صَرِيحًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْمَجْمُوعِ وَيُفْهَمُ إثْبَاتُهُ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا.

وَالثَّالِثَةُ: تُفِيدُ عَدَمُ الْمَجْمُوعِ نُصَّا وَعَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عَدَمُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ حَتَّى يَسْتَمِرَّ الْحُكْمُ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِهِمَا وَوُجُودِ الْآخَرِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا الظَّاهِرُ خِلَافُهُ. لِأَنَّ إسْنَادَ الْعَدَمِ إلَيْهِمَا يَقْتَضِي إسْنَادَهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ هُوَ كَنَفْيِ

ص: 32

الْوُجُودِ عَنْهُمَا، وَلِنُبَيِّنَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يُذْكَرُ لِنَفْيِ الْوُجُودِ ثَلَاثٌ صُوَرٍ أُخَرُ إحْدَاهَا وَهِيَ الرَّابِعَةُ أَنْ تَقُولَ وَقْتٌ لَا هَذَا وَوَقْتٌ لَا هَذَا فَيُفِيدُ كُلًّا مِنْ الْعَزْمَيْنِ كَالصُّورَةِ الْأُولَى.

الْخَامِسَةُ: أَنْ تَقُولَ وَقْتٌ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فَهِيَ كَالثَّانِيَةِ.

السَّادِسَةُ: أَنْ تَقُولَ وَقْتٌ لَا هَذَا وَهَذَا فَمَعْنَاهُ سَلْبُ الْوُجُودِ عَنْهُمَا وَحَقِيقَتُهُ عَنْ مَجْمُوعِهِمَا لِأَنَّهُ وُجُودٌ وَاحِدٌ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمَا. كَمَا كَانَ الْعَدَمُ هُنَاكَ وَاحِدًا مَنْسُوبًا إلَيْهِمَا فَسَلْبُهُ يَقْتَضِي السَّلْبَ لِذَلِكَ الْوُجُودِ الْوَاحِدِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمَا فَقَطْ، وَلَا يَقْتَضِي سَلْبَ الْوُجُودِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا لَمْ يُوجَدَا وَقَوْلِنَا عَدَمًا فَالْأَوَّلُ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ كُلِّ فَرْدٍ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَمَ فِي الثَّانِيَةِ مُسْنَدٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ حُكِمَ بِهِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْوُجُودُ فِي الْأُولَى مُسْنَدٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ نُفِيَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفِيهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفِيهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ هَذَا سَلْبُ الْعُمُومِ لَا عُمُومُ السَّلْبِ. فَافْهَمْ ذَلِكَ.

وَلَفْظُ الِانْتِفَاءِ كَلَفْظِ الْعَدَمِ؛ فَإِذَا قُلْت انْتَفَيَا كَانَ كَقَوْلِك عَدِمَا. وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك لَمْ يُوجَدَا؛ وَهَذَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مُتَعَدِّدٍ وَفِي جَمِيعِ الْأَعْدَادِ كَالْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَمَا نَقَصَ عَنْهَا وَمَا زَادَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ لَهُ حَقِيقَةٌ مَجْمُوعَةٌ فَيُسَاوِي مِنْهُ قَوْلُك لَمْ يُوجَدْ وَقَوْلُك عَدَمٌ يُشِيرُ إلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ دُونَ أَفْرَادِهَا، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَهَذَا الْمَعْنَى فَيُطْلَقُ عَدَمُهَا عِنْدَ انْتِفَاءِ بَعْضِهَا. فَلَا يَحْمِلْك ذَلِكَ عَلَى إنْكَارِ مَا قُلْنَاهُ.

فَلِذَلِكَ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَاحْتَرَزْنَا مِنْهُ وَهُوَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ. وَالْحَقِيقِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ.

هَذَا كُلُّهُ إذَا أَسْنَدْت النَّفْيَ إلَى شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْءٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ أَوْ إلَى شَيْءٍ وَعَطَفْت عَلَيْهِ غَيْرَهُ بِالْوَاوِ. أَمَّا إذَا عَطَفْت بِأَوْ فَقُلْت: لَمْ يُوجَدْ هَذَا أَوْ هَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَرْفُ النَّفْيِ فَالْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُك لَا تَضْرِبْ هَذَا أَوْ هَذَا وَلَا تُعْطِ هَذَا أَوْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَلَوْ أَعَدْت حَرْفَ النَّفْيِ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى تَرْدِيدًا بَيْنَ النَّفِيَّيْنِ هَلْ انْتَفَى هَذَا أَوْ انْتَفَى هَذَا.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْوَاوِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهَا أَلْفُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قُلْت أَوْ لَا تُطِعْ كَفُورًا انْقَلَبَ الْمَعْنَى. قِيلَ يَعْنِي أَنَّهُ يَصِيرُ إضْرَابًا؛ كَأَنَّهُ تَرَكَ النَّهْيَ عَنْ اتِّبَاعِ الْآثِمِ وَأَضْرَبَ عَنْهُ وَنَهَى عَنْ طَاعَةِ الْكَفُورِ فَقَطْ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِكَلَامِ سِيبَوَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ طَاعَةَ هَذَا أَوْ طَاعَةَ هَذَا، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَهَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ

ص: 33

اللَّفْظِ، وَتَكُونُ " أَوْ " بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَلَيْسَتْ لِلْإِضْرَابِ. وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ.

وَمَنْ ادَّعَى مِنْ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ جَعَلَهَا لِلْإِضْرَابِ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْإِضْرَابِ أَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ الْجَزْمِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَأَرْدَفَهُ بِأَوْ الدَّالَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا عَنْ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَلَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ. وَيَكُونُ مُرَادُ سِيبَوَيْهِ بِانْقِلَابِ الْمَعْنَى انْقِلَابَهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَكَوْنُ " أَوْ " لِلْإِضْرَابِ لَمْ يَضْرِبْ بِهِ سِيبَوَيْهِ لَكِنَّ فِي وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَ وَالنَّهْيُ خَاصَّةٌ وَأَنَّهُ إضْرَابٌ عَنْ الْجَزْمِ بِالْأَوَّلِ إلَى التَّخْيِيرِ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَلْ أَقُولُ يُمْكِنُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا الَّتِي ذَكَرَهَا النُّحَاةُ مِنْ الشَّكِّ وَالْإِبْهَامِ. وَالتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ فَإِنَّ الَّتِي لِلشَّكِّ أَوْ الْإِبْهَامِ الْخَبَرُ فِيهَا بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَاَلَّتِي لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ الْأَمْرُ أَوْ النَّهْيُ فِيهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ كَلَامِ النُّحَاةِ خَبْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَثَّلَ بَعْضُهُمْ الَّتِي لِلْإِبْهَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا} [يونس: 24] كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ مَاضٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَاءَ فِي ضِمْنِ مَثَلٍ مَفْرُوضِ الْوُقُوعِ إمَّا فِي اللَّيْلِ وَإِمَّا فِي النَّهَارِ.

وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ الَّذِي لِلْإِبَاحَةِ إذَا كَانَتْ فِي النَّهْيِ اقْتَضَتْ كُلًّا مِنْهُمَا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ. فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا وَخَالَفَ ابْنُ كَيْمَانَ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ الْجَمِيعِ. فَإِذَا قُلْت: لَا تَأْخُذْ دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ أَحَدِهِمَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُصْفُورٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ وَاَلَّتِي لِلتَّخْيِيرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَيَخْتَلِفَانِ بِمَا يُرِيدُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَبِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ. فَحَيْثُ أُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْجَمِيعِ فَهِيَ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ؛ وَحَيْثُ أُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْخُلُوِّ فَهِيَ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ. فَالْمَقْصُودُ فِي التَّخَيُّرِيَّةِ إبَاحَةُ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْإِبَاحِيَّةِ إبَاحَةُ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَتُسَمَّى الْأُولَى عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ مَانِعَةَ الْجَمْعِ وَتُسَمَّى الثَّانِيَةُ مَانِعَةَ الْخُلُوِّ إنْ قَصَدَ إبَاحَةَ ذَلِكَ الْجِنْسِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تُقْصَدُ إبَاحَةُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَنْعٌ أَصْلًا. إذَا عَرَفْت هَذَا جِئْنَا إلَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَالْمَعْنَى مَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ: الْمَسِيسُ أَوْ الْفَرْضُ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَالْجُنَاحُ مَوْجُودٌ. وَالْحُكْمُ عَلَى نَفْيِهِ وَيَكُونُ الْجُنَاحُ عِنْدَ الْمَسِيسِ كُلَّ الْمَهْرِ، وَعِنْدَ الْفَرْضِ وَالطَّلَاقِ نِصْفَهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْآيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاكْتَفَى فِي الْمَسِيسِ بِالْمَفْهُومِ.

هَذَا إنْ عُطِفَتْ (أَوْ تَفْرِضُوا) عَلَى (تَمَسُّوهُنَّ) وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَيَكُونُ

ص: 34

تَفْرِضُوا) مَجْزُومًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ: اُخْتُلِفَ فِي " أَوْ " هَذِهِ فَقِيلَ: إنَّهَا الَّتِي بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " أَوْ " إلَى أَنْ " فَيَكُونُ (تَفْرِضُوا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ " أَنْ " أَوْ بِأَوْ عَلَى رَأْيٍ وَقِيلَ إنَّ " أَوْ " عَاطِفَةٌ عَلَى (تَمَسُّوهُنَّ) وَإِنَّمَا خَالَفَ الْأَقَلُّونَ الظَّاهِرَ فِي " أَوْ " لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ بِمَعْنَى " أَوْ " كَانَ الْمَعْنَى " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ إذَا انْتَفَى أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِذَا اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْفَرْضُ، فَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِالْمَسِيسِ أَوْ بِنَفْيِ الْمَسِيسِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَمُ نِصْفُ مَا فَرَضَ، فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْت ثَانِيًا وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ فَلَوْ كَانَتْ الْعَاطِفَةُ لَكَانَ الْمَفْرُوضَاتُ فِي الذُّكُورِ كَالْمَمْسُوسَاتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِذَا جُعِلَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " خَرَجَتْ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فَلَمْ يَلْزَمْ ظُهُورُ دُخُولِهِنَّ مَعَهُنَّ.

وَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ مَالِكٌ لِلْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ مُتْعَةً. لِأَنَّهُ يَرُدُّ دُخُولَهُنَّ فِي الْآيَةِ لِمَا ذَكَرْت ثَانِيًا وَجَعَلَ الْمُتْعَةَ لِلْمَمْسُوسَاتِ خَاصَّةً أَوْ لِغَيْرِ الْمَمْسُوسَاتِ وَلِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: مَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا بَلْ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ انْتَفَى أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ لَيْسَ فِي صَرِيحِ سِيَاقِ النَّفْيِ، وَالثَّانِي يَنْفِيهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي صَرِيحِ سِيَاقِ النَّفْيِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ " أَوْ " بِمَعْنَى " إلَى أَنْ " وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَاطِفَةَ.

وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الْعَاطِفَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ الْمَمْسُوسَاتِ فِيمَا ذَكَرَ مُشَارَكَتُهُنَّ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ. هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ثَانِيًا مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِمْ الْمُشَارَكَةَ: انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَهُوَ فِي غَايَةِ السَّدَادِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ مَا أَصَحَّ ذِهْنَهُ، وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُنَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} [البقرة: 236] مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ لَا جُنَاحَ وَأَنَّ " أَوْ " بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " لَكِنَّهُ تَكَلُّفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الْمَعْنَى مَا لَمْ تَكُونُوا مَسَسْتُمْ أَوْ فَرَضْتُمْ، لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْمُسَبِّبَ لِلْجُنَاحِ هُوَ الْوَاقِعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَجَازٍ إمَّا فِي " تَمَسُّوهُنَّ " بِمَعْنَى: تَكُونُوا قَدْ

ص: 35