الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِفَةً لِلْفِعْلِ فَالْأَوَّلُ شَرْطٌ وَالثَّانِي رُكْنٌ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ النَّاوِيَ يَقْصِدُ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْفِعْلَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا لِلرَّبِّ وَذَلِكَ الْفِعْلُ يَكْتَسِبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ صِفَةً يَنْصَبِغُ بِهَا كَمَا يَنْصَبِغُ الثَّوْبُ فَالثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ صَبْغُهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالصِّبْغُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ خَارِجٌ عَنْهُ وَشَرْطُهُ فِيهِ كَتِلْكَ الْعِبَادَةِ. وَتَأَمَّلْ إذَا قُلْت: قُمْت إجْلَالًا لَك كَيْفَ صَارَ الْقِيَامُ مُكْتَسِبًا صِفَةَ الْإِجْلَالِ وَلَوْلَاهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ نُهُوضٍ فَيُؤْثِرُ الْقِيَامَ وَيَقُومُ بِالْإِجْلَالِ وَأَشْبَهَ نَثْرِيَّةَ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ فَالْقِيَامُ هُوَ الْبَدَنُ وَالْإِجْلَالُ هُوَ الرُّوحُ وَالْقَصْدُ فِي مَا كَنَفْخِ الرُّوحِ فِي الْبَدَنِ وَمِنْ تَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُخَالِجْهُ شَكٌّ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ مُقَوِّمَةٌ لَهُ دَاخِلَةٌ فِي مَاهِيَّةِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ الْفِعْلِ الْمَنْوِيِّ وَلَيْسَتْ الْمُقَارَنَةُ خَاصَّةً بِالتَّكْبِيرِ فَأُرِيدَ مِنْ مُقَارَنَةِ رُكُوبِهِ وَالْمَقَادِيرُ الْحُكْمِيَّةُ حَاصِلَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ إجْلَالًا الْإِجْلَالُ مُقَارَنٌ دَائِمٌ مَعَهُ وَإِنْ وَصَفْنَاهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمَاهِيَّةِ فِي التَّعَقُّلِ فَهُوَ مِنْ جِهَةٍ بِغَيْرِ جِهَةٍ وَهُوَ مَعَهُ كَالْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ إذَا نَظَرْت إلَى الْفِعْلِ وَجَدْت لَهَا خُرُوجًا مِنْ وَجْهٍ. .
[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]
(فَائِدَةٌ) سَأَلْت فِي يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ عَنْ الْعِلَّةِ فِي النَّهْيِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. فَقُلْتُ: الصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِقَوْلِ الْمُصَلِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي، ثُمَّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا وَالْقِيَامُ لَيْسَ عِبَادَةً لِمُجَرَّدِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَلْ قَصْدُ التَّوَجُّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ رَكَعَ خُضُوعًا لِلَّهِ فَالرُّكُوعُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْرَأْ فِيهِ الْقُرْآنُ لِأَنَّ عِبَادَةً لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ وَالدُّعَاءُ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ تَحَقُّقٌ لِمَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ: لَكَ رَكَعْت إلَى آخِرِهِ، وَالسُّجُودُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَكْمَلُ خُضُوعًا وَالدُّعَاءُ الَّذِي فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ سَجَدَ وَجْهِي تَحَقُّقٌ لِمَعْنَاهُ. فَهَذِهِ الْعِبَادَاتُ الثَّلَاثُ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ هِيَ مَقَاصِدُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ كُلُّهَا تَوَجُّهٌ مَحْضٌ فَلَمَّا فَرَغْت خَتَمْت بِالتَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ كَالْقِيَامِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعْتَادًا لَيْسَتْ هَيْئَاتُهُ مِنْ هَيْئَاتِ الْعِبَادَةِ فَجُعِلَ فِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ السَّلَامُ عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ كَأَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مُتَجَرِّدًا عَنْ هَذَا الْعَالَمِ مُقْبِلًا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِكُلِّيَّتِهِ فَعِنْدَمَا قَارَبَ الْعَوْدَ إلَى حِسِّهِ وَإِلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ سَلَّمَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ خَتَمَ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ الْغَائِبَ إذَا قَدِمَ يُسَلِّمُ فَلَمَّا كَانَ غَائِبًا فِي الصَّلَاةِ وَفَرَغَ سَلَّمَ عَلَى الصَّالِحِينَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ.
(اسْتِفْتَاءُ الشَّيْخِ فَرَجٍ)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ السَّادَةَ الْفُقَرَاءَ بَلَّغَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَمَانِيَهُمْ قَدْ اشْتَدَّتْ
رَغْبَتُهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ بَعْضِ السَّادَاتِ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ فَإِنْ حَسُنَ بِرَأْيِ مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ أَسْبَغَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعَمَهُ وَرَادَفَ لَدَيْهِ فَضْلَهُ وَكَرَمَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ عَنَّا فَيَنْتَفِعُوا وَيَبْقَى لَهُ عِنْدَهُمْ تَذْكِرَةٌ لِتَدُومَ أَدْعِيَتُهُمْ الصَّالِحَةُ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ فَلْيُشَرِّفْ بِخَطِّهِ الْكَرِيمِ فِي وَرَقَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِالْكَلَامِ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ:
(إحْدَاهَا) أَنَّ مَنْ قَالَ مَثَلًا: إنَّ نَحْوَ سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ الْأَوْلَى فِيهِ مُرَاعَاةُ التَّفْصِيلِ دُونَ الْإِجْمَالِ لِمَا فِي التَّفْصِيلِ مِنْ الرُّسُوخِ وَالْبَسْطِ الشَّارِحِ لِلصَّدْرِ مِثْلَ التَّفْصِيلِ بِأَنْ قَالَ: يَأْخُذُ الْمُسَبِّحُ أَحَدَ عَشَرَ مَعْنًى فَيُلَمِّحُ وَاحِدًا مِنْهَا فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ آخَرَ فِي ثَلَاثٍ وَهَكَذَا فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْ عَنْ تَجَدُّدِ الْأَجْسَامِ وَتَقَدُّرِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْ عَنْ تَحَيُّزِ الْأَجْسَامِ وَتَمَاثُلِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْ عَنْ اضْطِرَارِ الْأَعْرَاضِ وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِدٌّ ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَةِ نَقْصٍ أَوْ آفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ صِفَةِ كَمَالٍ ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي صِفَاتِهِ نَقْصُ تَصَوُّرٍ مَا ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ نَقْصٌ مَا ثَلَاثًا ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِسُنَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَبْدِيلًا ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ الْحَامِدُ فَيُلَمِّحُ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُلَمِّحُ أَجَلَّ النِّعَمِ وَهُوَ خَلْقُ الْعَقْلِ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُلَمِّحُ آلَاتِ الْعَقْلِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الْبَدَنِ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ مَا يَحْتَاجُهُ الْبَدَنُ مِنْ الْعُلْوِيَّاتِ كَالسَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا وَشَمْسِهَا وَقَمَرِهَا فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ السُّفْلِيَّاتِ كَالْأَرْضِ وَنَبَاتِهَا وَحَيَوَانِهَا وَمَعَادِنِهَا فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُلَمِّحُ مِنَّةَ اللَّهِ فِي نَصْبِ الْأَشْيَاءِ دَالَّةً عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِتَنْبِيهِهِ عَلَى ذَلِكَ بِكُتُبٍ مُنَزَّلَةٍ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ فِي جَعْلِ بَشَرٍ مِنْ جِنْسٍ مَا أَلَّفَهُ يُلْقِي إلَيْهِ ذَلِكَ بِسُهُولَةٍ وَيُبَيِّنُ لَهُ مَا يَدُقُّ عَنْ فَهْمِهِ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ لِفَهْمِ ذَلِكَ وَإِيقَاظِهِ لَهُ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا ثُمَّ فِي تَوْفِيقِهِ لِامْتِثَالِ مَا يَفْهَمُهُ مِنْ الشَّرْعِ الْمُيَسَّرِ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا فِي صَيْرُورَتِهِ حَنِيفًا مُسْلِمًا مَنْ لَا يُحْصِي أَحَدٌ ثَنَاءً عَلَيْهِ فَيَحْمَدُ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ الْمُكَبِّرُ يُلَمِّحُ مَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ أَوْ يُحْصَى ثَنَاءٌ عَلَيْهِ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُلَمِّحُ مَا قَدْ يَقَعُ مِنْ الْعِصْيَانِ فَيُكَبِّرُ اللَّهَ عَنْ أَنْ يَلِيقَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاثًا ثُمَّ يُلَمِّحُ جَمِيلَ سِتْرِهِ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ عَجِيبَ حُكْمِهِ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ كَوْنُهُ لَا حَوْلَ لَهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ إلَّا بِهِ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْعَاصِي كَيْفَ لَا يَتُوبُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ مِنْ شِدَّةِ بَطْشِهِ وَانْتِقَامِهِ آخِرًا فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ مِنْ شِدَّةِ قَبُولِهِ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ سُبْحَانَهُ
فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا مِنْ عَفْوِهِ تَارَةً وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَوْبَةٌ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، هَلْ قَوْلُهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ تَمْثِيلُهُ جَيِّدٌ أَمْ لَا وَهَلْ مَنَالُ غَيْرِهِ أَجْوَدُ مِنْهُ فَيُذْكَرُ ضِمْنًا أَوْ لَا؟
(الثَّانِيَةُ) أَنَّ إمَامًا يُحْرِمُ بِالْفَرْضِ فَيُحْرِمُ خَلْفَهُ إجْمَاعًا ثُمَّ إنَّهُ شَكَّ فِي أَنَّهُ أَتَى بِالنِّيَّةِ كَامِلَةً أَوْ أَخَلَّ بِبَعْضِ مَا يَجِبُ فِيهَا فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالْتَفَتَ إلَى الْجَمَاعَةِ وَقَالَ: بَطَلَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ فَبَطَّلُوا صَلَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَأَحْرَمُوا فَقَالَ شَخْصٌ مِنْهُمْ: صَحِيحَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَبْطِيلُهُمْ صَلَاتَهُمْ مَعَ أَنَّهَا فَرْضٌ فَأَمْرُهُمْ بِذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا وَلَكِنَّ الْأَوْلَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُجَدِّدَ هُوَ التَّحْرِيمَ سَاكِتًا عَنْهُمْ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ صَارُوا يُبْطِلُونَ صَلَاتَهُمْ مَتَى سَمِعُوهُ كَبَّرَ ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الشَّخْصُ: كَبِّرْ بِحَيْثُ تُسْمَعُ. فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ لَا وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُمْ غَيْرُ عَالِمِينَ بِالْحَالِ فَنِيَّةُ اقْتِدَائِهِمْ الْأُولَى هَلْ تَكْفِيهِمْ اسْتِصْحَابًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا تَجِبُ فِي أَعْمَالِهِمْ أَوْ لَا؟
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْبُرَّ لَا تُوجَدُ فِيهِ دَرَاهِمُ خَالِصَةٌ وَلَا ذَهَبٌ وَالْفِضَّةُ الْمَغْشُوشَةُ مَعْلُومٌ أَمْرُهَا فِي الرَّوَاجِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِلْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا صَحَّحُوهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؟ .
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ النَّحْلَ يُبَاعُ بِالْكُوَّارَةِ بِمَا فِيهَا مِنْ شَمْعٍ وَعَسَلٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَلَا يَقَعُ فِي مُبَايَعَاتِ النَّاسِ كُلِّهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَلْ الضَّرُورَةُ إلَى مِثْلِهِ وَعُمُومُ الْبَلْوَى بِهِ تَجْعَلُ الْبَيْعَ صَحِيحًا أَوْ لَا وَعَسَلُ النَّاسِ كُلُّهُ حَلَالًا؟
(الْخَامِسَةُ) أَنَّ الْمُتَعَبِّدَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ غَيْرَهُ أَوْ لَا وَمَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّهُ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَالْمَانِعُ مِنْ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ بَعْدَ كَوْنِ التَّقْلِيدِ طَرِيقًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا؟
الْحَمْدُ لِلَّهِ (أَجَابَ) تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قَدْ تَأَمَّلْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْخَمْسَ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا سَادَاتِي الْفُقَرَاءُ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ فَأَمَّا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي الذِّكْرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهِ اخْتِيَارُ الْإِجْمَالِ دُونَ التَّفْصِيلِ أَعْنِي تَفْصِيلَ الصِّفَاتِ الَّتِي يُسَبِّحُ عَنْهَا وَاَلَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَمَا يَكْبُرُ عَنْهُ لِأَنِّي وَجَدْت التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّكْبِيرَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَذَلِكَ مُطْلَقَةً إلَّا فِي قَوْلِهِ {عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] وَ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] وَ {أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ ذَاتِ الْوَلَدِ غَيْرُ نَقَائِصِ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَتِلْكَ النَّقَائِصُ أَحْقَرُ وَأَذَلُّ مِنْ أَنْ تَحْضُرَ فِي الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ وَإِنَّمَا تُسْتَحْضَرُ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ لِضَرُورَةِ التَّسْبِيحِ عَنْهَا وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ لِاسْتِحْضَارِهَا لِاسْتِغْرَاقِ الْقَلْبِ فِي عَظَمَةِ الرَّبِّ وَتَعَالِيهِ وَخِلَافُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تِلْكَ النَّقَائِصِ أَلْبَتَّةَ وَانْظُرْ إلَى السُّنَّةِ لَمَّا فَصَّلَتْ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ
عَدَدَ خَلْقِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ كَيْفَ نَصَّ عَلَى صِفَاتِ التَّسْبِيحِ فِي نَفْسِهِ وَأَشَارَ إلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ إفْرَادِهِ لِأَنَّ عَدَدَ الْخَلْقِ فِيمَا كَانَ وَيَكُونُ لَا يَتَنَاهَى وَكِبَرَ مِقْدَارِهِ لِأَنَّ الْعَرْشَ أَكْبَرُ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِذَا أُخِذَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي كَانَتْ وَسَتَكُونُ لَا تَتَنَاهَى وَشَرَفَ نَوْعِهِ حَتَّى يَكُونَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَدَوَامُهُ بِلَا نَفَادٍ لِأَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا نَفَادَ لَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنَّقَائِصِ الَّتِي يُسَبِّحُ عَنْهَا مُسْتَحْقِرًا لَهَا مِنْ أَنْ تَمُرَّ بِحَضْرَةِ الْجَلَالِ أَوْ تَخْطُرَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْكَمَالِ وَالشَّيْخُ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرِيدِ يُرِيدُ أَنْ يَجْذِبَهُ مِنْ الْأَغْيَارِ إلَى الْحَضْرَةِ الْقُدْسِيَّةِ وَيَشْغَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالصِّفَاتِ الْآلِهِيَّةِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ فَكَيْفَ نَشْغَلُهُ عَنْ الْفَضَائِلِ بِالرَّذَائِلِ وَيَكْفِي فِي تَحْقِيقِ الْمَقْصُودِ مُحَارَبَةُ مَا أَلِفَهُ مِنْهَا بِطَبْعِ الْبَشَرِيَّةِ وَالذِّكْرُ يُرَقِّيهِ عَنْ ذَلِكَ وَيُجَرِّدُهُ إلَى جِهَةِ الصَّمَدِيَّةِ وَهَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلِكُلِّ قَلْبٍ فُتِحَ تُشْرِقُ مِنْهُ أَنْوَارُهُ وَتَتَجَلَّى بِهِ أَسْتَارُهُ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ إلَى أَنْ يَتَرَقَّى إلَى مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ وَأَجَلُّ الْأَذْكَارِ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهَا وَلَمْ يَجِئْ فِيهَا الْمُسَبِّحُ عَنْهَا إلَّا فِي نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهَا فِي الْحَمْدِ عَلَى كَذَا وَلَا فِي التَّكْبِيرِ عَلَى كَذَا بَلْ أُطْلِقَ لِتَنَاوُلِ الْجَمِيعِ.
وَأَمَّا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فَإِذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ زَمَانُ الشَّكِّ وَلَا أَتَى بِرُكْنٍ فِيهِ بَلْ تَذَكَّرَهَا عَلَى الْفَوْرِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إذَا كَانَتْ فَرْضًا وَإِنْ طَالَ أَوْ أَتَى بِرُكْنٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَبُطْلَانُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْعِقَادِهَا إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْلِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ حَصَلَتْ وَالْأَصْلُ يُعَضِّدُهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْأَرْجَحُ هُنَا عِنْدَ عَدَمِ التَّذَكُّرِ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَكُونُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ انْعَقَدَتْ جَمَاعَةً وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي تَكُونُ صَلَاتُهُمْ انْعَقَدَتْ عِنْدَنَا كَصَلَاتِهِمْ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَهَلْ هِيَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فُرَادَى وَجْهَانِ عِنْدَنَا حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَقْرَبُهُمَا إلَى ظَاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا جَمَاعَةٌ وَأَقْوَاهُمَا عِنْدِي أَنَّهَا فُرَادَى وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّهَا جَمَاعَةٌ اسْتَنَدُوا إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَمَكَثُوا ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي خَرَجْت إلَيْكُمْ جُنُبًا وَإِنِّي نَسِيت حِينَ قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» . وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إذَا قَامَ فِي
مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَاهُ أَنْ يُكَبِّرَ فَانْصَرَفَ وَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا تَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ» هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ عَلَى حُصُولِ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي خَلْفَ الْمُحْدِثِ بَلْ صِحَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَمَذْهَبُنَا صِحَّتُهَا وَالرُّويَانِيُّ اسْتَنَدَ فِي صِحَّتِهَا إلَى الْحَدِيثِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ لَا يَسْتَمِرُّ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَمَاعَةِ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ جَمَاعَةٍ بِلَا إمَامٍ نَعَمْ إنْ قِيلَ يَحْصُلُ لَهُمْ أَجْرٌ لِقَصْدِهِمْ فَنَعَمْ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ الْمَأْمُومُونَ قَدْ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَرَى صِحَّةَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ خُرُوجٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
فَالْإِمَامُ إنْ جَدَّدَ النِّيَّةَ وَكَبَّرَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمَأْمُومُونَ فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا تَحْصُلَ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ الْأُولَى مَا صَحَّتْ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَتَكْبِيرُهُ الثَّانِي لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ حَتَّى يُنْشِئُوا إلَيْهِ اقْتِدَاءً فَتَفُوتُهُمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي خَلْفَ الْمُحْدِثِ فَيَكْفِي ذَلِكَ إنْ جُعِلَ الْإِمَامُ بِإِحْرَامِهِ ثَانِيًا كَالْخَلِيفَةِ وَفِيهِ فِقْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ تَابِعٌ وَالْإِمَامُ بِإِحْرَامِهِ لَيْسَ تَابِعًا لِنَفْسِهِ وَلَا إمَامَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إمَامَةٍ مُنْعَقِدَةٍ حَتَّى يَجْعَلَ الْمَأْمُومُونَ حَائِزِينَ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ إمَامٌ جَدِيدٌ ظَنُّوهُ إمَامًا فَمِنْ هَذَا النَّظَرِ نَتَوَقَّفُ فِي حُصُولِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ سِرًّا وَإِنْ كَبَّرَ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَهُ وَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى مَا يَفْعَلُونَ فَقَدْ يَتَخَبَّطُونَ لِأَنَّ فِيهِمْ عَوَامَّ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ وَإِنْ أَرْشَدَهُمْ قَبْلَ تَكْبِيرِهِ إلَّا أَنَّهُمْ يُنْشِئُونَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ فِيهِمْ الْخِلَافُ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَالْحَاصِلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَلَاتُهُمْ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ: بَاطِلَةٌ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: صَحِيحَةٌ وَعِنْدَهُ خِلَافٌ أَيْضًا فِي إنْشَاءِ الْقُدْوَةِ وَفِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَفِي كَوْنِهَا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، وَإِنْ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَحْرَمُوا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةً جَمَاعَةً عِنْدَ الْجَمْعِ وَكَانَ مَا فَعَلُوهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِمَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَاصِدِينَ بِذَلِكَ تَحْصِيلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْسَنِ التَّقْلِيدِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّرَخُّصُ بَلْ الِاحْتِيَاطُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ أَمْرَ هَذَا الْإِمَامِ لَهُمْ بِتَبْطِيلِ نِيَّتِهِمْ لَيْسَ حَرَامًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا عِنْدِي إذَا قَصَدَ بِهِ مَا قُلْتُهُ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا لَمْ يَغْفُلْ عَنْ التَّقْلِيدِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ وَإِنْ
قَصَدَ الْحَقَّ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَحْضُرْ فِي قَلْبِهِ التَّقْلِيدُ أَرْجُو لَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فَالْمُخْتَارُ عِنْدِي جَوَازُ الْقَرْضِ عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ.
وَأَمَّا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فَبَيْعُ النَّحْلِ فِي الْكُوَّارَةِ وَخَارِجِهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهِ صَحِيحٌ وَقَبْلَ رُؤْيَتِهِ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِي بَيْعُ الْغَائِبِ وَبَيْعُ مَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَشَمْعٍ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ صَحِيحٌ وَقَبْلَهَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِي بَيْعُ الْغَائِبِ، وَبَيْعُ الْغَائِبِ قَدْ صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّبَاعُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْفَقِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الدَّلِيلَ يُعَضِّدُهُ (وَالثَّالِثُ) احْتِيَاجُ غَالِبِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ خَفِيفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأُمُورُ إذَا ضَاقَتْ اتَّسَعَتْ وَلَا يُكَلَّفُ عُمُومُ النَّاسِ بِمَا يُكَلَّفُ بِهِ الْفَقِيهُ الْحَاذِقُ النِّحْرِيرُ.
وَأَمَّا (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فَالْمُتَعَبِّدُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ فِي مَسْأَلَةٍ فَلَهُ أَحْوَالٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَعْتَقِدَ بِحَسَبِ حَالِهِ رُجْحَانَ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلرَّاجِحِ فِي ظَنِّهِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْتَقِدَ رُجْحَانَ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْ لَا يَعْتَقِدَ رُجْحَانًا أَصْلًا وَلَكِنْ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي اعْتِقَادَهُ رُجْحَانَ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَعَدَمَ الِاعْتِقَادِ لِلرُّجْحَانِ أَصْلًا بِقَصْدِ تَقْلِيدِهِ احْتِيَاطًا لِدِينِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا، وَهَذَا كَالْحِيلَةِ إذَا قُصِدَ بِهَا الْخَلَاصُ مِنْ الرِّبَا كَبَيْعِ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَشِرَاءِ الْخَبِيثِ بِهَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، بِخِلَافِ الْحِيلَةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ حَيْثُ نَحْكُمُ بِكَرَاهَتِهَا.
(الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِتَقْلِيدِهِ الرُّخْصَةَ فِيمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ حَاقَّةٍ لَحِقَتْهُ أَوْ ضَرُورَةٍ أَرْهَقَتْهُ فَيَجُوزُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ رُجْحَانَ إمَامِهِ وَيَعْتَقِدَ تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ صَعْبٌ وَالْأَوْلَى الْجَوَازُ.
(الرَّابِعَةُ) أَنْ لَا تَدْعُوَهُ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَلَا حَاجَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ قَصْدِ التَّرَخُّصِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ رُجْحَانُهُ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ لَا لِلدِّينِ.
(الْخَامِسَةُ) أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَجْعَلَ اتِّبَاعَ الرُّخَصِ دَيْدَنَهُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا قُلْنَاهُ وَزِيَادَةِ فُحْشِهِ.
(السَّادِسَةُ) أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ مُمْتَنِعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَمْتَنِعُ.
(السَّابِعَةُ) أَنْ يَعْمَلَ بِتَقْلِيدِهِ الْأَوَّلِ كَالْحَنَفِيِّ يَدَّعِي بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَأْخُذُهَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَ الشَّافِعِيَّ فَيَمْتَنِعُ مِنْهَا فَيَمْتَنِعُ لِتَحَقُّقِ خَطَئِهِ إمَّا فِي الْأَوَّلِ وَإِمَّا فِي الثَّانِي وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُكَلَّفٌ.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ حَسَبَ مَا ظَهَرَ لَنَا، وَقَوْلُ الشَّيْخِ سَيْفِ الدِّينِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْعَمَلِ