الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا جَوَازُهُ لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِهِ صَرِيحًا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَبِالْمَطَرِ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَالِكٌ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا وَفِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمُخْتَارُ مَنْعُهُ لِثُبُوتِ حَدِيثٍ صَحِيحٍ فِيهِ وَالْجَمْعُ بِالْمَرَضِ قَالَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ وَبِالْوَحْلِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالْجَمْعِ بِالْمَطَرِ، وَالْجَمْعُ بِالْعُذْرِ الْخَفِيفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً قَالَ بِهِ ابْنُ سِيرِينَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَحُكِيَ قَرِيبٌ مِنْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَلَمْ يَصِحَّ لَا عَنْ هَذَا وَلَا عَنْ هَذَا، وَأَمَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْعَادِلِيَّةِ بِدِمَشْقَ انْتَهَى.
[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
(مَسْأَلَةٌ) فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ التَّأَهُّبُ لَهَا وَالِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِهَا وَالْمَشْيُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وُجُوبًا مُضَيَّقًا وَلَيْسَ عَلَى التَّوْسِعَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] وَالْمَعْنَى فِيهِ تَعْظِيمُ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَخُصَّتْ بِوُجُوبِ السَّعْيِ إلَيْهَا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَصْدًا، وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَإِتْيَانِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّمَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَهُوَ وُجُوبُ الْوَسَائِلِ لَا وُجُوبُ الْمَقَاصِدِ بِخِلَافِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ
وَقَوْلُهُ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أَيْ الْمُفَوِّتَ لِلسَّعْيِ وَلَا نَقُولُ الْمُفَوِّتَ لِلْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا: السَّعْيُ غَيْرُ وَاجِبٍ لَعَيْنِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ عَدَمُ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ لَكَانَ هَذَا اسْتِنْبَاطَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ لِتَفْوِيتِ السَّعْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِرَانُ الْكَلَامِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ النَّصَّ وَلَكِنْ يُخَصِّصُهُ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ يَجُوزُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْجَامِعِ لَا يُحَرَّمُ وَكَذَا فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّ الْبَيْعَ فِي بَيْتِهِ حَرَامٌ بَلْ الْجُلُوسُ وَعَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ حَرَامٌ لِمَا قُلْنَا إنَّ السَّعْيَ عَلَى الْفَوْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ عَنْهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه فِي الْمَسْجُونِينَ بِسِجْنِ الشَّرْعِ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا مِنْ بَيْنِهِمْ إمَامًا يَخْطُبُ بِهِمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَالْأَعْيَادَ؟
(أَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي السِّجْنِ بَلْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي السُّجُونِ أَقْوَامٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَوَرِّعِينَ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ أَرْبَعُونَ وَأَكْثَرُ مَوْصُوفُونَ
بِصِفَاتِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَفَعَلُوهُ وَالسِّرُّ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجُمُعَةِ إقَامَةُ الشِّعَارِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ إذَا وَسِعَ النَّاسُ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ فُرُوضَ الْكِفَايَاتِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِهَا إتْيَانُهَا فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَوْلُ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَعِنْدِي يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ النَّقْلِ عَلَى مَا أَشَرْت إلَيْهِ بِأَنَّ فِيهَا الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا:
(أَحَدُهُمَا) قَصْدُ إظْهَارِ الشِّعَارِ وَإِقَامَتُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ أَرْبَعُونَ وَهَذَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ حَوْلَهَا مِمَّنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِنْهَا إذَا كَانُوا دُونَ الْأَرْبَعِينَ.
(وَالثَّانِي) وُجُوبُ حُضُورِهَا وَهُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَمِمَّنْ حَوْلَهَا مِمَّنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَحِلِّهِ، وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا ذَلِكَ وَالسِّجْنُ لَيْسَ مَحَلَّ ظُهُورِ الشِّعَارِ فَلَا تُشْرَعُ إقَامَتُهَا فِيهِ وَلَعَلَّ لِذَلِكَ لَمْ يُقِمْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَقَامَهَا أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بِالْبَقِيعِ بَقِيعِ الْحَصَمَاتِ مِنْ ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهَا وَلَا يَفْعَلُهَا لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَالسِّجْنُ لَيْسَ مَحَلًّا لِإِقَامَتِهَا لِأَمْرَيْنِ:(أَحَدُهُمَا) عَدَمُ ظُهُورِ الشِّعَارِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ تَعْطِيلُ إقَامَتِهَا فِي بَقِيَّةِ الْبَلَدِ إذَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُ جُمُعَتَيْنِ، وَمَا عَطَّلَ فَرْضَ الْكِفَايَةِ نَمْنَعُ مِنْهُ فَعَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً لِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ وَكُلُّ عِلَّةٍ مِنْهُمَا كَافِيَةٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَلَوْ أَنَّ أَرْبَعِينَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الشِّعَارُ وَعَجَّلُوا بِالْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْبَلَدِ فِي الشِّعَارِ الظَّاهِرِ لَمْ أَرَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُمْ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً وَالْجَامِعُ الَّذِي لَهَا لَا يَسَعُ النَّاسَ وَكَانَتْ بِحَيْثُ تَجُوزُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ أُخْرَى فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَقَامَ أَهْلُ السِّجْنِ الْجُمُعَةَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الشِّعَارُ فَأَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ إقَامَةِ جُمُعَةٍ فَهِيَ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى عِبَادَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ لَا يَجُوزُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي السِّجْنِ سَوَاءٌ أَضَاقَ الْبَلَدُ أَمْ اتَّسَعَ سَوَاءٌ أَجَوَّزْنَا جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ إذَا ضَاقَ أَمْ لَمْ نُجَوِّزْ وَلِذَلِكَ لَمْ نَسْمَعْ بِذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَأَهْلُ السِّجْنِ يُصَلُّونَ ظُهْرًا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ إخْفَاؤُهَا وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا وَالنَّصُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ شِعَارِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ لَا تُهْمَةَ عَلَى