المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كتاب إحياء الموات وتملك المباحات] - فتاوى السبكي - جـ ١

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ]

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ]

- ‌[التَّعْظِيمُ وَالْمِنَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْت]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ فِي إعْرَابِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي]

- ‌[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا]

- ‌[الْفَهْمُ السَّدِيدُ مِنْ إنْزَالِ الْحَدِيدِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[محدث غمس يَده فِي مَاء كَثِير غمسة وَاحِدَة هَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّثْلِيث]

- ‌[مسح الصِّمَاخَيْنِ بِمَاء جَدِيد]

- ‌[الهرة إذَا أَكَلت فارا وولغت فِي مَاء قليل]

- ‌[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ هَلْ تُقْضَى]

- ‌[اشتبه مَاء طَاهِر بِمَاء نجس]

- ‌[الفرق بَيْن مطلق الْمَاء وَالْمَاء المطلق]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع والسجود]

- ‌[الْكَافِر إِن جن قَبْل الْبُلُوغ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[إشْرَاقُ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْجُمُعَةَ فِي مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِيهَا جَامِعٌ يَكْفِي أَهْلَهَا وَفِيهَا مَسَاجِدُ أُخْرَى]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[مُخْتَصَرُ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهِلَالَ إذَا غَابَ بَعْدَ الْعِشَاءِ]

- ‌[حِفْظُ الصِّيَامِ مِنْ فَوْتِ التَّمَامِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ]

- ‌[تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَيْع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون]

- ‌[بَيْع الرَّهْن وتلف الثَّمَن]

- ‌[فَصْلٌ مُنَبِّهُ الْبَاحِثِ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ]

- ‌[بَيْع التَّرِكَة قَبْل وفاء الدِّين]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[رَجُلٌ هَدَمَ جِدَارَ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ الْهَدْمِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ إذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّك مَا أَقَرَّك اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ إذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُثْبِتُ الْإِجَارَةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مُصَنَّفَاتٌ فِي مِيَاهِ دِمَشْقَ وَإِجْرَائِهَا وَحُكْمِ أَنْهَارِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

الفصل: ‌[كتاب إحياء الموات وتملك المباحات]

إذَا صَدَرَ مِنْهُمْ خَطَأٌ الِاعْتِرَافُ لَا التَّمَادِي، وَالتَّلَبُّسُ، وَقَالَ لِي قَائِلٌ: إنَّهُمْ أَنْكَرُوا مِنِّي لَفْظَةَ الِاسْتِصْنَاعِ فَيَالَلَّهِ لِلْجَهْلِ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَعِبَارَةُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى فَقِيهٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ هَذَا حَالُهُ أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَمْثَالِ هَذَا خَيْرٌ لَهُ:

وَلِلْحُرُوبِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا

وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ

، وَالْعِلْمُ صَعْبٌ لَا يُنَالُ بِالْهُوَيْنَا وَلَيْسَتْ كُلُّ الطِّبَاعِ تَقْبَلُهُ بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَغِلُ عُمْرَهُ وَلَا يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَهُوَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَمَّا السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ فَقَدْ رَأَيْت هَذَا الشَّخْصَ الْمُشَارَ إلَيْهِ أَجَابَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِهِ إذْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ.

وَهَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ أَيْضًا إذَا فُرِضَتْ الصُّورَةُ هَكَذَا فَإِنَّ الصُّورَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ حَقِيقَتُهَا تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبُسُطُ مَجْهُولٌ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ فَاسِدَةً فَكُلُّ مَا يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ وَاقِعٌ لَهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا صَنَعَهُ بُسُطًا وَتَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الصَّانِعِ فَلَيْسَتْ يَدُهُ عَلَى الْبُسُطِ يَدَ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَمَانَةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا كَانَتْ الْبُسُطُ لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ لِنَفْسِهِ، وَالدَّرَاهِمُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَلَمْ يَسْأَلْ الْمُسْتَفْتِي عَنْهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْبُسُطَ وَأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ خَطَأٌ.

وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ وَأَنَّ الصُّوفَ مِلْكُ الدَّافِعِ فَالصَّنْعَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْأَعْيَانِ وَحُكْمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُجْرَةِ حُكْمُ الْمَبِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّمَنِ وَيَدُ الصَّانِعِ عَلَيْهِ يَدُ ضَمَانٍ لَا يَدُ أَمَانَةٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا يَدُ أَمَانَةٍ خَطَأٌ وَيُبَيِّنُ مَا يَضْمَنُهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ مَا يَعْرِضُ لَهُ، فَإِنْ فَرَضَ صُورَةً أُخْرَى فَهِيَ لَمْ تُذْكَرْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي خَطَأِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهُ إطْلَاقٌ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ وَنَحْنُ إذَا طُلِبَ مِنَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَذَكَرْنَا تَفْصِيلًا فِيهِ وَبَيَانًا لِحُكْمِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى.

[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]

ِ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ وَجَعَلَ أَبْوَابَ الْجِنَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَفْتُوحَةً إذَا شَغَرَتْ وَظِيفَةٌ وَحَضَرَ إلَى الْقَاضِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا وَوِلَايَةُ الْقَاضِي شَامِلَةٌ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَوْلِيَتُهُ وَمَتَى أَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَصَى وَإِنْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَحَقُّ وَلَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا يُعْذَرُ بِكَوْنِهِ يَخْشَى أَنْ لَا يَنْفُذَ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَالْقَاضِي مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَظَائِفِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إلَى أَهْلِهَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَقَ إلَى

ص: 449

مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَهَذَا سَبْقٌ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَلَمْ يُعْذَرْ أَيْضًا بِكَوْنِ الْأَحَبِّ التَّوَقُّفَ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَرْسُمُ بِهِ الْأَمِيرُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ إلَّا أَنْ يَخْشَى مِنْ الْأَمِيرِ فَيَكُونُ كَالْإِكْرَاهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) جَرَى الْكَلَامُ فِيمَا إذَا وَرَدَ اثْنَانِ عَلَى مَاءٍ مُبَاحٍ وَهُمَا مُحْتَاجَانِ وَحَاجَةُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْآخَرِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْأَخْذِ مِنْهُ

(أَجَابَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله بِمَا نَصُّهُ: ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا وَاسْتَطْرَدَ الْبَحْثُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عِنْدِي فِي الْغَزَالِيَّةِ إلَى نَظِيرِهِ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَحْوَجِ عَلَى الْأَحْوَجِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ فَهَلْ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَمِلْت إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاسْتَنْبَطْت ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَالْمُعْطِي اللَّهُ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالْإِعْطَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ الْإِمَامِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكَ أَحَدًا إلَّا مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا وَظِيفَةُ الْإِمَامِ الْقِسْمَةُ وَالْقِسْمَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِالْعَدْلِ وَمِنْ الْعَدْلِ تَقْدِيمُ الْأَحْوَجِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ مُتَسَاوِي الْحَاجَةِ فَإِذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمَا وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ مَلَّكَهُمَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا هِيَ مُعَيِّنَةٌ لِمَا كَانَ مُبْهَمًا كَمَا هُوَ بَيْن الشَّرِيكَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ وَبَدَرَ أَحَدُهُمَا وَاسْتَأْثَرَ بِهِ كَانَ كَمَا لَوْ اسْتَأْثَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) فِي حَوْضِ سَبِيلٍ هَلْ يُمْنَعُ مَنْ يَسْتَقِي مِنْهُ مِنْ السَّقَّايِينَ؟

(أَجَابَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله لَا يُمْنَعُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ شَرْطَ وَاقِفِهِ بِتَخْصِيصِهِ إلَّا أَنْ يَسْبِقَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَشْرَبُ أَوْ يَسْقِي دَابَّةً وَنَحْوَهَا فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ وَيَتَأَخَّرُ الْمَسْبُوقُ حَتَّى يَفْرُغَ السَّابِقُ حَاجَتَهُ وَهَذَا حُكْمُ أَحْوَاضِ السَّبِيلِ كُلِّهَا يُقَدَّمُ السَّابِقُ أَبَدًا لِشُرْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ اسْتِقَاءٍ أَوْ بَغْلٍ وَيَتَأَخَّرُ الْمَسْبُوقُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ وَتَنَازَعَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ عَنْ أَنْهَارِ دِمَشْقَ وَمَجَارِيهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَمْ لَا؟ .

وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ الْأَنْهَارَ الْمَذْكُورَةَ وَمَجَارِيهَا الْعَامَّةَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً بَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا وَأَمَّا وَقْفٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَنْهَارَ الْكِبَارَ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ مُبَاحَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالْإِحْيَاءِ وَلَا بِالْبَيْعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ حَافَّاتُهَا الَّتِي يَحْتَاجُ عُمُومُ النَّاسِ إلَى الِارْتِفَاقِ بِهَا لِأَجْلِهَا وَالْأَنْهَارُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي حَفَرَهَا قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ مَعْرُوفُونَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ مُشْتَرَكَةٌ لَهُمْ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ.

وَالْأَنْهَارُ الْمَجْهُولَةُ الْحَالِ إذَا كَانَتْ

ص: 450

فِي أَيْدِي النَّاسِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، أَمَّا هَذِهِ الْأَنْهَارُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي يَدِ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ وَلَا الْمَجَارِي الَّتِي يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْهَا وَإِنَّمَا فِي يَدِ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ بِدِمَشْقَ وَبِظَاهِرِهَا أَمْلَاكٌ لَهُمْ مِنْ دُورٍ وَطَوَاحِينَ وَحَمَّامَاتٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْلَاكٍ وَأَوْقَافٍ بِدِمَشْقَ وَبِضِيَاعٍ فِي ظَوَاهِرهَا وَغُوطِهَا وَمُرُوجِهَا وَتِلْكَ الْمَجَارِي يَصِلُ فِيهَا الْمَاءُ إلَيْهِمْ مِنْهَا وَيُضَافُ إلَيْهَا إضَافَةَ تَخْصِيصٍ لَا إضَافَةَ مِلْكٍ وَأَيْدِيهِمْ إنَّمَا هِيَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ خَاصَّةً لَا تَتَجَاوَزُهَا.

وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَجَارِي وَالْحُقُوقُ تُوجِبُ لَهُمْ مِلْكًا فِيهَا أَوْ فِي النَّهْرِ لَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاقِعٍ بِعِلْمٍ إنَّمَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمِلْكِهِمْ عَلَى مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنَّمَا لِمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فِي إجْرَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَيْهِ وَذَلِكَ الْمَجْرَى وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَمِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ مَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَمْلِكُ مِنْ أَرْضِهِ خَارِجًا عَنْ حَدِّ مِلْكِهِ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ بَلْ ذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ وَإِمَّا وَقْفٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَرَى عَلَيْهِ أَثَرُ مِلْكِ كَافِرٍ قَبْلَ الْفَتْحِ وَدَخَلَ فِي الْفَتْحِ فَقَدْ شَمِلَهُ وَقْفُ عُمَرَ رضي الله عنه كَسَائِرِ الْأَرَاضِي وَكَأَرْضِ السَّوَادِ سَوَاءٌ كَانَ أَرْضًا كَأَرْضِ نَهْرِ بُرْدَا أَوْ ثَوْرَا أَوْ بَانَاسٍ وَغَيْرِهَا أَوْ بِنَاءٍ كَالْقَنَوَاتِ وَالْمَجَارِي الَّتِي دَاخِلُ دِمَشْقَ وَخَارِجُهَا وَالدُّورُ الْمَبْنِيَّةُ الَّتِي يَصِلُ الْمَاءُ فِيهَا إلَيْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَالتَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَلِلنَّاظِرِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْفَتْحِ لِمَنْ يَرَى اتِّصَالًا إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُبَاحٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» وَأَرْضُ النَّهْرِ وَحَافَّاتُهُ كَمَا قُلْنَا فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى النَّاظِرِ الْعَامِ ذَلِكَ.

وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ أَثَرُ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْهُ فَهَذَا مَقَامٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَرَّرَ وَيُفْهَمَ.

وَحُكْمُ الْأَنْهَارِ الْمُبَاحَةِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً أَنَّ الْأَعْلَى يُسْقَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَالْأَنْصَارِيِّ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ حَقُّ الْأَسْفَلِ أَمَّا إذَا سَبَقَ كَمَا إذَا سَبَقَ وَاحِدٌ فَأَحْيَا مَكَانًا إلَى جَانِبٍ وَشَطِّ النَّهْر ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَأَحْيَا مَكَانَهَا عَلَى فُوَّهَةِ النَّهْرِ فَهُوَ أَعْلَى وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْأَسْفَلَ سَبَقَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا وَجَدْنَا مَكَانَيْنِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ وَجَهِلْنَا السَّابِقَ مِنْهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِهِ قَدَّمْنَا الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْأَسْفَلِ شِرْبًا وَلَمْ نَجِدْ لِلْأَعْلَى شِرْبًا وَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ شِرْبًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَنَعْنَاهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّا نُسْتَدَلُّ بِشُرْبِ الْأَسْفَلِ عَلَى تَقْدِيمِهِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَهَذِهِ الْقَنَوَاتُ وَالْمَجَارِي الَّتِي فِي دِمَشْقَ وَظَوَاهِرِهَا قَدْ ثَبَتَ بِهَا حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ هِيَ لَهُ فَلَا يُبْطِلُهَا وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ أَنْ يُحْدِثَ شِرْبًا

ص: 451

يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَيْهِ.

نَعَمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّهْرِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْأَسْفَلِ وَيَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مِلْكُهُ مُجَاوِرًا لِمَاءِ النَّهْرِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ تَصَرُّفُهُ إلَّا فِي الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ مِلْكُهُ مُجَاوِرًا لِحَافَّةِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ إلَّا إنْ كَانَ حَقًّا ثَابِتًا لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا مَا لَمْ يَزِدْ الضَّرَرُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ. فَمِنْ ذَلِكَ صُورَةٌ وَقَعَتْ الْآنَ بِدِمَشْقَ وَهِيَ الْخَانْقَاهْ السَّمِيسَاطِيَّةُ وَالْخَانْقَاةُ الْأَنْدَلُسِيَّةُ لَهُمَا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابٌ وَقْفُهُمَا حَقٌّ مِنْ نَهْرِ الْقَنَوَاتِ وَلَمْ يُعَيَّنْ فِي الْكِتَابِ لَكِنْ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى تَعْيِينِهِ وَعَادَةٌ.

وَمِنْ عَادَاتِهِ أَنْ يَمُرَّ فِي مَكَان وَيَصِلَ إلَيْهِمْ مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بُسْتَانًا لِغَيْرِهِمْ فَحُكِرَ وَحَدَثَتْ فِيهِ أَبْنِيَةٌ فَاسْتَوْلَى أَصْحَابُ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ عَلَى الْمَاءِ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ جُنَيْنَاتٍ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهَا وُصُولُ مَاءِ الصُّوفِيَّةِ إلَيْهِمْ فَأَرَادَ الصُّوفِيَّةُ فَتْحَ مَكَان مِنْ الْبُدَاةِ قَرِيبٍ مِنْ بُسْتَانِهِمْ يَصِلُ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِمْ مِنْ الْمَاءِ إلَى بُسْتَانِهِمْ وَسُدَّ ذَلِكَ الْمَكَانُ الَّذِي مِنْهُ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْحِكْرِ فَنَظَرْت فِي ذَلِكَ فَوَجَدْت مَتَى فَتَحَ الصُّوفِيَّةُ مَا يَقْصِدُونَهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ الْمَفْتُوحِ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَقِيَّةِ أَهْلِ النَّهْرِ لِنَقْصِ الْمَاءِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ وَمَتَى بَقِيَ الْآنَ عَلَى حَالِهِ تَضَرَّرَتْ الصُّوفِيَّةُ وَمَتَى سُدَّ عَنْ الْحِكْرِ بِالْكُلِّيَّةِ تَضَرَّرَ أَصْحَابُ الْحِكْرِ وَلَهُمْ حَقُّ الشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ لِمُرُورِهِ إلَيْهِمْ وَالْعُرْفُ يَقْتَضِي فِيمَا يَمُرُّ مِنْ الْمَاءِ بِذَلِكَ فَرَأَيْت أَنْ يَبْقَى لِأَهْلِ الْحِكْرِ حَقٌّ وَلِبُسْتَانِ الْخَانْقَتَيْنِ حَقٌّ، وَجَعْلُهُ نِصْفَيْنِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْبُسْتَانِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ شُرْبِ الْآدَمِيِّ وَوُضُوئِهِ فَرَأَيْت الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحِكْرِ ثُلُثُهُ وَلِلصُّوفِيَّةِ ثُلُثَاهُ فَيَبْقَى مِنْ الْمُعْلَمِ الْمَفْتُوحِ إلَى الْحُكْمِ ثُلُثُهُ وَيُسَدُّ ثُلُثَاهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ الصُّوفِيَّةُ بِنَاءُ مَجْرَى فِي تِلْكَ الْأَرْضِ يَتَعَذَّرُ عَلَى أَهْلِ الْحِكْرِ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَمُرُّ الْمَاءُ إلَيْهِمْ مِنْهُ فِعْلًا وَإِلَّا فَيُرْمَى مَاؤُهُمَا أَعْنِي مَاءَ الثُّلُثَيْنِ عَلَى مَاءِ الرُّوَاةِ يَمُرُّ فِيهَا إلَى قُرْبِ بُسْتَانِ الصُّوفِيَّةِ يُفْتَحُ لَهُمْ مِنْ الرُّوَاةِ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْأَمْرِ مِقْدَارٌ وَيُدْخَلُ لَهُمْ مِنْهُ قَدْرُ ثُلُثَيْ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْ ذَلِكَ الْحِكْرِ لِيَمُرَّ بِهِمْ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَوْثُوقٌ بِهِ وَمَتَى قِيلَ لِأَهْلِ الْحِكْرِ لَا تَسْقُوا بِهِ شَجَرًا لَا يَوْثُقُ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْرَى الْمُسْتَحَقِّ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كُتِبَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالدَّهْشَةِ انْتَهَى.

ص: 452