الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى حَالَتِهِ، لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَأْتِي وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَعَمْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ إتْبَاعَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ نَبِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي زَمَانِهِ أَوْ فِي زَمَنِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَآدَمَ كَانُوا مُسْتَمِرِّينَ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ وَرِسَالَتِهِمْ إلَى أُمَمِهِمْ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ عَلَيْهِمْ وَرَسُولٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَنُبُوَّتُهُ وَرِسَالَتُهُ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَأَعْظَمُ وَتَتَّفِقُ مَعَ شَرَائِعِهِمْ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ، وَتُقَدَّمُ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا عَسَاهُ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ، إمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ النَّسْخِ أَوْ لَا نَسْخَ وَلَا تَخْصِيصَ بَلْ تَكُونُ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُولَئِكَ الْأُمَمِ مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ، وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَوْقَاتِ.
وَبِهَذَا بَانَ لَنَا مَعْنَى حَدِيثَيْنِ خَفِيَا عَنَّا أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «بُعِثْت إلَى النَّاسِ كَافَّةً» كُنَّا نَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ زَمَانِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَبَانَ أَنَّهُ جَمِيعُ النَّاسِ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» كُنَّا نَظُنُّ أَنَّهُ بِالْعِلْمِ فَبَانَ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ الْحَالُ بَيْنَ مَا بَعْدَ وُجُودِ جَسَدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبُلُوغِهِ الْأَرْبَعِينَ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ وَتَأَهُّلِهِمْ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلَا إلَيْهِمْ لَوْ تَأَهَّلُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَتَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ عَلَى الشُّرُوطِ قَدْ يَكُونُ بِحَسَبِ الْمَحِلِّ الْقَابِلِ وَقَدْ يَكُونُ بِحَسَبِ الْفَاعِلِ الْمُتَصَرِّفِ فَهَاهُنَا التَّعْلِيقُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْمَحِلِّ الْقَابِلِ وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ وَقَبُولُهُمْ سَمَاعَ الْخِطَابِ وَالْجَسَدِ الشَّرِيفِ الَّذِي يُخَاطِبُهُمْ بِلِسَانِهِ وَهَذَا كَمَا يُوَكِّلُ الْأَبُ رَجُلًا فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا فَالتَّوْكِيلُ صَحِيحٌ وَذَلِكَ الرَّجُلُ أَهْلٌ لِلْوَكَالَةِ وَوَكَالَتُهُ ثَابِتَةٌ، وَقَدْ يَحْصُلُ تَوَقُّفُ التَّصَرُّفِ عَلَى وُجُودِ كُفُؤٍ وَلَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّوْكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ]
(آيَةٌ أُخْرَى)
قَالَ رحمه الله: قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] أَقُولُ " أَوْ " هَاهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى {يَتَوَفَّاهُنَّ} [النساء: 15] فَيَكُونُ الْإِمْسَاكُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُغَيًّا بِإِحْدَى غَايَتَيْنِ: الْمَوْتِ أَوْ جَعْلِ السَّبِيلِ، وَجَعْلُ السَّبِيلِ إمَّا مَشْرُوعِيَّةُ الْحَدِّ وَإِمَّا نَفْسُ الْحَدِّ