الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
122 -
بيان معنى حديث: "لا عدوى ولا طيرة
"
س: ورد في الحديث الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل (1)» ماذا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا عدوى " أهي عدوى المرض نرجو التوضيح؟ (2).
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ويعجبني الفأل "، قيل يا رسول الله: وما الفأل؟ قال: " الكلمة الطيبة (3)» فقد كانت العرب تعتقد العدوى، ويقولون: إنه إذا خالط المريض الأصحاء، أصيبوا بمثل مرضه، وقالوا للنبي:«يا رسول الله، الإبل تكون كذا وكذا فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فقال عليه الصلاة والسلام: " فمن أعدى الأول: لا عدوى ولا طيرة (4)» ، والمعنى نفي العدوى التي يعتقدها الجهال من المشركين، وأن المرض كالجرب ونحوه يعدي بطبعه، هذا باطل، أما كون الخلطة تؤثر، فهذا ما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم، الخلطة قد تؤثر، قد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح، بسبب الخلطة بإذن الله جل وعلا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
(1) البخاري الطب (5425)، أبو داود الطب (3911)، أحمد (2/ 434).
(2)
السؤال الثالث من الشريط رقم 411
(3)
أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، برقم 2224
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رقم 9329
«لا يورد ممرض على مصح (1)» يعني لا يورد صاحب الإبل المراض على صاحب إبل صحاح، من باب تجنب أسباب الشر، وقال:«فر من المجذوم فرارك من الأسد (2)» ، هذا من أسباب اجتناب الشر، فالعدوى التي يعتقدها الكفار باطلة، وهو كون المرض ينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه من دون قدر الله، ولا مشيئته هذا باطل، أما كون المرض ينتقل من المريض إلى الصحيح بإذن الله، فهذا قد يقع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«فر من المجذوم فرارك من الأسد» يعني لا تجالسه، قد ينتقل مرضه إليك، وقال:«لا يورد ممرض على مصح» ، يعني إذا ورد الجميع الماء.
فالممرض صاحب الإبل المراض، لا يوردها مع صاحب الإبل الصحاح، بل يكون هذا له وقت، وهذا له وقت، بعدا عن العدوى، وبعدا عن انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة.
والخلاصة: أن الشريعة جاءت باجتناب أسباب الشر، مع الإيمان بأن الأمور بيد الله، وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره سبحانه، فاعتقاد المشركين أن العدوى تنتقل حتما بنشرها وطبعها هذا باطل، أما كونه ينتقل بإذن الله، إذا شاء فهذا واقع، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5771
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
الوقاية، وقال:«لا يورد ممرض على مصح (1)» ، «وفر من المجذوم فرارك من الأسد (2)» مع أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد المجذوم، وأكل معه وقال:«كل بسم الله، ثقة بالله (3)» ؛ ليبين أن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى وأن الله هو الذي يقدر الأمور، فإذا اجتنب مخالطة المجذومين، هذا هو المشروع بعدا عن الشر، ولو فعل ذلك وأكل معهم، لبيان أن الأمور بيد الله، وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وإنما ينتقل بقدر الله، إذا فعل هذا بعض الأحيان، لإبطال العدوى التي يعتقدها الجاهليون، هذا حسن كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الواجب الأخذ بالأسباب فالإنسان يبتعد عن أسباب الشر، ويحذر أسباب المرض، ولا يعرض نفسه للخطر، ومع هذا يعتمد على الله ويتوكل عليه، ويعلم أن الأمور بيده سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (4)، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (5) ولكن مع اجتناب أسباب الشر، فلا يخالط المرضى الذين قد جرت العادة بإذن الله، أن مرضهم ينتقل ولا يخالط أهل الشر؛ لأنه قد
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم، برقم 1817.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
(3)
الترمذي الأطعمة (1817)، أبو داود الطب (3925)، ابن ماجه الطب (3542).
(4)
سورة المائدة الآية 23
(5)
سورة الطلاق الآية 3
يصيبه ما أصابهم من الشر فيفعل أفعالهم، ويحرص على صحبة الأخيار؛ لأن ذلك من أسباب أن يتخلق بأخلاقهم، ولا يأكل الأشياء التي يعلم أنها قد تضر، وما أشبه ذلك.
س: الأخ: ر. س. س. يسأل ويقول: قرأت في كتاب التوحيد، هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (1)» السؤال: ماذا يقصد صلى الله عليه وسلم بقوله: لا عدوى؟ والعلم الحديث قد أثبت أن كثيرا من الأمراض تنتقل بالعدوى. وضحوا لي هذا الأمر، جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: الحديث المذكور صحيح، أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم:«ولانوء ولا غول (3)» في الحديث أيضا: «ويعجبني الفأل " قيل يا رسول الله ما الفأل؟. قال: " الكلمة الطيبة (4)» فالعدوى: التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة، أن الأمور تعدي بطبعها من دون قضاء الله وقدره سبحانه، وأن
(1) البخاري الطب (5425)، أبو داود الطب (3911)، أحمد (2/ 434).
(2)
السؤال الثالث من الشريط رقم 280
(3)
أخرجه الإمام البخاري في كتاب الطب، باب لا عدوى، برقم 5776، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم، برقم 2224
(4)
البخاري الطب (5440)، مسلم السلام (2224)، الترمذي السير (1615)، أحمد (3/ 178).
انتقال الجرب أو الجذام من شخص إلى شخص، أو من دابة إلى دابة، أن هذا طبعي، لا دخل لقدر الله في ذلك، ولا لفعله إياه سبحانه وتعالى، هذا باطل. فلا انتقال من عين إلى عين في الجرب وغيره إلا بإذن الله وقدره السابق، وحكمته سبحانه وتعالى، ولهذا لما قال بعض أهل البادية، لما سمع:«لا عدوى " قال: يا رسول الله الإبل كثيرة، يكون فيها البعير الأجرب، فتجرب كلها. قال صلى الله عليه وسلم: " فمن أعدى الأول (1)» يعني من الذي أنزل الجرب بالأول، الله هو الذي أنزله، بحكمة بالغة. فالذي أنزله بالأول، هو الذي أنزله بالبقية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«لا يورد ممرض على مصح (2)» يعني لا يورد صاحب إبل مراض إبله على صاحب الإبل الصحاح، لأن هذا وسيلة لانتقال المرض، وقال عليه الصلاة والسلام:«فر من المجذوم فرارك من الأسد (3)» ؛ لأن الجذام ينتقل، وهذا معناه إقرار الانتقال للمرض بالعدوى لكن ليس العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة، قد ينتقل عند المخالطة. إذا خالط الأجرب الصحيح،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن، برقم 5717
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5771، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء، برقم 1222.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
والمجذوم الصحيح، قد ينتقل. وهكذا الأمراض الأخرى عند الاختلاط قد ينتقل، وقد لا ينتقل، هو ليس بلازم. لكن إذا أبعد الصحيح عن المريض، يكون هذا هو الأفضل، هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يورد ممرض على مصح (1)» وقال آمرا: «فر من المجذوم فرارك من الأسد (2)» فالمعنى أبعدوا المريض عن الصحيح، إذا كان يخشى منه العدوى، لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض، ولكن ينبغي اعتقاد أنه لا عدوى، بطبعها وأن انتقاله إذا انتقل، ليس لأنه يعدي بطبعه، وأنه ليس بإذن الله ولا بمشيئة الله، بل ينتقل، لكن بمشيئة الله، وبإذنه، وقدره سبحانه وتعالى، لا أحد يستطيع أن ينقل شيئا إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حيوان ولا إنسان ولا مثل ذلك، كل شيء بقضاء وقدر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (3)» ، ويقول الله في كتابه العظيم:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (4)، ويقول جل وعلا:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (5)، المقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها، الصحة، والمرض، والسفر، والإقامة، والولد، ذكرا كان أو أنثى،
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كل شيء بقدر، برقم 2655
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
(3)
مسلم القدر (2655)، أحمد (2/ 110)، مالك الجامع (1663).
(4)
سورة الحديد الآية 22
(5)
سورة القمر الآية 49
والحياة، والموت، وغير ذلك. كلها بأقدار ماضية من الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1)» ، فالأمور كلها مقدرة. فكون هذا البعير يمرض، أو هذا الفرس، أو هذا الإنسان، كله بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط المريض، فيصاب بمرضه، هذا بقدر، وليس بلازم قد يقع، وقد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب، وقد يكون إنسان مع المجذوم ولا يصاب بالجذام، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بيد مجذوم وهو يأكل، فقال:«كل بسم الله، ثقة بالله (2)» ولم يجذم عليه الصلاة والسلام، فالإنسان إذا خالطهم، في بيان أن الله جل وعلا هو المقدر، وليعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى، ولكن بمشيئة الله، فيفعل ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله، فهو سبحانه الجواد الكريم، الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة، التي بينها رسوله صلى الله عليه وسلم، والخلاصة أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية، يعني لا عدوى بالطبع، ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال، قد تقع بمشيئة الله وإذنه، بسبب الاختلاط بين المرضى والأصحاء، في بعض الأحيان.
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653
(2)
الترمذي الأطعمة (1817)، أبو داود الطب (3925)، ابن ماجه الطب (3542).