الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
81 -
بيان أن شياطين الجن هم الذين يعلمون السحر للسحرة
س: الأخ: ص. ش. من الجمهورية العربية السورية، يسأل ويقول: هل يستطيع الساحر الاتصال بالشياطين كما يزعم فعلا؟ وبالتالي يستطيع أن يغير ما يريده الشخص المسلم الواعي، والذي يحفظ قدرا كبيرا من القرآن وذلك بواسطة هؤلاء الشياطين؟ وإن كان ذلك ممكنا، فماذا يترتب على الشخص أن يفعل إذا ابتلي بالسحر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السحر بين الله جل وعلا في كتابه العظيم، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه موجود، وأن السحرة موجودون، وأن الشياطين هم الأساتذة، هم الذين يعلمونهم السحر، شياطين الجن هم الذين يعلمون شياطين الإنس السحر، والسحر يكون بالرقى الشيطانية والتعوذات الشيطانية والعقد والنفث، كما قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (2) يعني السواحر اللاتي ينفثن في العقد، بكلمات ضالة، خاطئة، يردن بها إيذاء المسحور، ويقع بالتخييل، كما قال تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (3) فيخيلون للإنسان أن الحبل حية،
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 267
(2)
سورة الفلق الآية 4
(3)
سورة طه الآية 66
والعصا حية، والكلب نوع آخر، والقط نوع آخر إلى غير ذلك، يسميه العامة التقمير، يعني يقمر على العيون، كما قال جل وعلا:{فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (1) وسحروا أعين الناس، يعني لبسوا عليهم، حتى صار الإنسان ينظر الشيء على غير وجهه، ويظنه غير المعروف، بسبب ما وقع من التلبيس، الذي شوش على العين، حتى ظن الناس أن الحبال والعصي، بسبب سحرة فرعون، ظنوا أنها حيات، واعتقدوا أنها حيات، والساحر يتلقى من الشياطين، قال تعالى:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) هكذا بين سبحانه وتعالى، ثم قال:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} (3) يعني ويعلمونهم ما أنزل على الملكين، {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} (4) يعني الملكين هاروت وماروت {حَتَّى يَقُولَا} (5) للمتعلم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (6) يعني أن الملكين فتن بهما الناس، فلا تكفر بتعاطي السحر، فدل ذلك على أن تعاطي السحر كفر بعد الإيمان، وردة بعد الإسلام إذا كان مسلما؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين، والتقرب إليهم بالذبح والنذر، والاستغاثة والسجود لهم، ونحو ذلك، فيكون الساحر بهذا كافرا مرتدا، لكونه يتعاطى مع الشياطين ما هو من حق الله، من العبادة؛ ولهذا قال
(1) سورة الأعراف الآية 116
(2)
سورة البقرة الآية 102
(3)
سورة البقرة الآية 102
(4)
سورة البقرة الآية 102
(5)
سورة البقرة الآية 102
(6)
سورة البقرة الآية 102
جل وعلا: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} (1) يعني ينصحانه، حتى يقولا له {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} (2) يعني من هاروت وماروت {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (3) يعني يتعلمون من الملكين أشياء من السحر تلبس على الزوج والزوجة، حتى يعتقد الزوج أن المرأة هي التي ساءت حالها وتغيرت طباعها، حتى يبغضها ويطلقها، وهكذا المرأة يلبسون عليها ويقمرون عليها ويسحرون عينها، بالنسبة إلى زوجها حتى تتخيل أنه غير زوجها وأن صورته تغيرت وحاله تغيرت، فتنكره وتطلب الفراق. قال تعالى:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (4) يعني لا يقع السحر إلا بإذن الله، يعني بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي. لأن الله سبحانه ما أذن فيه شرعا، بل حرمه وحذر منه. ولكنه يقع بإذنه الكوني القدري، كل شيء بقدره، الطهور والإيمان والسحر والقتل والأكل والشرب والموت والحياة، كلها بقدره، كلها بإذن الله وقدره، فلهذا قال سبحانه:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (5)، ثم قال سبحانه وتعالى:{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (6)، دل على أن السحر يضر ولا ينفع، والمضرة على الساحر وعلى المسحور جميعا، وشره عظيم، وقدره الله لحكمة بالغة، وابتلاء وامتحان، ثم قال سبحانه:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} (7) يعني: السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (8)
(1) سورة البقرة الآية 102
(2)
سورة البقرة الآية 102
(3)
سورة البقرة الآية 102
(4)
سورة البقرة الآية 102
(5)
سورة البقرة الآية 102
(6)
سورة البقرة الآية 102
(7)
سورة البقرة الآية 102
(8)
سورة البقرة الآية 102
يعني من الجزاء {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} (1) معنى شرى يعني باع، يعني باعوا أنفسهم على الشيطان {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (2)، ثم قال سبحانه:{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3) فدل على أن السحر ضد الإيمان والتقوى، وضد الآخرة.
فالواجب على كل إنسان أن يحذره، على كل مسلم أن يحذر السحر ويتباعد عنه، وعن أسبابه وعن أهله، وفي إمكان المؤمن أن يتعوذ بالله من السحرة ويبتعد عنهم بالاعتصام بحبل الله والاستقامة على دين الله، وعدم الركون لهم، وعدم التعلم منهم، ويتحرز من ذلك بالأشياء المشروعة، مثل: آية الكرسي عند النوم وبعد كل صلاة، ومثل: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، بعد كل صلاة وبعد المغرب والفجر ثلاث مرات، وعند النوم ثلاث مرات، كل هذا من أسباب السلامة من السحر، وهكذا كونه يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هذا أيضا من أسباب العافية. فالمؤمن يتحرز من كل شر بما شرعه الله، ومن ذلك السحر، لأنه شر عظيم، خطره كبير، فالواجب على المؤمن أن يحذر كل شر، وأن يتعاطى الأسباب التي جعلها الله أسبابا للسلامة، ويعلم أنها بيد الله سبحانه وتعالى، فلا يضرك ساحر ولا غيره إلا بإذن الله، فالجأ
(1) سورة البقرة الآية 102
(2)
سورة البقرة الآية 103
(3)
سورة البقرة الآية 103
إلى الله واستقم على دينه، والتزم التعوذات الشرعية والأسباب الشرعية، وبذلك تسلم بإذن الله، ولا يضرك السحرة ولا الشياطين، ومن أسباب السلامة: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، صباحا ومساء، وبسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، صباحا ومساء. هذه من أسباب السلامة من كل سوء، «جاء رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: لدغتني عقرب البارحة، فقال: " أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق، لم تضرك (1)» وقال صلى الله عليه وسلم «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2)»، وقال صلى الله عليه وسلم «من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحا لم يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساء لم يضره شيء حتى يصبح (3)» ، هذه نعمة من الله عز وجل، فعليك يا عبد الله أن تجتهد في التعوذات الشرعية، والأسباب الشرعية،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والتعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والتعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 476