الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخشى أن أعود للهروين
!!
المجيب د. سيد زكي خريبة
استشاري صحة نفسية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/
المخدرات
التاريخ 17/9/1422
السؤال
كنت أستعمل الهروين والحشيش وتبت منه ولله الحمد - إلا أنني بعد سنتين رجعت للدخان بسبب ظروف العمل، وقد حاولت أن أحضر مجالس الخير، وأسمع الأشرطة النافعة ولكني أحس أني لا أستفيد وأني قد طمس على قلبي والعياذ بالله وأتذكر الموت قبل أن أستعمل الهروين مثلاً ثم لا أنتهي بل أبادر بأخذ الجرعة.
فما نصيحتكم لي؟ وهل أستمر أعمل خير أم لا؟ لأني أصبحت في تدن مستمر ولا تنسونا بدعوة خاص.
الجواب
رداً على استفسارك المرسل لنا بشأن انتكاستك ورجوعك لتعاطي الهروين، بعد أن منّ الله عليك بالتعافي وظللت سنتين متعافياً، ولكنك تقول بأنك رجعت إلى التدخين أولاً بسبب العمل، وبسبب الذين لا يحترمون مشاعرك " هذا هو الجزء الأول من استفسارك ".
والجزء الثاني: تقول فيه إنك تحب أهل الخير والصلاح، تسمع الأشرطة النافعة إلا أنك كما تقول: لا تستفيد منها خاصة بعد أن أصابتك الانتكاسة.
الجزء الثالث: وهو طلبك للنصيحة بشأن هل تستمر في عمل الخير أم لا؟ خاصة وأنك تشعر بأنك أصبحت تتراجع من الأعلى إلى الأسفل.
الأخ العزيز:
في بداية الرد على استفسارك ككل أقول لك قول الله تعالى:
(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) فأنت كما تقول شاب تحب أهل الخير والصلاح، وهذا يدل على أنك من بيئة صالحة طيبة، والخير فيك وفي أهلك من قبل إذ إن الإدمان ظاهرة مستحدثة على هذا المجتمع ولا يعرف أجدادك تلك الآفة المدمرة، وما كان أبوك امرأ سوء، وإنما قد دخل هذا الشيء لمجتمعنا وأصاب البعض كما دخل مجتمعات أخرى لم تكن تعرف الإدمان من قبل بصرف النظر عن كيفية معرفتك بالتدخين أو الحشيش والهروين وتعاطيك لهذه العقاقير فأنت قد تبت - كما تقول - ومنّ الله عليك بالتعافي، وكنت تحضر مجالس الخير، وهذا شيء طيب وظللت على هذا الحال سنتين متعافياً إلا أنك - كما تقول - انتكست ورجعت للدخان بسبب العمل.
الأخ العزيز: أنت لست الشخص الأول الذي تعافى وحدث له انتكاسة..فالانتكاسة واردة، ولكن اسمح لي أيها الأخ العزيز - أن أحملك بعض اللوم في عودتك أولاً للتدخين الذي يُعد النافذة المباشرة للدخول في عالم المخدرات ـ خاصة وأنت صاحب تجربة سابقة إذ يعقب تدخين السيجارة تعاطي الحشيش لأن السيجارة لم تعط اللذة المنشودة التي سبق أن حصلت عليها من تعاطي الحشيش فتضطر تعاطي الحشيش.
وأنت تقول إن سبب عودتك للدخان هو العمل، والذين لا يحترمون شعورك ـ فأنا أقول: لك لا - أيها الأخ العزيز ـ فالعمل حثنا عليه ديننا الحنيف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإذا كنت لا تستطيع أن تواجه ضغوط العمل أو الأشخاص الذين لا يحترمون شعورك إلا بالتدخين فتكون مخطئاً خطأً كبيرا، ً وكل العملية تكمن في أنك محتاج إلى إعادة ثقتك بذاتك لأنها تبدو مهزوزة والدليل إنك عدت للتدخين لمجرد شيء بسيط كان بمثابة بوابة للانتكاسة، وأود أن أزودك بمعلومة هامة وهي: إن إدمان الهيروين يوقع بك في السلوك المضاد للمجتمع، ويجعلك متدهوراً اجتماعيا، والفشل المستمر في العمل وما يترتب عليه من أشياء أخرى مثل القلق، وعدم القدرة على الاستقرار، والإحساس بالتوتر العصبية ولآلام بكل الجسم في حالة مرور عدة ساعات من تعاطيك للجرعة ، مما يدفعك للعودة مرة أخرى إليه لتعيش مع الانشراح الاصطناعي وتبدو وكأنك في حلم ، وغير مبال وكأنك منفصلاً عن العالم الواقعي.
أما عند سماعك للأشرطة النافعة وإحساسك بأنك لا تستفيد منها، وإحساسك بأنه قد طمس على قلبك، كل المشكلة تكمن هنا في ضعف " الأنا " لديك و "الأنا" قسم من أقسام جهاز النفس البشرية ، كما يقول صاحب النظرية التحليلية إن "الأنا" هو مركز الشعور والإدراك الحسي الخارجي والداخلي، والعمليات العقلية ويعمل على التوافق مع البيئة ـ وإحداث التكامل وحل الصراع بين المطالب الملحة طبقاً للغرائز والشهوات، وبين الضمير الأخلاقي " للأنا الأعلى "
واليك أقسام الجهاز النفسي: (الهو - الأنا - الأنا الأعلى)
فالأنا هنا يقف موقف الوسط للتوفيق بين مطالب القسم الأول في ضوء الضمير
والقيم الأخلاقية فإذا فشل في عملية التوفيق (أي حدث له ضعف) فإن الشهوات والغرائز تنتصر وتسيطر على مسرح النفس ويقوم الفرد بارتكاب أي شيء مخالف للضمير الأخلاقي
عزيزي الأخ: إن كل ما حدث لك من مشكلات ناجم عن ضعف "الأنا" لديك، وعدم قدرته على التوفيق بين المطالب الغريزية الشهوانية وبين ضميرك، بصرف النظر عن الأسباب، فأنت تعلمها أكثر من أي شخص آخر خاصة إذا كان السبب أصحاب السوء، أو تذكرك للماضي وما يجلبه المخدر من لذة ومتعة وهمية خيالية كل ذلك أضعف "الأنا" لديك وجعلك تعود للتعاطي.
الأخ العزيز: حينما تقول أنك تتذكر الموت قبل الاستعمال فهو شيء من لوم الضمير لك إلا أنه من شدة اللوم ـ تريد معاقبة ذاتك فتقبل على التعاطي لأن "الأنا" لديك ضعيف ولم تستطيع تحمل الصراع، ولكي يقوي أناك إذن فعليك بالتوبة النصوح، والشعور بالذنب، لأن الشعور بالذنب بعد التوبة النصوح يعد استبصاراً حقيقياً لمعرفة الفرد بذاته وهنا يقوى "الأنا" في ضوء الإيمان بالله والرغبة الصادقة في التخلص من المشكلة، وكما قلت في البداية قول الله تعالى: (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا (.
وعليك بعد تذكر اللذة والمتعة الوهمية من جراء التعاطي بل إذا راودتك فتذكر على الفور المشكلات التي حدثت لك جراء ذلك واستغفر الله، ولا تحاول أن تجلس في مكان كنت تتعاطى فيه ما كنت تتعاطاه ـ وإذا حدث لك اشتياق فعليك الاستعانة بصديق خير لمعاونتك، وللتعافي الصادق عليك أن تركز على أربعة أهداف هامة:
الهدف الأول: الاستمرار نظيفاً من المخدرات وذلك من خلال:
1-
الكف عن الإدمان ومواجهة الإلحاح والرغبة في العودة إليه.
2-
تفهم المواقف التي قد تدفعك للإدمان مرة أخرى.
3-
استبصر خطورة العودة إلى ما يعتبره البعض بسيطاً (يعنى سيجارة واحدة لن تضر)
4-
كيفية التعامل مع الأعراض والآلام التي تظهر في الفترة الأولى من التوقف.
5-
كيفية التعامل مع ضغوط من يتعاطون المخدرات.
6-
التغلب على الإلحاح والعودة للمخدرات خاصة الفترة الأولى.
الهدف الثاني: كيفية التعامل مع الأحداث الحزينة والمفرحة:
الأخ العزيز إن التدريب على مواجهة هذه المواقف هام جداً، فهناك من يعود للمخدرات فوراً بعد أول مشكلة أو موقف، والبعض يعود للمخدرات نتيجة مناسبة سعيدة كالأفراح، فعليك هنا أن تبحث عن السعادة بدون المخدر
أن تواجه المواقف الشديدة بدون مخدر.
الهدف الثالث: العلاقات الاجتماعية: خاصة في الأيام الأولى بعد التوقف
مما لا شك فيه أن المجتمع خاصة الأهل والأقارب لن يثقوا مباشرة بمجرد إبلاغهم بتوقفك فالثقة في البداية تكون ليست على درجة عالية فيك ويجب عليك أن تقبل ذلك حتى تثبت لهم صدق تعافيك ـ وعليك بعمل صداقات جديدة ـ عليك بمصادقة إمام مسجد والحفاظ على الصلوات الخمس ـ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
الهدف الرابع: العود للعمل والنضوج
لأن العودة للعمل ستقضي على الفراغ لديك ـ فالفراغ آفة البشر ـ ويدفع بالفرد للحنين إلى الماضي ـ خاصة في ظروف مثل ظروفك ـ ومن ثم فالفراغ مشكلة كبرى علينا أن نستثمر هذا الفراغ فيما يعود علينا وعلى مجتمعنا بالخير.
وعن النصيحة التي تطلبها بشأن استمرارك في عمل الخير أم لا ـ فنقول لك استعن بالله، واستمر في تقديم عمل الخير، فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
وكونك تتألم لظن الناس فيك خيراً وأنت على عكس ذلك، فهذا شيء جيد ويعني أن ضميرك بدأ يستيقظ، وشعورك بالذنب لهو خير دليل على بداية القوة التي جاءت "للأنا" مرة أخرى بعد ضعفها، وإننا لمتفائلون لك بالخير بإذن الله، وفي نهاية الاستشارة يا صديقنا العزيز ندعو الله لك بالهداية والتعافي الصادق.
والله الموفق