الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاغترار بسعة عفو الله ورحمته
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 21/09/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي أصدقاء ملتزمون، ولكنهم لا يترددون في فعل المعاصي الكبائر منها والصغائر، بعذر أن الله غفور رحيم، وحين أنصحهم وأخوفهم بالنار يقولون:(ما منا إلا ذائقها) ، فأرجو أن تعينونا على هذا الموضوع، وهل هم على حق؟ وما حكم الذي يفعلونه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك ثقتك، واتصالك بنا عبر موقع "الإسلام اليوم" ونتمنى أن يكون اتصالك بالموقع مستمراً.
لقد قرأت رسالتك، وحيرني أمر ألا وهو: كيف الجمع بين كون أصدقاؤك ملتزمين، وبين كونهم لا يتورعون من فعل المعاصي كبيرها وصغيرها!
فكلمة ملتزم تعني أن هذا الرجل ملتزم بأمر الله من حيث فعل الأوامر وترك النواهي، أما والحالة هذه، فلا يعد هؤلاء ملتزمين، أو لعلك تقصد بالالتزام هنا، المحافظة على الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من باقي الفروض، فهذا خير، ولكن لا يسوغ لهم ذلك فعل ما حرم الله من الكبائر، نسأل الله العافية.
ولكن يبدو أن عندهم شبه عظيمة، وتأولات خاطئة، وفهم سيِّئ لنصوص الشرع، وهذا قد أدى بهم إلى انتهاك حرمات الله دون أي ورع وخوف من عقاب الله وشدة بأسه -سبحانه- بمن يجترئ على فعل ما نهى عنه وحذر، ولعل ذلك ناتج عن تغليب جانب الرجاء في عفو الله على جانب الخوف منه سبحانه، مما حدى بهؤلاء على فعل المعاصي والذنوب من الكبائر والصغائر دون رادع يمنعهم، ولا زاجر يحول بينهم وبين ما يفعلون، وهم إذا استمروا على ذلك فهم على خطر عظيم.
فكما أن الله غفور رحيم، فإنه شديد العذاب، والعقاب عظيم النكال بمن يرتكب مثل هذه الموبقات، قال تعالى:"نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ"[الحجر:49-50] فاستدلالهم على ما يفعلون من معاصٍ وذنوب بأن الله غفور رحيم، نقول لهم: وهو كذلك عذابه أليم، وعقابه شديد، فهل أنتم ضُمنَ أو ضمن لكم بأن الله يغفر لكم هذه الذنوب؟ فمن ظن ذلك فهو على خطر عظيم؛ لأنه أمن مكَر الله (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف: 99] .
ويجب أن يعلموا أن رحمة الله وعفوه لا تشمل أي أحد؛ قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ"[الأعراف: من الآية156] ، فرحمة الله وعفوه لا ينالها إلا من خافه واتقاه، والتقوى أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية؛ وذلك بفعل ما أمر، والانتهاء عما نها عنه وزجر، أما من يفعل المعاصي والذنوب من الكبائر والصغائر، وبعد ذلك يتعلَّل بعفو الله، فإنه يتمنى على الله الأماني، قال الحسن البصري: إن هناك أناساً تمنوا على الله الأماني، وقالوا: إنا نحسن الظن بالله - مع فعلهم القبيح وتركهم الجميل -. فقال رحمه الله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، فينبغي على هؤلاء -بل يجب- أن يعظموا الله في صدورهم، وأن يخافوا بطش الله وعقابه، وألا يأمنوا مكر الله، وأن يعظموا حرمات الله، وألا يكونوا مثل ما قال ابن مسعود رضي الله عنه إن الفاجر ليرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به، هكذا ولكن ينبغي أن يكون كما قال: ولكن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يريد أن يسقط عليه، فهو خائف يترقب - أو كما قال رضي الله عنه فعليهم أن يكونوا في منزلة بين المنزلتين بين الخوف والرجاء، فلا خوف يقنط من رحمة الله، ولا رجاء يؤمن من مكر الله، ولكن رجاء يوصل إلى حسن الظن بالله، ويرجي ما عنده من الخير والثواب، مع حسن العمل، وخوف يوصل إلى خشية الله والحذر من عقابه، مع الابتعاد عن كل ما يغضب الله ويسخطه.
فمثل هؤلاء يخشى عليهم أن يكونوا ممن يعنيهم قوله تعالى: "أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ"[النحل:45-46] .
ولقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام من فعل صغائر الذنوب، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم - أي أراد القوم صنع طعام لهم - فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها) أخرجه أحمد في المسند (2808) .
وفي رواية سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في نهاية الحديث (.... وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه " أخرجه أحمد (22302) .
وفي رواية عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله عز وجل طالباً) أخرجه أحمد (23894) ، وابن ماجة (4243) والدارمي (2726) .
فإذا كانت محقرات الذنوب وهي التي يستحقرها الناس ولا يعدونها شيئاً ولا يتورعون من فعلها إذا كثرت وأكثر من فعلها هلكت صاحبها، فما بالك بكبائر الذنوب؟ نسأل الله العفو والعافية.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه ونساءه من هذه الصغائر، وهم من هم في الورع والزهد، والعلم، والإيمان والتقوى وغير ذلك من أبواب البر والخير، ومع ذلك يحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من صغائر الذنوب، فمن باب أولى أن نكون أحق بالتحذير منهم، مع ما فينا من تقصير وجهل، وغرور ونقص، إلى غير ذلك من الآفات المهلكات، اللهم خذ بنواصينا إليك، أما احتجاجهم عندما تقوم بنصحهم وتخويفهم بالنار فيقولون:(وما منا إلا ذائقها) ، نقول لهم هل حكمتم على أنفسكم بالنار، وهذا الأمر مرجعة إلى العزيز الجبار، ولعلهم يتأولون قوله تعالى في سورة مريم:"وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً"[مريم:71] وهذا لا يعني أن الجميع يدخل النار؛ لأن هناك فرقاً بين الورود والدخول، قال تعالى عن موسى:"وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ"[القصص: من الآية23] فالمقصود من قوله: "وإن منكم إلا واردها" يعني المرور عليها؛ وذلك لأن الصراط -وهو الجسر- نصب على متن جهنم أي بين ظهريها، فيجتاز المسلمون وغيرهم هذا الجسر المنصوب على متن جهنم وهم بذلك قد وردوا على النار، ثم ينجي الله المسلمين بأعمالهم، ويذر المجرمين يتساقطون في النار تساقط الفراش؛ ولذلك قال الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً" [مريم:72] ، وعليك أن ترجع لتفسير هذه الآيات في كتب التفسير المعروفة كابن كثير، وتفسير الطبري، والقرطبي وغيرهم.
وبناء على ما تقدم ينبغي عليك الآتي تجاه هؤلاء الإخوة.
(1)
أن تبين لهم خطأ ما هم عليه على ضوء ما قد سبق لك بيانه.
(2)
لا يمنع بأن تذهب أنت وهم إلى بعض المشايخ والعلماء وطلبة العلم؛ حتى يوضحوا لهم ما التبس عليهم في هذا الأمر الهام.
(3)
يجب أن تذكرهم بالله وما أعده الله من العذاب الأليم والعقاب الشديد لمن يتعدَّى حدوده ويقترف الموبقات.
(4)
ذكرهم بأن الجنة أعدت للمتقين، والنار أعدت للمجرمين، وأنهم ضعفاء وأجسامهم على النار لا تقوى.
(5)
أحضر لهم الكتب والأشرطة التي تتحدث عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان كيف كان خوفهم من الله مع حرصهم على العمل، فلقد كان يسمع لصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ولعلك تطَّلع على كتاب لنا عنوانه (الخوف من الله في ضوء الكتاب والسنة وسير سلف الأمة) فلقد عالجت فيه مثل هذه المسائل.
(6)
عليك بالدعاء لهم بالهداية، واحذر من كثرة مخالتطهم إذا استمروا على هذه الحالة السيئة، هذا والله أعلم.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضى، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.