الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة الدراسية الأولى: هم الوالدين وآمال الطفل
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ تربية الأولاد/ الأساليب الصحيحة لتربية الأولاد/مرحلة الطفولة
التاريخ 5-7-1423
السؤال
ها قد بلغ ابننا السنة النظامية للالتحاق بالمدرسة وبدأ الخوف يأخذ مكانه في قلبينا نحن والده ووالدته والرهبة من مشكلة التعب ومصاعب التكيف لدى ابننا مع العملية التعليمية أنها مشاعر مختلطة فهي آمال بالنجاح العلمي وهو شعور يخالج قلب كل والدين يحب لولده الاستفادة العلمية قدر الإمكان وفي نفس الوقت خوف من الفشل وهو ما نشاهده عند أطفال صغار لم يستطيعوا المواصلة في الدراسة فكانت معاناتهم مستمرة حتى عند الكبر.
فهل لنا أن نستمع منكم شيئاً يفيدنا في هذا الموضوع؟.
الجواب
الأخ الكريم
…
شكراً لثقتك واتصالك بنا في "موقع الإسلام اليوم"
لا شك أن تجربة الطفل في سنته المدرسية الأولى ستكون مزيجاً من الفرح والسعادة إذ طالما جلس بفكر فيها بل ويلج على والديه إرساله لها
…
وإذا ما كان له أخوة كبار فإن الشوق لها أكبر بكثير كيف لا وهو يشاهد إخوانه يذهبون صباحاً ويعودون ظهراً كل يوم وهم على الدوام مشغولون إما بالدراسة أو عمل الواجب أو على الأقل في الحديث عن المدرسة وما يدور فيها من أحداث مع المعلمين وزملاء الفصل هذا التكرار اليومي الملقى على مسامعه بطريقة غير مباشرة ولا متعمدة ولدت لديه الحب الكبير في الخضوع لهذه التجربة نتيجة ما يراه من أخوة بشكل يومي.
وقد وقفت على كتابة جميلة في هذا الصدد كتبها أخصائي في علم النفسي هو الدكتور كمال الدسوقي وضمنها في كتابة الجميل " النمو التربوي للطفل والمراهق " وأنا أنشرها هنا مع بعض التصرف لما فيها من الفائدة في هذا الموضوع إذ يقول:
"يعتبر الذهاب إلى المدرسة زمنياً وسيكولوجياً نهاية عهد وبداية عهد آخر بالنسبة للصغير، فحتى سن الخامسة الصغير يتفاعل مع والديه وأشقائه أكثر مما يتعامل مع أي أحد آخر. الحقّ أنه قد يكون له في جيرته رفاق لعب، لكن الوالدين هما من يعرف من الكبار معرفة وثيقة: هما اللذان يرسمان نمط حياته اليومية، موافقتهما هي ما يهمّه. وإرضاؤهما هو ما يسعى إليه، لكن مع بداية المدرسة يتسع عالم الطفل ويصبح أكثر تعقيداً. فهو يقضي وقتاً أطول بعيداً عن البيت في صحبة أناس آخرين غير أعضاء أسرته. وتصبح آراء وأحكام وأوامر هؤلاء ذات أهمية متزايدة.. وإن كان ليشعر نحوهم باحتياج أكبر - لكنهم هم الذين أرادوا له هذا.
إن دخول ما نسميه الصف الأول بالمدرسة هو علامة تغير مفاجئ في خبرات الصغير. فلأول مرة في حياة أغلب الصغار يتوقع منهم أن يتمشوا مع نمط جماعي فرضه أحد الكبار وفي عهدته صغار كثيرون ليكون واعياً طوال الوقت بكل واحد منهم كفرد. اللوحات تعرض على المجموعة كلها مرة واحدة وبسرعة البرق، القصص تحكى وعلى كل واحد أن يصغي أراد أو لم يرد، ورق الرسم والأقلام توزع سواء تصادف الإحساس بالرغبة في الرسم بتلك اللحظة أم لا. إن أحد هؤلاء الصغار - وقد وجد هذا التحول فرق ما يحتمل - ليبدي ملاحظته بعد أول يوم له في المدرسة بقوله:" هذا شنيع، كل ما تفعله هو أن تنصاع (للأوامر وتنتبه للتعليمات) طوال اليوم " وقوله في يوم آخر: إنها شناعة حقاً، كل ما تفعله هو " أن تجلس، وتجلس، وتجلس ".
وسواء أكانت أوّل مدرسة يذهب إليها الطفل هي الحضانة أو رياض الأطفال أو المدرسة الابتدائية التي بحكم النظام لا ينبغي أن يتخلف عن اللحاق بها الأطفال عند سن السادسة، فالذهاب إلى المدرسة في نظر الصغار جميعاً معناه أنهم قد كبروا وقد كانوا يتطلعون بشوق إلى اليوم الذي يكبرون فيه ويصحبون إخوتهم وأخواتهم الكبار إلى المدرسة ويشاركون في هذه الخبرات التي يسمعون عنها من هؤلاء عما يسمى المعلم أو المعلمة والفصل والحصة
…
بدلاً من أن يتعلقوا بهم عند خروجهم في الصباح باكين متوسلين ليأخذوهم معهم فيتركوا لأنهم "صغار" لكنّ دراسات اتجاهات الصغار نحو المدرسة قد كشفت عن أنه " بينما أغلب الصغار يدخلون المدرسة بآمال عريضة وتوقعات كبرى فالكثير جداً منهم يشعرون أنهم قد خدعوا في المدرسة قبل أن يتموا عامهم الأول بالصف الأول.
وقد يكره بعض الأطفال الحضانة أو رياض الأطفال بعد انتظامهم فيها، لكن ذلك أقل بكثير مما يحدث للصغار في كراهيتهم للمدرسة الابتدائية. والسبب في هذا واضح: فالتغير المفاجئ في الحضانة وروضة الأطفال ليس أكبر بكثير مما هو في البيت والأسرة - رغم أن الصغار يلحقون بهما في سن أكثر تبكيراً. أما بالنسبة للمدرسة وفي السنة الأولى منها فالفرق كبير بين جو الأسرة (الوالد والوالدة والاخوة) وجو المدرسة (المعلم أو المعلمة والزملاء
…
) الرسمي الغريب.
ويتوقف حب الصغير للمدرسة وكراهيته لها على أولى خبراته بها. إن تشوقه للذهاب إلى المدرسة ليتبدّد لو أنه - عندما يدخل المدرسة - يجد نفسه غير أهل لما تتوقع منه المدرسة. إذ تطغي حينئذ بسرعة المخاوف ومشاعر النقص وعدم الاستعداد على السرور والابتهاج اللذين طالما حلم بهما الطفل.
ولا يقل خطراً عن عدم الاستعداد للذهاب للمدرسة الإعداد لها بالطريقة الخاطئة. فبعض الآباء - رغبة منهم في تحبيب المدرسة إلى صغارهم، يزينون لهم صورة المدرسة ولو على غير الحقيقة الواقع. فحين يقال للصغير الذي تركه الجميع وحيداً بالبيت إنه حين يذهب للمدرسة سوف يجد زملاء كثيرين يلعب معهم. ثم يتصادف حين يذهب ألا يحب الآخرون اللعب معه. والصغير الذي تؤكد له أمه أنها ستكون عند باب المدرسة للعودة به إلى البيت قبل موعد الانصراف، ثم يتكرر تأخرها في الحضور وهو في انتظارها جائعاً تعباً
…
كيف يحب هؤلاء المدرسة؟
إن البداية الحسنة أو براعة استهلال ذهاب الصغير للمدرسة تأتي أهميتها من أن أول خبرة بالمدرسة - سواء سبقها الإعداد السليم أو الخاطئ أو عدم الاستعداد أصلاً - تشكل كل اتجاه الصغير نحو المدرسة لسنوات قادمة. والخبرة المريرة بالمدرسة تتطور إلى خشية تتزايد عاماً بعد آخر، حتى يجيء الوقت الذي يثور فيه الشاب على والديه طالباً عدم الذهاب لهذه المدرسة ويضطر هؤلاء لإخراجه منها.
من ناحية أخرى، يتوقف تكيف الصغار بالمدرسة على الطريقة التي تستقبلهم بها أول أيام التحاقهم بالصف الأول منها، فنظام المدرسة، وشخصية المدرسين، بصرف النظر عن المعدات المادية لحجرات الدراسة والمواد الدراسية أو جداول الحصص والكتب المقررة
…
الخ هي التي ستهيئ الجو النفسي الاجتماعي اللازم لتوافق الصغير بالمدرسة وحبه لها، وبالتالي نمو شخصيته في المدى البعيد، ونجاحه التحصيلي في المدى القريب. والعلاقات التي تخلق هذا الجو الصحيّ العقلي أو المرضي اللاتوافقي فيما بين المعلم والتلميذ الصغير وزملاء الدراسة هي التي ستحدد للمستقبل ما إذا كانت المدرسة تخرج المواطن الصالح أم الحدث المنحرف.
مؤشرات الأهبة للتكيف المدرسي:
إن خبرة الذهاب إلى المدرسة نقلة كبرى من بيئة البيت إلى بيئة غريبة مختلفة تماماً، ومعنى هذا ضرورة التوافق مع أناس ومواقف وأحوال سلوك جديدة على الصغير ولا عهد له بها بعد. فهل من سبيل لمعرفة متطلبات هذا التوافق قبل سن الدخول للمدرسة للإعداد لها حتى يمر الطفل بخبرتها أكثر سهولة ويسراً؟ وما هي الخبرات قبل المدرسية الأولية؟
أثبتت البحوث أن التلاميذ الذين يرسبون بالصف الأول أقل نضجاً جسمياً من جماعة الناجحين بالصف كما سبق القول فالنضج الجسمي يبدو أنه يتصل بالأهبة للمدرسة.
إن القدرة على إيجاد توافقات بمواقف جديدة يتوقف - في جزء منها - على الذكاء لكن أهم من ذلك خبرات الصغير السابقة في توافقاته. فإلى أن تكون قد استقرت عادات سلوكه الأساسية فيزيولوجياً، وحركياً، واجتماعياً، ينبغي لبيئة الصغير أن تظل من الثبات وعدم التغير قدر الإمكان، وأي تغير ولو طفيف عرضةً لأن يقلب رأساً على عقب الطفل دون الثالثة، أما منذ تلك السن فإن تنويعات الروتين - إن لم تكن كبيرة جداً مفيدة أكثر منها ضارة، لأنها تساعد الصغير على القيام بتوافقات بالظروف المتغيرة التي سوف يتعلم عاجلاً أو آجلاً التعود عليها.
كذلك فكل توافق بأشخاص ومواقف جديدة يصبحه قدر معين من التوتر الانفعالي. والكبار أنفسهم في مواجهة المواقف الجديدة أو القيام بأدوار لم يتدربوا عليها كتسليم الوظيفة، والانتقال لبلد آخر أو السكن بحي جديد مع جيران جدد، والزواج كعشرة شريك الحياة
…
يعانون الشد الانفعالي ويلزمهم الوقت للتوافق - هذا الذي هو أصعب في حالة الطفل بالنظر لقلة خبراته، حيث يتبدّي توتره الانفعالي الحاد بمختلف الطرق التي أكثرها شيوعاً قابلية الإثارة عموماً، الميل للصرّاخ من غير سبب ظاهر، فقدان الشهية، صعوبات النوم، القيئ، نقصان الوزن، اضطرابات الكلام: مضغاً وتهتهة وتمتمة.