الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف أنقذ هذا الطفل من الاغتصاب
؟
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/
الشذوذ الجنسي
التاريخ 16-12-1423
السؤال
مجموعة من شباب الحي المجرمين يغتصبون أحد أطفال الجيران ويمارسون ذلك معه مراراً وهو كاره لكنهم يهددونه بالضرب وبالفضيحة، والأعجب من ذلك أن والد الطفل لا يعلم، والطفل نفسه يخاف من أبيه إذا علم بذلك الموضوع، وعمر الطفل الآن10 سنوات.
سؤالي: ما هو واجبي أنا؟ وهل هناك جوانب في التربية كانت السبب في تلك المأساة؟
أرجو التوجيه جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم
…
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
أيها الأخ الكريم:
إن هذا الطفل في الحقيقة واقع بين ثلاث دوائر كل واحدة منها تعتبر إشكالية بحدّ ذاتها، فالدائرة الأولى هي دائرة ذلك الأب بعنفه وقسوته مع أبنائه حتى بدت المشاكل التي تعصف بهم أهون عليهم من علم أبيهم بها ومن ثم تلقي اللوم القاسي وربما العقاب الأليم.
هذه النوعية التربوية عند بعض الآباء لا يمكن لها أن تولّد إلا أبناءً يغلب الخوف عليهم وتتحطم نفسياتهم وتضعف ثقتهم بذواتهم فلا يستطيع الواحد منهم أن يقول ما يريد أو على الأقل أن يدافع عن نفسه إذا ظُلم أو اعتدى عليه أحد.
الإشكالية الثانية التي يعيشها ذلك الطفل هي ضعفه وخوفه سواء من والده أو من هؤلاء المجرمين فأصبح ألعوبة بأيديهم نتيجة لذلك الخوف عنده وقلة الثقة لديه ودنو همته وما ذلك إلا نتيجة كما قلت إلى نوعية التربية التي تلقاها من والديه، فهذه النفسية جعلته دائم الخوف من والده ونتيجة لذلك رضي بأن ينخرط في ذلك العمل المشين وبأن يكون أداةً يجد العابثون فيها بغيتهم من ارتكاب الفاحشة فيه ويرى أن ذلك أيسر عذاباً وأهون شراً من معرفة والده بحقيقة معاناته.
أما الإشكالية الأخيرة فهي تلك البيئة السيئة وذلك المجتمع العفن وهذا الحي القذر الذي يعيش فيه هذا الطفل والذي ولّد مثل هؤلاء المراهقين المجرمين فأصبحوا هماً لا يطاق على الساكنين وجرماً يجرمون به في حق أنفسهم وحق الآخرين. والإنسان العاقل حينما يشاهد مثل هذا العفن في الحي فالارتحال عنه يكون أنجح وسيلة وأهم طريقة للخلاص بالنفس والأولاد من براثن هذا الوحل الذي تنتشر فيه جراثيم الفاحشة ومعاول الهدم للأخلاق وللفضيلة
أيها الأخ الكريم
إن اهتمامك بهذا الأمر وبهذا الطفل الصغير لهو دليل وعي وشعور بالمسؤولية تجاه أبناء جيرانك وهو أمر تؤجر عليه بإذن الله تعالى والنفع والفائدة تتم إذا واصلت عملك وخلّصت ذلك الطفل من هذا الوحل الذي وقع فيه.
ولذلك فإن الواجب عليك عمله هو القيام بعمل يتكون في الحقيقة من مرحلتين هما في غاية الأهمية:
الأمر الأول هو انتشال ذلك الطفل البريء من بين أيدي هؤلاء الشباب الذئاب المجرمين كما وصفتهم في سؤالك وذلك إما بإيقافهم عند حدهم والتكلّم معهم وتوبيخهم أو بتهديدهم إن لم ينتهوا عن مضايقة ذلك الطفل والاعتداء عليه بإخبار الجهات المختصة والمسؤولة عن مثل هذه القضايا.
وأما الطفل فيجب عليك الالتقاء به والتحدث معه والتحبب إليه بالكلمة اللطيفة والابتسامة الجميلة حتى يرتاح إليك ويثق بك ومن ثم يسهل عليك مصارحته بأفعاله وإعطائه جرعة أكبر من الثقة بالنفس ليثق في نفسه وتعلوا همته ومن ثم يستطيع رفض مطالب هؤلاء المجرمين وكراهيتهم وأنهم لا يستطيعون إخافته أو تهديده.
المرحلة الثانية من العلاج وهي مرحلة متأخرة عن الأولى قليلاً خاصة إذا رأيت تمادياً في ذلك العبث وهذا الجرم بحق هذا الطفل وهو التدخل في الأمر وإيصال خبره إلى والد الطفل فهذا من الأمانة ومن حقه عليك كأخ مسلم لك.
دورك هنا ليس فقط إيصال الخبر للأب بل بالجلوس معه ومناقشته والتوضيح له أن أسلوب العقاب والزجر القاسي الذي يتبعه مع أبنائه هو الذي أوجد مثل هذه المشكلة إذ لو كان هذا الطفل لا يخاف من أبيه لأخبره بالأمر من حين البداية وقبل الدخول إلى أوحال اللواط والفاحشة. إن شدة الأب وقسوته يجب أن تتغير وتتبدل إلى اللين والمفاهمة والمناقشة مع الأبناء كي يشعروا بالأمان معه وليس بالخوف والفزع والرهبة منه.
هذه المفاهيم يجب عليك إيصالها إلى ذلك الأب كي يتعدل سلوكه ويحنوا على أولاده إذ القسوة لم تكن أبداً وسيلة تربوية ناجحة مع الأولاد.
شكر الله لك سعيك ووفقك.
وأعلم وفقك الله أن مشكلة اللواط من المشاكل التي توجد في الكثير من المجتمعات وعلى مر التاريخ حتى أن الله سبحانه وتعالى أرسل أحد رسله إلى قومه لا لشيء إلا لعلاج هذه المشكلة التي أصبحت بحكم الظاهرة المشاهدة والمتفشية في كل مكان وعند كل مجموعة من الأفراد في ذلك المجتمع المريض، أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه لوطاً عليه الصلاة والسلام إلى قومه لأنهم بانحراف طباعهم جاءوا بشيء لم يسبقهم إليه أحد وهو فاحشة اللواط والتخلي عن الاستمتاع بالنساء بل المتعة لا يرونها إلا في هذا العمل المشين.
وقد ظلت النظرة إلى هذا العمل نظرة ريبة ومقت وازدراء في كثير من المجتمعات لما تتسم به من مخالفة ظاهرة وواضحة للفطرة السليمة التي خلق الله الخلق عليها، ولذلك بقيت هذه الفاحشة محل تستر وخفاء ومكان مظلم لا يجرؤ الإنسان المنحرف أو الشاذ إلى فعله إلا مختفياً عن الأنظار ومبتعداً عن الضوء كي لا يفتضح أمره أمام الملأ، ولشدة مقتها وبعدها عن النظرة السليمة والخلق المستقيم والذوق المعتدل قد لا يتصور الإنسان النظيف أنه يمكن أن تكون لديه الشهوة الجنسية مع إنسان ذكر، ولذلك يقول عبد الملك بن مروان " والله لولا أن أمر اللواط " الشذوذ الجنسي" ورد ذكره في القرآن لما صدّقت أن ذكراً يعلو ذكراً " ولسوء هذه العلة القبيحة كان جزاء المرتكب لها في جميع الأديان هو القتل إذ هو يعتبر كالجرثومة التي تنخر في جسد الأمة وفي جسم المجتمع ولا صلاح لها إلا بالخلاص منه واجتثاث أصوله.
وفي هذا الزمن ومع انتشار الحرية المغلفة بالديمقراطية ومن ثم الموجات التحررية المتتالية التي نشأت في المجتمعات الغربية وكإحدى ثمار الحداثة وما بعد الحداثة النافية للحقيقة المطلقة وأنه لا أحد يمتلك الحق وما يكون حقاً في نظر الإنسان قد لا يكون هو الحق بذاته أو هو حق عند الآخرين وعليه فكلٌّ له الحق في عمل ما يريد وما يشاء حتى ولو كان ذلك العمل فيه اعتداء على الفكر أو الدين أو الأخلاق أو الفطرة السليمة. ونتيجة لذلك برز الشذاذ في المجتمعات الغربية وعلا صوتهم بعد أن كانوا مقموعين ومنبوذين وشكلوا الجمعيات باسهم وأنشئوا الرابطات التي تجمعهم وتتكلم باسمهم بل وتناضل من أجلهم، ثم ما لبثوا أن اخترعوا أمراً جديداً وهو محاولة التلبيس على الآخرين بأنهم ليسوا شذاذاً، واللواط إنما هو أمر فطري خَلقي " بفتح الخاء" بمعنى أن الميل نحو نفس الجنس ليس ناشئاً بسبب انتكاسٍ في الفطرة أو الخُلُق بقدر ما هو استجابة لنوعية معينة من الهرمونات الموجودة في الجسد بحيث تجعل صاحبها لا يميل جنسياً إلى الجنس الآخر بل إلى نفس الجنس، وكل هذا لا لشيء إلا لمحاولة إبراز الشاذين إلى المجتمع كأسوياء، والتخلص من نظرة الناس الطبيعيين السيئة تجاههم المستقبحة لفعلهم والماقتة لشذوذهم.
يقول الدكتور منتصر أبو الهيجاء في رسالة له إلى هذا الموقع حول هذا الموضوع " وأفيدكم بأنه لم يثبت طبياً أن للهرمونات علاقة بهذا المرض الأخلاقي العضال والذي يكون سببه الرئيسي هو الانحلال الأخلاقي لا غير " انتهى كلامه.
ويعضد هذا الكلام أن نسبة كبيرة من الشذاذ لا يكون تلذذهم الجنسي إلا تجاه الأطفال من الذكور ويكرهون الكبار ولو كان الأمر مسألة هرمونات لتساوى الأمر. أيضاً الشاذ في أغلب الأحوال يتمتع بالنظر واللمس وليس الاتصال الكامل مع الأطفال الذكور وهذا يدل على أن المسألة هي مسألة بحث عن جمال وحسن منظر وقد تعمق لدى الشاذ أنها موجودة في ذلك الطفل فلا تحصل له المتعة الجنسية والشهوة الغريزية إلا حينما يديم النظر إليه أو يقترب منه ومن ثم ارتكاب الفاحشة معه.
أما عن أسباب الوقوع في هذه الخاصية المقيتة وهذا الخلق السيئ فكثيرة جداً لعل أبرزها:
أولاً: عدم الخوف من الله والتورع عن معصيته وإذا ما أمن الإنسان عقوبة الله ولم يخف منه عمل الشنائع وصنع الأهوال.
ثانياً: وهو في نظري مفتاح الولوج إلى هذه الآفة وهي النظر المتتابع وإطلاقه على من حباه الله الجمال وحسن المنظر، فالإنسان إذا لم ينه نفسه ويزجرها عند بداية وجود ذلك الهاجس لديه تجاه الآخر نمى ذلك الحس عنده حتى يصبح في قلبه كالجبل فلا يستطيع له حراكاً ولا يرى لنفسه لذةً إلا بالوصال مع ذلك الإنسان واقتراف الفاحشة معه والعياذ بالله.
وكذلك أيضاً نوعية الجلساء والخلان والأصدقاء ونوعية التربية المتلقاة في البيت وفي المدرسة وكذلك البيئة المحيطة بالإنسان مثل الجيرة والحي وتفشى هذه الفاحشة القبيحة فيه كلها عوامل وأمور مساعدة على إمكانية ولوج الشاب إلى هذا العالم الفاسد والعفن.